Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طهران تنجو بنفسها في ثياب "الغموض الاستراتيجي"

محلل سياسي إيراني أكد في حوار مع "اندبندنت عربية" أن إيران لم تكبل "حزب الله"... وهكذا رد على المخاوف من استهداف إسرائيل خامنئي بعد إرسال صواريخ على تل أبيب

المحلل السياسي الإيراني محمد صدقيان يرى أن "بيئة لبنان المعقدة" ساعدت في اختراق "حزب الله"(وسائل التواصل)

ملخص

التصعيد في جنوب لبنان له تداعيات أيضاً على الداخل الإيراني، وسط الشعور بقلق متزايد من إمكان استهداف شخصيات بارزة داخل إيران، مثل الرئيس إبراهيم رئيسي سابقاً أو حتى المرشد الأعلى علي خامنئي، ولذلك يشير مدير المركز العربي إلى أن "الإيرانيين يتوقعون كل شيء من إسرائيل".

أظهرت الأحداث التي أعقبت التصعيد بين إسرائيل و"حزب الله"، انطلاقاً من معركة "البيجر" حتى اغتيال أمين الحزب ورفاقه، تحولاً كبيراً في الموازين والأفكار التي ظل الناس يؤمنون بها لسنوات، مثل حجم قوة الحزب الأصولي، وأيضاً طبيعة علاقته بإيران.

وللإجابة عن التساؤلات المحيطة بهذا الملف والمشهد المحيط به، كشف مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان في حوار مع "اندبندنت عربية" عن أن بلاده اختارت أن تمارس سياسة "الغموض الاستراتيجي" في تعاطيها مع الملف اللبناني، بعد التصعيد الذي بدأ بتفجير "البيجر" في عناصر "حزب الله"، مما قال إنه "أربك إيران وحزب الله معاً، فكان لا بد من إعادة تقييم العلاقة وطريقة التفاعل".

لكن الخبير الإيراني الذي يصنف أحد أوجه النظام على رغم ظهوره في صورة مستقلة، استبعد أن يكون الاختراق الاستخباري الذي فاجأ المراقبين بعد تفجيرات "البيجر" نجم عن خطأ إيراني، "فإن كان من خطأ أدى إلى ما حدث من اغتيالات صعبة، فإن علينا أن نراجع التركيبة اللبنانية المعقدة، قبل السؤال عن دور إيران في الموضوع".

"حزب الله" كبل نفسه لا إيران لهذا السبب

ولدى نقاشه في تبعات ذلك الاختراق، وهل يدفع إلى ثورة غضب من المكون الشيعي في لبنان ضد إيران، سخر صدقيان من هذه المقاربة، وقال "النقد المرصود موجه لحزب الله من بيئته بسبب التكلؤ في استخدام ترسانته العسكرية في خوض الحرب وليس إيران"، مشيراً إلى أن الأخيرة قامت بما تعتقده واجباً، وهو تزويد حلفائها بكل ما تحتاج إليه من التسليح، "أما كيف يستخدمون، ومتى وأين، فإن تلك الحدود هم من يخطها وليس طهران".

ورجح أن الحزب هو الذي تجنب التصعيد "لأن قيادته لم تكن راغبة في توجيه مزيد من الضغط ضد السكان المدنيين، لأنه لا يريد تحميل المدنيين فوق طاقتهم ولا يريد توسيع نطاق الحرب".

في غضون ذلك أكد صدقيان في حديثه مع "اندبندنت عربية" أن العلاقة بين إيران و"حزب الله" وبقية وكلائها في المنطقة سواء في العراق أم اليمن أم فلسطين، "ليست كما يتخيل بعضهم ولا سيما في المنطقة العربية، ليست هناك تبعية بالمعنى المطلق، ولا فرض المعارك بخوضها أو تركها"، في إشارة إلى نفي التهم الرائجة بأن إيران هي من كبلت "حزب الله"، واختارت تجنب التصعيد ضد إسرائيل لتنجو بنفسها، بعد أن استيقنت انكشافها قبل الحزب استخبارياً، إثر قدرة إسرائيل على استهداف داخلها مراراً في عمليات عسكرية، أكثرها إحراجاً للنظام "اغتيال هنية" ضيفه.

"كوشنر يحلم" على لسان نتنياهو

لكن صدقيان نفى أن يعني ذلك التبرير الذي جاء على لسان طهران التخلي عن "حزب الله"، "لكنها تمارس الغموض الاستراتيجي، بعد وقت مما كان معروفاً بالصبر الاستراتيجي الذي عرف به صناع السجاد، وعلينا أن ننتظر الأيام والأشهر المقبلة لنرى كيف سيكون الرد الإيراني بالطريقة المناسبة، أما أن ترد لأن نتنياهو أراد استدراجها لحرب معها يورط فيها أميركا كذلك، فهذا ليس وراداً".

ولا يعتبر مراقبون رد طهران في أبريل (نيسان) والأخير ضد مقتل نصرالله وهنية جدياً، إذ لم يخلفا أية خسائر، وجاء على الأرجح منسقاً مع واشنطن وتل أبيب.

أضاف أن "إيران ليست متسرعة والتفكير يأخذ منهم طويلاً، حتى أن بعض هذا التفكير الطويل ربما يكون مكلفاً بالنسبة إلى الإيرانيين، لكنهم هكذا يصنعون السجاد لمدة 10 سنوات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت إيران اليوم الأربعاء إن هجومها الصاروخي على إسرائيل انتهى ما لم تحدث استفزازات أخرى، في حين توعدت إسرائيل والولايات المتحدة بالرد على هجوم طهران مع تصاعد المخاوف من اندلاع حرب أوسع نطاقاً.

ولم تعلن تل أبيب حدوث أية خسائر جراء الهجوم الذي وصفه سكان في الإقليم المحتقن ضد إسرائيل وإيران معاً بـ"الدعائي والهزلي"، بوصفه لم ينجم عنه سوى قتيل واحد في أريحا الفلسطينية. لكن مع ذلك قالت واشنطن إنها ستعمل مع حليفتها إسرائيل للتأكد من أن إيران ستواجه "عواقب وخيمة" بسبب الهجوم الذي وقع أمس الثلاثاء، وقالت إسرائيل إن طهران أطلقت خلاله أكثر من 180 صاروخاً باليستياً.

وبإيراد حديث مستشار الرئيس الأميركي السابق جاريد كوشنر عن فرصة مواتية بنزع سلاح "حزب الله" بعد الضربات التي أضعفته، علق بأن "صهر ترمب يتكلم نتنياهو على لسانه ويحلم، ولكن الواقع ليس بذلك السوء. نعم هناك استهداف كبير، لكن المعركة لم تزل في أولها".

وكان كوشنر دعا في منشور على منصة "إكس" إلى اغتنام الفرصة التي يراها مواتية الآن لتجريد "حزب الله" من سلاحه، "لأن إيران الآن مكشوفة بالكامل. السبب في أن منشآتها النووية لم تدمر، على رغم ضعف أنظمة الدفاع الجوي، هو أن حزب الله كان بمثابة السلاح الجاهز الموجه نحو إسرائيل".

وبعد تفجير أجهزة الاتصال التي أفقدت الحزب نحو ثلاثة آلاف من عناصره القدرة على القتال نتيجة فقدانهم لأعضاء حيوية مثل الأعين والأيدي، تحولت الأنظار إلى التكتيكات العسكرية الإسرائيلية، إذ تم اللجوء إلى الحرب السيبرانية وتقنيات "الجيل الخامس من الحروب"، التي لم يستطع الحزب مجاراة إسرائيل فيها.

أضاف صدقيان "إسرائيل لجأت للحرب السبرانية لتفادي المواجهة المباشرة مع حزب الله على الأرض، وهو جزء من استراتيجيتها لتجنب تكبد خسائر بشرية كبيرة"، مرجحاً أن "إسرائيل خططت لهذه العمليات لسنوات" وأن الحرب السيبرانية، جنباً إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي، لعبت دوراً محورياً في هذه الهجمات.

هذا التحول في نمط الحرب يعد تطوراً كبيراً في الصراع بين الجانبين، إذ تعتمد إسرائيل الآن على تقنيات متقدمة للتغلب على "حزب الله"، الذي يعتبر مستعداً للمواجهة التقليدية على الأرض.

وفي شأن الشرخ الذي يمكن أن يحدثه الاعتقاد بأن إيران تخلت عن "حزب الله"، رأى صدقيان عكس ذلك لعلاقة قال إنها تمتاز بالاستراتيجية المتينة التي تجمعهما.

ووفقاً للباحث الإيراني فإن "حزب الله يتخذ قراراته الميدانية بصورة مستقلة عن إيران، على رغم أن الأخيرة توفر له الدعم اللوجستي والمعلومات الاستخبارية"، هذه العلاقة تعكس الثقة الكبيرة بين الطرفين، إذ منح "حزب الله" صلاحيات تقدير الموقف ميدانياً وفقاً للأحداث المتطورة على الأرض.

التأثيرات في الداخل الإيراني

التصعيد في جنوب لبنان له تداعيات أيضاً على الداخل الإيراني، وسط الشعور بقلق متزايد من إمكان استهداف شخصيات بارزة داخل إيران، مثل الرئيس إبراهيم رئيسي سابقاً أو حتى المرشد الأعلى علي خامنئي، ولذلك يشير مدير المركز العربي إلى أن "الإيرانيين يتوقعون كل شيء من إسرائيل، ولا سيما أنها تستفيد من دعم مباشر من الولايات المتحدة في تنفيذ هذه العمليات"، مشيراً إلى أن هذا الدعم قد يشمل تقديم معلومات استخبارية وتقنيات متقدمة لإسرائيل.

وكان مدير قناة "العربية" رئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية سابقاً الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد نبه، في حوار مع بودكاست "سقراط"، إلى أن الضربات التي تلقاها "حزب الله" يصعب أن يعود بعدها لسابق عهده، لكن حذر من الاعتقاد بأن التفوق العسكري الإسرائيلي في الميدان سواء باستهداف الداخل الإيراني أم أذرعها في الخارج يوهم بأن إيران ليست قوية عسكرياً، فهي لديها بنية تحتية صاروخية صلبة ومسيرات وخبرة في إدارة حروب الميليشيات العابرة للحدود.

لكن كوشنر لفت إلى أن صلابة النظام الإيراني نراها فقط "عندما يتعلق الأمر بتعريض حياة حماس وحزب الله والسوريين والحوثيين للخطر، وليس حياتهم هم (كإيرانيين)، فإيران كما قال ترمب: لم تربح حرباً أبداً، لكنها لم تخسر مفاوضة أبداً".

أجواء الصفقات

ومع أن إيران عقدت صفقات سرية عدة مع الغربيين والروس، إلا أن صدقيان يستبعد أن يكون التخلي عن "حزب الله" أو الاستسلام جزءاً من أية صفقة، وذلك في أعقاب تساؤل محللين عما يمنع إيران من النظر إلى موازين القوى بواقعية، بدلاً من تأجيج الصراع في المنطقة.

وقال "قبلنا بكل المشاريع التي طرحت من أجل حل القضية الفلسطينية، فهل وضعنا يحسد عليه؟ عندما نرى فلسطينيين يقتلون بهذا الشكل، ماذا كانت النتيجة بعد 75 عاماً؟".

ويرفض أن يكون إشعال أحداث السابع من أكتوبر كان برغبة إيرانية لإفساد تطبيع إسرائيل مع السعودية، إذ كان مشروطاً ولا يزال بإقامة دولة فلسطينية، ورجح أن تل أبيب لن تفي بالتزام "حل الدولتين".

على رغم تردي الأوضاع في المنطقة بعد هجمات أكتوبر، إلا أن المحور الإيراني لا يزال يكابر، ولا يقر بأن الوضع السابق، حتى من دون آمال الحل الوشيك للقضية، أفضل بمراحل من الذي آلت إليه التطورات بعد تلك المغامرة، التي دفع المدنيون ضريبتها الأكبر، وهم بين قتيل ومشرد أمام آلة إسرائيل العسكرية الغاشمة.

المزيد من حوارات