ملخص
تتسم مناظرة المرشحين لمنصب نائب الرئيس بأهمية غير معتادة هذا العام، إذ أظهر جي دي فانس أداءً قوياً ومقنعاً مقارنة بتيم وولز، مما قد يؤثر في آراء الناخبين. ووسط التقارب في استطلاعات الرأي، قد تكون هذه المناظرة نقطة تحول في الحملة الانتخابية.
ثمة رأي شائع كثيراً مفاده بأن المرشحين لمنصب نائب الرئيس لا يكون لهما عادة تأثير كبير في النتائج ضمن الانتخابات في الولايات المتحدة، وأن المرشح للمنصب الرئاسي هو من يحدد خيار الشعب في التصويت إلى حد كبير.
وتمتد هذه الحجة أيضاً إلى مجموعة المناظرات بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس. وفي حين يعتبر أن المناظرات التلفزيونية الرئاسية بين مرشحين تؤثر في تغيير قواعد اللعبة، تبدو المناظرة بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس أنها واجب [بحد ذاته]، بدلاً من أنها أمر قد يحدث فارقاً فعلياً في النتيجة النهائية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن في انتخابات هذا العام قد تكون الأمور مختلفة لثلاثة أسباب. السبب الأول هو أن المناظرة التلفزيونية بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس أدت إلى ظهور منتصر واضح فيها، وربما كان لها إمكان تغيير تصورات الجمهور المتابع. أما السبب الثاني، فهو أنه ثمة اختلاف في ما يتعلق بانتخابات هذه السنة أدى إلى وضع المرشحين للفوز بمنصب نائب الرئيس في الإطار بصورة أكبر من المعتاد، والسبب الثالث هو شدة التقارب في هذا السباق [وفق نتائج استطلاعات الرأي].
إن الفائز الواضح في المناظرة التي جرت ليل الثلاثاء الماضي، كان المرشح لتولي منصب نائب دونالد ترمب، جي دي فانس. من السؤال الأول ــ المتعلق بالنزاع المتصاعد في الشرق الأوسط ــ بدا فانس أكثر سلاسة، وأكثر قدرة على التعبير عن أفكاره، وعلى معرفة أقوى بتفاصيل الأمور من المرشح لمنصب نائبة الرئيس كامالا هاريس، تيم وولز.
ربما كان وولز سيئ الحظ لأن السؤال الأول كان ــ وعلى عكس المعتاد ــ عن السياسة الخارجية، فبدا وكأنه تفاجأ به، ولم يكُن ذلك مؤشراً جيداً صادراً عن شخص يقدم نفسه على أنه القدوة "في سرعة التأقلم والتدبير". في هذا السؤال وغيره، بدا وولز متردداً ويبحث عن الكلمات. وقد فشل، لا سيما عندما تم الضغط عليه في مسألة ما إذا كان ــ كما كان قال في وقت سابق ــ زار الصين بالفعل، في حقبة مذبحة ساحة تيان أنمين. وفي النهاية، اضطر إلى الاعتراف بأنه ربما "أخطأ في الكلام".
إضافةً إلى ذلك، اضطر وولز مرات عدة إلى العودة لأفكار محضرة سابقاً، مستشهداً بما كانت قالته كامالا هاريس. وربما كان ذلك ليضيف بعض الوفاء لهاريس، لكن ترك كثيراً من الشك في شأن استقلاليته. لكن وولز بدا واثقاً من نفسه بصورة أكبر عندما عدّد السياسات التي كان قد قدمها عندما شغل منصب حاكم ولاية مينيسوتا ــ وأدى ذلك إلى زيادة ثقته فيما تقدمت المناظرة، لكن أداءه في الفترة المبكرة أدى إلى طرح التساؤلات حول مدى الارتياح الذي قد يبديه في تعاطيه السياسي مع الشؤون الوطنية مقارنة بالشؤون المتعلقة بالولايات.
ربما تنفس فريق المرشحة هاريس الصعداء لأن تلك المناظرة كانت الوحيدة المجدولة بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس ــ وأن الاقتراع المبكر كان قد بدأ بالفعل، بالتالي لن يتأثر الناخبون بنتائجها. من الواضح أن وولز هو مرشح أكثر قوة بوصفه قادراً على تقديم أداء فاعل ــ نسبة إلى خبرته كمدرب لكرة القدم في المدارس، مما يقوم بدور مهم [في تكوينه]، إذ يمكنه أن يكون جذاباً بصورة إنسانية مباشرة في تعاطيه مع جمهور يحضر الفعالية الحية ــ على نحو أكبر من وجوده في استوديو تلفزيوني من دون جمهور. وقد يمكنه التعويض عن التراجع هذا في الشهر الباقي على الحملات الانتخابية، ولكن بعض الضرر ربما يكون لحق به في كل الأحوال.
وذلك الضرر ربما فاقمه أيضاً واقع أن منافسه، أي، جي دي فانس، نجح في خلق أثر أكثر إيجابية مما كان توقعه كثير من أخصامه. فهو كان ظهر في المناظرة على أنه متحدث جيد ولبق وذكي في النقاشات. وفي المناظرة بدا فانس أيضاً أنه شخص مهذب ومعتبر على نحو قد يسمح بإزالة الصورة السلبية التي التصقت بشخصيته حتى الآن ــ بوصفه شخصاً ريفياً يفتقد إلى الرقي، ومحافظاً ملتزماً، وهو لا يمكنه أن يكون أكثر من بوق من أبواق السيد ترمب.
نجح فانس مثلاً في تقديم موقفه بخصوص مسألة الإجهاض ــ وهو موضوع ينظر إليه على أنه نقطة إيجابية بالنسبة إلى المرشحة هاريس، خصوصاً بين الناخبين من النساء ــ بصورة أكثر موضوعية مما بدا عليه حتى الآن. ونفى أنه يرغب في تشريع منع الإجهاض، موضحاً موقفه أكثر من وجهة نظر أنه حق على مستوى الولايات (وهو تحديداً موقفه من قانون "رو ضد وايد")، بدلاً من تصويره مسألة أخلاقية مرتكزة في الأساس على عقيدته الدينية الكاثوليكية. فهل سيؤدي ذلك إلى التأثير في بعض الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم؟. الأمر محتمل.
قد يصعب على كثيرين بالتأكيد النظر إلى ما هو أبعد من تصرفاته في الحملات الانتخابية التي أجراها حتى الآن، مثل الكذبة التي أطلقها أن المهاجرين من أهل جزيرة هايتي في منطقة سبرينغفيلد، في ولاية أوهايو، يأكلون الحيوانات الأليفة التي يملكها أهالي المنطقة. وقد يرى هؤلاء أيضاً أن أداءه الذي خالف جميع التوقعات بجودته، كان [مجرد] محاولة لغسل سمعة رئيسه ــ إذ بدا تقديمه لبعض مواقف السيد ترمب، وملاحظاته السابقة، أنها عمل كريم منه في أفضل الأحوال. وعلى رغم ذلك، إن تلك المناظرة لم تكُن مثل المناظرة بين ترمب وهاريس التي اعتبرت كارثية بالنسبة إلى المرشح الجمهوري بحسب تقييم بعضهم لها.
أما السبب الثاني لما يمكن أن تحدثه هذه المناظرة من فرق، فهو أن المرشحين لمنصب نائب الرئيس من الجانبين، أصبحا باديين في الإطار بصورة أكبر مما هو معهود، وهما يتشاركان في كثير من الأمور. فالاثنان ينتميان إلى خلفيات متواضعة، إذ يتحدران من المناطق الداخلية في الولايات المتحدة الأميركية ــ السيد وولز الذي ترعرع في مزرعة في ولاية نيبراسكا، وانتقل إلى ولاية مينيسوتا، فيما يتحدر فانس في الأساس من ولاية كنتاكي، وترعرع بصورة كبيرة في ولاية أوهايو. لقد كانت الأوضاع المادية في عائلتي المرشحين متواضعة، وخدما في صفوف الجيش الأميركي ــ خدم وولز في الحرس الوطني، وفانس في قوات مشاة البحرية ــ والاثنان استفادا أيضاً من قانون مساعدة عناصر الجيش كوسيلة للحصول على [منح تخولهما] الدراسات الجامعية العليا. وهذه الخلفية تمنحهما قصة جذابة تشد كثيراً من الأميركيين.
وهما أيضاً متناقضان في كثير من الأمور التي تتعلق بالمرشح الرئاسي الذي يترشحان لمنصب نيابته ــ المرشحة هاريس تأتي من خلفية مهنية من ولاية كاليفورنيا، فيما أن السيد ترمب هو قطب قطاع الأعمال المعروف والشخصية الاستعراضية والشخصية المخادعة ــ وقد تم اختيارهما بجزء منه "لموازنة" اللائحة، والتعويض عن نواقص المرشحين الأساسيين المعروفة. لكن اختيارهما ينعكس أيضاً على المرشحين الرئاسيين، وهو بمثابة امتحان مبكر لقدرتهما على اختيار الأشخاص [القادرين على الاضطلاع بالدور المناط بهم].
إن الحكمة التقليدية كانت تقول إنه فيما كان وولز قيمة مضافة بالنسبة إلى هاريس، فإن وجود فانس بدا أمراً مهدداً لبطاقة السيد ترمب ــ ليس أقله بسبب أنه قد تم اختياره ليبدو أنه أفضل من جو بايدن، قبل أن تصبح السيدة هاريس المرشحة الديمقراطية. لكن أداءه في المناظرة التلفزيونية أسهم في مخالفة ما كان متوقعاً من تلك النظرية لأنه برهن على أنه أكثر مرونة وأكثر هدوءاً، وهو صريح وفظ على نحو أقل مما بدا عليه خلال فعاليات الحملات الانتخابية التي شارك فيها.
من الناحية الأخرى، قامت هاريس باختيار وولز، مع معرفتها الكاملة بأنها كانت تواجه ترمب وفانس، وهي كانت بحاجة إلى شخص لا يأتي من خلفية مدينية، ولديه لمسة شعبية في تعاطيه مع الأمور. الأمر السلبي هنا، وقد أصبح واضحاً الآن، هو ما يتعلق بمدى جاهزيته- من عدمها ــ لخوض غمار التحديات الكبيرة على المسرح الكبير.
وقد يلاحظ بعضهم أن أجواء تلك المناظرة كانت حقيقية وأبدى فيها الطرفان الاحترام بصورة مختلفة تماماً عما بدت عليه مناظرة ترمب مع هاريس. والمناظرة اختتمت بمصافحة دامت طويلاً، وتخللها على ما يبدو تبادل بعض الكلمات الدافئة بين الرجلين. ولكن، ومجدداً، قد يكون فانس هو الكاسب بصورة أكبر من تلك المناظرة، على نحو يخالف صورته المرسومة في بعض الأوساط على أنه وببساطة هو الكلب المسعور [على بطاقة ترمب].
وخلال المناظرة نفسها، كان فانس هو الذي نجح في إظهار نوع من الجاذبية، فيما بدا وولز وكأنه يبذل جهداً كي لا تظهر شخصيته المعروفة بلطفها والمريحة للآخرين. قد تكون هناك فوائد من الظهور بمظهر الشخصية الحازمة في المناظرات التلفزيونية في الولايات المتحدة، ولكن هناك بالتأكيد فارقاً بين أن تبدو صارماً، وبين أن تظهر كشخص لا يمكن التقرب منه. إن الجانب الإنساني في شخصية وولز، كان ظهر بنسبة أقل خلال الـ90 دقيقة من مدة المناظرة، مقارنة بظهوره الطبيعي بصورة عامة خلال 10 دقائق وسط المناسبات الانتخابية.
إن تلك الانطباعات المتضاربة قد يكون لها تأثير مهم. لأنه ــ وهنا يأتي السبب الثالث لأهمية تلك المناظرة ــ وهو التقارب في أداء المرشحين في السباق الانتخابي لهذا العام. من البداية المتأخرة، وإلى حد ما لأنه شخصية غير معروفة كمرشح لنيابة الرئيس، نجحت كامالا هاريس في القيام بمعجزات للحاق بدونالد ترمب، وحتى التقدم عليه في استطلاعات الرأي. ولكن كل شيء لم يكن سهلاً ومن دون تعقيدات، فأداؤها السياسي، خصوصاً مدى معرفتها بالسياسات الاقتصادية، لا يبدو أنها دائماً تعكس كثيراً من الثقة، وربما هي تعاني نقصاً في الخبرة التي يكتسبها عادة معظم المرشحين الناجحين في الفترة التي يقضونها خلال خوضهم غمار عملية الانتخابات التمهيدية التي تدوم طويلاً والتي لم تخُضها هاريس هذه المرة.
من الجانب الآخر يبدو أن دونالد ترمب يشعر من جديد بالثقة في ما يتعلق بأدائه، بعدما كان تفاجأ بمسألة انسحاب بايدن وبسبب محاولتي الاغتيال اللتين تعرض لهما. وها هو من جديد يعقد التجمعات الجماهيرية الكبيرة، ويجيب عن أسئلة المعجبين به بطريقته التي لا يمكن تقليدها. وربما لا يمكننا أن نكرر التنبيه كفاية إلى المدى الذي يمكن فيه لاستطلاعات الرأي الوطنية أن تكون مضللة. فالانتخابات سيتحدد الفائز فيها من خلال طريقة تصويت الناخبين في ما يعرف بالولايات "المتأرجحة" أو ولايات "المواجهة الرئيسة"، حيث وكالمعتاد يتم الفوز في السباق أو خسارته. قد يمكنكم أن تنتقدوا نظام المجمع الانتخابي، ولكنه يعود للموفدين من كل ولاية، وليس لنسبة التصويت الشعبي، تقرير نتيجة الانتخابات في الولايات المتحدة، وفي هذا السياق لا تزال الساحة مفتوحة على مصراعيها قبل تمكن أي كان من الظفر بها.
إذا كتب لترمب الفوز فيها، فسينسب إلى نفسه كل الفضل. لكن ومن خلال إعادة ضبط نبرته من أجل المشاهدين عبر قنوات التلفزيون، هل يكون المرشح جي دي فانس نجح في إزالة "سمية" المبالغات في سياسات المرشح للرئاسة، ونجح في أن يكون مقنعاً "لمن لم يحسموا خياراتهم" بين الناخبين، باعتبار أنه ليس الشخصية المخيفة التي اعتقدوا في السابق بأنه يمثلها؟ وهل سيكون ذلك كافياً لتميل الكفة لمصلحته؟. خلال أسابيع قصيرة سنحصل على الإجابة.
© The Independent