Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مذكرات بوريس جونسون: التضليل والاستياء ومزيد من الأكاذيب

في سرده الصفيق والمتوقع للأحداث والممتد على 772 صفحة يتجاهل رئيس الوزراء السابق الحقيقة ليصور نفسه بصورة مبالغ فيها كرجل قدري، أفضل مما ينبغي لدرجة أن إخفاقاته تبدو وكأنها نتاج فضائله.

إن اعتراف جونسون بـ"الهفوات" يعد أقرب ما يكون إلى لحظة اكتشاف الذات (رويترز)

ملخص

في مذكراته "إطلاق العنان" يتجنب بوريس جونسون تحمل المسؤولية عن أخطائه عندما كان في الحكم، مما يظهره على أنه يفضل التهرب من الحقائق الصعبة المتعلقة بمسيرته السياسية. ويفتقر الكتاب إلى العمق ويبدو وكأنه مجموعة من القصص المبالغ بها التي لا تعكس الحقيقة بصورة دقيقة.

نظراً إلى افتقاري إلى التعليم الكلاسيكي الراقي الذي يفخر به كثيراً بوريس جونسون في مذكراته غير الموثوقة "إطلاق العنان" Unleashed، لا أملك أدنى حد من الجرأة لاقتباس نقيض للعبارات اللاتينية التي يتباهى بها، مثل "mea culpa" والتي تعني "خطئي أنا" أو "ذنبي أنا"، لذا علينا الاكتفاء باللغة الإنجليزية واقتراح عنوان بديل للكتاب هو "لست أنا يا سيدي". ولم يتم تفويت أية فرصة في الكتاب لتفادي اللوم، ولم يفلت أي كبش فداء من المذبح ولم تعترض أية حقيقة غير مريحة طريق الرواية التي رسمتها رفيقة جونسون القديمة نادين دوريس وكأنها سقوط مأسوي من العز كما في المسرحيات الشكسبيرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا الكتاب كما في مسيرته السياسية، يقارن جونسون نفسه باستمرار بشخصيات على غرار يوليوس قيصر وبريكليس وسينسيناتوس وغيرهم. وعن سقوطه من منصبه وانهيار إدارته من حوله يقول إنه عندما قرأ استقالة وزير الخزانة آنذاك ريشي سوناك المكتوبة بـ"نثر ثقيل" بحسب وصفه، والتي مثلت نهاية مسيرته من وجهة نظره "تمتمت، بيني وبين نفسي في الأقل ’حتى أنت يا بروتوس‘. إذا كان قيصر تلقى 23 طعنة فأنا تلقيت 62، في إشارة إلى عدد الوزراء الكبير الذين غادروا حكومتي على خطى ساجد جويد [وزير الصحة آنذاك] وريشي سوناك..." يا لها من مأساة، أليس كذلك؟

في الواقع وكما ندرك جميعاً بالتأكيد، يبدو جونسون أقرب إلى تلك الشخصيات الأرستقراطية المزيفة المتأنقة التي قد نصادفها في روايات ديكنز أو مسرحيات أوسكار وايلد أو راتيغان. وفي أفضل الأحوال قد تناسبه شخصية محتال ظريف، ذلك النوع من الشخصيات التي يقول عنها معجبوه "قل ما تشاء عن بوريس، لكن...". أما في أسوأ حالاته وهو السيناريو الأكثر شيوعاً فهو رجل يفضل التهرب من مواجهة الحقيقة، سواء في ما يتعلق بالأضرار التي خلفها بريكست على البلاد، أو الأرواح التي أزهقت بسبب تردده الكارثي في مواجهة وباء كورونا، أو حقيقة أنه تلقى غرامة بسبب تجاوزه القانون وأنه كذب بصورة متكررة أمام البرلمان.

يجسد كتاب "إطلاق العنان" نوعاً من المضمون الفاضح والمسيء الذي يفيض كما هو متوقع بالمبالغات والتبريرات الذاتية. ومن البديهي أن الهدف الأساس من أية مذكرات لرئيس وزراء هو حماية سمعته أو محاولة إعادة تلميعها، كما هي الحال مع معظمهم. وأحياناً يفضل بعضهم عرض وجهة نظره مبكراً تماماً كما فعل ونستون تشرشل عندما سارع لإطلاق أعماله التاريخية الضخمة المكونة من ستة مجلدات حول الحرب العالمية الثانية، إذ صدر المجلد الأول خلال عام 1948 ووصل الأخير خلال عام 1953 (أي عندما عاد إلى منصبه كرئيس وزراء مرة ثانية).

هناك رواية غير مؤكدة تقول إن تشرشل اعتقد أن التاريخ سيكون رحيماً به لأنه عزم على كتابته بنفسه. وعلى رغم أن مخاوفه كانت بلا أساس، فإن خلفه في الحكم لديه أسباب وجيهة للقلق في شأن كيفية تذكره في صفحات التاريخ. ولا تزال دوافع هذا القلق موجودة. وكتابه هو في جوهره إعادة مملة ومكررة لموقفه المعهود الذي يصر فيه على أنه لم يرتكب أي خطأ، على رغم كل الأدلة والذاكرة الجماعية التي تشير إلى عكس ذلك. وحتى لو افترضنا أنه ارتكب خطأ، فإنه على غرار الأمير أندرو لم يكن مذنباً إلا في كونه – إن جاز التعبير – أكثر شرفاً وثقة ولطفاً ومرونة تجاه شخصيات مثل أوين باترسون (الذي تعرض أيضاً للإدانة من قبل مجلس العموم بسبب انتهاكاته المتكررة لقواعد الضغط السياسي).

نعم، يكتب جونسون قائلاً "هل كانت هناك مؤامرة؟ بالتأكيد كانت مؤامرة بمعنى أن كثيرين كانوا يتآمرون منذ زمن بعيد، بعضهم بدأ منذ اللحظة التي توليت فيها القيادة. هل كانت هذه المؤامرة كافية وحدها لإسقاطي؟ حسناً، لا أعتقد أنه ينبغي أن تستهينوا بعدد الهفوات التي ارتكبتها، لقد قمت بتعيينات فاشلة للغاية وكان بعضها لأشخاص أشبه بالمجرمين القتلة كما تبين لاحقاً. وأسأت إدارة استجابتنا لعدد من الأزمات"، (لن تتخيلوا أبداً أن جونسون الملقب بـ"بيغ دوغ" قضى معظم مسيرته الصحافية والسياسية وهو يتبع بكل سرور أية أساليب غير شريفة للتخلص من العقبات التي يضعها أي شخص في طريقه، من ديفيد كاميرون إلى تيريزا ماي وحتى الملكة نفسها).

إن اعترافه بـ"الهفوات" يعد أقرب ما يكون إلى لحظة اكتشاف الذات بالنسبة إلى جونسون، لكن يتضح أن ما يعترف به من "إساءة الإدارة" يتعلق بصورة أساس بتقديم الأمور وليس بجوهرها، فهو لم يتمكن من التعبير عن أفكاره بصورة كافية، كما فشل في إقناع نوابه الذين اتسموا بالذعر والتردد بأنه على حق. وعلى رغم كل ما حدث كان من الممكن أن يحقق الفوز في الانتخابات العامة لعام 2023 أو 2024.

لكن بحسب جونسون كانت المشكلة تكمن في أن مايكل غوف وريشي سوناك (خصوصاً) وسو غراي ودومينيك كامينغز وآخرين لم يفهموا ببساطة سبب وجوب دعم هذا الرجل القدري، والجيد أكثر مما ينبغي لدرجة أن خصاله الحميدة قد توقعه في المشكلات، لقد كان ضحية بريئة لمكائدهم وخياناتهم غير المفهومة.

هذه السردية بالذات المشوهة للتاريخ والمليئة بنظريات المؤامرة التي اختبرتها دوريس (إذ لا يمكنكم أن تخطئوا في سماع صداها في كل سطر)، قريبة في سخافتها من تلك المحاولة غير المقنعة لتقديم تاريخ مواز التي تروج لها ليز تراس حالياً، (التي مرت تجربة حكمها القصيرة والبغيضة والوحشية من دون تعليق، وذلك ربما لأنه من الجيد تجنب التطرق إلى تلك الفترة، وبخاصة أن جونسون هو من شجع مؤيديه على التصويت لها خلال السباق الأول نحو الزعامة لعام 2022).

وهذا الكتاب الممتد على 772 صفحة بما في ذلك الصور والملاحظات والفهرس يبدو أنه عمل ضخم، لكنه في الحقيقة يفتقر إلى العمق والمضمون. فهو لا يتجاوز كونه مجموعة من الحكايات المسلية والقصص المعاد سردها والنميمة والمواقف الطريفة التي تروى بأسلوب جونسون المعتاد، الذي يبرز طبيعته ككاتب عمود.

ويمكنكم أن تلاحظوا من نبرة الكتابة الغريبة والمميزة أن هذا هو صوته الحقيقي، فمن غيره قد يصف غريتا ثانبرغ بأنها "جان دارك مراهقة ذات وجه شاحب"؟ وهل يمكن لأحد غير جونسون أن يسخر بأسلوب ساذج من لكنة الرئيس الفرنسي ماكرون أثناء زيارته تشيكرز، وهو يتحدث بالإنجليزية المطعمة بالفرنسية. لكن لا شيء مما سلف يهم إذ يمكن العثور على الحقيقة في أماكن أخرى باستثناء أن حزب" المحافظين" سيستمر في مواجهة التحديات تحت وطأة إرث جونسون (وتراس) لأعوام عديدة مقبلة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من كتب