ملخص
تستغل إسبانيا وإيطاليا الصادرات التونسية غير المعلبة للسيطرة على الأسواق العالمية
تشير التوقعات إلى أن تونس ستسجل ارتفاعاً في محاصيل زيت الزيتون هذا الموسم مع تحسن كبير في الإنتاج على المستوى العالمي، وسط استعدادات لانطلاق موسم قطف الزيتون في الأيام الأخيرة من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
في الأثناء كشف وزير الفلاحة (الزراعة) التونسي عز الدين بن الشيخ عن أن "التقديرات ترجح أن يرتفع محصول الزيتون إلى 340 ألف طن، مما يمثل تحسناً مقارنة بمحصول السنة السابقة".
وكانت تونس أعلنت عن إنتاج لم يتجاوز 210 آلاف طن من زيت الزيتون خلال الموسم الماضي تحت تأثير موجة الجفاف التي عرفتها مساحات أشجار الزيتون.
وفي وقت شهدت الصادرات نمواً فاق الـ 50 في المئة العام الحالي، ظهر نقص في الكميات في السوق المحلية، مما اضطر الدولة إلى ضخ 11 مليون ليتر من زيت الزيتون المعبأ بسعر 15 ديناراً (4.9 دولار) لليتر الواحد في خطة لضمان استقرار السوق المحلية لمواجهة زيادة الأسعار واحتجاج منظمات الدفاع عن المستهلك وغضب التونسيين، إذ أضحى زيت الزيتون بعيداً من متناول العائلات التونسية بسبب ارتفاع سعره، إذ تراوحت أسعاره ما بين 25 ديناراً (8.2 دولار) و30 ديناراً (9.8 دولار) لليتر الواحد، مما منع كثيراً من التونسيين من الحصول على إمداداتهم السنوية كما اعتادوا.
1750 معصرة زيت
والأرقام التي وردت على لسان الوزير التونسي تشير إلى تحسن في التقديرات مقارنة بالتوقعات في الجهات التي لم تتجاوز 280 ألف طن و220 ألف طن، على رغم أن مساحات الزيتون في تونس قادرة على إنتاج ما يصل إلى 500 ألف طن سنوياً من الزيت، إذ إن المساحات تمتد إلى مليوني هكتار وفقاً لما قاله الكاتب العام لجامعة منتجي زيت الزيتون (مستقلة) محمد النصراوي لـ"اندبندنت عربية"، مؤكداً أنها مساحات شاسعة قادرة على إنتاج كميات أكبر من المسجل حالياً، لكن مردودية مساحات الزيتون تواجه تحديات التغييرات المناخية مثل الجفاف وملوحة المياه عند الري وتهديدات أمنية أخرى يعانيها الفلاحون تتعلق بانتشار السرقات وعمليات السطو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتمتلك تونس ما بين 1600 و1750 معصرة لزيت الزيتون، إضافة إلى 35 وحدة للتعبئة والتعليب، وتحتل المرتبة الثانية عالمياً من ناحية الإنتاج بعد إسبانيا.
والصادرات المعلبة لا تزيد على 26 ألف طن وهي كميات ضئيلة مقارنة بحجم الصادرات الذي فاق 181 ألف طن، مما يحرم تونس من عائدات مهمة من العملات نظراً إلى القيمة المضافة التي يوفرها التعليب، ويحرم انخفاض الكميات المعلبة عند التصدير زيت الزيتون التونسي من زيادة تنافسيته أمام المنافسين الإسباني والإيطالي، وأرجع النصراوي ذلك إلى تصدير تونس لنحو 60 في المئة من إنتاجها غير المعلب لمنافستيها إسبانيا وإيطاليا، مما يحرمها من التوغل في السوق العالمية بضخ كميات معلبة إضافية تحمل الشارة التونسية بأسعار مرتفعة مقارنة بالصادرات غير المعلبة ومنافسة للمعلبات الإيطالية والإسبانية وهي في جزء كبير منها زيوت مستوردة من تونس معلبة في هذه البلدان، بحكم أن الزيت التونسي الأفضل من ناحية الجودة، وبناء على ذلك يحتاج القطاع إلى دفع الاستثمار في وحدات التعليب.
وتتجه صادرات تونس من الزيت بخلاف منطقة اليورو إلى الولايات المتحدة وبلدان الخليج العربي واليابان والصين وكندا، علماً أن الأسعار عند التصدير شهدت نسقاً تصاعدياً من 16 ديناراً (5.2 دولار) للكيلوغرام الواحد إلى 26 ديناراً (8.55 دولار) في موسم 2023-2024.
ارتفاع وتيرة التصدير 58 في المئة
وحققت تونس رقماً قياسياً تاريخياً في 2024 بتصدير زيت زيتون بقيمة 5.025 مليار دينار (1.652 مليار دولار) حتى مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي وارتفعت عائدات التصدير 58 في المئة وفق بيانات الديوان الوطني للزيت (حكومي)، مقارنة بالفترة نفسها من الموسم السابق.
وترجع الزيادة بصورة مباشرة إلى صعود أسعار زيت الزيتون عالمياً 60 في المئة، مما عاد بالنفع على القطاع، على رغم المنافسة المتزايدة من دول مثل الصين ودول أميركا الجنوبية، إضافة إلى المنافستين التقليديتين إسبانيا وإيطاليا.
في غضون ذلك، يصعب توقع مسيرة أسعار زيت الزيتون عالمياً لموسم 2024-2025 بسبب عوامل عدة مؤثرة في السوق مثل العرض والطلب العالمي والشكوك المرتبطة بالظروف المناخية في إسبانيا، أكبر منتج في العالم والتي لا تزال متأثرة بالجفاف.
ومع أنه يتوقع أن يسجل الحصاد الإسباني تحسناً طفيفاً، إلا أن تأثير الجفاف يمكن أن يبقي الأسعار العالمية عند نحو سبعة يوروات (7.63 دولار)، بينما تظل العوامل الجيوسياسية مثل الصراع المحتمل بين إسرائيل وإيران، ذات تأثير سلبي في الاستهلاك العالمي لزيت الزيتون وانخفاض الأسعار.
وفي حال انحدار إنتاج زيت الزيتون إلى 194 ألف طن يستهلك التونسيون أقل من 20 في المئة من الإنتاج الوطني لزيت الزيتون، إذ لا يزيد استهلاك السوق المحلية على 30 ألف طن من زيت الزيتون سنوياً، مما دعا المنظمات الوطنية والمتخصصين إلى الدفع لزيادة الاستهلاك المحلي، بهدف وطني محدد بـ100 ألف طن سنوياً.
ودعا عضو الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (مستقل) جمال الزيادي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من زيت الزيتون، علاوة على تحسين مستوى الصادرات، بعد أن أصبح زيت الزيتون حكراً على الأثرياء ولا يستطيع المستهلك التونسي الحصول عليه، ومن مفارقات هذا القطاع ارتفاع المساحات والإنتاج والصادرات من دون حصول السوق المحلية على الكميات اللازمة لتغطية الطلب والتحكم في الأسعار.
وقال الزيادي إن "زيادة الإنتاج لن تتحقق من دون تدخل الدولة لدعم الفلاحين في مواجهة التغييرات المناخية وشح المياه ونقص اليد العاملة وارتفاع أسعار الأسمدة وغياب الرقابة على فوضى المشاتل، بعدما انعكس حل التعاضديات (المجمعات الفلاحية) والتخلي عنها سلباً على كميات محاصيل الزيتون وجودتها، وسط لا مبالاة سلطة الإشراف التي تركت الفلاحين لمواجهة مصيرهم بمفردهم مع زيادة كلف الإنتاج، مما أدى إلى نسبة مديونية مرتفعة لديهم".
وأضاف أن "الأسعار الحالية عند البيع لن تمكّن من تغطية كلفة الإنتاج وهي لا تزيد على 1.8 دينار (0.59 دولار) للكيلوغرام من الزيتون في مرحلة بيعه لمعاصر الزيت"، قائلاً "يظل الفلاح المتضرر الأول في سلسلة الإنتاج، يليه المستهلك وسط أرباح طائلة للوسطاء وتهميش دائم للزراعة".