ملخص
قالت وكالة مكافحة التصحر التابعة للأمم المتحدة إن الخطة تواجه عديداً من التحديات الإضافية، مثل الدعم السياسي الفاتر على أعلى المستويات، وضعف الهياكل التنظيمية، وعدم كفاية التنسيق، وعدم مراعاة الأولويات البيئية الوطنية بصورة كافية. ووفقاً للوكالة، فإن 45 في المئة من الأراضي الأفريقية تتأثر بالتصحر، مما يجعل أفريقيا أكثر عرضة للخطر من أي قارة أخرى.
مشروع ذو طموح هائل تتحدث عنه أفريقيا منذ 17 عاماً يستهدف زرع حاجز نباتي لصد التقدم العنيد للتصحر في 11 بلداً قاحلاً بحلول عام 2030، لكن "الجدار الأخضر"، مثلما يطلق عليه، تتأثر مناطق كثيرة منه تشمله بانعدام الأمن وعدم الاستقرار السياسي وضعف التمويل، مما حول تجسيد المشروع في آجاله إلى حلم بعيد المنال.
وتعرقل مجموعة من التحديات المعقدة، بما في ذلك نقص التمويل والإرادة السياسية، فضلاً عن تزايد انعدام الأمن المرتبط بالجماعات المتطرفة في بوركينا فاسو ومالي، إحراز تقدم في الجدار الأخضر العظيم لأفريقيا.
وجاء مقترح إنجاز حاجز أخضر لمنع تقدم رمال الصحراء الكبرى خلال مطلع خمسينيات القرن الماضي خلال رحلة استكشافية قام بها العالم ريتشارد سانت باربي بيكر، عندما أصبح التصحر يشكل تهديداً خطراً لسبل العيش والأمن الغذائي والبيئة، إذ أسهم النمو السكاني وممارسات الزراعة غير المستدامة وتغير المناخ في تدهور مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت في السابق تؤوي الملايين من البشر. وبعدها بنحو 50 عاماً طرحت الفكرة رسمياً خلال اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف في قمة نجامينا بتشاد في 2002.
وتبلور مفهوم زراعة "جدار أخضر" من الأشجار أكثر وأُعلن عن إطلاق المبادرة عام 2007 تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، لـ"تخضير" منطقة الساحل على مدى عدة آلاف من الكيلومترات، وفق مخطط شمل 11 دولة هي السنغال وموريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا وتشاد والسودان وإثيوبيا وإريتريا وجيبوتي.
وبالنسبة إلى الأمم المتحدة، فإن هذا الجدار "سيعزز السلام ويستعيد الطبيعة في المنطقة"، فيما تهدف الخطة إلى استعادة 100 مليون هكتار من الأراضي بحلول عام 2030، وعزل 250 مليون طن من الكربون، وخلق 10 ملايين فرصة عمل. ومع اعتماد أكثر من 80 في المئة من سكان الأرياف بصورة مباشرة على الأرض لكسب عيشهم، فإن هذا السور لا يهدف فقط إلى إنجاز حاجز حي لإبطاء تقدم التصحر، بل يهدف أيضاً إلى تحقيق فوائد بيئية واجتماعية واقتصادية للمنطقة بأكملها.
"الحاجز الأخضر" يسهم في توقف الهجرة
وأفاد الباحث التونسي المتخصص في علم البيئة والأشجار هشام خميس لـ"اندبندنت عربية"، بأن الحزام الأخضر الكبير كمشروع في البداية سيمتد طوله إلى 8 آلاف كيلومتر، بعرض 15 ألف كيلومتر لزراعة أشجار "الأكاسيا"، وهي من الأنواع التي تدعم المناطق القاحلة وتقاوم الجفاف، إذ إن جذورها لها خاصية تجميع المياه.
وأوضح أن الأمم المتحدة أكدت أهمية التأثير الإيجابي للحزام الأخضر على المستوى العالمي، إذ إن تحقيق هذا الإجراء يهدف إلى منع اضطرار 50 مليون شخص إلى الهجرة بسبب التصحر الناجم عن التغيرات المناخية ونضوب الموارد الطبيعية خلال العقد القادم.
وأكد خميس توسع الحزام الأخضر لاحقاً ليضم أكثر من 20 دولة من شمال أفريقيا ومنطقة الساحل بما فيها الجزائر وجامبيا وتونس وليبيا.
وبمرور الوقت لوحظ تحقيق المشروع تقدماً متواضعاً على رغم أهدافه الطموحة، فحتى عام 2023، لم يتم غرس سوى 18 مليون هكتار من الأراضي، أي نحو 18 في المئة من الهدف، مع تحقيق إنجازات لافتة في بلدان مثل السنغال وإثيوبيا ونيجيريا بحسب مجلة "انفيرو تك" البريطانية المتخصصة في مجال المناخ في آخر عدد لها لشهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
وقد زرعت السنغال وحدها أكثر من 11 مليون شجرة، في حين استعادت إثيوبيا ملايين الهكتارات من الأراضي. ولم تعمل هذه الجهود على تجديد المناظر الطبيعية فحسب، بل جلبت أيضاً زيادة في إنتاج الغذاء وفرص العمل والمرونة البيئية لعديد من المجتمعات. غير أن مالي وجيبوتي وموريتانيا بصورة خاصة تخلفت عن اللحاق بالركب.
وتشتد الحجة إلى ما بين 36 و43 مليار دولار لبناء المشروع بحلول عام 2030، وفقاً لتقديرات معهد الموارد العالمية، فيما تعهد بنك التنمية الأفريقي نحو 6.5 مليار دولار لإنجاز الجدار بحلول عام 2025 في أعقاب الجهود التي قادتها فرنسا أوائل عام 2021 التي خصصت 14.5 مليار دولار للمشروع، وهو أقل بكثير من تقديرات معهد الموارد العالمية.
ووفقاً لوكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن التصحر، يجب تسريع المعدل الحالي لاستعادة الأراضي إلى متوسط 8.2 مليون هكتار سنوياً إذا كان للمشروع أن يحقق هدفه المحدد، وهو استعادة 100 مليون هكتار بحلول عام 2030.
ويبرز التمويل الدولي كأحد العوائق الرئيسة لتنفيذه، إذ قدرت موازنة المشروع في البداية 33 مليار دولار، ويشير المتخصص النيجري في إدارة التنمية المستدامة بادجي أمارو إلى أرقام صادمة بعد توزيع الوكالة الأفريقية التي تشرف على عمليات التمويل للأموال، عن توزيع 170 مليون يورو من الاعتمادات على مدى 15 عاماً، بما في ذلك 132 مليون يورو قادمة من خارج أفريقيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التشكيك في جدوى المشروع
ويؤكد المتخصص النيجيري في تصريح خاص، أن المؤسسات الدولية المانحة أكدت ابتلاع الحاجز الأخضر 768 مليون يورو بالفعل، مثيراً شكوكاً حول إمكانية تحويل جزء منها من قبل الحكومات المتورطة في الفساد لغايات أخرى.
كما لفت إلى مأزق كبير آخر يتمثل في مواجهة ستة من البلدان يعبر منها وهي مالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا، وتشاد عنف المتطرفين، وثلاثة أخرى هي السودان وإريتريا وإثيوبيا تمزقها حروب داخلية.
وتسجل منظمة "أكليد" غير الحكومية في نشرة لها في 18 سبتمبر الماضي، إفلات 60 في المئة من أراضي بوركينا فاسو و50 في المئة من أراضي مالي من سيطرة الجيش النظامي، مقارنة بـ40 في المئة عام 2021.
لكن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ شككت في تقرير لها بجدوى الجدار الأخضر، وقالت "في الماضي، كانت برامج إعادة التشجير التي أطلقت في منطقة الساحل وشمال أفريقيا لمكافحة التصحر، مدروسة بصورة سيئة وتكلف كثيراً من المال دون تحقيق نتائج ملموسة".
بدورها، قالت وكالة مكافحة التصحر التابعة للأمم المتحدة، إن الخطة تواجه عديداً من التحديات الإضافية، مثل الدعم السياسي الفاتر على أعلى المستويات، وضعف الهياكل التنظيمية، وعدم كفاية التنسيق، وعدم مراعاة الأولويات البيئية الوطنية بصورة كافية.
ووفقاً للوكالة، فإن 45 في المئة من الأراضي الأفريقية تتأثر بالتصحر، مما يجعل أفريقيا أكثر عرضة للخطر من أي قارة أخرى.
وفي رأي متخصصين، لا ينبغي قياس نجاح المبادرة فقط من حيث عدد الأشجار المزروعة، بل من ناحية ما إذا كان السكان المحليون يرون فرقاً إيجابياً من المشروع في مناطقهم وحياتهم. وهذا ما ذهب إليه جيريمي ألوش من معهد دراسات التنمية بالمملكة المتحدة، حين أوضح أن هذه "المشاريع الضخمة مثل هذا السد الأخضر، لا تأخذ في عين الاعتبار في كثير من الأحيان حاجات السكان المحليين، وتظهر أبحاثنا الجديدة أن الجدار الأخضر العظيم لن يكون له دور بصورة فعالة ما لم يأخذ بعين الاعتبار السياقات المحلية".
وقد أصبح الجدار الأخضر العظيم علامة مسجلة تضم عديداً من مشاريع التنمية التي تديرها منظمات دولية وحكومية مختلفة، هذا "الاستيلاء" على المشروع من قبل الدول المتقدمة دفع المعهد إلى التساؤل عما أصبح عليه المشروع الآن، وقدرته على تحقيق غرضه الأصلي، إذ تفقد المبادرة جوهرها وقدرتها على جعل المشروع الأفريقي محلياً عندما يتم عولمته ليناسب الأجندات السياسية الخارجية.