Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تهديدات الاتحاد الأوروبي تدفع جورجيا إلى "الاتجاه المعاكس"

رئيسة البلاد تتهم الحزب الحاكم بنشر دعايته الانتخابية في صياغة "كي جي بي"

احتجاجات في تبليسي دعمتها الرئيسة الجورجية والاتحاد الأوروبي ضد قانون "الوكلاء الأجانب" (أ ف ب)

ملخص

يرى مراقبون أن جورجيا كانت الأولى بين الجمهوريات السوفياتية السابقة التي نجحت في فرض ثورتها الملونة أو "ثورة الورد" عام 2002، بما يسبق بزهاء عامين اندلاع "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا المجاورة، وثاني أكبر الجمهوريات تعداداً وأهمية في شتاء عام 2004.

في وقت تستعد فيه جورجيا لخوض الانتخابات البرلمانية في الـ26 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، يعود حزب "الحلم الجورجي" الحاكم إلى توجيه اتهاماته إلى رئيسة الجمهورية سالومي زورابيشفيلي التي كثيراً ما لاحقتها كنية "الفرنسية الجنسية"، منذ أن جاءت إلى تبليسي سفيرة لفرنسا، قبل أن تعود وتستقر في جورجيا بوصفها إحدى مواطنيها. وبينما يستعر صراع القوى المعارضة مع الحزب الحاكم، يعلن الاتحاد الأوروبي أحكامه حول أن الحكومة الحالية في جورجيا لم تستوف بعد المعايير اللازمة لبلدان الاتحاد، فيما يصدر البرلمان الأوروبي قراره الأخير حول ما وصفه بارتداد حكومة جورجيا عن الديمقراطية، مما قد يودي بالبلاد إلى الانزلاق نحو "أزمة بالغة الخطورة"، فضلاً عن احتمالات العودة "ثانية" إلى أحضان روسيا المجاورة، على حد تعبير مراقبين كثر.

ويعيد هؤلاء المراقبون إلى الأذهان أن جورجيا كانت الأولى بين الجمهوريات السوفياتية السابقة التي نجحت في فرض ثورتها الملونة أو "ثورة الورد" عام 2002، بما يسبق بزهاء عامين اندلاع "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا المجاورة، وثاني أكبر الجمهوريات تعداداً وأهمية في شتاء عام 2004. ويذكرون أيضاً أن طلبها وأوكرانيا حول الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي رفضه رؤساء بلدان الناتو في قمتهم التي عقدت في بوخارست عام 2008، استجابة لضغوط روسيا التي سبق وخاضت حرباً خاطفة انتهت بهزيمة ساحقة للقوات الجورجية، وباعتراف موسكو بانفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا من جانب واحد، وتعزيز وجودها العسكري هناك.

قرار البرلمان الأوروبي

على أن ذلك لم يحل دون أهداف "ثورة الورد"، ولم ينل من مسيرتها نحو الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي. فالحلم الجورجي لا يزال قائماً، وأن يهدده ما اتخذه البرلمان الأوروبي من قرار صدر أخيراً تحت عنوان "ارتداد الديمقراطية والتهديدات التي تواجه التعددية السياسية في جورجيا"، بموافقة 495 نائباً ورفض 73 نائباً مع امتناع 86 نائباً عن التصويت.

ويدعو هذا القرار إلى تجميد ما يقدمه الاتحاد الأوروبي من مساعدات مادية للسلطات الجورجية إلى حين إلغاء القوانين غير الديمقراطية، بما في ذلك قانون "الوكلاء الأجانب"، والقانون المناهض للمثليين، وغير ذلك من التوجهات التي يصفها المراقبون بالمحافظة، وذلك إلى جانب ما فرضه الاتحاد الأوروبي من عقوبات على بيدزينا إيفانيشفيلي الرئيس الفخري لحزب "الحلم الجورجي" الحاكم، وتقييم امتثال جورجيا لمعايير تحرير التأشيرات، كما يدعو القرار إلى "فرض شروط صارمة على أي تمويل مستقبلي للحكومة الجورجية".

ولعل إصدار مثل هذا القرار في ذلك التوقيت الذي يأتي مواكباً لإنهاء جورجيا استعداداتها للانتخابات البرلمانية، وفي أعقاب ما شهدته من تظاهرات احتجاجية ضد إقرار عدد من القوانين ومنها قانون "إقرار وضعية العملاء الأجانب" على غرار ما اتخذته روسيا من قوانين مماثلة، يمكن أن يكون دافعاً إلى الاندفاع في الاتجاه المعاكس، صوب أحضان موسكو، بحسب تقديرات كثيرين من المعلقين المحليين والأجانب.

ويقول هؤلاء، إن ما فرضه الاتحاد الأوروبي من قرارات ضد إيفانيشفيلي وتحميله مسؤولية تأجيج الأزمة السياسية الراهنة على الساحة الجورجية، وما وصفه الاتحاد بـ"تقويض المسار الأوروبي الأطلسي للبلاد، بما في ذلك لمصلحة التحرك نحو روسيا"، ليس سوى تأكيد لمثل هذه التوجهات من جانب الاتحاد الأوروبي.

وكان المجلس الأوروبي ومن يسمونهم "الشركاء الديمقراطيين" في الاتحاد الأوروبي دعا إلى "فرض عقوبات شخصية فورية وهادفة" على إيفانيشفيلي، تعبيراً عن "قلقه العميق" إزاء ما يصفونه بـ"نفوذ روسيا المتزايد في جورجيا، بما في ذلك زيادة التدفقات المالية من موسكو، وتوسيع العلاقات التجارية بين البلدين، ودعوة إلى تبليسي من أجل فرض عقوبات على موسكو، رداً على حربها التي وصفها الاتحاد بالعدوانية ضد أوكرانيا". كما يدعو القرار السلطات الجورجية إلى مواصلة سياسة عدم الاعتراف بالأراضي الخاضعة للسيطرة الروسية، والامتثال للالتزامات باتخاذ تدابير فعالة لمنع التحايل على العقوبات الأوروبية. ويطالب القرار كذلك السلطات الجورجية بالامتثال للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وما ينتهج من توجهات مضادة لروسيا.

ومن اللافت في هذا الصدد أن هذا القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي يعكس ضمناً "التدخل الصريح والواضح" في الانتخابات البرلمانية المرتقبة في جورجيا، في ما يبدو كدعوة سافرة إلى التصويت ضد حزب "الحلم الجورجي" الحاكم، فيما يصفه آخرون بأنه تعبير عن "الدعم الثابت" للاتحاد الأوروبي لشعب جورجيا وتطلعاته الأوروبية.

القرار ذاته أشار إلى أن ما صدر من إدانة ضد استخدام "الحلم الجورجي" لصور الحرب في أوكرانيا، لا يمكن فإن يكون بمثابة محاولة "التلاعب بالرأي العام، ونشر المعلومات المضللة والمشاعر المؤيدة لموسكو والمعادية لكييف" خلال الحملة الانتخابية، وذلك في إشارة مباشرة إلى الضجة التي نشبت أخيراً حول رفض بعض القنوات التلفزيونية الجورجية لبث شريط دعائي تلفزيوني للحزب الحاكم. وبهذا الصدد توقفت "الصحيفة المستقلة" الروسية عند دعوة قرار البرلمان الأوروبي لقيادات حزب "الحلم الجورجي" إلى وقف العنف والتخويف والتحريض على الكراهية، والاضطهاد والقمع ضد المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام المستقلة، على اعتبار أن ذلك اتهام واضح من دون سند من أدلة أو قرائن.

كما يتضمن القرار أيضاً دعوة صريحة إلى السلطات الجورجية إلى العمل من أجل توفير "الضمانات اللازمة لإجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الجاري في بيئة حرة ونزيهة وفقاً لأعلى المعايير الدولية، واتخاذ كل ما يلزم من تدابير إجرائية حتى تتمكن منظمات المراقبة من العمل من دون عوائق"، وهو ما عده مراقبون في جورجيا محاولة لاستباق ما قد يعلن في وقت لاحق من أحكام حول "عدم نزاهة الانتخابات"، وعجز تبليسي عن توفير الضمانات اللازمة للخروج بالنتيجة المرجوة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتضمن قرار البرلمان الأوروبي ما وصفه عدد من المراقبين بأنه أقرب إلى يكون بمثابة الرد على "الهجمات المضادة لمنظمة "الشفافية الدولية - جورجيا"، وحركة "اختر أوروبا"، وتأكيد ما يجري ترويجه وتصويره بأنه "تقويض للديمقراطية في البلاد". وعلى رغم أن مكتب "مكافحة الفساد" في وقت لاحق، وبناء على طلب الحكومة، أزال وضع المنظمتين باعتبارهما "منظمتين ذات أهداف انتخابية معلنة"، فإن القرار ينص على أن القرار الأصلي لا يزال يثير المخاوف في شأن الحياد السياسي لمكتب مكافحة الفساد.

"شائن ومخز ومثير للاشمئزاز"

على أن قرار البرلمان الأوروبي لم يخلُ أيضاً مما عده قادة "الحلم الجورجي" تدخلاً في الشؤون الداخلية. وتوقف هؤلاء عند ما أشار إليه هذا القرار من مخاوف، وما أعرب عنه من قلق حول أنه "على رغم المطالب العديدة للشتات الجورجي"، فلن يفتح أمام المهاجرين الجورجيين سوى عدد محدود من مراكز الاقتراع في الخارج.

أما عن "الأزمة القائمة" بين رئيسة الجمهورية سالومي زورابيشفيلي وحزب "الحلم الجورجي" الحاكم، فتناولها القرار أيضاً بما تضمنه من تأييد لموقف زورابيشفيلي التي سبق وأعلنت رفضها التصديق على كثير من قرارات الحزب الحاكم، ومنها "قانون إقرار وضعية العميل الأجنبي". وكان القرار الأوروبي أشار ضمناً إلى ترحيبه بجهود الرئيسة سالومي زورابيشفيلي الرامية إلى "إعادة جورجيا إلى المسار الديمقراطي والمؤيد لأوروبا، إلى جانب ما خلص إليه حول "أن الانتخابات المقبلة ستكون حاسمة لتحديد التنمية الديمقراطية المستقبلية لجورجيا والخيار الجيوسياسي، فضلاً عن قدرتها على إحراز تقدم كدولة مرشحة في الاتحاد الأوروبي".

وكان شالفا بابواشفيلي رئيس برلمان جورجيا استبق صدور قرار البرلمان الأوروبي ببيانه الذي دان فيه مشروع القرار، ووصفه بأنه "شائن ومخز ومثير للاشمئزاز". وانتقد رئيس البرلمان الدعوات الواردة في مشروع القرار حول فرض عقوبات على بيدرينا إيفانيشفيلي الرئيس الفخري لحزب "الحلم الجورجي" الحاكم، وإطلاق سراح الرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي الذي سبق وعاد من أوكرانيا طواعية.

وسبق أن ترك ساكاشفيلي بلاده خشية الملاحقة والاضطهاد، إذ استوطن الولايات المتحدة بعض الوقت، ليغادرها إلى أوكرانيا التي منحته جنسيتها، وعينه الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو محافظاً لمقاطعة أوديسا. غير أنه لم يستمر طويلاً في منصبه التنفيذي هناك، وسرعان ما قدم استقالته، مفضلاً الرحيل طواعية إلى الوطن، بما وفر الفرصة للسلطات الجورجية لاعتقاله والزج به إلى السجون تنفيذاً لأحكام قضائية سبق وصدرت في حقه قبل سفره إلى الولايات المتحدة الأميركية.

دعاية انتخابية من صياغة "كي جي بي"

وعلى وقع أصداء ردود الفعل من جانب السلطات الجورجية تجاه قرار البرلمان الأوروبي، تشهد جورجيا اليوم تداعيات أزمة جديدة في أعقاب إصدار محكمة تبليسي لحكمها حول فرض غرامات مالية ضد أربع من القنوات التلفزيونية الجورجية رفضت بث شريط فيديو انتخابي لحزب "الحلم الجورجي" يتضمن لقطات للمباني المدمرة في الحرب في أوكرانيا، على أساس "بروتوكول لجنة الاتصالات الوطنية" في جورجيا، ولكونه انتهاكاً لقانون الانتخابات.

وكانت القنوات التلفزيونية بررت رفضها بث "شريط الفيديو الانتخابي" لحزب "الحلم الجورجي"، لما عزته إلى "طبيعته غير الأخلاقية"، ولكونه يتضمن، من وجهة نظرها، "دعاية حربية، تسهم في بث الكراهية الوطنية، وفي ترويع الناخبين". وكان الشريط التلفزيوني استخدم لقطات بالأبيض والأسود للمباني والبنية التحتية والمدن المدمرة والمحترقة في أوكرانيا مع عبارة "لا للحرب!"، إلى جانب صور ملونة لمبان مماثلة جديدة ومجددة في جورجيا، تحت شعار "اختر السلام".

ولم تتخلف رئيسة الجمهورية سالومي زورابيشفيلي عن الحملات المضادة للحزب الحاكم، إذ انضمت إليها بما وصفت به الدعاية الانتخابية لحزب "الحلم الجورجي" حول "أنها من صياغة (كي جي بي)، وإهانة للثقافة والتقاليد، وتاريخ جورجيا"، كما انضم إليها سفير الاتحاد الأوروبي لدى جورجيا بافيل جيرزينسكي، بما قاله حول اعتبار هذه اللافتات "فاحشة" و"مشينة" و"مثيرة للاشمئزاز". وأضاف "أن الدعاية المناهضة للغرب من قبل السلطات مستمرة، بما في ذلك من خلال تصريحات حول "حزب حرب عالمية"، وأنه "يعرف أين يوجد حزب الحرب العالمية".

وقد سارع المسؤولون من قيادات حزب "الحلم الجورجي" إلى الرد على سفير الاتحاد الأوروبي واتهامه بالتدخل في الانتخابات. وقال شالفا بابواشفيلي رئيس البرلمان الجورجي بالتعليق على تصريحات سفير الاتحاد الأوروبي في جورجيا بقوله "إن هذا تأكيد على أن التدخل الخارجي في الانتخابات له تأثير ضار. وعلى وجه الخصوص، في هذه الحالة، تسبب بيان السفير في انتهاك القانون في ما يتعلق بالحلم الجورجي وتبرير ذلك من قبل المنظمات غير الحكومية التي يمولها الاتحاد الأوروبي".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل