Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا حصانة لفرق الدفاع المدني اللبناني خلال الحرب

تعمل عناصر الإغاثة من دون ستر واقية أو خوذ حماية

ملخص

كشفت الحرب الحالية على لبنان حال مراكز الدفاع المدني، إذ يعاني العناصر من عدم توفير التجهيزات الكافية للحماية وأجور هزيلة ناهيك بالاستهدافات الإسرائيلية.

بأيد عارية ومن دون قفازات ورؤوس محسورة بلا خوذ وملابس غير مقاومة للحريق يندفع عناصر الدفاع المدني في لبنان لأداء مهامهم الإغاثية. "نحن لا نمتلك فعلياً إلا الحماسة والاندفاع في العمل الإنساني"، جملة يختصر بها "علي" العنصر في الدفاع المدني المشارك في أعمال رفع الأنقاض في منطقة بيروت والضاحية الجنوبية.
بدأت مسيرة علي في الجهاز عام 1982 الذي شهد الاجتياح الإسرائيلي الذي وصل إلى العاصمة بيروت، ومنذ ذلك الحين يعايش كل الحروب والكوارث، ويشارك في أخطر العمليات، يتحدث عن "أخطار إضافية" وغير مسبوقة يتعرض لها عناصر الدفاع المدني اللبناني. أحد تلك النماذج هو ما عانته فرق الإنقاذ خلال رفع أنقاض مبنى "تايستي" في منطقة القائم، إذ عمل هؤلاء في ظل تجهيزات غير كافية لإنقاذ حياة المدنيين. ويروي علي، "كان أحد الأشخاص عالقاً تحت الركام، استمر الحديث معه ساعتين من الزمن، وكان يبلغ العناصر بأن أمه وشقيقته إلى جانبه، ولكن للأسف وبعد مرور ساعتين من أعمال رفع الأنقاض، فارق الشاب الحياة قبل إخراجه".
كما يلجأ العناصر إلى بعض التجهيزات "غير الواقية" خلال عملهم، فبسبب عدم وجود خوذ واقية يلجأ العناصر لاستعمال الخوذ البلاستيكية، إذ تصبح حياة العنصر عرضة للخطر في حال سقوط أي حجر أو أجسام صلبة. وتتقاطع شهادات العناصر عند نقطة عدم وجود وسائل لرفع الأنقاض والمجارف والجرافات والرافعات، ولذلك ترفع الأجسام بجهد جسدي. إلى ذلك تستعمل فرق الدفاع المدني الكمامات الطبية العادية، وهو ما يؤدي إلى استنشاق العناصر للأدخنة المنبعثة من القنابل التي تلقيها الطائرات الإسرائيلية.  

استهداف مقصود

لا تتوقف الأخطار عند حدود ضعف التجهيز، وإنما تتجاوزها إلى التهديد بالاستهداف المباشر للعناصر الإغاثية، وآخرها الغارة التي أدت إلى تدمير بلدية النبطية وقتل عدد كبير من المدنيين، ومن ضمنهم عنصر الدفاع المدني ناجي فحص، وهو ما يعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني الذي يقر الحماية للفرق الإغاثية والطبية والحماية المدنية.
ويؤكد علي الملقب بين رفاقه بـ"ختيار الدفاع المدني"، كونه أحد أقدم العناصر العاملة على الأرض، أن "عناصر الدفاع المدني ومراكزهم يستهدفون بصورة مقصودة. ويتلقون تهديدات متكررة في حال الدخول والقيام بعملهم الإنقاذي في الضاحية الجنوبية لبيروت إثر الغارات، وتعرضت الفرق إلى استهداف مباشر ومقصود في منطقة المريجة، على رغم وضع الإشارة المدنية الدولية على سطح الشاحنات والسيارات"، كاشفاً عن "عدم وجود تدريبات كافية لدى العناصر للتعامل مع الذخائر غير المنفجرة، والعناية الإلهية هي التي تحمي الفرق حتى الآن، فيما يعتمد على كشوفات الجيش اللبناني لتحييدها أو التعامل معها".

اندفاعة الكادر البشري

تشترك مراكز الدفاع المدني في الشكوى من نقص التجهيز، لذلك تواجه العناصر البشرية تهديدات وأخطاراً جمة. وتقدم الفرق الإغاثية السلامة العامة على المشاعر الإنسانية الشخصية. ويسترجع علي الأحمر من ذاكرته لحرب عام 2006 أثناء الخدمة في مركز الشياح (في الضاحية الجنوبية لبيروت)، فيقول إنه عندما توجه للمشاركة في مهمة ضمن منطقته، تفاجأ بأن والده قد قتل، "كانت لحظة عصيبة، ولكني تجاوزت مضطراً حزني الشخصي، وأكملت العمل لإنقاذ العالقين"، مضيفاً "تتكرر هذه الأحداث دائماً. أخيراً سقط مبنى على إحدى فرق الإطفاء في حارة حريك بالضاحية الجنوبية، وقفت عناصر الفرق عاجزة عن تقديم المساعدة لرفاقها ريثما تصل آليات قادرة لرفع الأنقاض".


أخطار جمة

يشعر عناصر الدفاع المدني بأنهم متروكون لمصيرهم، ويعيشون حالة من الصراع بين واجبهم الإنساني، وعدم إنصافهم من قبل الحكومة اللبنانية. استمعت "اندبندنت عربية" إلى شهادات عناصر تشارك في المهام ضمن المناطق المستهدفة، فهم يشيرون إلى "روح اندفاع لحماية الوطن، لكنها لا تقابل بالتقدير"، كشف هؤلاء عن جملة مشكلات، "فالمراكز لا تملك مخزونات الوقود الكافية للانتقال إلى الأماكن المعرضة للاعتداءات، كما لا تتوفر علب الإسعافات الأولية بكمية كافية بانتظار الهبات"، إضافة إلى عدم توفر الدروع.
ويقول أحد الشهود، إن "واحداً في المئة من العناصر يمتلكون الدروع، والبقية عرضة للخطر الشديد أثناء أعمال الإنقاذ". كما "لا تتوفر مادة الفووم المستخدمة في إطفاء الحرائق البلاستيكية والنفطية، وإن وجدت فهي منتهية الصلاحية"، فيما يتنشقون الأدخنة المسرطنة بسبب عدم وجود الأقنعة الواقية. ويتفرع عن نقص التجهيزات "نقص في قطع الغيار والميكانيك لسيارات الدفاع المدني"، إذ تحول أسطول سيارات الدفاع المدني إلى مجموعة من السيارات القديمة التي يعود أحدثها إلى أكثر من 20 عاماً.

 أين "بدل المثابرة"؟

تتسع دائرة الشكوى للسؤال عن مصير "بدل المثابرة"، وهو مكافأة مالية شهرية أقرتها الحكومة اللبنانية في 27 يونيو (حزيران) 2023، ويستفيد منه أفراد الدفاع المدني بانتظار تصحيح الأجور. هذا البدل معلق التنفيذ حتى الآن، ولا يتقاضاه العناصر الذين يعملون لرفع آثار العدوان على خطوط الدفاع الأولى. يكشف أحد العناصر أن "قيمة بدل المثابرة هي 15 مليون ليرة لبنانية للفرد أي قرابة 160 دولاراً، و17 مليون ليرة للرتيب، أي قرابة 180 دولاراً أميركياً"، متسائلاً "لماذا كل القطاعات الرسمية تقاضت بدل الإنتاجية، فيما ينتظر الدفاع المدني إفراج الحكومة عنه؟". ويوضح "لا تتجاوز القيمة الشهرية لبدل المثابرة 30 ألف دولار أميركي لجميع موظفي الدفاع المدني، فيما أساس راتب العنصر لا يكفي لشراء علبة حليب، فهو يساوي مليوناً و650 ألف ليرة لبنانية للرتيب، أي قرابة 18 دولاراً، و950 ألف ليرة لبنانية للعنصر أي 10.5 دولار، وهو لا يساوي ثمن سندويش"، علماً أن الحكومة ألزمت المتطوعين الاستقالة من وظائفهم السابقة قبل تعيينهم في سلك الدفاع المدني، فيما يطالب بعض العناصر بإقرار "ضريبة حماية مدنية" من أجل تجديد الجهاز، وتأمين التجهيزات الكافية من أجل تأمين سلامة المجتمع، وإلزام أصحاب المنشآت والبنايات بوضع خرائط للأماكن من أجل تخفيف الإصابات أثناء إطفاء الحرائق.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مشكلة تراكمية

يتوزع الدفاع المدني على 230 مركز عمل على كل الأراضي اللبنانية، ويعمل بتمويل حكومي، ويخضع لوصاية وزارة الداخلية. وقد دفع الجهاز ضريبة كبيرة من الضحايا والجرحى، إذ أدت الاعتداءات الإسرائيلية إلى سقوط 12 ضحية، وقرابة 30 جريحاً خلال أداء المهام.
تعترف المديرية العامة للدفاع المدني بصعوبة الأوضاع ونقص التجهيزات، وهو ما ينعكس على أداء الفرق العاملة على الأرض.
وقال رئيس قسم التدريب في الدفاع المدني، نبيل صالحاني، إن "وضع الجهاز سيئ على غرار كل مؤسسات الدولة اللبنانية، وتؤدي بمهام خطرة بسبب قدم المعدات ونقض التجهيزات، وهو ما يؤثر في أداء الفرق التي لا تزال مستمرة في عملها رغم التحديات". ويوضح أدوار الدفاع المدني بوصفه الجهاز الحكومي المعني بمساعدة وإنقاذ المواطنين خلال الحرب وأثناء مواجهة الكوارث في السلم.
وفاقمت الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي من معاناة "الدفاع المدني"، ولم يعد لدى الجهاز قدرة على شراء المعدات المتخصصة، وبات يعتمد إلى حد كبير على الهبات العينية من الخارج بسبب غلاء أسعارها. ويعطي صالحاني مثالاً على ذلك، "البدلة المقاومة للحريق التي يراوح سعر الواحدة منها بين 800 و1000 دولار أميركي، ولذلك يضطر عناصر للذهاب لإخماد الحريق من دونها لأن الإدارة غير قادرة على تأمينها له. وكذلك الأمر بالنسبة لمعدات العناية الشخصية، إذ يؤدي العناصر المهام تحت القصف من دون خوذ أو سترة واقية من الشظايا، ناهيك بمعدات الإنقاذ والكشف والتكسير والقص". كما يلفت المتحدث ذاته إلى أن هناك مشكلة على مستوى الآليات، لأن "أحدث آليات الإطفاء تعود إلى عام 2003، التي توسع نطاق عملها حالياً ليشمل تأمين المياه لأماكن إيواء النازحين، إذ نقلت 13 مليون ليتر من الماء إلى هؤلاء الموزعين على كل المناطق في لبنان. ويشكل ذلك عبئاً على الآليات التي باتت تحتاج إلى تجديد وتصليح".
من جهته، يؤكد خبير الإنقاذ في الدفاع المدني شربل المسن، و"جود نقص في التجهيزات إذ إن هناك ثلث المطلوب فحسب، وعلى رغم ذلك يستمر الجهاز في أداء المهام المطلوبة منه".
وعلى مستوى المساعدات التي تصل إلى لبنان، يلفت صالحاني إلى أن "المساعدات التي تصل إلى لبنان ذات طابع عيني يهدف لتمكين النازحين والمستشفيات والطواقم الطبية. ولم يحصل الدفاع المدني على مساعدات راهناً"، مضيفاً "قدمنا لوائح بالحاجات الأساسية التي يمكن أن تلحظها الجهات المانحة، ومن ضمنها طلب مادة الفووم الأساسية لمكافحة الحرائق، وتجهيزات الحماية". ويأمل المسن في إنصاف المتطوعين الذين ألحقوا في الجهاز العام الماضي بمعدل 2124 عنصراً إلى جانب حماية المتطوعين الذين يستمرون بالعمل من دون مقابل في كل الفصول ومختلف المراحل، إذ يشكل هؤلاء العمود الفقري للمؤسسة".

العمل مستمر

في عالم 1945 تأسس جهاز الدفاع المدني في لبنان، إبان عهد الاستقلال. وفي عام 1974 استحدثت أول وحدة عملانية مكلفة أعمال الإطفاء والإنقاذ والإسعاف، واتسع نطاق عمل الجهاز إلى أن غطى كل المناطق اللبنانية. واليوم لدى المديرية العامة للدفاع المدني 230 مركزاً وهي تغطي كل المناطق اللبنانية، بحسب الموقع الرسمي للدفاع المدني في لبنان.

تتنوع مهام الجهاز، فمنها ما يتخذ الطابع "الاستباقي" للكوارث، لناحية تأمين الجاهزية لتلافي الكوارث أو التعامل معها بـ"انسيابية" عند وقوعها، ومهام أخرى تتصل بالتعامل مع الحدث الآني فور وقوعه.

ويؤكد نبيل صالحاني أن "التهديدات الإسرائيلية لن تثني عناصر الدفاع المدني عن القيام بواجباتهم، لأنه لا يمكن ترك المصابين من دون مساعدتهم. كما أن عمل الجهاز هو مدني إغاثي إنساني بحت، ولا يمت بصلة للعمل المسلح". ويدعو الناس لمراقبة عمل العناصر الذين يندفعون للعمل الميداني رغم كل الظروف. في المقابل، يشير إلى خروج مراكز المناطق الحدودية عن الخدمة بسبب استهدافها، واضطرار الفرق للانسحاب إلى مناطق أكثر أماناً. وتفيد المعلومات بخروج سبعة مراكز في جنوب لبنان عن العمل بفعل الاعتداءات الإسرائيلية.

من جهته، يلفت شربل المسن إلى أن "فرق الدفاع المدني لديها الخبرة العلمية لمواجهة التحديات، وتعتمد أساليب مختلفة للتعامل مع الاستهدافات. ففي الأماكن ذات الدمار المسطح، هناك صعوبة في خروج الأحياء، كما حصل في النبطية، إذ تبذل الفرق جهدها لانتشال الجثث من تحت الردم"، مردداً أن "الشباب يعملون بأيديهم من دون معدات، ويحاولون قدر الإمكان إغاثة الجرحى".
كما يتطرق إلى آلية العمل التي تبدأ بمعرفة العدد التقديري للموجودين داخل المكان، إذ يقوم فريق من ثلاثة أفراد بإجراء التعداد الأولي، واستقصاء من دخل إلى المبنى، ونتأكد من احتمالية نقل أفراد ومصابين بالسيارات المدنية، جازماً بأن "فرق الدفاع المدني لا تترك أي موقع قبل التأكد أنه لم يعد هناك ضحايا تحت الأنقاض أو في المحيط".
وفي إطار إعادة تمركز فرق الدفاع المدني ضمن محافظة الجنوب، يتحدث المسن عن "تنسيق بين المراكز المتقاربة من أجل الاستمرار في العمل، وخطة وضعت من قبل المدير العام العميد ريمون خطار لتلبية الحاجات على وجه السرعة في كل القطاعات وإن كانت تتعرض للقصف، مع الأخذ في الاعتبار الحد من الضحايا على غرار ما حصل مع عناصر مركز دردغيا حيث سقط خمس ضحايا، وضحية واحدة في مركز النبطية". ورداً على سؤال حول تواصل الدفاع المدني مع "يونيفيل" من أجل الوساطة وعدم استهداف مزيد من المراكز بعد تدمير سبعة مراكز في المحافظة، يفيد بأن "توزيع مراكز الدفاع المدني أمر معروف للجميع، وموجود على الخرائط تحت عنوان الحماية المدنية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير