Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الثورة اليمنية... انتكاسات تذكر بمرارة الانقلاب الحوثي

الشعب حقق مكتسبات قبل 60 عاماً لكن أرباب السلطة تناوبوا سلبها من المواطنين

يشعل اليمنيون قناديل الفرح، وكأنهم استذكروا الآن فحسب أهم مكتسباتهم السياسية والاجتماعية في العصر الحديث (رويترز )

ملخص

يمكن تشبيه الحالة اليمنية اليوم مع كل ذكرى لثورة الـ26 من سبتمبر 1962 التي اندلعت ضد حكم الأئمة الزيدية في شمال اليمن، والـ14 من أكتوبر 1963 ضد الاستعمار البريطاني في جنوبه، بحالة ندم على التفريط الذي قوبلت به الثورتان من أبنائهما.

مع كل ذكرى لثورتي اليمن سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) يشعل اليمنيون قناديل الفرح، وكأنهم استذكروا الآن فحسب أهم مكتسباتهم السياسية والاجتماعية في العصر الحديث.ومع كل انتكاسة أو أزمة أو هزيمة تنال من مكتسباتهم التي حازوا بعضها، يهرعون لتذكر ماضيهم القريب بحسرة وجلد ذات، على رغم أن ذلك الماضي لم يكن مثالياً ولكنه كان أفضل حالاً بالنظر إلى حال الشتات والجوع والتشظي التي يكابدونها اليوم بعيون دامعة حسرة على ستة عقود من الثورة والتفريط.

وحتى وقت قريب لم تكن المناسبات الوطنية تشكل لحظة فارقة لليمنيين في تعاطيهم الوجداني والتقييمي مع التجربة التي خاضت كثيراً من الخطوات والإخفاقات، عدا أنها تمنحهم إجازة في أيامهم المرهقة، ولكنهم اليوم يتفاعلون مع ذكراها السنوية بعنفوان غير مسبوق، تجلت مظاهره العارمة في الفعاليات الجماهيرية، ناهيك بما يضجون به في مواقع التواصل من مظاهر احتفاء بثورتين فرطوا في مكتسباتهما ولم يصلوا لمضامينهما بعد.

بين الخوف والرجاء

وفي المجمل يمكن تشبيه الحال اليمنية اليوم مع كل ذكرى لثورة الـ26 من سبتمبر 1962 التي اندلعت ضد حكم الأئمة الزيدية في شمال اليمن، والـ14 من أكتوبر 1963 ضد الاستعمار البريطاني في جنوبه، بحالة ندم على التفريط الذي قوبلت به الثورتان من أبنائها لعديد الأسباب، أهمها الخلط بين الانفعال الثوري واستحقاق الدولة والتزاماتها جنوباً وما نتج منه من دورات عنف أضعفت الدولة كثيراً، وعمليات السلب والتجيير الذي تعرضت له "الجمهورية" الفتية في الشمال تحديداً، وإخراجها نظاماً هجيناً بين الملكية والجمهورية ظل محل سخط ونقد اليمنيين الذين كثيراً ما اعتبروه سبباً موضوعياً في جملة المشكلات التاريخية التي يعانونها اليوم.

حال الابتهاج هذه التي ظهرت في الوطن الجريح يصفها مدير عام الثقافة السابق بمحافظة تعز عبدالخالق سيف بأنها تعبير عن احتجاج ضمني لوطنه وثورته "المسلوبة والمنقلب على جمهوريته وهي مظاهر عفوية شعبية نامية تحدد اتجاه ومشاعر هذه الجماهير والتفافها حول المضامين والأهداف التي جرى الانقلاب عليها وحتماً ستصل إليها".ويضيف سيف "على رغم المؤامرات ضد الثورة اليمنية منذ أيامها الأولى التي تعززت بنكبة وانقلاب الحوثي في الـ21 من سبتمبر 2014 فإن وفاء الناس والتفافهم وحفاظهم على هذا الإرث المصيري هو إيمان منهم بأهمية العودة إلى هذه الثورة".ويعد المسؤول الثقافي السابق المشاعر الجماهيرية التي خرجت على رغم الخوف والقمع الحوثي للاحتفاء بهذه المناسبة رد فعل من "جموع الشعب عندما شاهدوا الميليشيات تذهب بالوطن والجمهورية إلى الجحيم بالموت والدمار والانقسام وتمزيق النسيج الاجتماعي". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى سيف أن "كل هذه التحديات جعلت كل فئات المجتمع يحتفون بصورة غير مسبوقة بالمناسبة، إذ عبروا عنها بالابتهاج والألعاب النارية ورفع الأعلام التي ترى فيها ميليشيات الحوثي هزيمتها وفشلها وعجزها عن مصادرة وسرقة هذه الثورة بكل أدواتها، ولهذا راحت تعتقل بكل هستيريا كل من يرفع الأعلام الوطنية".

بين صورة الثورة ومضامينها

وعلى ما يلحظه المتابع في السنوات الماضية من ابتهاج جماهيري بذكرى الثورتين حتى بدا وكأنه محاولة ضمنية لاستعادة علاقة جرى التفريط فيها لحظة غفلة أو خذلان، محاولين بهذه الابتهاجات إخفاء براكين من أسى التفريط بعد عقود من إفراغ الثورتين من مضامينهما وفقدان ما حققتاه على الصعيدين الاجتماعي والسياسي أو التذكير بهما والحث على استعادة أهدافهما لعل الجيل الحالي يلتقط اللحظة.

 

الإمامة التي قامت ثورة سبتمبر ضدها في الشمال عادت على نحو أشد سطوة وقسوة ممثلة في الحوثيين، والجنوب كبقعة جغرافية تقع تحت نطاق سيطرة الحكومة الشرعية، ويعيش حالات صراع تاريخية ونزاعات إزاحة وتوهان سياسي عززه بروز أصوات تجاوزت ما نادى به أبناؤه الذين دخلوا في وحدة طوعية مع الشمال اليمني عام 1990 من إصلاح مسار ثورتهم إلى التخلي عن عهد ما بعد الاستقلال في الـ30 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1967 ونهجه، على رغم الإنجازات التي يفاخر بها الجنوبيون وظهور أصوات منادية بعودة العهد السلاطيني والمشيخي الذي ثاروا ضده.

وكما يكشف شريط الأحداث الطويل الممتد لأكثر من 60 عاماً أن مسار الثورتين واجه عديداً من الأحداث أهالت الركام والحواجز التي منعت قطار الاستحقاق والتحديث الثوري من مواصلة السير في طريقه، فظهر أن تململ الناس من ثورتيهم، وعدوا أن ما حققتاه لم يكن بمستوى طموح مناضليهم وتضحياتهم التي اجترحوها، فضلاً عن محاولات التشويه التي انتهجتها القوى المتضررة من الثورة ومساعي إفراغ محتواها من وعي الناس وقناعاتهم.

وعلى رغم المكتسبات التي حققتها الثورة اليمنية فإنها سرعان ما كانت تتلاشى تحت وقع الصراعات الرأسية الدامية لقيادة الدولتين ونشوء كيانات وتحالفات تبحث، وفقاً لمراقبين عن ثمن الثورة في سلطة الدولة، مما خلط مهام هذه الثورة مع استحقاقات الدولة وما ترتب عليه من آثار فادحة، أوقفت المضي في إنجاز استحقاقاتها وتفرغ القيادات المركزية لصراعات الزعامة بحسابات تتنافى وقيم الثورة ومبادئها أحياناً.

 

عن هذه العلاقة المختلة يقول السفير اليمني لدى بريطانيا، ياسين سعيد نعمان، في مقال نشره على "فيسبوك" إن الدولة التي أنشأتها الثورة لم تجسد على الدوام "صورة طبق الأصل للمضامين والأهداف الثورية التي وعدت بها الجماهير، لكنها استطاعت مع ذلك أن تحافظ على قدر من العلاقة بين الدولة والثورة في صور مختلفة من المنجزات، التي غالباً ما كانت تجعل الاحتفال بالثورة وبخاصة من قبل الجماهير عملاً متصلاً بتطلعات الجماهير إلى مزيد من المنجزات التي تعزز السير على طريق الثورة مهما كانت الصعوبات".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير