Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كاتبة سنغالية تعالج التفاوت الطبقي بين المهاجرين في فرنسا

ماري ندياي تعتمد تيار الوعي لسبر أغوار شخصيات روايتها "الثأر ثأري"

إحدى ضواحي المهاجرين في باريس (أ ف ب)

ملخص

تدخل الروائية الفرنسية السنغالية الأصل ماري ندياي عالم الصراع الطبقي في روايتها الجديدة التي ترجمت إلى العربية بعنوان "الثأر ثأري"، وتسرد حكايات اناس مهمشين، على أكثر من مستوى.

يحدد سارد رواية "الثأر ثأري" للكاتبة الفرنسية ماري ندياي (1967) بداية أحداثها في الخامس من يناير (كانون الثاني) 2019، لكنه يعود بين الحين والآخر إلى حدث مركزي وقع قبل ذلك بـ32 عاماً، عندما كانت بطلتها في العاشرة من عمرها والتقت صبياً يكبرها بخمس سنوات، ووقع بينهما أمر لم تستطع أن تنساه أبداً، لكنها لا تفصح عن تفاصيله، مكتفية بما انتهى إليه وهو قيام ذلك الفتى بطردها من غرفته على نحو لا يخلو من العجرفة. والسارد في هذه الرواية التي صدرت ترجمتها إلى العربية أخيراً بتوقيع الشاعرة المصرية هدى حسين (دار المرايا) خارجي، لكنه في حقيقة الأمر يبدو مجرد صدى لصوت بطلتها المهيمن في تداع حر من بداية الرواية لنهايتها، حتى ليبدو وكأننا بصدد مونولوغ طويل على رغم تداخل أصوات عديدة في سياقه، قلما يفلح أحدها في الإفلات من تلك الهيمنة، ليتمكن من التعبير عما يفكر فيه ويرغبه. وندياي المولودة لأم فرنسية وأب سنغالي، عضو في الأكاديمية الفرنسية، تكتب المسرح والرواية والقصة القصيرة.

حصلت على جائزة "فمينا" الأدبية في 2001، وجائزة جونكور في 2009. تعتقد "الأستاذة سوزان" – كما تحب أن تنادى - أن الرجل الذي دلف إلى مكتبها في بناية في مدينة بوردو، "على استحياء وخجل"، ليطلب منها الدفاع عن زوجته التي قتلت أطفالهما الثلاثة، هو نفسه ذلك الصبي المنتمي إلى أسرة برجوازية، والذي ذهبت أمها إلى بيتها لمرة واحدة لتحل محل خادمة منعها من العمل في ذلك اليوم ظرف طارئ. لم يساورها ذلك الاعتقاد استناداً إلى تعرفها على ملامحه بعد مرور كل تلك السنوات، ولكن من خلال اسم عائلته، الذي يبدو أنها لم تتمكن من محوه من ذاكرتها، أو هكذا تصورت، بما أن والدتها صارحتها بأنها لم يسبق لها العمل لدى عائلة تحمل اسم "برنسيبو". وعلى هذا النحو ستجد "الأستاذة سوزان" متأرجحة بين شك ويقين، حتى فيما يخص مشاعرها تجاه والديها. كانت الطفلة "سوزان" المنتمية إلى أسرة فقيرة، من أصول أفريقية على الأرجح، في صحبة أمها في ذلك اليوم، ودخلت غرفة الصبي لتنبهر بمحتوياتها بقدر انبهارها بلباقة ساكنها وثقافته وحضوره الطاغي، الذي أشعرها بالسعادة، ثم لينتهي الأمر بطردها منها، فتحتفظ بهذا السر الذي قلب حياتها رأساً على عقب، لنفسها، وتصر على الارتقاء اجتماعياً، لتثأر من تلك الإهانة.

عندما لجأ إليها "جيل برنسيبو" لتدافع عن زوجته، كانت "سوزان" حديثة عهد بفتح مكتب يخصها بعدما عملت لسنوات في مكتب محام آخر. وحتى تلك اللحظة لم تخرج القضايا التي قبلت الترافع فيها عن كونها عادية وليس بينها أي قضية جنائية مثل تلك التي تخص الزوجة التي قتلت أبناءها الثلاثة. يصفها السرد دائماً بـ"الأستاذة"، وينسب والديها إليها: "السيد سوزان"، و"السيدة سوزان"، ربما بما أنها حملت على عاتقها نقل الأسرة من طبقة البروليتاريا، إلى الطبقة البرجوازية، لكن "الأستاذة" مع ذلك، لا يفارقها ذلك الشعور القديم بالخزي، ومن ثم تتوتر علاقتها بوالديها وبخادمتها، التي تقيم في فرنسا مع زوجها وولديها بصورة غير شرعية، وحتى بـ"رودي" الذي ينتمي هو أيضاً إلى أسرة من المهاجرين، ربطتها به علاقة حميمية امتدت لسنوات عدة.

هو أيضاً يعمل محامياً، وبعد اتفاقهما على إنهاء علاقتهما العاطفية، التي كانت محل ترحيب من والدي "سوزان"، يتحولان إلى "صديقين"، ويرتبط هو بأخرى، وينجب منها طفلة، وتظل هي بلا شريك في شقتها التي كانت عنوان استقلالها عن أبويها غير المتعلمين، واللذين يصران على حاجتها لرعايتهما، ويطالبانها بالزواج والإنجاب، ولا يخفيان أسفهما لقلة حظها من الجمال... "تقبلت منذ طفولتها وجهها العريض الممتلئ الخالي من التقاسيم، عظام الوجنتين، جبهتها الضيقة، وعيونها شديدة الاستدارة. كانت ضخمة البدن، طولها شبه مخيف. لقد نمت من كل اتجاه بلا حدود".

حين دخل "جيل برنسيبو" مكتب المحامية، رمقها، فيما كانت تطرح عليه أسئلة اعتيادية بخصوص قضية زوجته، "بنظرة زائغة، ثم بنظرة مطمئنة، ولم تستطع أن تلمح في نظرته المعلقة بوجهها هاجساً ولو بعيداً يقول لها: "أنا أعرفك" (ص7). توافق "سوزان" على الدفاع عن "مارلين برنسيبو"، "القاتلة التي يريد زوجها أن تحصل على حكم بالبراءة على رغم أن ما ارتكبته، مهما كانت مبرراته أفقده أولاده إلى الأبد". أصغر هؤلاء الأولاد رضيعة في عمر ستة أشهر، وأكبرهم في السادسة من عمره والأوسط في الرابعة، وقتلتهم الأم بأن أغرقتهم في البانيو، ثم نقلت جثثهم إلى سرير غرفة النوم، وأبلغت الشرطة، وقبلها اتصلت بزوجها طالبة منه العودة إلى المنزل "بسرعة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تبدأ "سوزان" بجمع المعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام المختلفة عن الحادثة الأليمة، ملاحظة تحاملها، الذي قد يبدو بديهياً للوهلة الأولى، على الأم "المتوحشة"... "كم كانت ممتنة لها لقبولها أن تكون محاميتها هي التي لم تترافع من قبل في الجايات، ولم تثبت بعد قدرتها على إنقاذ أي شخص" (ص135). وبالتوازي تكرر الطلب من خادمتها "شارون" أن تجلب لها قسيمة زواجها حتى تتمكن من الحصول لها ولأسرتها على إقامة شرعية، لكنها تتهرب، وفي الأخير تخبرها بأن أخاها الأكبر، يخفي تلك الوثيقة، لأنه لا يرغب لها أن تقيم في فرنسا، ويريدها أن تعود إلى موريشيوس. ومن خلال تيار الوعي، يخبرنا السارد، المتكئ عادة على أفكار "الأستاذة سوزان" وتداعيها الحر، بأن "جيل برنسيبو"، "كان في قرارة نفسه يعرف أن تصرفاته غير مفهومة للآخرين. مفهومه عن الاحترام هو ألا يجب على أحد أن يظهر لا ألمه ولا غضبه".

وفي السياق ذاته، يتسع المجال، لنقل مشاعر متناقضة لكل شخصيات الرواية، إزاء بعضهم بعضاً، فعندما طلب "رودي" من "سوزان" أن ينفصلا، بعدما عاشا معاً لنحو خمس سنوات، "كانت تتصنع البكاء، بينما قلبها يخفق من السعادة. وعندما يصر والد "سوزان" على أنها تصرح بأنها كانت ضحية ذلك الصبي قبل 32 عاماً، تصفه بينها وبين نفسها بأنه ذو خيال "مثير للشفقة"، وترى أن عليها أن تصارع ضد والدها "لكي لا تشكل تلك الذكرى بالطريقة التي يراها هو". تعتقد "سوزان" كذلك أن "شارون" تكن لها كرهاً، لكنها لا تجرؤ على مصارحتها بذلك، وتستبقيها للعمل عندها، على رغم أنها ليست في حاجة إلى خادمة.

وعلى رغم يقينها من "ليلا" هي ابنة "رودي" من امرأة أخرى، إلا أنها في الأخير تقرر تبنيها، عندما وجدت أن أبويها متعلقان بها، وأن أمها تخلت عنها، فيما ينشغل أبوها عنها بالعمل، ويبحث لها عن مربية. هكذا، تقترب "سوزان" في بضعة أشهر، أعقبت زيارة "جيل برنسيبو" لمكتبها، من الاتساق نوعاً مع محيطها، فترفض أن تتولى "شارون" رعاية "ليلا"، حتى لا تحتك بوسطها المتدني في حي يعج بالمهاجرين غير الشرعيين، وكثير منهم يتعاطى المخدرات ويرتكب جرائم السرقة بالإكراه وحتى القتل: "في كل مرة كانت عيناها تلتقي بنظرة ليلا، تتشكل على شفتيها، في صمت، هذه الجملة: لقد عدت" (ص286). وتصر على أن تترافع عن "مارلين برنسيبو" التي تنتمي مثلها إلى أسرة فقيرة، بما يبرئ ساحتها ويدين زوجها المتعجرف الأناني المتسلط، بغض النظر عما إذا كان هو نفسه الصبي الذي أهانها في طفولتها، أو كان شخصاً آخر، بما أنه كان يعمل دائماً من أجل إحاطة هذه الأم بالوحدة، على رغم أنها تركت من أجله عملها، ولبت رغبته في إنجاب عدد كبير من الأطفال، وتحملت وحدها مسؤولية رعايتهم، فيما كان هو يحيطهم "برعب عظيم".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة