Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل وقفت الولايات المتحدة خلف اغتيال أول رئيس وزراء باكستان؟

نظريات عدة يتناقلها الناس حول مقتل لياقت علي خان بسبب الظروف الغامضة والمريبة التي تلت مقتله

لياقت علي خان يجلس مع الرئيس الأميركي هاري ترومان   (اندبندنت أوردو)

ملخص

الوثيقة المسربة التي أشارت إليها بعض الصحف لا يمكن العثور عليها على شبكة الإنترنت ولا في أرشيفات وزارة الخارجية الأميركية. ولكن حتى لو سلمنا بصحة هذه الوثيقة فهل يمكن أن نطلق عليها "اعترافاً" من قبل الولايات المتحدة مع أنها لا تحتوي إلا على ملخص لتقرير صحافي تم إرساله إلى وزارة الخارجية؟

قبل سبعة عقود وتحديداً في الرابعة عصراً من مساء 16 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1951، وصل أول رئيس وزراء لباكستان والذراع اليمنى لمؤسسها لياقت علي خان في ميدان كامباني باغ في مدينة راولبندي حيث يجتمع آلاف من أنصاره لاستقباله والسماع لخطابه. وقد تم بناء المسرح على رغبة لياقت علي خان إذ وضع كرسيه الخاص في منصة عالية وسط المسرح المغطى بالسجاد.

ما إن وصل خان على المسرح واضعاً قلنسوته الفريدة مرتدياً الزي الباكستاني الرسمي حتى ارتج المكان بشعارات "باكستان زنده باد، لياقت علي زنده باد، مسلم ليك زنده باد" (تعيش باكستان، يعيش لياقت علي، يعيش حزب الرابطة الإسلامية).

وبعد الخطابات الاستهلالية، وقف لياقت من كرسيه نحو الميكروفون ليردد الناس الشعارات الترحيبية مرة أخرى، "إخوتي المواطنين" كلمات استهل بها لياقت علي خطابه أمام الحاضرين لكنها باتت آخر كلمات يتلفظ بها أول رئيس وزراء لباكستان.

ويوجد تسجيل لهذا الاجتماع في الأرشيف الباكستاني، إذ يمكن بعدها سماع صوت طلقتين ناريتين بعد الكلمات الأولية له، يتبعه ضجيج الناس وطلقة أخرى بعد سبع ثوانٍ، وبعد بضع ثوانٍ يسمع صوت إطلاق النار إلى نهاية التسجيل.

تم نقل لياقت علي إلى مستشفى قريب حيث أعلنت وفاته بعد 50 دقيقة. وبعد مرور أكثر من 70 عاماً، لا تزال الحادثة محل تساؤل وغموض عن أسباب مقتله وإمكانية وجود أيادٍ خفية وراء أول اغتيال رفيع المستوى في تاريخ باكستان.

أكبر خان ببرك

هناك لبس ونظريات عدة حول من يقف خلف الاغتيال، لكن هوية القاتل أكبر خان ببرك كانت واضحة منذ البداية إلا أن مقتله فور عملية الاغتيال على يد الشرطة التي أعدمته بالرصاص حال دون معرفة دوافعه.

البيانات الصحافية الرسمية بعد حادثة الاغتيال قالت إن منفذ العملية أكبر خان ببرك مواطن أفغاني من قبيلة زاردان في إقليم خوست وينتمي لحركة خاكسار (حركة إسلامية ضد الاستعمار البريطاني وتقسيم الهند)، لتبدأ حملة اعتقالات ضد أعضاء الحركة على رغم أن الحكومة سحبت بيانها لاحقاً.

وظهرت تفاصيل أخرى عن منفذ العملية عقب مرور أيام جاء فيها، إن أكبر خان كان عميداً في جيش العاهل الأفغاني أمان الله خان، ولكن عندما اضطر أمان الله إلى الفرار من البلاد نتيجة الحرب الأهلية في أفغانستان ووصول ظاهر شاه إلى السلطة في عام 1947 قبل سبعة أشهر من استقلال الهند، قرر خان مغادرة أفغانستان إلى الهند حيث منحه البريطانيون اللجوء السياسي واستقر في مدينة أبوت آباد مع عائلته.

وحصل أكبر خان على راتب من الحكومة البريطانية استمر حتى بعد استقلال باكستان. ويقال إنه كان معجباً بالشاعر محمد إقبال وبالشخصية الصوفية جلال الدين الرومي، وكان صائب الرمي لذا أصاب قلب لياقت علي من أول مرة.

ومن المثير للاستغراب أن التاريخ أعاد نفسه بعد عقود من مقتل أول رئيس وزراء لباكستان لياقت علي خان عندما تم اغتيال أول رئيسة وزراء في العالم الإسلامي بينظير بوتو في الميدان نفسه الذي سمي في ما بعد بميدان لياقت باغ، وهي محاطة بجمع من أنصارها بعد الانتهاء من خطابها، وتم رش مسرح الجريمة بالمياه بدلاً من أن تقوم فرق التحقيق بمشط كل شبر منها، تماماً كما تمت تصفية أكبر خان بدلاً من أن يتم التحقيق معه.

عمل فردي أم مؤامرة مدبرة؟

وتم تعيين لجنة تحقيق بقيادة القاضي محمد منير في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1951 بعد أسبوعين من اغتيال لياقت علي خان والتي استجوبت 89 شاهداً في 38 جلسة استماع خلال الأشهر التالية.

وبعد التحقيق والمداولات والمناقشات، كتبت اللجنة أخيراً في تقريرها، "لم يكن هذا القتل عملاً فردياً من جانب أكبر وربما كان نتيجة لمؤامرة تتعلق بتغيير الحكومة". لكن اللجنة التزمت الصمت بشأن من يقف خلف هذه المؤامرة ومن المستفيد منها. وعين رئيس الوزراء الجديد خواجة نظيم الدين المفتش العام للشرطة اعتزاز الدين لإعادة التحقيق في جريمة القتل، إلا أن اعتزاز الدين توفي في ظروف غامضة في حادث تحطم الطائرة في 26 أغسطس (آب) 1952 وفي حوزته جميع الأدلة والوثائق المتعلقة بالقضية.

واستمر الغموض يشوب القضية حتى في وقت لاحق، إذ لم يتم تقديم ملف القضية إلى المحكمة على رغم أمر محكمة لاهور العليا، وقامت اسكوتلاند يارد أيضاً بالتحقيق في الحادث لكن تقريرها لم ينشر حتى الآن.

 

ودفع هذا الغموض عامة الناس إلى الجزم بأن الاغتيال لم يكن عملاً فردياً، بل نتيجة مؤامرة عميقة، وانتشرت عدة نظريات حول من يقف خلف هذه المؤامرة:

تم تدبير هذه المؤامرة من قبل وزير المالية آنذاك غلام محمد ووزير كشمير مشتاق أحمد جورماني ووزير الدفاع اسكندر ميرزا لأن لياقت علي خان لم يكن راضياً عن أدائهم وكان يريد إقالتهم جميعاً من مناصبهم.

الهند أرادت إحداث الفوضى في باكستان لا سيما بعد أن هددها لياقت علي خان، ونوه بالهجوم عليها قبل أشهر من اغتياله.

يمكن أن يكون حادث الاغتيال مرتبطاً بحركة باشتونستان المدعومة من أفغانستان لا سيما أن أكبر خان أفغاني.

الاتحاد السوفياتي يقف خلف الاغتيال لأن لياقت علي خان فضل الذهاب إلى أميركا بدلاً من زيارة روسيا، وبذلك جعل باكستان تابعة للولايات المتحدة.

تم اغتيال لياقت علي خان على يد الرئيس الأميركي هاري ترومان لأن الولايات المتحدة طلبت من باكستان إقناع إيران بنقل السيطرة على مواردها النفطية إلى الولايات المتحدة، لكن لياقت علي خان رفض ذلك، بل أمر الولايات المتحدة بإخلاء القواعد العسكرية في باكستان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل اعترفت الولايات المتحدة بقتل لياقت علي؟

النظرية الأخيرة كانت الأكثر رواجاً في باكستان، خصوصاً خلال الآونة الأخيرة، حتى أن بعض وسائل الإعلام المحلية قالت إن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) رفعت السرية عن تقارير تعترف فيها بأن أميركا هي من تقف وراء اغتيال لياقت علي خان.

إلا أن أياً من هذه الصحف لم تكلف نفسها عناء تقديم رابط أو نسخة من هذه الوثائق المسربة المزعومة، أو على الأقل توفير ترجمة لجزء من الوثائق المشار إليها. القليل من البحث يكشف أن مصدر كل هذه "الاكتشافات" هو تقرير نشر في "عرب نيوز" عام 2006، كتبه سيد رشيد حسين بعنوان: الأوراق التي رفعت عنها السرية تسلط الضوء على دور الولايات المتحدة في مقتل لياقت.

وجاء في التقرير ما يلي، "يلقي تقرير رفعت عنه السرية أخيراً من قبل وزارة الخارجية الأميركية الضوء على بعض الحقائق المثيرة للاهتمام. ووفقاً لهذه الوثيقة، أرسلت سفارة الولايات المتحدة في نيودلهي برقية بتاريخ 30 أكتوبر 1951.

ويمضي التقرير ليذكر أن البرقية تحتوي على ملخص لتقرير إخباري نشر في صحيفة "النديم" الأردية الصادرة من بوبال في 24 أكتوبر 1951 أثارت فيها تساؤلاً حول إمكانية ضلوع الولايات المتحدة في مقتل لياقت علي خان.

الجدير بالذكر أن الوثيقة المسربة التي أشارت إليها "عرب نيوز" لا يمكن العثور عليها على شبكة الإنترنت ولا في أرشيفات وزارة الخارجية الأميركية. ولكن حتى لو سلمنا بصحة هذه الوثيقة فهل يمكن أن نطلق عليها "اعترافاً" من قبل الولايات المتحدة مع أنها لا تحتوي إلا على ملخص لتقرير صحافي تم إرساله إلى وزارة الخارجية؟ مع العلم بأن السفارات في جميع أنحاء العالم تبحث عن الأخبار المتعلقة ببلادها وترسلها إلى وزارة خارجيتها لا سيما تقارير الأخبار السلبية؟

المؤكد في هذا الصدد أن هناك بعض الوثائق التي كشفت عنها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في الأرشيف التي يذكر فيها مقتل لياقت علي خان، لكن لا يوجد أي إشارة بأن الولايات المتحدة كانت لها يد في الاغتيال. ويحدد الموجز الاستخباراتي المنشور في 16 أكتوبر حركة خاكسار باعتباره القاتل المحتمل، في حين تذكر وثيقة أخرى في 22 أكتوبر تورط مواطن أفغاني في العملية.

بعد آخر للقضية

ألقى ضابط الجيش السابق صادق نسيم بعض الضوء على جانب آخر من هذه القضية المعقدة في كتابه "ضوء المصابيح"، وجاء فيه، "لياقت علي خان كان قلقاً للغاية بشأن إثارة أفغانستان لقضية باشتونستان، ورأى أن أفضل طريقة لإرباك حكومة ظاهر شاه في أفغانستان هي إثارة التوتر بين البشتون والمتحدثين باللغة الدارية هناك، واختار سيد أكبر خان لهذا الغرض الذي يتقاضى راتباً من حكومة باكستان".

يضيف، "ولكن عندما فشل أكبر خان في تحقيق النتائج المرجوة، قام لياقت علي خان بتخفيض راتبه إلى النصف من دون إبداء أي أسباب، وحاول أكبر خان مقابلة رئيس الوزراء عدة مرات لمناقشة راتبه لكنه فشل في كل مرة. وكان أكبر خان يتساءل لماذا يعاقب مع أنه باع أمته وحاول العمل لمصلحة باكستان، إلى أن قرر أخيراً بالانتقام من لياقت علي خان بنفسه".

ووفقاً لصادق نسيم، فإن "أكبر خان كان يمارس إطلاق النار بالمسدس في منزله، وشهد العديد من جيرانه في أبوت آباد أنه كان يشتم لياقت علي كثيراً، وحاول ملاحقته في مدينة مري لكن لم يتمكن منه هناك، وسنحت له الفرصة في مدينة راولبندي".

نقلاً عن "اندبندنت أوردو"

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير