Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عباس بيضون يروي  احوال زواج المتعة في "الشيخ الاحمر"

 البطل اللبناني المزواج والمحافظ يألف الفلسفة وييسر امور النساء في الزمن العثماني

لوحة للرسام اللبناني أحمد ابو زيد (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

 يخطو الشاعر اللبناني عباس بيضون خطوة جديدة نحو تأكيد اسمه في عالم الرواية مع صدور روايته الجديدة "الشيخ الأحمر" عن دار الشروق في القاهرة. تتسم الرواية بشيء من البساطة الآسرة والخادعة في آن واحد، فعلى رغم بساطة موضوعها الذي يماثل الحكايات الشعبية في القرى الصغيرة، فإن طبقاتها تتعدد وتنتج كثيراً من الدلالات، بطريقة تدفعنا نحو إعادة النظر في النماذج البشرية التي تحيط بنا.

تكافح رواية "الشيخ الأحمر" للشاعر عباس بيضون بالسردية التي يتقدمها التنميط المعتاد في تناول سير رجال الدين في الرواية العربية، فبطلها عبدالحسين يجسد أسئلة رجال الدين العرب في الزمن العثماني من حيث الانشغال بأسئلة النهضة العربية. ربما لم تكن لديه قضايا أيديولوجية كبرى لكن لديه قناعات حول النهضة والتحرر جمعت الناس حوله، على رغم أنه لا يرفع شعارات ذات طابع متطرف أبداً وعاش حياة ثرية.  درس الشيخ في النجف واستقر طوال سنوات دراسته هناك، ثم تزوج بامرأة عراقية هي خديجة، لكن عائلته اللبنانية استدعته ليعود إلى قريته جباع من جديد، فيأتي مع زوجته وشقيقتها المطلقة عاصمة، التي تصبح بين ليلة وضحاها سيدة البيت.

 تستقبل عاصمة ضيوف البيت من النساء وتتولى توديعهن، وهي أيضاً التي تختار، من صبايا البلدة، من تساعدها في أشغال المنزل الذي اختارته على ربوة من ربى القرية. تتدافع الفتيات لهذه الخدمة، لأن العمل في بيت الشيخ يعطي شهادة بالمقدرة وحسن التدبير.

 قضاء الأمور

 

خلال حياته اليومية في القرية ينفق الشيخ غالب الوقت في التجوال على بيوت الأرامل والمطلقات لقضاء الأمور، فإلى جانب اهتمامه بالفلسفة وقدرته على تبني الرؤى الراديكالية في تفسير النصوص الدينية وتأويلها، عرف بولعه بالنساء، ولذلك تزوج على زوجته خديجة، سيدة جميلة تدعى نظام، زواج المتعة. حين تمرض خديجة تطلب منه أن يأتي بزوجته الجديدة إلى البيت لتوصيها وصيتها قبل أن تموت، لكن حياة خديجة تطول وتأنس لنظام وتأمن لها، وتوصيها بزوجها الذي هجر الزوجتين معاً، وترك نظام في غرفة خديجة.

 تعرف نظام ما ينتظر خديجة من موت مؤجل، وربما جهزت نفسها لتحل محلها، وارتاحت خديجة لهذا السيناريو، ولم تستغربه أو تنفر منها. فقد نظرت إلى الحاجة نظام كخليفة لها، وكانت من وجهة نظرها الأجدر بالحلول محلها. وبينما كانت الأمور تسير وفق هذا السيناريو، يفاجئ الزوج الجميع بحب سيدة أخرى هي وجيهة التي كانت تتردد على بيت نظام للخدمة، ولما شعرت نظام بميل زوجها إلى خادمته حاولت إبعادها عنه فلم تفلح.

عاصمة البيت

كلما تدهورت صحة خديجة ألقت شقيقتها عاصمة باللوم على الشيخ عبدالحسين، واعتبرته، على نحو ما، مسؤولاً عن تراجع حال امرأته الأولى، وكرهت عشيقاته بالضرورة، وعلى رأسهن الحاجة نظام التي جاءت إلى البيت وشاركت في إدارته. تترصد عاصمة علاقات الشيخ بالنساء وتصل بطريقة ما إلى معرفتهن. كانت عاصمة، التي تطلقت من ابن عمتها، تكره عبدالحسين، وتكره معه الرجال جميعاً. وفي أوقات كثيرة فكرت بزواج ثان ولكنها وجدت أنها لا تطيق أن تفعل ذلك.

 

بعد موت خديجة يكتشف عبدالحسين دور عاصمة، المجهول في بيته، يبدأ في النظر إليها بطريقة مختلفة ليدرك أنها "عاصمة " البيت ومركز إدارته، فقد بقيت مع العائلة بعد وفاة أختها ولم تقبل بفكرة مغادرة البيت، بل صارت أكثر حضوراً ونفوذاً، وصار البيت بوجودها أكثر ترتيباً.  تصور الرواية تنامي مكانة عاصمة وهي تكتشف أن حياتها في بيت أختها، كانت حباً خالصاً. وما كان يبدو من جهامتها وانتظامها، ليس في حقيقته سوى حب كبير لعبدالحسين، الذي يلخص أمامها الجميع، فيصبح هو الرجل الذي تريد.

نموذج فريد

لا يتردد الشيخ في طلب الزواج بها، لكنها تقاوم رغبته فيها خوفاً من ظل شقيقتها الراحلة، على رغم أن الفكرة راقت لها في البداية وغردت لها، لكنها ما لبثت أن استيقظت، على أن المطلوب منها خيانة كاملة لسيرة أختها.  تتساءل في روحها عن ماذا سيبقى من حبها لخديجة، ومن حبها لابنة شقيقتها آمنة، وشقيقها زيد، وبقية أفراد العائلة. ستبقى فقط المكافأة السخيفة. أما الشيخ فقد عزم في النهاية أن يبقى وحيداً بإرادته، ورغبته في أن يبقى وحيداً، وزاد انغماساً في الدين، بعد أن حفزه موت خديجة على أن يسترسل في ذلك ويعود متديناً فحسب. بعد أن تكرر رفض عاصمة يقرر الشيخ الزواج من وجيهة، وتقبل بذلك ابنته آمنة، على رغم أنها كانت تؤثر عودة الحاجة نظام، كما كانت أمها، لكن عبدالحسين يختفي بعد أن ينتهي العرس، ثم يجدونه عند قبر خديجة التي ذهب ليعتذر لها.

بالتوازي مع هذا المسار يعيد الأبناء في زمن تال إنتاج قصص الآباء على نحو آخر، فالابن زيد يذهب إلى إسطنبول للالتحاق بخدمة البلاط العثماني، لكنه يعود قاصداً الذهاب للدراسة في النجف كما فعل والده. أما الابنة آمنة فترفض الزواج من ابن خالتها أيمن بعد وفاة شقيقه الذي تقدم لخطبتها قبل موته. تمثل شخصية آمنة في الرواية واحدة من أعذب الشخصيات وأكثرها تعقيداً، فهي تعاني رقابة خالتها التي راقبت تفتح جسد آمنة بالقدر نفسه الذي تابعت فيه ذبول جسدها، حتى إنها فكرت كثيراً في إغواء عبدالفضيل، خطيب آمنة قبل أن يموت بمرض تشمع الكبد. ثم تصور الرواية ظهوره في منامات الجميع، موصياً بأن تتزوج آمنة من شقيقه، فتعيد آمنة إنتاج ما عاشته عاصمة، من ترددها بين قبول الزواج من زوج شقيقتها أو رفضه.

 تقوم الرواية إجمالاً على تنافر وتجاذب بين قطبين أساسيين، القطب الأول، يمثله الشيخ عبدالحسين والثاني تمثله عاصمة، شقيقة زوجته خديجة التي جاءت للعيش معهم في البيت نفسه عقب طلاقها، وتولت العناية بالبيت والولدين زيد وآمنة، لكنها ترغب في الزواج من المترددين على منزل العائلة. أما الشيخ فهو نموذج فريد وطريف لرجل دين يرى أن تيسير أمور النساء من الأرامل والمطلقات جزء من واجبه الديني، هو ليس كالصلاة ولكنه قريب منها.

خطاب النهضة 

تشير الرواية في خطابها العام إلى الكيفية التي تكون بها خطاب وعي رواد جيل النهضة العربية، إذ لم يتمكن هؤلاء من حسم تناقضاتهم بالكامل، بل سعوا إلى ملاءمة خطاب التجديد مع الثقافة التقليدية. فرجل الدين الذي تقدمه الرواية لم ينجح تماماً في حسم تناقضاته وظل يختزل دور المرأة في الجانب الشبقي الذي يعزز فحولته، كما أن تربيته ابنته ظلت تربية مغلقة تماماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 يتألف هذا الجانب مع الصراع الذي نشأ داخله بين اهتمامه بالفلسفة وأفكار ابن رشد والغزالي وابن عربي، وتمسكه في الوقت نفسه بإصراره على أن يكون محافظاً في بقية أفكاره الاجتماعية، على رغم أن شباب القرية التفوا حوله بعد أن شعروا باختلافه وأطلقوا عليه لقب "الشيخ الأحمر". لكنه مع ذلك ظل متشدداً في الدين، تشدداً لم يلتفت له أنصاره، الذين بقي بالنسبة إليهم مجدداً وشاباً. غير أن تشدده ظل مجهولاً من أصحابه وأنصاره، ولعل لغته الفلسفية أسهمت في أن تغطي على ذلك، وأن تحجبه.  في مرحلة من حياته خطر للشيخ أن يجمع بين زعامة الدين وزعامة السياسة. لكنه لم يفلح في طلبه الزعامة، بل كان طموحه إليها سبباً لنكسات عادت عليه وعلى عائلته.

يرى بطل الرواية أن مهنة رجل الدين مهنة بلا جدوى، لأن مسائل تتعلق بالعبد وبالله ليست مسائل تتخذ منها مهن، ويقوم بها بشر، وكان يقول إن رجل الدين مفوض من الناس، وإن عمله دنيوي كأكثر ما تكون الدنيوية، وإن الدين لا يربح بهذه الدنيوية، وغالباً ما يخسر.

 تواجه الرواية من جهة أخرى ما تسميه خطاب الإلغاء، بحيث يحل الأحياء محل الموت وتهمل المشاعر والذكريات، فالموت يلغي ونحن نلغي باسمه، نلغي محله. الموت يأخذ، ونحن ما نفعله، ليس سوى العملية نفسها. هو يأخذ ونحن نقلده ونقتدي به. إننا نحل محله ونقوم بعمله، هو يخطف ونحن نفعل الشيء نفسه. نبدل وجهاً بوجه واسماً باسم، ونقوم هكذا بعمل الموت نفسه.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة