Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعريفة المواصلات... صداع مزمن في "جيوب" المصريين

مع كل زيادة بأسعار الوقود تتجدد الأزمة ويعيدون ترتيب الأولويات

"الزيادات المتتالية أجبرتني على اتخاذ قرارات مؤلمة منها اضطراري للتخلي عن زياراتي الشهرية المخصصة لأسرتي" (مواقع التواصل)

ملخص

متولي يمتنع عن الزيارات العائلية وصابرين تتخلى عن "التوك توك" وجمعة يستغنى عن بندي الترفيه والملابس، ورمضان يفتقد متعة المترو... كيف يتعايش المصريون مع زيادة تعريفة المواصلات؟

"لم أعد أستطيع السيطرة على موازنة أسرتي" بصوت مخنوق يصف أحمد جمعة من قاطني منطقة فيصل داخل محافظة الجيزة في مصر كيف أصبحت كلف المواصلات عبئاً على دخله، فبعد أن كانت لا تتجاوز 10 في المئة من راتبه قبل عام وصلت الآن إلى 30 في المئة، ويؤكد عدم قدرته على التكيف مع تلك الزيادة التي تضغط على موازنة أسرته يوماً بعد يوم.

ويروي جمعة لـ"اندبندنت عربية" تفاصيل معاناته اليومية "مع الزيادات الأخيرة اضطررنا للاستغناء عن النقل الذكي كلياً والاعتماد على النقل العام"، ملقياً الضوء على أن كلفة رحلته المعتادة بين فيصل وشبرا الخيمة كانت لا تتعدى 80 جنيهاً قبل أقل من عام بينما وصلت الآن إلى 120 جنيهاً، مضيفاً "حتى السائق الذي ينقل ابنتي إلى المدرسة رفع الأجرة الشهرية بقيمة 200 جنيه".

خلال الـ18 من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 رفعت مصر أسعار الوقود للمرة الثالثة هذا العام، إذ ارتفع سعر السولار بنسبة 17 في المئة ليصل إلى 13.50 جنيه للتر، وارتفعت أسعار البنزين بنسبة تراوح ما بين 11 و13 في المئة ليصبح بنزين 80 بسعر 13.75 جنيه وبنزين 92 بسعر 15.25 جنيه وبنزين 95 بسعر 17 جنيهاً للتر.

ويذهب الشاب الثلاثيني بدفة حديثه إلى عمليات الاستغلال التي ترافق زيادة أسعار الوقود، قائلاً "السائقون أصبحوا يرفضون إكمال خط السير ويطالبون بأجرة إضافية"، مؤكداً أنه استغنى عن بند التنزه الذي يتطلب تحمل كلفة المواصلات وأصبح يكتفي بالأماكن القريبة من المنزل.

وحول كيفية استقباله القرارات المتعلقة برفع أسعار الوقود يؤكد جمعة "كلما سمعت عن زيادة جديدة، تترجم بالنسبة إليَّ تلقائياً إلى ارتفاع الأسعار بصورة عامة، حتى في الخدمات التي لا تتصل مباشرة بالوقود".

البحث عن بدائل أقل كلفة

صابرين محمد سيدة خمسينية من منطقة الوراق ليست أفضل حالاً من جمعة، إذ تروي في تصريح خاص جزءاً من المعاناة التي تقع على كاهل أسرتها "زوجي الستيني لجأ إلى استخدام الدراجة كوسيلة توفر له بند المواصلات خلال رحلته اليومية من الوراق إلى فيصل، وهي عملية شاقة جداً بالنسبة إليه".

وتنتقل صابرين تلقائياً بحديثها إلى تأثير زيادة كلفة المواصلات العامة على بقية أفراد أسرتها مشيرة إلى ابنتها المهندسة المعمارية حديثة التخرج التي تعمل بإحدى الشركات في مدينة السادس من أكتوبر، وتتقاضى راتباً قدره 5 آلاف جنيه وتلتهم المواصلات 100 جنيه من دخلها بصورة يومية مما يضطرها إلى إنفاق نحو 3 آلاف جنيه على هذا البند، وتقليل النفقات المستخدمة في البنود الأخرى. أما ابنها الأصغر فينفق نصف دخله على بند المواصلات إذ يتقاضى 3 آلاف جنيه شهرياً فحسب.

 

المتغيرات الجديدة دفعت صابرين إلى البحث عن حلول لتخفيف النفقات، إذ تقول "كنت أستخدم التوك توك للتنقل وبعد زيادة أجرته أصبحت أستغني عنه في المشاوير القريبة معتمدة على المشي، وطلبت من خطيب ابنتي أن يتكفل بنقلنا إلى منزله بعد الزواج بدلاً من دفع 200 جنيه في الذهاب ومثلها في العودة، فهو يملك سيارة".

وأضافت "كلفة نقل أثاث ابنتي من الوراق إلى حدائق الأهرام كانت صادمة لي، إذ أخبرني السائق بأنها ستصل إلى 1500 جنيه ثم عاود التواصل معي ليخبرني أنه سيرفع الأجرة 300 جنيه بسبب الزيادة الأخيرة التي أقرتها الحكومة".

وعلى رغم تعهد رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي بعدم رفع أسعار الوقود خلال الستة أشهر المقبلة، فإن تلك التصريحات لم تلق اهتماماً من الحالات التي تواصلت معنا.

اللجوء إلى الاستدانة

يعيش إبراهيم متولي أحد سكان حدائق أكتوبر بالجيزة المعاناة ذاتها، إذ حكى لنا تفاصيل ما خلفته أزمة زيادة التعريفة اليومية عليه "حياتي تعتمد كلياً على المواصلات العامة التي كانت تكلفني نحو 50 جنيهاً يومياً لكن مع الزيادة الأخيرة ارتفعت إلى 60 جنيهاً، مما اضطرني لزيادة موازنة المواصلات الشهرية من 1500 إلى 2000 جنيه وهو مبلغ يستقطع ما يقارب 25 المئة من دخلي، على رغم أنني أعمل في أكثر من جهة عمل لتغطية حاجات أسرتي".

ويشرح متولي أن تأثير زيادة أسعار البنزين محدود على شريحة معينة بينما السولار يمس فئات أوسع خصوصاً الأفراد الذين يعتمدون على وسائل النقل الجماعي. ويضيف أن عبء كلفة المواصلات يتضاعف على العائلات وبخاصة إذا كان لديهم أكثر من فرد يعتمد على المواصلات في التنقل، مما يصعب التنقلات العائلية.

ومضى قائلاً "الزيادات المتتالية أجبرتني على اتخاذ قرارات مؤلمة منها اضطراري للتخلي عن زياراتي الشهرية المخصصة لأسرتي في المنصورة بعد ارتفاع كلفة الأجرة من 40 إلى 60 جنيهاً، إضافة إلى أجرة التنقل إلى المواقف العامة"، ويوضح أن دخله المحدود لم يعد يسمح له بتحمل هذه النفقات مما دفعه لإلغاء هذه العادة بصورة موقتة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحول الأسلوب الذي يعتمده لتحديد متطلباته الشهرية أضاف "لم أعد قادراً على حساب مصاريفي بدقة أو استخدام الورقة والقلم لاحتساب البنود الأساس في فاتورة المعيشة بسبب الديون المستمرة، كل شهر أضطر للاستدانة لتغطية حاجاتي وعندما أتقاضى راتبي أجد نفسي محاصراً بسداد الديون التي تراكمت".

ووفقاً لمتولي "أصبح بند المواصلات شريكاً في بيتي وكأن له موازنة خاصة إلى جانب مصاريف الأسرة الأساس، عندما أحتاج لمبلغ بسيط للبيت أضطر لاقتراض ضعف المبلغ لتغطية المواصلات وأصبحت تنقلاتي تقتصر على العمل فحسب، وتخليت عن بنود مثل الترفيه وشراء الملابس لأن مصاريف المواصلات باتت تستنزف جزءاً كبيراً من ميزانيتنا".

متضررون جدد

تحت وطأة الزيادات المتلاحقة في أسعار المحروقات بات عمر رمضان الذي يسكن حي سرايا القبة من المتضررين جراء القرارات، على رغم دخله الجيد "لم يكن بند المواصلات ذا أهمية بالنسبة لي قبل عامين، لكن مع الزيادات المتتالية الأخيرة أصبح يستنزف جزءاً من موازنة الأسرة، كنت أحب استخدام المترو في قضاء مشاويري لكن كلفته تضاعفت خلال ستة أعوام، من جنيه واحد إلى 10 جنيهات، وبعد أن كنت من عشاق استخدام هذه الوسيلة للتنقل في أرجاء القاهرة، تحول إلى وسيلة أستخدمها للذهاب والعودة من العمل فحسب".

وأضاف "أجرة المترو ارتفعت بصورة مبالغ فيها وبدا أن القطاعات الخدمية تحولت إلى تجارية، وكلفة المحروقات على سيارتي تضاعفت مما دفعني إلى تقليل استخدامها واللجوء أكثر إلى المواصلات العامة، وأصبح بند المواصلات جزءاً رئيساً من نفقاتي إذ يلتهم نحو 15 في المئة من دخلي".

 

ويعد رمضان أن المواصلات العامة باتت الحل البديل إذ لا يمكن لعائلته تحمل كلفة النقل الذكي يومياً، قائلاً "المشاوير البعيدة التي كنا نعتمد فيها على النقل الذكي أصبحت محظورة على أطفالي إذ يستغنون عنها حالياً، واستخدامي للنقل الذكي أصبح مقتصراً على دوائر جغرافية صغيرة حتى لا تزيد الكلفة".

ويختم حديثه قائلاً "أشعر بحسرة على زمن مبارك كلما اصطدمت بقرارات زيادة أسعار الوقود على رغم مشاركتي في تظاهرات ضده، لكن جميع تحركاته وخطواته كانت محسوبة في مثل هذه الأمور. وهذه القرارات بمجرد أن تُتخذ ينتابني شعور أن هناك تضييقاً سيحدث في نمط حياتنا وخروجاتنا، إذ انخفضت الأنشطة الترفيهية لأسرتي بصورة كبيرة بسبب كلفة النقل وزيادة الأسعار في كل شيء حولنا".

فاتورة تستنزف الموازنة

على وقع الزيادات الأخيرة التي طرأت على المواصلات العامة، تبدي يمنى محمد سيدة مطلقة تعمل موظفة بقسم البوفيه في إحدى الشركات الإعلامية وتعول والدتها المسنة وطفلاً قلقها بسبب زيادة الأعباء على كاهلها.

وأوضحت يمنى المقيمة في مدينة 6 أكتوبر أنها تدفع يومياً 30 جنيهاً للوصول إلى عملها على رغم قرب المسافة، بينما كانت كلفتها لا تتجاوز 10 جنيهات قبل عام، مما دفعها إلى تخصيص موازنة شهرية للمواصلات بقيمة ألف جنيه لها.

وأضافت أن نجلها يضطر لاستخدام ثلاث وسائل مواصلات للوصول إلى مدرسته، مما زاد كلفة تنقله من 30 إلى 60 جنيهاً ذهاباً وإياباً. وأشارت إلى أنها تدون كافة مصاريف المواصلات لها ولابنها على ورقة، وتضع الأموال المخصصة لها في بداية كل شهر بعد تسلم الراتب في مكان بعيد من يدها، حتى لا تنفقها على متطلبات أخرى.

وأكدت يمنى أنها تخصص 2500 جنيه شهرياً لتغطية نفقات المواصلات وحدها لها ونجلها إضافة إلى مصاريف الأكل والمستلزمات المدرسية لابنها، مما يجعل بند المواصلات صداعاً دائماً لم يكن يشكل ضغطاً قبل عامين. ونظراً إلى هذه الأعباء، تقول إنها اضطرت إلى للعمل في وظيفة أخرى لتلبية حاجات والدتها التي تعولها، مشيرة إلى أنها بعد تسلم الراتب تقوم بتوزيع الأموال بين فواتير الكهرباء والمياه والمواصلات، وتحرص على ادخار 50 جنيهاً شهرياً لتأمين نفقات طارئة.

الواقع الصعب لزيادة أعباء بند المواصلات ينعكس أيضاً على إسلام عبدالكريم من سكان الجيزة الذي يقول لـ"اندبندنت عربية"، "أنا وزوجتي لا نمتلك أطفالاً لكننا نشعر بضغط بند المواصلات لأننا نعمل. وأدى ارتفاع الأجرة إلى زيادة استنزاف راتبنا بصورة مضاعفة".

ويضيف عبدالكريم "زوجتي تحتاج إلى ثلاث مواصلات للوصول إلى العمل ومثلها للعودة، ومن ثم تتحمل الزيادة ست مرات يومياً. إذاً، هناك 10 زيادات يومية تشكل عبئاً كبيراً على راتبنا أنا وزوجتي، وتحولت المواصلات البند الأكبر في موازنة الأسرة، وهذا البند يستنزف 25 في المئة من الراتب".

ويوضح عبدالكريم "أصرف 40 جنيهاً يومياً لقرب العمل مني، بينما تصرف زوجتي 120 جنيهاً لأنها تعمل في منطقة المطرية. ويؤثر هذا على بنود مثل الملابس والخروجات والطعام، إذ بدأنا في تقليل نفقاتنا في هذه الجوانب".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي