Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أسطول الظل" الروسي... سرد لاختراق معلن للعقوبات الغربية

واصلت ناقلات النفط التابعة لموسكو تجارتها بعدما أخفت السفن تحركاتها وانتحلت هوية أخرى سمحت لها ببيع المواد المحظورة

"أسطول الظل" من الناقلات الخفية التي تعمل على شحن النفط الروسي متفادية الرصد والتسجيل (رويترز)

ملخص

من الواضح في الوقت الراهن أن الغرب توصل إلى استنتاج مفاده أن منع روسيا من نقل نفطها يعني إثارة أزمة عالمية لا قبل ولا قدرة له على حلها، لذلك أغمض عينيه عن كون الاتحاد الأوروبي أكبر مشترٍ للغاز الطبيعي المسال الروسي العام الماضي، بينما يردد أنه سيفرض مزيداً من العقوبات.

منذ فرض العقوبات الغربية الأولى على صادرات النفط الروسية في ديسمبر (كانون الأول) 2022 جمعت روسيا أسطولاً سريا يضم أكثر من 1000 سفينة من أحجام وقدرات مختلفة، تنقل حالياً نحو 8 ملايين برميل من النفط، وكذلك من الغاز يومياً بعيداً من أعين العقوبات ومتناولها، وتدر لموسكو مليارات الدولارات سنوياً كعائدات إضافية في حربها ضد الغرب الجماعي وحلفائه في أوكرانيا.

وعلى رغم مسارعة الحكومات الغربية إلى فرض قيود على سفن فردية من ضمن أسطول الظل هذا، مثل إضافة سفينة "كانيس باور" إلى قوائم العقوبات في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي في يونيو (حزيران) الماضي، فإن المسؤولين الغربيين وأجهزة استخباراتهم واجهوا صعوبة في تحديد من يملك الناقلات، وكيف تم شراؤها أو من يشرف على عملياتها ويديرها؟

كيف جمعت روسيا سفن "أسطول الظل"؟

كشف تحقيق لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية كيف استخدمت شركة "لوك أويل" الروسية ذراع الشحن التابعة لها لتمويل محاسب بريطاني يبلغ من العمر 74 سنة يدعى جون أورميرود لشراء سفينة "كانيس باور" وما لا يقل عن 24 ناقلة أخرى مستعملة بين ديسمبر 2022، وأغسطس (آب) 2023، بكلفة إجمالية تزيد على 700 مليون دولار.

ورويداً رويداً أصبح "أسطول الظل" الروسي الذي دوخ الغرب وتقنياته وعطل عقوباته ظاهرة جديدة غامضة في السوق العالمية. لقد كان هذا المفهوم موجوداً منذ فترة طويلة، لكنه اكتسب نطاقاً واسعاً واعترافاً به في العامين الماضيين، بعد فرض عشرات الدول في مشارق الأرض ومغاربها عقوبات قاسية ضد الغاز والنفط والمنتجات النفطية الروسية. فعلى رغم الضغط الذي تمارسه مجموعة السبع على النقل البحري الروسي، فإن هذا القطاع يعمل بنجاح كبير.

وفقاً لمنطق المتداولين، إذا اكتملت المعاملات، فيمكن اعتبار الأسطول شرعياً ويعمل بكامل طاقته. فظواهر السوق المتناقضة أصبحت الآن رائجة، ولكل فعل رد فعل مناسب.

في العامين الماضيين، ظهر مصطلح "أسطول الظل" في مفردات الأعمال. قبل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كانت محاكم العالم تعرف بوضوح هذا المصطلح حسب مستوى شرعية الأسطول بأنها السفن المتورطة في أنشطة غير قانونية، أو الخاضعة للعقوبات.

 كانت "أساطيل الظل" المرتبطة بإيران وفنزويلا صغيرة نسبياً ولم يكن لها تأثير كبير في التجارة الدولية غير المصرح بها، على رغم أن إيران زادت بصورة كبيرة من سعة أسطولها السري خلال السنوات الأخيرة، فإن المعلومات حول هذا الأسطول لم تشغل بال الصحافة والأسواق الغربية، لكن بعد فبراير (شباط) 2022، تغير الوضع، إذ تم فرض عقوبات على الغاز والنفط والمنتجات النفطية الروسية، التي تشكل حجماً كبيراً من الصادرات العالمية.

وعلى رغم كل الجهود التي بذلتها أجهزة الاستخبارات الأجنبية، فشلت المحاولات الغربية لتقييد تجارة النفط الروسي بسبب توسع وتنوع أساطيل الظل، والمشغلون الذين لا يمكن تعقبهم، والخصومات التي توفرها موسكو لتسويق منتجاتها الغازية والنفطية، والحصول مقابل ذلك على عائدات ضخمة بالعملات الصعبة.

بعد 32 شهراً من الحرب مع أوكرانيا بدا أن تأثير نظام العقوبات الغربية في الاقتصاد الروسي، بخاصة على عائدات النفط والغاز في الموازنة الفيدرالية الروسية يتلاشى ويضعف إلى حد أن المواطن الروسي يعرف بوجوده ولا يشعر بتأثيراته.

فقد وجدت البلاد طرقاً وأساليب للتحايل على العقوبات الغربية، التي حاولت فرض سقف سعر لبرميل نفط الأورال الروسي لا يتجاوز 60 دولاراً.

لكن القيادة الروسية تؤكد أنها لم تسلم أي من الإمدادات النفطية البحرية بأسعار توازي أو أقل من السقف منذ فرض الحزم المتعاقبة من العقوبات. وذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" نقلاً عن مصادر رسمية في الاتحاد الأوروبي أن الإحصاءات الروسية الرسمية تظهر أيضاً أن متوسط ​​السعر الذي تم تسلمه في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 كان أعلى من 80 دولاراً للبرميل.

وعلى رغم خفض صادرات النفط الروسية الشهرية بنسبة 3 إلى 5 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فإن عائدات البلاد من النفط لا تزال في ازدياد.

تشكيلة "أسطول الظل"

يتكون "أسطول الظل" من سفن وناقلات نفط وغاز قديمة مملوكة لأصحابها أو لجهات مجهولة تخفي المستفيدين الفعليين منها، وتشارك في تجارة الغاز والنفط الخاضعين للعقوبات الغربية باستخدام أساليب خادعة مختلفة.

على سبيل المثال تشمل هذه الأساليب تعطيل نظام تحديد هوية السفينة وتزوير المعلومات حول موقعها ورفع أعلام ملائمة على المدى القصير، بحيث يمكن لـ"أسطول الظل" إخفاء المستفيدين النهائيين من الناقلة أو البضائع، وإخفاء مصدر منشأ النفط، وما إلى ذلك. 

اقترحت شركتا التحليل "ويندوارد ماريتيم" و"فورتيكسا" نظام تصنيف من ثلاثة مستويات للسفن التي تحمل النفط الروسي. يتضمن المستوى الأول "الأسطول المطهر"، الذي لا يسمح بانتهاك نظام العقوبات. تم فرض أنواع مختلفة من القيود على النفط الروسي: الحظر الكامل على المشتريات (تم فرضه، على سبيل المثال من قبل الولايات المتحدة) وسقف الأسعار الذي تدعمه دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأخرى في العالم. ما يسمى ائتلاف الأسعار. ويتم تصنيف السفن على أنها أسطول "نظيف" إذا لم ترتكب أفعالاً تخالف هذه القيود الأحادية المفروضة لأسباب سياسية لا علاقة لها بالتجارة الدولية.

ويقسم المحللون "أسطول الظل" إلى "الأسطول الرمادي" و"الأسطول المظلم". وقالت الشركات في تقرير مشترك إن الأسطول "الرمادي"، "ظاهرة جديدة تماماً ظهرت في روسيا" لإخفاء أصل السفن وأصحابها والظهور ملتزمين بالقانون وغير خاضعين للعقوبات. ويعد هذا الأسطول "رمادياً" لأنه "في كثير من الحالات يصعب تحديد شرعية تصرفاته وامتثاله للعقوبات" الغربية. وغالباً ما تغير هذه السفن الأعلام التي ترفعها، بالتالي تخفي انتماءها إلى دولة أو فرد خاضع للعقوبات.

 

بحلول نهاية أبريل (نيسان) 2023، حددت "ويندوارد ماريتيم" و"فورتيكسا" أكثر من 900 سفينة رمادية في جميع أنحاء العالم. وبحسب جمعية لندن الدولية للاكتتاب، فإنه حتى مارس (آذار) 2022، كان هناك 9809 ناقلة مسجلة في العالم، بالتالي فإن الأسطول العامل في المنطقة الرمادية يشغل نحو 10 في المئة.

شركتا "ويندوارد ماريتيم" و"فورتيكسا" تشيران في دراستهما إلى التقسيم التالي، إذ يمثل الأسطول "النظيف" 82 في المئة، والأسطول "الرمادي" – ثمانية في المئة، والأسطول "المظلم" – 10 في المئة.

ويشير "الأسطول المظلم" إلى السفن التي ترتكب "أفعالاً مظلمة"، مثل تعطيل نظام التعرف الآلي عمداً، وتزوير بيانات التعريف والموقع. وعادة ما يتم ذلك لإخفاء مصدر الحمولة المنقولة وليس مالك السفينة. ويتيح تعطيل المعرفات، على سبيل المثال، إخفاء مسار السفينة وحقيقة رسوها في الموانئ الروسية.

كيف يعمل سقف الأسعار؟

لخفض عائدات النفط والغاز الروسية رداً على الحرب التي تشنها موسكو ضد التدخل الغربي في أوكرانيا، فرضت دول مجموعة السبع وحلفاؤها مثل أستراليا والنرويج حدوداً قصوى للأسعار اعتباراً من الخامس من ديسمبر 2022 (يفرض الاتحاد الأوروبي أيضاً حظراً كاملاً على استيراد النفط الروسي والمنتجات النفطية ذات المنشأ البحري، باستثناء بلغاريا).

يحظر على الشركات وناقلات النفط والغاز المسجلة في هذه الدول والولايات القضائية تقديم خدمات النقل أو التأمين لتسهيل التجارة في النفط الروسي ما لم تكن التجارة أقل من سعر السقف بصورة موثوقة.

ومع ذلك، في يوليو (تموز) 2023، تجاوز سعر السوق لنفط الأورال الروسي السعر الأقصى البالغ 60 دولاراً، وتم تحديده بصورة متزايدة فوق هذا المستوى خلال الأشهر الأخيرة.

روسيا تقلب سوق موارد الطاقة رأساً على عقب

ووفقاً للرئيس التنفيذي لشركة استشارات الأعمال "ماكرو أدفيزوري" المحدودة كريستوفر ويفر طورت البلاد أساليب "تجعل من المستحيل مراقبة التجارة بموارد الطاقة". تقليدياً، كانت تتم تجارة النفط الروسي من قبل شركات النفط الكبرى المعروفة وشركات السلع الأساسية التي تمتثل للعقوبات الغربية.

لكن خلال العام الماضي، تم استبدالهم تدريجاً بشركات تجارية غير معروفة ليس لديها خبرة في هذا المجال، والتي إما ظهرت وصدرت كميات كبيرة من النفط الروسي إلى آسيا، أو أنهت أعمالها بسرعة. كما تظهر الرسوم البيانية الصادرة عن مركز أبحاث "برويغيل" ومقره بروكسل أن أقل من ربع السفن المستخدمة حالياً تخضع رسمياً لولاية دول مجموعة السبع أو النرويج، بالتالي يجب أن تمتثل للحد الأقصى للأسعار.

كما ظهر في السوق العالمية أسطول "ناقلات الظل"، يتكون من مئات من مشغلي الناقلات الصغيرة الذين يملكون ناقلة أو اثنتين. وعادة ما تكون هذه السفن قديمة وتشكل أخطاراً أمنية عالية وترفع أعلام دول مثل ليبيريا أو الكاميرون. فهي تنقل بانتظام ملايين البراميل من النفط، وغالباً ما تفتقر إلى التأمين المتوافق مع معايير الصناعة أو يتم التأمين عليها من قبل شركات هندية أو صينية أو روسية، على رغم أن 90-95 في المئة من سوق التأمين على الناقلات العالمية يقع تقليدياً في لندن.

ويظهر مخطط آخر لـ"برويغيل" أنه بحلول يوليو الماضي، أصبح أصل التأمين على ثلثي البضائع غير معروف. وعلى نحو متزايد، قبل أن تصل السفينة إلى وجهتها النهائية، يتم نقل البضائع في البحر من ناقلة إلى أخرى، مما يجعل من الصعب تتبع صادرات النفط الروسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول ويفر، "إنها لعبة ضخمة لإخفاء حركة الناقلات، وإخفاء الكميات. إذا حددت السلطات في أوروبا شركة أو ناقلة تنتهك العقوبات، فسرعان ما يتغير اسم الشركة وحتى اسم الناقلة والعلم الذي ترفعه".

وفي الوقت نفسه يقدم خام الأورال الروسي خصماً يبلغ حالياً نحو 10 دولارات للبرميل من سعر خام برنت القياسي، ومع بدء ارتفاع سعر خام برنت بعد إعلان دول "أوبك+" عن تخفيضات الإنتاج، فقد حذا النفط الروسي حذوه أيضاً.

من يشتري النفط الروسي وكيف يعود إلى أوروبا؟

يتم توجيه النفط البحري الروسي بالكامل تقريباً إلى الأسواق الآسيوية، وأكبر المشترين هم الهند والصين وتركيا.

ومع ذلك، فإن كمية كبيرة من النفط تذهب في اتجاه غير معروف. يقول ويفر، "يغادر نحو 1.5 مليون برميل يومياً الموانئ الروسية إلى وجهات مجهولة، ثم ينتهي بها الأمر في الموانئ الصينية أو الهندية، وأحياناً يتم نقل هذا النفط إلى ناقلة أخرى في المحيط، ثم ينتهي به الأمر في السوق العالمية".

وينتهي جزء من النفط والمنتجات النفطية الروسية في أوروبا، إذ يحظر استيرادها (باستثناء كمية صغيرة إلى بلغاريا). ويضيف، "مع حلول فصل الشتاء، سيتعين على أوروبا شراء الديزل ومنتجات أخرى من الهند أو الإمارات. وفي الواقع، سيكون هذا من النفط الروسي الذي قطع كل هذا الطريق ليعود إلى أوروبا القريبة غصباً عن عقوباتها".

كما أكد المتخصص الاقتصادي ومحلل الطاقة أسامة رضوي أن النفط المرسل إلى آسيا يصل إلى أوروبا، "بناءً على البيانات، إذ تستورد تركيا والهند كميات كبيرة من النفط الروسي، وغالبه يعود إلى أوروبا على شكل منتجات بترولية".

ما العقوبات الجديدة التي يمكن أن تتغير؟

ويقول المحللون إن مثل هذه السوق المجزأة، المليئة بالشركات التجارية غير المعروفة، أصبح من الصعب للغاية السيطرة عليها. يعترف ويفر، "الحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع السيطرة على هذه السوق التي تدوخ رأس المسؤولين الأوروبيين، خصوصاً أولئك العاكفين على دراسة فرض المزيد من العقوبات على روسيا".

ويؤكد المتخصصون أن "ما جعل هذا الحد الأقصى للسعر غير فعال حقاً هو النمو غير المسبوق لأسطول الظل، الذي لا يراقب من قبل المنظمات الدولية، كما أن شحنات النفط التي لا يمكن تعقبها، مثل تلك التي تم تفريغها في ماليزيا، تدخل أيضاً التجارة العالمية في ظل ظروف صعبة تحت ستار صادرات من دولة أخرى". كما أنه لا يمكن فرض العقوبات إلا إذا وافق المشترون الحاليون على الالتزام بها. يشير ويفر إلى أن "جميع المشترين الرئيسين أوضحوا أنهم لا يعتزمون القيام بذلك". في وقت سابق، أكدت الهند صراحة أنها وفرت ما يقارب 2.7 مليار دولار من خلال استيراد النفط الروسي بخصم 10 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2023. إن الخصم على أسعار النفط الروسي يوفر قدرة تنافسية اقتصادية كبيرة للغاية مقارنة بالمستهلكين الغربيين الذين يدفعون سعراً أعلى. كما أن آثار العقوبات الغربية ضعفت وتلاشت أكثر، عندما تم توسيع مجموعة "بريكس" بستة أعضاء جدد، مما يعني أن روسيا أصبح لديها مزيد من الفرص لإبرام اتفاقات تجارية ثنائية جديدة وتسويات مالية، بما في ذلك في مجال التأمين والنقل والخدمات المالية واللوجيستية.

 

وقال ويفر إنه بما أن الحزمة الـ15 من العقوبات قد تم فرضها أخيراً من قبل الاتحاد الأوروبي، فإن "السؤال الذي يطرح نفسه هو مدى استعداد السلطات الأميركية أو الأوروبية لفرض سقف الأسعار على روسيا ومحاولة منع تصدير النفط والمنتجات النفطية الروسية". وأشار إلى أنه "إذا تم تخفيض حجم النفط الروسي نتيجة لرقابة أكثر فاعلية، فإن ذلك سيؤدي إلى سحب ملايين البراميل من النفط والمنتجات النفطية من السوق العالمية، وهو ما سيؤدي بلا شك إلى ارتفاع الأسعار، لذلك يبلع المسؤولون الغربيون ألسنتهم ويلعقون علقم مرارة عقوباتهم بكل هدوء وغيظ".

فهذا المتخصص واثق من أن "القفزة في أسعار النفط ستضر بالاقتصاد العالمي كله"، لذلك أصبح "أسطول الظل" الروسي أداة حيوية ليس بالنسبة لروسيا فحسب، بل وبالنسبة لبقية العالم، وبخاصة الغربي منه.

طرق ملتوية

"صحيح أن نقل المئات من ناقلات النفط ذات المنشأ الروسي المشكوك فيه من مكان إلى آخر، باستخدام طرق غير محددة بدقة ومسارات متعرجة، يخلق تدفقاً مستمراً من الدخل لموسكو، لكنه يحافظ في الوقت نفسه على التوازن في سوق النفط العالمية"، هكذا وصفت صحيفة "الإيكونوميست" الإسبانية الوضع القائم، وأضافت "إذا لم تتمكن روسيا من تصدير غازها ونفطها، فإن العالم سيواجه أزمة موارد طاقة لا مثيل لها في التاريخ".

الهدف الرئيس لأسطول الظل الروسي هو بيع النفط الروسي بسعر أعلى من السقف الأقصى الذي وضعه الغرب لمعاقبة موسكو والبالغ 60 دولاراً للبرميل، والذي أقره خصوم روسيا في "الناتو" وأصدقاؤهم وحلفاؤهم، وقرروا لسبب ما أن لهم الحق في تحديد سعر الذهب الأسود الروسي.

حجم "أسطول الظل" ينمو باستمرار

على رغم أن الحجم الدقيق لأسطول الظل غير معروف فإن "المنظمة البحرية الدولية" تقدر أن عدد الناقلات يراوح حالياً بين 900 و1200 ناقلة في جميع أنحاء العالم، وهو ينمو باستمرار، لذلك من الصعوبة بمكان تقدير عدد سفنه بدقة، على رغم أنها تتكون إلى حد كبير من سفن قديمة، وكثير منها "لا يخضع للمستوى المطلوب من الفحص أو الصيانة الكافية".

أكثر من ثلث العدد الإجمالي لهذه السفن يعود تاريخ تصنيعه إلى أكثر من 20 عاماً. وبحسب الأميركيين "حتى كخردة، تباع هذه السفن في تاريخ أسبق من هذا".

لتلخيص غصة وسائل الإعلام الغربية وإنقاذها من حسرتها وهي تردد بأن "روسيا لا تلعب وفقاً للقواعد" كما لو أن على موسكو أن تخضع طوعاً للعقوبات الغربية، لا يسعنا إلا أن نقول شيئاً واحداً: لسبب ما كان خصوم ومنافسو روسيا يعتقدون أن هذه لعبة يحدد قواعدها طرف واحد، لكن تبين أن الروس يمكنهم لعبها أيضاً وفق قواعدهم وبما يناسبهم.

 

من الواضح بصورة أكيدة في الوقت الراهن أن الغرب قد توصل، دون تدخل أو ضغوط من موسكو، إلى استنتاج مفاده أن منع روسيا من نقل نفطها يعني إثارة أزمة عالمية لا قبل ولا قدرة له على حلها، لذلك أغمض عينيه وهو يتحسس فشل عقوباته، ومع ذلك ظل يردد أنه سيفرض مزيداً منها.

مشكلة الغرب تكمن في أنه لا يمكنه السماح لأسطول الظل الروسي أن يجوب البحار والمحيطات، ولا يمكنه في الوقت نفسه حظره أيضاً، لذلك يبدو كمن ابتلع الموسي.

محاولات يائسة

الدول الغربية تحاول منذ أكثر من عامين معرفة حجم "أسطول الظل" الذي تستخدمه روسيا لتصدير موارد الطاقة والالتفاف على العقوبات الغربية والأطلسية ضدها، هذا مع العلم أن الاتحاد الأوروبي كان العام الماضي أكبر مشترٍ للغاز الطبيعي المسال الروسي، إذ اشترى بأكثر من 6 مليارات يورو. وتميزت إسبانيا وفرنسا بصورة خاصة بحجم المشتريات.

والآن وصلت صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي إلى الحد الأقصى مرة أخرى. ووفقاً لمعهد الاقتصاد والطاقة والتحليل المالي، لا تزال فرنسا وإسبانيا وبلجيكا في المقدمة بنسبة 87 في المئة، حيث تضاعفت الصادرات إلى فرنسا.

وفي أوروبا، يعترفون "نعم، مجبرون على أن نشتري، لأن البدائل قليلة"، لكنهم ما زالوا "ملتزمين بالرغبة في الحد من التجارة مع روسيا، ووقفها تماماً في المستقبل".

وقالت وزيرة الطاقة الفرنسية أنييس بانييه روناشير إن هناك حاجة إلى "أعلى مستوى من الشفافية" فيما يتعلق بالغاز الطبيعي المسال، مؤكدة أن هذا ضروري "للقضاء على الاعتماد المتزايد" على الصادرات الروسية.

محاولة الإحصاء

يحاول الغرب بصورة دورية تحليل كيفية تحايل روسيا على العقوبات. وأفادت "بلومبيرغ" بوجود أكثر من 900 ناقلة "رمادية" تحمل الغاز والنفط الخاضع للعقوبات.

وذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن 50 سفينة مستعملة اشترتها شركات شرق أوسطية غير معروفة.

وفي الآونة الأخيرة، قامت وسائل الإعلام الغربية بتحديث بياناتها، حيث تدعي "بلومبيرغ" أنه تم تجديد "أسطول الظل". فقد اشترت شركة "ماتياس" لإدارة السفن، المسجلة في أغسطس الماضي في دبي ثلاث سفن.

وأشارت الوكالة إلى أن "روسيا تستخدم شبكة من الشركات الوهمية تمتد من دبي إلى الصين لنقل الغاز من محطة (القطب الشمالي-2) للغاز الطبيعي المسال، ويعد هيكل الملكية الغامض سمة نموذجية لأسطول الظل".

وأكدت شركة "نوفوتيك" لإنتاج الغاز الطبيعي في روسيا عدم انتظامها في "أسطول الظل" الخاص، فيما هددت بلجيكا بأن الآلية التي يتم تطويرها لتتبع مصدر الغاز الطبيعي المسال ستسمح "باكتشاف ومنع عمليات التصدير".

وذكر المتخصص الصناعي المستقل ليونيد خزانوف أنه "من غير الواضح تماماً كيف يكون ذلك ممكناً، ولا يوجد بنك لعينات الغاز، وليس من السهل تتبع حركة الناقلات، ومع ذلك كلما كانت العقوبات أكثر صرامة، زادت كلفة مصادر الطاقة على أوروبا".

ووسعت واشنطن التي تعد أكبر منافس لروسيا في سوق الغاز الأوروبية، الأربعاء الماضي، قائمة العقوبات المناهضة لروسيا بضم مشروع "ياكوتسك للغاز الطبيعي المسال" لقائمة العقوبات؟ بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز".

وبحسب القائمة، شملت العقوبات الأميركية شركة "باور أوف ياكوتيا" وشركة "ياكوت ستروي برايكت" وشركة الغاز الطبيعي المسال التابعة لشركة "ياكوتيا" المشاركة في المشروع الواعد. وحسب "رويترز"، قررت واشنطن تكرار التجربة الناجحة في احتواء تطوير مشروع نوفاتيك.

ويتضمن مشروع ياكوتسك للغاز الطبيعي المسال إنشاء مصنع للغاز الطبيعي المسال بطاقة نحو 18 مليون طن سنويا، فضلاً عن خط أنابيب للغاز على ساحل بحر أوخوتسك بطول نحو 1.4 ألف كيلومتر وخط أنابيب للمكثفات بطاقة 1.5 مليون طن سنوياً.

 

 مواجهة في الظل

حقيقة أن أكبر المشترين يشرعون في توسيع نطاق عمليات التفتيش على الناقلات التي تنقل الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بطرق ملتوية لم تفاجئ المراقبين، ومع ذلك إذا كان "أسطول الظل" موجوداً، فهذا يعني أن هناك من يحتاج إليه.

وقال عضو مجلس الخبراء في جمعية الغاز الروسية بافيل ماريشيف، "إلى أولئك الذين يصدرون التصريحات بصوت عالٍ ضد موسكو، إن هذه المبادرة دعائية بحتة ولن تؤدي إلى شيء".

توسيع العقوبات

فرضت بريطانيا عقوبات على 22 سفينة، بما في ذلك أربع ناقلات للغاز الطبيعي المسال، "لشبهة علاقاتها مع روسيا"، وكذلك شركة "روسغازدوبيشا". ويوجد الآن 43 سفينة على قائمة لندن السوداء.

وأفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز" بأن روسيا زادت أسطولها من ناقلات النفط بنسبة 70 في المئة تقريباً. وارتفعت الصادرات البحرية من 2.4 مليون برميل يومياً في يونيو 2023 إلى 8.1 مليون في يونيو 2024. وهذه كلها سفن غير مسجلة في مجموعة السبع.

وأشارت الصحيفة إلى أن الشركات الروسية ووسطاءها يشترون الناقلات المستعملة، ويستغل أصحابها الغربيون الفرصة النادرة للتخلص منها بأسعار مرتفعة.

العقوبات تضر بالغرب أكثر من روسيا

الخبراء الغربيون أنفسهم أكدوا أن التدابير المتخذة ضد السفن التي تنقل النفط والغاز الطبيعي المسال من روسيا عديمة الفائدة على الإطلاق. وسيبحر الوقود ببساطة إلى آسيا وليس إلى أوروبا.

ويرى المتخصص ليونيد خزانوف، "بناءً على ذلك، ستزداد عمليات تكرير النفط الروسي في الهند والصين لتحويله إلى بنزين ووقود ديزل، من أجل تصديره لاحقاً بما في ذلك إلى الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أن المستهلكين الأوروبيين سيضطرون إلى دفع مزيد مقابل هذه المنتجات. وسيبقى الغاز الطبيعي المسال في الهند والصين، في حين سيشتريه الاتحاد الأوروبي بأسعار باهظة من الولايات المتحدة وقطر ونيجيريا وغيرها".

واعتبر بافيل ماريشيف أن "أسطول الظل رواية كتبها طرفان، المصدر والمستورد، إذ إن المستهلكين، وبخاصة الأوروبيون، لا يقل اهتمامهم باستدامة إمدادات الغاز الطبيعي المسال عن المصدرين الروس. بالتالي، فإن العقوبات الإضافية لن تؤدي إلا إلى زيادة الكلفة النهائية".

واعترف المحللون الغربيون أنه بات من الصعب السيطرة على الوضع، ولكن بالنسبة لسوق الطاقة العالمية يبدو أن هذه هي "القاعدة الجديدة".

توصيات أميركية لمحاربة التحايل

نشرت الولايات المتحدة وحلفاؤها توصيات لمحاربة التحايل على سقف الأسعار المفروض من قبلهم على النفط الروسي.

وجاء في بيان لإدارة الرقابة على الأصول الأجنبية وهي إدارة تابعة لوزارة الخزانة الأميركية، الخميس الماضي، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يدعون "لإبداء الحذر في ما يخص الحالات غير المقصودة للتحايل على سقف الأسعار أو التفسير الخاطئ له". وأشار البيان إلى أن "النشاط المخالف للقانون قد يكون في مختلف الشركات والقطاعات المشاركة في تجارة النفط والمشتقات النفطية الروسية".

وحسب البيان، فإن حالات التحايل على سقف الأسعار "قد يرافقها تزوير الوثائق وعدم الشفافية في ما يتعلق بقيمة النقل ومشاركة وسطاء من دول ثالثة وتغيير الأعلام المرفوعة على ناقلات النفط واستخدام "أسطول الظل"، وكذلك انتهاكات في أثناء النقل".

وحثت الإدارة الأميركية جميع الدول والشركات على الالتزام بسقف الأسعار والكشف عن الانتهاكات المحتملة وإبلاغ الجانب الأميركي بها.

يذكر أن دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا فرضت في ديسمبر عام 2022 سقفاً على أسعار النفط الروسي المنقول بحراً عند مستوى 60 دولاراً للبرميل. وفي فبراير 2023 تم فرض سقف الأسعار على مشتقات النفط الروسية عند مستويات ما بين 45 و100 دولار.

واتخذ هذا الإجراء في إطار العقوبات الغربية ضد روسيا على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا.

وفي فبراير 2023 وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً يحظر توريدات النفط الروسي ومشتقاته إلى الدول والجهات التي تطبق سقف الأسعار. المفروض من الدول الغربية.

واشنطن: نعتزم تشديد العقوبات على النفط الروسي

صرح نائب مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي داليب سينغ بأن الولايات المتحدة تعتزم تشديد نظام العقوبات ضد روسيا بصورة أكبر، بما في ذلك على حجم ونقل إمدادات النفط إلى السوق العالمية. وقال متحدثاً لمركز "كارنيغي"، "نقترب من النقطة التي يمكننا عندها الحديث عن نظام (عقوبات) أكثر صرامة، سواء فيما يتعلق بأسطول الظل أو فيما يتعلق بحجم النفط الذي يسمح لروسيا بتزويد السوق به".

وبحسب سينغ، فإن واشنطن تريد تكثيف الجهود لتشديد العقوبات وضوابط التصدير ضد روسيا، وفي الوقت نفسه يزعم أن الولايات المتحدة ستحاول "على المدى القصير من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات" خفض دخل موسكو من مبيعات النفط. وأضاف، "إذا أردنا خفض عائدات النفط الروسية، فسيكون ذلك من خلال العقوبات وغيرها من الأدوات لملاحقة الهيدروكربونات".

وفي وقت سابق، اعترف عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب بالكونغرس الأميركي داريل عيسى، بأن الولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس جو بايدن لم تتمكن من فرض أي عقوبات فعالة على روسيا.

وبحسب عضو الكونغرس، فإن القيود المفروضة على توريد موارد الطاقة الروسية إلى السوق العالمية هي النوع الوحيد من العقوبات التي يمكنها أن تؤثر في موسكو، لكن السلطات الأميركية لم تكن قادرة على التعامل بنجاح مع هذه المهمة.

وذكرت روسيا مراراً أن الغرب ارتكب خطأ فادحاً بدفن رأسه في الرمال ورفضه شراء النفط والغاز منها، وهذا ما أوقعه في تبعية جديدة. والآن تشتري بلدانه، من خلال وسطاء النفط والغاز الروسي بأسعار أعلى.

ومنذ بدء العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا في الـ24 من فبراير 2022، أقدمت دول غربية عديدة على فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا، وتقديم دعم مالي وعسكري لأوكرانيا. إلا أن آثار تلك العقوبات ارتدت سلباً على الدول التي فرضتها، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود والمواد الغذائية في أوروبا والولايات المتحدة.

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق، أن سياسة احتواء روسيا وإضعافها هي استراتيجية طويلة المدى للغرب، ولن تكون ناجعة، لافتاً إلى أن العقوبات وجهت ضربة خطرة للاقتصاد العالمي بأكمله، وأن الغرب يتطلع إلى تدمير حياة الملايين من الناس.

 وسائل الإعلام الهندية

تتحدث وسائل إعلام هندية عن فشل القيود الغربية المفروضة على صادرات النفط الروسي، وقالت قناة "ويون" إن محاولات الغرب تحديد سقف لسعر برميل النفط الروسي باءت بالفشل. وأضافت القناة الهندية الناطقة باللغة الإنجليزية، أن وصول صافي الأرباح من مبيعات النفط الروسي خلال الأشهر الأخيرة إلى مستوى قياسي منذ بدء الصراع في أوكرانيا دليل على فشل القيود الغربية.

وذكرت القناة أن الغرب فرض سقفاً لسعر النفط الروسي عند مستوى لا يزيد على 60 دولاراً للبرميل، لكن إيرادات روسيا الشهرية من صادرات النفط تنمو بسرعة، علاوة على ذلك جنت شركات الشحن أموالاً طائلة بفضل نقل الخام الروسي.

ونقلت عن بيانات لوكالة "بلومبيرغ" أن روسيا حصدت قرابة 11.3 مليار دولار من صادرات الذهب الأسود خلال شهر واحد، مما يشير إلى وجود "ثغرة" في العقوبات النفطية الغربية.

وعلى حد تعبير وسيلة الإعلام هذه، فإن إيرادات سبتمبر (أيلول) الماضي بلغت 11.3 مليار دولار، وشكلت نحو 31 في المئة من إجمالي الإيرادات الشهرية للموازنة الروسية، وهو أعلى رقم تسجله روسيا من إمدادات النفط منذ مايو (أيار) 2022.

كذلك أفادت القناة بأن العشرات من شركات الشحن استفادت من القيود التي فرضها الغرب، إذ تم نقل أكثر من 45 في المئة من صادرات النفط من روسيا باستخدام "أسطول الظل"، مما سمح لموسكو بالحفاظ على استقرار صادراتها من الخام.

الرابح والخاسر من العقوبات الغربية على روسيا

زادت روسيا صادراتها من حوامل الطاقة والمحروقات بواقع 56 مليار دولار عام 2023 رغم العقوبات الغربية على هذه الصادرات، مما يؤكد أهمية روسيا في سوق الطاقة العالمية، وفشل العقوبات.

وبحسب تقرير نشرته وكالة "سبوتنيك" بلغت صادرات روسيا إلى دول صديقة والاتحاد الأوروبي في العام الماضي 218.3 مليار دولار، بينما كانت في الفترة من 2019 إلى 2021 عند 162.4 مليار دولار.

وبذلك تكون هذه الصادرات صعدت العام الماضي بواقع 55.9 مليار دولار، أي بنسبة 34.4 في المئة مقارنة بما قبل العقوبات.

 

والنقطة المهمة في التقرير أن إمدادات النفط والغاز والفحم من روسيا لدول صديقة بينها تركيا والصين والهند والبرازيل وإندونيسيا وماليزيا بلغت العام الماضي 187 مليار دولار بعد أن كانت في الفترة من 2019 إلى 2021 عند 59.9 مليار دولار.

في المقابل تراجعت إمدادات الوقود الأحفوري الروسية إلى الاتحاد الأوروبي في 2023 إلى 31.6 مليار دولار من 102.5 مليار سجلت في 2019 - 2021.

وبناء على البيانات فقد نجحت روسيا في إعادة توجيه صادرات الطاقة من الأسواق الأوروبية إلى الدول الصديقة ومنها إلى القارة العجوز، على رغم القيود والعقوبات الغربية المفروضة التي أضرت بفارضي العقوبات أنفسهم وجعلتهم كمن يطلق النار على قدمه، وفي المقابل أفادت هذه العقوبات قطاعات كثيرة من الاقتصاد الروسي وفسحت المجال واسعاً أمام الصناعات والمنتجات الروسية بعد رحيل الشركات الغربية.

فطالما استمرت العقوبات الغربية وتزايدت، من المفيد لروسيا و"حلفائها" المعاقبين في فنزويلا وإيران تطوير أسطول ظل من الناقلات لنقل النفط. هكذا علق إيغور يوشكوف، المتخصص في المؤسسة الوطنية لأمن الطاقة والجامعة المالية التابعة لحكومة روسيا الاتحادية، على نتائج اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو في قمة "بريكس" في قازان الشهر الماضي.

وتسعى روسيا وفنزويلا وإيران ومعهما الصين وجنوب أفريقيا ودول الجنوب لتشكيل نظام عالمي جديد أكثر عدالة يقوم على سيادة القانون، وعدم جواز استخدام الأساليب الاستعمارية الجديدة، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، والضغط السياسي والمالي، والتدابير القسرية الأحادية الجانب.

وقال الرئيس الروسي خلال اجتماعه مع نظيره الفنزويلي مادورو، "نحن نقدر أن فنزويلا تشاركنا تقييماتنا للوضع الدولي الحالي وتقدم الدعم باستمرار في سياق الحرب الهجينة ونشر كراهية روسيا أينما وكيفما كان".

وأشار يوشكوف إلى أن روسيا وفنزويلا ومعهما إيران متحدون في الرغبة المتشركة لتطوير "أسطول ظل" هائل تحايلاً على العقوبات. ويعمل أسطول الظل هذا، الذي يقدر إجماليه بـ1000-1200 ناقلة، على تصدير النفط الروسي والإيراني والفنزويلي الخاضع للعقوبات. بعض الناقلات تصدر فقط الفنزويليين، أو الإيرانيين فحسب، أو الروس فحسب، بينما يصدر الآخر كل شيء على التوالي. هيكل هذا الأسطول معقد، ولكن، مع ذلك، هناك نقطة اتصال وتنسيق عمليات. وأوضح أنه من المفيد لنا ولهم تطوير أسطول الظل، فكلما زاد عدد الناقلات كلما كان نقل كل دفعة من النفط أرخص.

وكما أشار الخبير، فإن العقوبات المفروضة على روسيا وفنزويلا وإيران مختلفة. وينعكس هذا على سعر النفط.

وأضاف، "إذا منع أي شخص في العالم من شراء النفط الفنزويلي، فلن يتم فرض مثل هذه العقوبات على روسيا. سيحظر إقراض الشركات الروسية وغيرها، لكن لا يمنع أحد من شراء النفط الروسي، لذا فإن عقوباتنا أسهل قليلاً في هذا الصدد. واختتم يوشكوف كلامه قائلاً، "نبيع نفطنا بسعر أعلى".

استخدام دول موالية للغرب

اللافت في المخطط الأصلي لإنشاء وتسجيل وتسيير "أسطول الظل" الروسي، أنه يضم ناقلات نفط تديرها شركات مسجلة في دول موالية للغرب وصديقة له، بحيث لا تثير شبهاته وشكوكه، مثل مولدوفا وتركيا والإمارات العربية وبريطانيا نفسها.

ويضم ما يسمى "أسطول الظل" الروسي عشرات من ناقلات النفط التي تديرها شركات مسجلة في جمهورية مولدوفا. وبمساعدتها، يتحايل الكرملين على العقوبات الدولية المفروضة بعد غزو أوكرانيا. وعلى سبيل المثال، وجد صحافيون استقصائيون من مولدوفا عديد من الشركات المولدوفية التي تلعب دوراً مهماً في نقل النفط الروسي. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، تم نقل ما يصل إلى اثنين في المئة من النفط الروسي بواسطة ناقلات تديرها شركات مولدوفا.

حرب بلا قواعد ولا حدود

في الـ17 من أكتوبر الماضي فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على 18 ناقلة نفط روسية و4 سفن لنقل الغاز الطبيعي المسال، وهي أكبر دفعة من العقوبات حتى الآن ضد ما سمته "أسطول الظل" الروسي.

وقالت الحكومة البريطانية عبر بيان على موقعها الرسمي، إن التحرك البريطاني المتواصل ضد أسطول الظل يفرض ضغوطاً على النظام ويحرم آلة حرب بوتين من عوائد حيوية، وأضافت أن ناقلات النفط المستهدفة نقلت ما قيمته نحو 4.9 مليار جنيه استرليني (6.37 مليار دولار) العام الماضي.

وسيتم منع ناقلات النفط تلك من دخول الموانئ البريطانية، ولن تتمكن من الحصول على الخدمات البحرية البريطانية، ويرفع هذا العدد الإجمالي لناقلات النفط الروسية الخاضعة للعقوبات إلى 43.

 

وبحسب البيان، تعد العقوبات الأخيرة أكبر حزمة حتى الآن ضد "أسطول الظل لناقلات النفط التابع لبوتين"، إلى جانب الإجراءات ضد الأسطول، تفرض المملكة المتحدة عقوبات على 4 ناقلات أخرى للغاز الطبيعي المسال وشركة الغاز الروسية "روس غاز دابيتشي". وأكدت الحكومة البريطانية أنها تواصل زيادة الضغط على صناعة الغاز الروسية.

ومنذ الأشهر الأولى من عام 2022، انتهكت روسيا العقوبات الدولية المفروضة على قطاع الطاقة لديها، وواصلت ناقلات النفط التابعة لها تجارة الغاز والنفط في البحر. وباستخدام مناورات خادعة، أخفت السفن تحركاتها، وانتحلت هوية سفن أخرى عبر وثائق مزورة سمحت لها ببيع مواد أولية محظورة.

ووفقاً للبيانات المتاحة، زادت روسيا خلال الأشهر الستة الماضية حجم "أسطول الظل" بنسبة 30 في المئة، مستفيدة من ارتفاع العائدات التي يوفرها تصدير النفط الروسي بواسطة الناقلات التي تديرها شركات يملكها وبديرها أشباح.

فالشركات التي وجدها الصحافيون من منظمة "رايز" في مولدوفا لديها سمات مشتركة. وقد تم تسجيلهم جميعاً بعد 24 فبراير 2022، وتسمياتها تحمل رموز الكلمات "شيب مانجمنت" أو "سي مانجمنت"، ومؤسسوها وإدارتها مرتبطون ببعضهم بعضاً، وغالباً ما تحوي البيانات المالية على نفس المبالغ أو الأخطاء.

ومع ذلك، فإن تحديد من يملك السفن فعلياً ليس بالأمر السهل، فغالباً ما يتم تسجيل الناقلات في مناطق قضائية لا تتوفر فيها المعلومات ولا يمكن الوصول إلى قواعد البيانات.

لدى بعض الشركات عناوين قانونية مختلفة، ولكن في بعض الأحيان تكون البيانات هي نفسها.

رسمياً يتم توجيه النفط والغاز الروسيين بصورة رئيسة إلى الهند وتركيا، ولكن في الواقع يتم أيضاً تسجيل عمليات التسليم في دول الاتحاد الأوروبي، مثل إسبانيا واليونان. وفي بعض الحالات، لا يمكن تحديد هوية المتلقي لأن الناقلات تعطل أنظمة المراقبة وتحديد الهوية.

يذكر أن طرق التفاف روسيا على العقوبات الغربية عززت أعمال عشرات التجار وشركات الشحن الذين يصعب تعقبها، في قت يبلغ ما يتقاضونه 11 مليار دولار سنوياً من عائدات موسكو من النفط بين وقت مغادرة النفط روسيا وحتى وصوله إلى المشترين، لا سيما في الدول التي تفرض عقوبات على موسكو.

وقدرت شركة الذكاء الاصطناعي البحري "ويندوارد" أخيراً أن "أسطول الظل" الروسي يتكون من نحو 1400 إلى 1800 سفينة، وهو ما يعادل خمس تجارة النفط العالمية، وفق ما ذكرته شبكة "سي أن أن" الأميركية.

وبحسب تقارير غربية فإن "أسطول الظل" أتاح لروسيا حتى الآن تجاوز وخرق تأثير العقوبات على مبيعاتها النفطية، ففي الربع الأول من سنة 2024، ارتفعت عائدات الدولة الروسية من النفط بنسبة 79 في المئة عن العام السابق. وفسر ذلك بأنه ناتج من مزيج من ارتفاع الضرائب على شركات النفط، إضافة إلى زيادة الصادرات.

وقدرت "رويترز" أن عائدات روسيا من النفط والغاز تضاعفت تقريباً في أبريل 2024 عما كانت عليه في العام السابق لتصل إلى 14 مليار دولار بفضل ارتفاع الأسعار. ومع أن سعر خام الأورال في السوق اقترب من سقف الـ60 دولاراً في ديسمبر 2022، فإنه ارتفع إلى نحو 80 دولاراً في سبتمبر (أيلول) 2023 وبلغ نحو 75 دولاراً في نهاية أبريل 2024.

ويشير ذلك إلى فشل مفهوم سقف الأسعار بأكمله، أي السماح للبلدان بالشراء بسعر دون 60 دولاراً من طريق آليات شحن مشروعة، ومؤمنة لأن سعر السوق أعلى من السقف الوهمي الذي بناه الغرب على الورق، ولأن "أسطول الظل" الروسي ولد وعام وأبحر فوق العقوبات الغربية، التي ارتدت على أصحابها تضخماً وغلاء ولعنات تردد صداها البحار والمحيطات.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات