ملخص
أشارت المصادر إلى أن إثيوبيا أكثر دولة تهرب الأسلحة بأنواعها كافة للصومال، وأصبحت اليمن حالياً الدولة الثانية من حيث تهريب الأسلحة والمواد المتفجرة والطائرات من دون طيار إلى الجماعات المتطرفة.
فيما تمر المنطقة العربية بصراعات إقليمية ودولية، لا يزال الصومال يسعى إلى مواجهة عمليات التسليح المستمرة للحركات الإرهابية والجماعات القبلية من قبل جهات معادية تريد زيادة انتشار الأسلحة في بلد يعاني عدم الاستقرار، إذ أكد عدد من المسؤولين أن الدولة قامت بتدابير لتعزيز قدراتها الأمنية من خلال الحصول على الأسلحة والمعدات اللازمة لحماية مواطنيها وأراضيها بشكل كاف، إضافة إلى القيام بإجراءات تحسينية لنظام حمل السلاح، مثل وضع علامات على الأسلحة وتسجيلها ومحاربة الشبكات الإجرامية العابرة للحدود والجماعات المسلحة المرتبطة بـ "حركة الشباب" الإرهابية.
وكشفت جولة ميدانية عن تداول الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والأسلحة المهربة من اليمن وإثيوبيا في سوق الأسلحة السوداء في مقديشو بأسعار تتراوح ما بين 2000 و3500 دولار، بينما يبلغ سعر البنادق الهجومية نحو 3 آلاف دولار، وعادة ما تكون الأسلحة في السوق السوداء من ميليشيات العشائر أو من الجماعات المتطرفة أو من طريق البحر من اليمن وإيران أو الحدود البرية مع إثيوبيا.
وأوضح مصدر، رفض الكشف عن اسمه، أن الجهات الأمنية والدولية رصدت خلال العام الحالي محاولات تهريب ضخمة لأسلحة غير مشروعة، وهي تجارة الأسلحة الإيرانية -الحوثية، عبر الممرات البحرية من أجل بيعها للجماعات المتطرفة في الصومال ومنطقة شرق أفريقيا، مما يهدد الأمن في المنطقة ولا سيما أن للقرن الأفريقي قيمة اقتصادية وجيوسياسية وأمنية كبيرة لأفريقيا والعالم، ومع ذلك فإن انتشار الأسلحة الإيرانية المتجهة إلى اليمن والتي تنتهي في الصومال تظهر الطبيعة العابرة للحدود الوطنية للجريمة، إذ أشارت المصادر إلى أن إثيوبيا أكثر دولة تهرب الأسلحة بأنواعها كافة للصومال، وأصبح اليمن حالياً الدولة الثانية من حيث تهريب الأسلحة والمواد المتفجرة والطائرات من دون طيار إلى الجماعات المتطرفة .
ويوضح مستشار الرئيس الصومالي سابقاً شيخ علي وجيز أن "الصومال لا يزال يعاني انتشار السلاح، بخاصة لدى القبائل والجماعات المتطرفة"، مؤكداً أن "الجهات المعنية سبق أن رصدت محاولات تهريب شحنات أسلحة من إثيوبيا واليمن عبر الحوثيين الذين يعملون وفق آليات محددة من إيران، بعد عجزهم عن التوغل في الصومال منذ أعوام عدة مضت".
ويضيف أن "إيران بدأت بمحاولات أخرى وحثيثة عبر وكلائها الحوثيين لاستغلال زوايا مظلمة، مثل 'حركة الشباب' والإدارة المحلية في شمال الصومال لمحاولة تهريب طائرات من دون طيار وأسلحة متنوعة إلى مناطق الصراع"، مناشداً ضرورة نزع العتاد من الذين يحملون أسلحة غير مرخصة وأسلحة القبائل، وموضحاً أن "إثيوبيا أصبحت تهرب أسلحة فتاكة إلى داخل الصومال، حيث رصد دخول أسلحة خفيفة وثقيلة خلال الشهرين الماضيين، المرة الأولى حين ضبطت أسلحة متجهة إلى بلدة عابدواق الحدودية، وفي الثانية رصدت أسلحة في ولاية بونت لاند، مما سيزيد مشكلة الصومال الأمنية، ولذلك يجب نزع أسلحة القبائل والميليشيات".
وبيّن أن التحالفات العسكرية الأخيرة بين الصومال والسعودية وتركيا ومصر وإريتريا تهدف إلى تقوية الجيش الصومالي وتفعيل دوره الأمني بصورة منظمة، وتطويره عسكرياً وتسليحه وتزويده بمعدات عسكرية حديثة، كما أن مهمة هذه التحالفات القضاء على الميليشيات المتطرفة، سواء "حركة الشباب" أو "داعش"، ثم نزع أسلحة القبائل والعشائر والأفراد الذين يقومون بقطع الطرق، وحصر الأسلحة بيد الدولة فقط.
وقال، "يجب أن يتوسع تدخل الحكومة الصومالية عسكرياً إلى المناطق التي لا تحضر فيها كافة، ولا سيما الولايات التي تعتبر شبه متمردة لعدم وجود قوات صومالية شرعية فيها، مما يسهل للدول المعادية التدخل في شؤون الصومال مثل إثيوبيا التي أبرمت أخيراً اتفاقات مشبوهة مع ولاية صوماليلاند شمال الصومال، إضافة إلى إجراء تغييرات جذرية في المنظومات الأمنية والعسكرية، فلا بد من نزع الأسلحة والقضاء على المتطرفين وتأمين حدود الصومال وإيقاف المد العسكري الإثيوبي الخطر، ومنع تدمير المجتمع عبر نشر الأسلحة بين القبائل.
في المقابل أوضح المتخصص في مكافحة الجريمة إبراهيم علي اليوسف أن انتشار تهريب الأسلحة يعود لعدم كفاية قدرات الرصد والدوريات والإنفاذ من قبل القوات البحرية في المنطقة، إضافة إلى توسع الصراعات الداخلية والحرب في اليمن وتفاقم عدم الاستقرار الإقليمي، مشيراً إلى الجهود الدولية التي سيرت دوريات في المياه على مدى الأعوام القليلة الماضية، مما أسهم في اعتراض شحنات الأسلحة المتجهة إلى الصومال بصورة متقطعة.
وتابع أن الدولة خلال الأعوام الماضية عززت دور المجموعات القبلية لمواجهة الإرهاب والتطرف، وهذا يؤدي إلى تزايد التسليح في الصومال وتصعيد العنف وعدم الاستقرار، مما يتطلب تفعيل الدور الرقابي على مستوى الحدود البرية والبحرية، بخاصة وأن الصومال لا يسيطر بصورة كاملة على جميع موانئه الخاصة به، مما يزيد خطر تهريب الأسلحة إلى الجهات المعادية والإجرامية، وبالتالي يحتاج الأمر إلى تأمين موانئ الدخول.
ودعا اليوسف إلى إعادة تقييم العواقب الكارثية من زعزعة استقرار المنطقة بعد أن اعترفت الحكومة الصومالية باستيلاء الميليشيات على أسلحة تنتمي للجيش الوطني الصومالي، مما يثير الشكوك حول تورطه بصورة غير مباشرة في تسليح الميليشيات القبلية المتحالف معه، مؤكداً أن عدداً كبيراً من الأسلحة غير المشروعة في الصومال، والتي تضم مسدسات ومدافع رشاشة وغيرها، يتم الإتجار بها عادة من قبل ميليشيات العشائر و"حركة الشباب" وشبكات الإتجار في ولاية بونتلاند وشرق أرض الصومال، ويتم التحكم في قدر كبير من تجارة الأسلحة من قبل الصيادين المتمركزين في عدن أو اليمن أو على ساحل أرض الصومال.
وحذّر من خطر تحويل الأسلحة إلى الجماعات الإجرامية أو الإرهابية، والذي يمكن ربطه بعدد من أوجه القصور الهيكلية والديناميات المحلية التي لا تزال تؤثر في المشهد السياسي والاجتماعي في الصومال، ويزيد هذا التجزؤ الاجتماعي من انخفاض مستوى الثقة والمساءلة لدى الحكومة الصومالية.
وعلى رغم هذه الأخطار فإن هناك اقتناعاً لدى المجتمع الدولي بأن الوقت قد حان لوقوف قوات الأمن الصومالية والدفاع عن بلدها بأية وسيلة ضرورية، بما في ذلك استيراد المعدات العسكرية والأسلحة، ومع ذلك فإن ضمان قدرة الحكومة الصومالية على السيطرة الفعالة على حدودها وتنظيم أسواقها للأسلحة وتأمين أسلحتها الخاصة مسائل ضرورية لتجنب الأخطار الأمنية في شرق أفريقيا وخارجها.
وتمثل الحدود المفتوحة وضعف الحكم وجهاز الأمن القومي الضعيف وظيفياً، تحدياً كبيراً للسيطرة على انتشار الأسلحة في أنحاء المنطقة، وقد أدى انتشار المساحات غير المحكومة وظهور جهات متطرفة عنيفة إلى فتح مساحات للتجارة غير المشروعة في الأسلحة، مما يتطلب إيجاد آلية لمراقبة تدفقها، ولا سيما مراقبة النقل غير المشروع للأسلحة إلى الصومال.
وأوضح مستشار رئيس الوزراء عمر عرب أن انتشار السلاح في الصومال بات قليلاً، وتمت السيطرة عليه وفق أنظمة وتشريعات خاصة، بعد أن قامت الحكومة بحملة سحب السلاح من الشعب واقتصاره على المؤسسات العسكرية.
وعلى رغم الحرب ضد الميليشيات الإرهابية لكن توسع المناطق المحررة يسهم في دفع كثير إلى ترك السلاح وتسليمه للجهات المعنية، إضافة إلى تقديم الجهات الرسمية تسهيلات لمن يسلم الأسلحة غير المرخصة.
وبيّن عرب أن الجهود الحكومية والدولية أسهمت بصورة كبيرة في توعية المجتمع الصومالي من خطورة حمل السلاح كونه يهدد الاستقرار ويقوض الأمن، مشيراً إلى أن الجهود مستمرة للقضاء على ظاهرة حمل السلاح والمتاجرة به في المناطق المضطربة، مضيفاً أن ظاهرة حمل السلاح منتشرة في الصومال بعد سقوط الدولة بداية التسعينيات، إذ عاشت البلاد صراعات سياسية وإرهابية أسهمت في انتشار السلاح، مبيناً أنه وفق نتائج المؤشر العالمي للجريمة المنظمة عام 2023 فإن الصومال يستضيف واحدة من أكثر أسواق الإتجار بالأسلحة انتشاراً في أفريقيا، إذ سجل تسع نقاط من أصل 10، بزيادة مقدارها 0.5 نقطة منذ عام 2021.
ويشمل عدد الأسلحة غير المشروعة المنتشرة في البلاد، بدءاً من الأسلحة الصغيرة والخفيفة ووصولاً إلى البنادق الهجومية جماعات إجرامية مختلفة، فإضافة إلى ميليشيات العشائر المحلية والشبكات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية، تشارك الجماعات المسلحة المرتبطة بشبكة "الشباب" بصورة كبيرة في السوق، وتستخدم الأسلحة لتنفيذ هجماتها العنيفة والدخول في أنواع أخرى من الإتجار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن انعدام الأمن على نطاق أوسع في شرق أفريقيا عامل آخر من شأنه أن يغذي تدفق الأسلحة إلى الصومال ويسهل تطوير طرق واسعة النطاق للإتجار بالأسلحة، فمن المعروف أن شبكات تهريب الأسلحة تمتد إلى ما وراء حدود الصومال وتصل إلى الجماعات المسلحة في البلدان المجاورة مثل كينيا والسودان وإثيوبيا، كما أن الحرب الأهلية الأخيرة في إثيوبيا أسهمت في تصعيد إمدادات الأسلحة الصغيرة والخفيفة، كما يتضح من الزيادة الحادة في درجة الإتجار بالأسلحة داخل البلاد بموجب مؤشر الجريمة المنظمة العالمي.
وتحدث رئيس هيئة علماء الصومال الشيخ بشير أحمد صلاد عن استخدام إيران جميع الوسائل لنشر فكرها تحت بند "تصدير السلاح والثورة"، وأيضاً استقطاب الفئة الشابة عبر المنح التعليمية، لافتاً إلى أن "جهود إيران في المنطقة تحتاج إلى مزيد من التركيز، ولا سيما أنها تحاول الاستفادة من الفرقة والخلافات بين الأطراف السياسية في الصومال".
وبيّن صلاد أن "الحوثيين المدعومين من إيران يبسطون سيطرتهم على أجزاء من اليمن ويحاولون الاستفادة من كل الفرص المتاحة في أي بلد يعاني سوء الاستقرار، مثل تهريب الأسلحة ونشر فكر إيران الراعية للتطرف، وذلك بعد نجاحها في نشر تلك الأفكار داخل دول وأنظمة متواطئة معها، وضخ موازنات ضخمة من أجل توسيع نشر تلك الأفكار واستقطاب حلفاء جدد داخل مناطق الصراع وما حولها".
وأكد رئيس الهيئة رفض علماء الصومال مفاوضات دولية مع "حركة الشباب" من أجل دمجها مع المجتمع وإنهاء الحرب مع الخارج، موضحاً أن "المفاوضات تقوم بين طرفين متساويين، والدولة تطمح لاستمرار الضغط ومحاربة هذا الفكر حتى تكسر هيمنة الجماعة الإرهابية، لتضطر إلى الاستسلام أو الحصول على عفو أو شيء من التشجيع للخروج من عباءة هذا الفكر".