ملخص
أشعرت الخارجية الأميركية دولة قطر بأنه يجب إغلاق مقر "حماس" في الدوحة، هذه تفاصيل القصة وخطة الحركة البديلة.
على خلفية عدم توصل حركة "حماس" وإسرائيل إلى اتفاق في شأن حرب القطاع، ويأس الوسطاء من رفض طرفي الحرب المتكرر مقترحات وقف إطلاق النار، كتب مجلس الشيوخ الأميركي رسالة تضع مستقبل "حماس" على المحك.
وفي ملخص الرسالة التي حصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منها، فإن مجلس الشيوخ الأميركي يحث حكومة الرئيس جو بايدن على الطلب من قطر تنفيذ ثلاث نقاط ضد "حماس"، الأولى إغلاق مكتب الحركة في العاصمة الدوحة، والثانية تجميد أصول وأموال الفصيل السياسي، والأخيرة تسليم بعض قياداتها للمحاكمة في الولايات المتحدة.
مضمون رسالة مجلس الشيوخ
وجه مجلس الشيوخ الأميركي رسالته إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والنائب العام في وزارة العدل الأميركية ميريك غارلاند، وشرح فيها أن قتل الجيش الإسرائيلي رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" يحيى السنوار خلق فرصة حاسمة لإنهاء حرب القطاع وتحرير الرهائن، لكن الحركة رفضت جميع تدخلات الوسطاء وتصر على مواصلة القتال واحتجاز الرهائن الذين من بينهم أميركيون.
وحث مجلس الشيوخ الأميركي حكومة واشنطن على التحرك بسرعة ضد قيادة "حماس"، للمساهمة في تدمير التنظيم وهزيمته من خلال التواصل مع دولة قطر والطلب منها إغلاق مكتب الحركة وطرد قياداتها وتسليم المطلوبين منهم إلى العدالة.
وجاء في نص الرسالة ثلاث نقاط، الأولى الطلب من دولة قطر تغيير سياستها تجاه "حماس"، من طريق إغلاق مكتب الحركة الرئيس في الدوحة، وتجميد أصول قادتها، ومنعهم من الوصول إلى وسائل الإعلام الدولية وإنهاء قدرتهم على استضافة الزوار الأجانب ومنع بعضهم من السفر إلى الخارج.
أما الثانية لمجلس الشيوخ فإنها تدور حول تسليم القيادي بـ"حماس" خالد مشعل الذي يقيم في قطر إلى الولايات المتحدة لمحاكمته، والأخيرة تدور حول تقديم لائحة اتهام في حق كبار مسؤولي الحركة في الخارج وعلى رأسهم خليل الحية المقيم في قطر، وبعد ذلك تسليمه لمواجهة العدالة في أميركا.
الولايات المتحدة خاطبت قطر
ويعتقد مجلس الشيوخ أن هذه الإجراءات تسهم في هزيمة "حماس" وإنهاء الملاذ الآمن الذي تتمتع به قياداتها في الخارج، وهذا يجبر الحركة على إنهاء الحرب والموافقة على مقترحات الوسطاء في شأن ملف الرهائن ومستقبل غزة.
في الواقع، بعد هجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وجهت وزارة العدل الأميركية اتهامات إلى عديد من كبار قادة الحركة في شأن اختطاف رهائن أميركيين، وطلبتهم للعدالة، ورفع مجلس الشيوخ طلباً بتسليم مشعل إلى الولايات المتحدة.
وبحسب المعلومات المتوافرة لـ"اندبندنت عربية"، فإن الخارجية الأميركية عندما تسلمت رسالة مجلس الشيوخ الأميركي طلبت مباشرة من قطر اتخاذ الإجراءات المناسبة في ما يتعلق بطرد قادة "حماس" من أراضيها وإغلاق مكتب الحركة في عاصمتها، ولكن لم يتم ذلك بصورة رسمية، إذ لم يوجه بلينكن رسالته إلى المسؤولين في الدوحة وإنما أرفق لهم نسخة عن رسالة مجلس الشيوخ له.
قصة وجود "حماس" في قطر
في الواقع، لوجود "حماس" في قطر قصة طويلة وقديمة، بدأت عام 2011، عندما أغلقت سوريا مكتب الحركة الرئيس في العاصمة دمشق، وطردت قادتها من أراضيها على خلفية انتقاد رئيس المكتب السياسي للحركة آنذاك خالد مشعل الرئيس السوري بشار الأسد.
حينها باتت "حماس" حائرة في أي الأماكن تفتح مكتبها الرئيس الذي يجب أن يكون خارج حدود قطاع غزة، وبناء على العلاقات الجيدة بين مشعل والمسؤولين القطريين، لم تمانع الدوحة فتح مكتب تمثيلي رسمي على أراضيها يتمتع بكامل الصلاحيات ما عدا العسكرية.
وخلال تلك السنوات مارست "حماس" نشاطاً مميزاً في قطر، ولعبت الدوحة دوراً كوسيط بين الحركة وإسرائيل، ونجحت في التوصل إلى اتفاقات هدوء في صراعات سابقة، حتى في نطاق الحرب الحالية نجح المسؤولون القطريون في إبرام هدنة موقتة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 بينها وبين إسرائيل.
تهديد سابق بالطرد
تعرضت قطر خلال فترة حرب القطاع لانتقادات كبيرة من الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول لاستضافة مكتب "حماس" في أراضيها، ولكن سفير الدوحة لدى أميركا مشعل بن حمد آل ثاني برر ذلك بأن وجود مكتب للحركة بالدوحة تم بطلب من واشنطن، وأن قطر لا تمانع في اتخاذ أي إجراء في حال طلبت أميركا بصورة رسمية ذلك.
على خلفية فشل جهود الوسطاء أكثر من مرة في التوصل إلى اتفاق في شأن حرب القطاع، فإن وزير الخارجية الأميركي هدد كثيراً بطرد "حماس" من قطر، وربط تنفيذ تهديده بضرورة التوصل إلى اتفاق لتبادل الرهائن، وكان آخر تهديد علني من بلينكن في مارس (آذار) الماضي.
ويبدو أن تعنت "حماس" في التوصل إلى اتفاق في شأن غزة انقلب على وجودها في قطر، إذ غيرت الدوحة كثيراً من مواقفها تجاه الحركة، ويسود اعتقاد في أوساط المراقبين السياسيين أن هذا التغيير جاء نتيجة الطلب الأميركي ورسالة مجلس الشيوخ.
إبلاغ بالطرد من طريق وسائل الإعلام
يظهر التغير في موقف قطر تجاه "حماس" خلال اتجاهين، الأول تعليق دور الوساطة وليس إنهاء دور الوسيط، والأخير إنهاء وجود الحركة على أراضي قطر، سواء كان ذلك إغلاق المكتب السياسي الرئيس أو وجود قيادات الحركة بالدوحة.
بصورة رسمية قالت قطر ذلك، وجاء هذا في تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية ماجد الأنصاري الذي قال فيه "علقنا دورنا كوسيط بين حركة (حماس) وإسرائيل موقتاً، سنعمل على استئناف الجهود مع الشركاء عند توافر الجدية اللازمة لإنهاء الحرب ومعاناة المدنيين في غزة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضيف الأنصاري "الهدف من وجود مكتب (حماس) في قطر هو أن يكون قناة اتصال بين الأطراف المعنية، وحققت هذه القناة كثيراً من الأهداف المرجوة، ولكن الآن وبعد دراسة الموقف خلصت قطر إلى أن المكتب السياسي للحركة لم يعد يؤدي الغرض منه".
مع إعلان قطر بصورة رسمية موقفها الجديد من "حماس" فإن هذا الأمر يجعل مستقبل الحركة على المحك، وفي كل الحالات وجد هذا الأمر ترحيباً إسرائيلياً، إذ يقول وزير خارجية تل أبيب جدعون ساعر، "نرحب بانسحاب قطر من المفاوضات مع (حماس)، بمجرد طرد مسؤولي الحركة من الدوحة فإن مجريات الأحداث ستتغير".
مأزق "حماس" يجعلها تعتقد أن الأمر مجرد تهديد
وبصورة واضحة باتت الحركة في مأزق، يقول القيادي فيها محمود مرداوي، "لم نتلق طلباً رسمياً من الحكومة القطرية في شأن مغادرة الدوحة، لكن في الحقيقة جرى إحاطتنا بوجود طلب أميركي في هذا الخصوص".
وتعتقد "حماس" أن طردها من الدوحة مجرد تهديد وضغط عليها إذ تكرر هذا الأمر في السابق، ويضيف مرداوي "هذا الأمر من أجل إجبار الحركة على التنازل في مفاوضات وقف النار، لا نعتقد أن يتم تنفيذ ذلك على أرض الواقع، بخاصة في هذه المرحلة بسبب الدور المركزي الذي تلعبه الدوحة في مفاوضات تبادل الأسرى التي حققت تقدماً كبيراً خلال الفترة الماضية، ووصلت حد التوافق".
إعفاء من دون إحراج
لكن لدى "حماس" خططاً بديلة في حال وصل الأمر إلى طردها من قطر، إذ تفيد معلومات "اندبندنت عربية" أن الحركة تستعد لسيناريو يعفي قطر من الإحراج، إذ يوضح مرداوي أنها قررت أنه لا ينبغي أن تصل المرحلة إلى أن تطالب الدوحة فيها مغادرة أي من القادة وإيقاف الإقامات القانونية وإغلاق المقار.
أخيراً أبلغ القيادي بالحركة خالد مشعل قيادات دولية عربية بأن "حماس" تشكر دولة قطر على كل ما قدمته للشعب الفلسطيني وتتفهم الاعتبارات والمصالح القطرية، ولا تمانع الحركة مغادرة الدوحة لوجهة أخرى في حال تقرر ذلك.
فيما تصر الولايات المتحدة على أنه لا ينبغي لقادة الحركة أن يكونوا موضع ترحيب في عواصم أي شريك أميركي بخاصة أنه يجب هزيمة الحركة والقضاء عليها في غزة واستبدال حكمها في القطاع، ولذلك فإن الخيارات المتاحة أمام "حماس" قليلة جداً.
خطة "باء" غير جاهزة
أجاب عضو المكتب السياسي لـ"حماس" موسى أبو مرزوق إجابة الحائر التائه عندما سئل عن وجهة "حماس" الجديدة، وحينها قال "حسناً. بلاد الله واسعة"، ولكن هذا لا يعني أن "حماس" لا تملك تصوراً لهذا اليوم، إذ أعدت الحركة خطة "ب" وتستعد لتنفيذها.
بحسب معلومات "اندبندنت عربية" فإن أبو مرزوق وقيادات أخرى من "حماس"، بينهم أسامة حمدان وسامي أبو زهري، قاموا أخيراً بجولات كبيرة لتأمين مكان جديد لفتح مقر إقامة لقادة الحركة ومكتب سياسي آخر لها.
زيارات مكوكية غير مجدية
زار أبو مرزوق العاصمة الروسية موسكو، وهو يتمتع بعلاقات طيبة مع الروس، وهناك فتح معهم حوارات في شأن استضافة مكتب "حماس". كذلك زار أسامة حمدان موريتانيا وناقش معهم بإسهاب إمكانية استضافة الحركة وتوفير مقر لها ولقياداتها، وكذلك زار وفد آخر إيران وناقشوا إمكانية نقل مقرهم إلى طهران، فيما وصل وفد سري للعراق وطرحوا إمكانية استقبال بعض القادة من الجناح السياسي.
وتوجه سامي أبو زهري إلى الجزائر وهناك حصل على بعض الميزات وسمح له بالعمل، وناقش مع القيادة هناك إمكانية نقل مكتب الحركة للعاصمة، كما أجرى مشعل اتصالات مع تركيا وعرض عليهم الأمر، ثم أرسل وفدين الأول إلى لبنان والآخر إلى عمان لمناقشة الموضوع نفسه.
في النهاية من غير الواضح أي المناطق ستستضيف مكتب "حماس"، لكن المراقب السياسي معمر عرابي يقول "من الصعب إقامة قيادة (حماس) في إيران ولبنان والعراق، هذه المناطق يمكن أن يعمل فيها الجيش الإسرائيلي بسهولة".
ويستبعد عرابي أن تستضيف روسيا مكتب "حماس" ولا يعتقد أن الجزائر أو موريتانيا تقبلان بذلك، ولكنه يرجح أن توافق تركيا وفي الوقت نفسه يشكك في ذلك، إذ يضيف "الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لن يسمح لـ(حماس) بمواصلة عملها بحرية في أي مكان".