ملخص
يرى المرشح لمنصب وزير الدفاع الأميركي أن "الإسلاموية هي التهديد الأكثر خطورة الذي يتربص بالحريات في العالم. فلا يمكن التفاوض مع الإسلام المتطرف أو التعايش معه أو حتى فهمه، بل يجب فضحه وتهميشه وسحقه"
قد ينتهي الأمر بأن يصبح مذيع مثير للجدل على قناة "فوكس نيوز" ثاني أهم مسؤول في قيادة الجيش الأميركي. شخص يريد شن "هجوم مباشر" ضد كبار القادة وطرد النساء من ساحات القتال وتنفيذ أجندة دونالد ترمب الطموحة تجاه ثالث أكبر قوة قتالية في العالم من ناحية عدد الأفراد.
في التفاصيل، قام الرئيس المنتخب بترشيح بيت هيغسيث وزيراً للدفاع في حكومته لكي يشرف على موازنة تبلغ 850 مليار دولار و3 ملايين جندي وموظف يخدمون في أقدم جهاز عامل في البلاد في وقت تدخل الولايات المتحدة في صراعات عالمية تطبع فترة من التوترات المتصاعدة.
تم إنشاء هذا المنصب في أعقاب الحرب العالمية الثانية لكي يضفي الطابع المركزي على إدارة وزارة الحرب التي أعيدت تسميتها حديثاً ومختلف أقسام الجيش. ويتمتع معظم الوزراء الذين مروا على هذه الوزارة وعددهم يتخطى الـ30 بباقة من السجلات العسكرية وباع طويل في المناصب المنتخبة والأدوار داخل برامج الدفاع الوطني – وهو خليط من المحاربين القدامى الحائزين الأوسمة ومسؤولي البنتاغون والعلماء والبيروقراطيين المخضرمين.
دان باركوف، مؤسس مجموعة قدامى المحاربين من أجل القيادة المسؤولة قال إن "أفضل ما يمكن قوله" عن هيغسيث هو "أنه غير كفوء بصورة كبيرة ليستحق قيادة وزارة الدفاع".
أما جماعات الدفاع عن المحاربين القدامى، فدقت ناقوس الخطر في وقت يشعر أعضاء الحزب الجمهوري بالدهشة من هذا الترشيح، في حين أن أفراد الخدمة العسكرية والجيش يقومون على موقع "ريديت العسكري" Reddit’s r/Military (الرديف العسكري لموقع "ريديت") بانتقاد ما وصفوه بـ"تسميته الأكثر من غبية"، إذ كتب أحد المستخدمين: "أعظم آلة عسكرية في تاريخ البشرية أصبحت تحت سيطرة مقدم برنامج تلفزيوني".
ويعكس ترشيح هيغسيث الذي جاء بمثابة صدمة لأعضاء الكونغرس الذين سيُطلب منهم في نهاية المطاف التصويت لتأكيد تعيينه، اتجاهاً أوسع في ما يتعلق بترشيحات ترمب على مستوى الحكومة وتعيينات البيت الأبيض. ويقوم هذا الاتجاه على الاعتماد على الموالين المدفوعين بمشاعر الاستياء والذين يتطابق ازدراؤهم للمؤسسة المزعومة مع نهج ترمب المدمر في الحكم وتجاهله للخبرة والتجربة في حكومة يعتمد عليها عشرات ملايين الأميركيين.
وبحسب العضو الجمهوري السابق في الكونغرس آدم كينزينغر، وهو عقيد سابق في الحرس الوطني الجوي، تشكل تسمية هيغسيث "أكثر الأمور غباء وسخافة" التي يمكن أن يقدم ترمب عليها.
أما بول ريكوف وهو أحد المحاربين القدامى في الجيش خلال حرب العراق ومؤسس جمعية قدامى المحاربين الأميركيين في العراق وأفغانستان، فاعتبر من جهته أن هيغسيث "مقاتل إعلامي وثقافي وسياسي فاعل وشرس في سبيل شعار ’اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً’، كما أنه مخلص لترمب إلى أقصى الحدود ويحظى بثقته العمياء". وتابع ريكوف أنه "من دون أدنى شك المرشح الأقل كفاءة لمنصب وزير الدفاع في تاريخ أميركا. والأكثر تحيزاً في السياسة. استعدي يا أميركا".
تخرج هيغسيث في جامعة برينستون عام 2003 وحاز درجة الماجستير في السياسة العامة من جامعة هارفارد. وفي فترة خدمته في حرس مينيسوتا الوطني، تم إرساله إلى خليج غوانتانامو والعراق وأفغانستان. وحصل على رتبة رائد وحصد كثيراً من أوسمة الخدمة، بما في ذلك نجمتان برونزيتان.
إضافة إلى ذلك، عمل مع عدد كبير من مراكز الفكر اليمينية والجمعيات الحقوقية السياسية، بما في ذلك لجنة العمل السياسي التي خضعت للتدقيق بسبب مزاعم إساءة استخدام الأموال العامة قبل إغلاقها عام 2018.
وعام 2012، أطلق هيغسيث حملة فاشلة للحصول على مقعد في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية مينيسوتا، وعام 2014 انضم إلى قناة "فوكس نيوز"، حيث يشارك حالياً في تقديم النسخة الخاصة بنهاية الأسبوع من برنامج الشبكة الصباحي الرائد "فوكس أند فريندز" Fox & Friends.
على النقيض من ذلك، وزير الدفاع الحالي لويد أوستن هو جنرال متقاعد من فئة أربع نجوم من الجيش الأميركي وقائد سابق للقيادة المركزية الأميركية، ونائب سابق لرئيس أركان الجيش، وقائد سابق للقوات المسلحة الأميركية في العراق. وإنه أيضاً أول أميركي من أصل أفريقي يحمل هذه الألقاب ويتولى تلك المناصب.
وحاز أوستن "النجمة الفضية" وهي ثالث أعلى وسام عسكري في البلاد مقابل شجاعته في القتال وحصل على خمس ميداليات للخدمة المتميزة في الدفاع.
غابريان غريغوري، وهو ضابط احتياط في الجيش ومرشح سابق لمجلس ولاية تكساس علق على قرار الترشيح قائلاً: "سأكون منصفاً. إنه رائد في الحرس الوطني ويتمتع بخبرة قتالية وأنا أحترم ذلك. لكن هذا كل ما يقدمه للمنصب". وأضاف: "يتعين على مجلس الشيوخ ألا يعطي موافقته على شخص هو الأقل كفاءة لقيادة جيشنا. إنه أمر خطر للغاية. كان المعيار السائد - سواء كان جمهورياً أو ديمقراطياً في المنصب - أن يكون [وزير الدفاع] يتمتع بمؤهلات هائلة فضلاً عن خبرة في أعلى مستويات الأمن القومي. ... الأمر أشبه بمنح المستضيف منصب المدير لمجرد أنه يعمل في المطعم".
وتقدمت "اندبندنت" بطلب إلى هيغسيث للتعليق.
في عضون ذلك، من المتوقع أن يعيد ترمب فرض حظر على العسكريين المتحولين جنسياً وينهي سياسة تغطي كلف السفر لأفراد القوات المسلحة الذين يسعون إلى القيام بعمليات الإجهاض أثناء وجودهم في ولايات يُحظر فيها الوصول إلى تلك الخدمات.
كما من المتوقع أن يقوم الرئيس المنتخب بتوجيه البنتاغون للتخلص من مبادرات التنوع والمساواة والإدماج، والتخلص مما يسمى جنرالات تيار "اليقظة" [الذي تبناه اليسار والتقدميين ويتضمن الإيمان بالعدالة العرقية والمساواة الجنسية. يُستخدم غالباً بصورة سلبية لانتقاد الأشخاص أو الحركات التي تركز بشكل مفرط على هذه المخاوف] الذين اتهمهم ترمب وحلفاؤه بإضعاف جاهزية الجيش.
وكان هيغسيث أشار في كتابه الصادر هذا العام بعنوان "الحرب على المحاربين: ما وراء خيانة الرجال الذين يحافظون على حريتنا" The War on Warriors: Behind the Betrayal of the Men Who Keep Us Free إلى أن الجنرال تشارلز كيو براون الابن، رئيس هيئة الأركان المشتركة والطيار المقاتل في القوات الجوية الذي راكم 130 ساعة طيران قتالية و40 عاماً من الخدمة، حصل على الوظيفة فقط لأنه من ذوي البشرة السوداء.
وكتب: "هل يعود ذلك للون بشرته أو لمهاراته؟، لن نعرف الجواب مطلقاً، ولكن ينتابنا شك في ما يبدو بظاهرة غير عادلة بالنسبة إلى القيادة المركزية. ولكن، بما أنه جعل من بطاقة اللعب على وتر العرق إحدى أكبر بطاقاته الدعائية، فإن الأمر لا يهم كثيراً".
وسبق لهيغسيث أن أعلن في بودكاست "شاون راين شو" Shawn Ryan Show خلال الشهر الجاري أن "العبارة الأكثر غباء في الجيش على كوكب الأرض هي أن قوتنا في تنوعنا. أولاً وقبل كل شيء، تتعين علينا إقالة رئيس هيئة الأركان المشتركة... أي جنرال أو أميرال كان متورطاً في أي من أعمال جنرالات ’اليقظة’ أو نظرية التنوع والمساواة والاندماج فعليه أن يرحل".
وقال في البودكاست إنه "يعلن جهاراً أنه لا ينبغي أن نجعل النساء يتوليّن أدواراً قتالية"، مضيفاً: "لم يجعلنا ذلك أكثر فاعلية أو فتكاً، بل على العكس جعل القتال أكثر تعقيداً. لقد خدمنا جميعاً مع النساء، وهن رائعات. لكن مؤسساتنا لا يجب أن تشجع ذلك في الأماكن التي ثبت تاريخياً أن الرجال هم الأكثر كفاءة فيها."
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أن الرجل الذي قد يشرف على نحو 40 ألف جندي متمركزين في الشرق الأوسط عبّر أيضاً عن آراء معادية للمسلمين على قناة "فوكس نيوز" وفي كتبه "في الساحة" In the Arena و"الحرب على المحاربين" The War on Warriors و"الحملة الصليبية الأميركية"American Crusade ، إذ قارن "الصليبيين الأميركيين" في العصر الحديث بالمسيحيين الذين "صدوا جحافل المسلمين" في القرن الـ12. وكتب أن الأميركيين "بحاجة إلى حشد الشجاعة نفسها ضد الإسلاميين المتطرفين اليوم".
وأيد هيغسيث أيضاً مطالب ترمب بـفرض "الحظر الكامل لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة حتى يتمكن ممثلو بلدنا من معرفة ما الذي يحدث فعلاً".
وعلى قناة "فوكس نيوز" كما في كتبه، أطلق هيجسيث مراراً التحذيرات في شأن "معدلات المواليد المسلمين" وعدد المسؤولين المسلمين المنتخبين في الولايات المتحدة.
وكتب في "الحملة الصليبية الأميركية" أن "كثيراً من الدول الأوروبية يمكن أن تشهد تراجعاً في عدد السكان لولا هجرة المسلمين. إذا قمنا بجمع هذه العوامل مع الوقت، فسنحصل على المعادلة التالية: عام 2019، كان الاسم الأكثر شيوعاً في إنجلترا للمواليد الجدد هو محمد. هل سيحدث الأمر نفسه في الولايات المتحدة؟، طبعاً. فمع وجود ما يكفي من النزعة اليسارية والوقت الكافي، كل شيء ممكن بالنسبة إلى الإسلاميين".
وكتب أن الفكرة القائلة إن الإسلام هو دين السلام "هي رؤية عالمية ساذجة وجبانة لأن البديل هو مواجهة حقيقة التهديد الذي يكاد يكون مخيفاً لدرجة أنه يصعب فهمه". وجاء أيضاً في كتاباته: "إلى جانب الشيوعيين الصينيين وطموحاتهم العالمية، تُعتبر الإسلاموية التهديد الأكثر خطورة الذي يتربص بالحريات في العالم. فلا يمكن التفاوض مع الإسلام المتطرف أو التعايش معه أو حتى فهمه، بل يجب فضحه وتهميشه وسحقه. تماماً مثل الصليبيين المسيحيين الذين صدوا جحافل المسلمين في القرن الـ12، سوف يحتاج الصليبيون الأميركيون إلى حشد الشجاعة نفسها ضد الإسلاميين اليوم".
وفي كتاب "الحرب على المحاربين"، عكس هيغسيث آراء ترمب وتصريحاته في شأن ما أسماه "عدو الداخل" من خلال وصف المعارضين السياسيين والأيديولوجيين بـ"الأعداء المحليين"، واقترح نشر الجيش في المدن الأميركية، حيث وصف الشرطة بأنها مضطرة إلى التنقل بين "السكان الأصليين من مدمني الشوارع والعمل في إطار مجموعة غريبة من قواعد الاشتباك التي تتنازل فعلياً عن الأراضي (المناطق المجاورة) للعدو (المجرمين)".
كما يصور الجيش الأميركي على أنه فاسد بسبب قوة غازية معارضة له عقائدياً ويدعو إلى "هجوم مباشر" "لاستعادته" –وهو ما يقول عنه جيف شارليت مؤلف كتاب "التيار الباطني: مشاهد من حرب أهلية بطيئة" The Undertow: Scenes from a Slow Civil War بأنه أشبه بنداء تحذيري.
ففي هذا الإطار، يكتب شارليت أن "الجانب الأكثر إثارة للقلق" في ترشيح هيغسيث هو احتمال أن يكون ترمب قد فعل ذلك "مع علمه أن شعبه وضع ضباطاً موالين في مكانهم ليحلوا محل الجنرالات الذين تعهد هيغسيث بأنه قادر على إزالتهم".
عام 2019، نجح هيغسيث في الضغط على ترمب للعفو عن ملازم سابق ورائد سابق في الجيش دينا بارتكاب جرائم حرب. وصور هيغسيث الرجلين على أنهما بطلان تعرضا للملاحقة القضائية وللظلم وأنهما شكلا هدفاً لبيروقراطيين مدفوعين سياسياً ولم يفهموا الفوارق البسيطة في القتال، وهو أمر يتناقض مع ما أدلى به الرجال الذين خدموا معهما.
وفي حديث إلى "اندبندنت"، قال دان باركوف مؤسس مجموعة قدامى المحاربين من أجل القيادة المسؤولة إن هيغسيث هو عبارة عن "محرض محترف وداعم نشط للجنود الأميركيين الذين يرتكبون جرائم حرب". وأضاف أن تسميته وزيراً للدفاع هو "أمر غير أخلاقي وغير فاعل وخاطئ تماماً كما أنه يدفع إلى تولي دور القيادة (وزير دفاع) بشخص لا يملك فهماً واسعاً للعمليات العسكرية المهنية. إن قدرة الجيش الأميركي على التعامل مع خصومه الأنداد ومع الإرهاب الدولي لا تستفيد من مقدمي البرامج الحوارية الذين يعتقدون بأن أفلام ليام نيسون هي من صلب الحياة الواقعية".
© The Independent