ملخص
يتوقع أن يستفيد القطاع المصرفي ويستمر النمو في الإقراض من دون أي اختلالات في مؤشرات الاقتصاد الكلي
مع اقتراب نهاية العام تبدأ المؤسسات الدولية وشركات الاستشارات العالمية الكبرى في إعداد تقارير دراسات وأبحاث حول توقعات أداء الاقتصادات المختلفة وقطاعاتها في العام المقبل. وتعد تلك التقارير أرضية مهمة لاتخاذ قرارات الاستثمار استناداً إلى التصنيفات الائتمانية المستقبلية. وأصدرت مؤسسة "ستاندرد آند بورز" العالمية الكبرى للتصنيف الائتماني هذا الأسبوع تقريراً مفصلاً حول القطاع المصرفي الخليجي، وتوقعات أدائه في عام 2025.
الخلاصة الأولية لتقرير المؤسسة تتمثل في أن البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي تميزت بأداء جيد ويتوقع أن يستمر ذلك العام المقبل، وأرجع التقرير الأسباب إلى استمرار تحسن الربحية مستفيدة من جودة الأصول لدى القطاع المصرفي وقوة رأسمالها وتوافر السيولة في كشوف حساباتها.
وما لم تحدث أخطار مفاجئة يتوقع أن يستمر هذا الأداء الجيد في عام 2025 مما يعني استمرار التصنيف الائتماني العالي للمصارف الخليجية.
أما العوامل السلبية التي يمكن أن تؤثر في أداء القطاع المصرفي بما يغير هذه النظرة المستقبلية فتتركز في زيادة الأخطار الجيوسياسية في المنطقة أو الانخفاض الكبير في أسعار النفط. ومع المرونة الجيدة للبنوك يمكن أن تتحمل أي تغييرات غير كبيرة من دون تغيير واضح في تصنيفها الائتماني أو النظرة المستقبلية لوضعها وأدائها. ويضاف إلى الأخطار أيضاً استمرار انخفاض أسعار الفائدة حول العالم وفي المنطقة، مما يعني تراجع ربحية المصارف التي تعتمد إلى حد كبير في عائداتها على كلفة الإقراض.
التحول الاقتصادي
يستفيد القطاع المالي، والمصارف خصوصاً، من عملية التحول في اقتصادات المنطقة بتنويع النشاط بعيداً من قطاع الطاقة، إذ تحتاج مشروعات تطوير القطاعات الأخرى إلى عمليات تمويل تعود بالفائدة على القطاع المصرفي مما يجعل أداءه في تحسن مستمر.
وتتوقع مؤسسة التصنيف الائتماني متوسطاً لأسعار النفط في نطاق 75 دولاراً للبرميل في الربع الرابع والأخير من عام 2024، وأن تستمر الأسعار في هذا النطاق للفترة من 2025 إلى 2027 في الأقل، ويعني ذلك أن الوضع المالي والاقتصادي عموماً في دول مجلس التعاون الخليجي يظل جيداً، وهو ما ينعكس إيجاباً على القطاع المصرفي.
ويقدر التقرير أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي عموماً ستواصل الاستفادة من عمليات التحول الاقتصادي وتنويع القطاعات عبر مشروعات كبرى كما في السعودية، ومن التوسع في مشروعات إنتاج الغاز كما في قطر، ومن عمليات الإصلاح الهيكلي للاقتصاد كما في سلطنة عمان، ومن الأداء الجيد للقطاعات غير النفطية في الإمارات والبحرين.
وعلى أثر أسعار النفط المعقولة واستمرار التوسع الاقتصادي نتيجة الإصلاحات وعملية التنويع في القطاعات، يتوقع أن يستفيد القطاع المصرفي ويستمر النمو في الإقراض من قبل بنوك المنطقة من دون أي اختلالات في مؤشرات الاقتصاد الكلي، وفق تقدير واضعي التقرير، وسيكون نمو الإقراض أعلى في السعودية والإمارات بنسبة ما بين 8 و9 في المئة، ومتوسطاً في بقية دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة ما بين ثلاثة وستة في المئة.
الفائدة وضبط الدفاتر
من المؤشرات المهمة التي يقدر تقرير "ستاندرد آند بورز" أن تستمر التصنيف الائتماني الجيد للقطاع المصرفي الخليجي، خصوصاً في ما يتعلق بالديون المعدومة أو المشكوك في تحصيلها، وهذا ما يمكن أن يعادل أي تأثير سلبي في العائدات والأرباح على كشوف حسابات المصارف نتيجة استمرار انخفاض أسعار الفائدة.
على رغم الصدمة المالية في العالم نتيجة أزمة وباء كورونا، فقد ظلت نسبة الديون الرديئة في القطاع المصرفي الخليجي عند نطاق ثلاثة وأربعة في المئة فحسب، إذ استفادت البنوك الخليجية من تعديلات القواعد ولوائح العمل في دول المجلس، إلى جانب التحسن المطرد في المناخ الاقتصادي بصورة عامة.
واستغلت المصارف الخليجية زيادة الربحية ما بعد أزمة وباء كورونا في تجنيب مخصصات أكبر من رأس المال للطوارئ بما يجنبها التأثر بأي صدمات مستقبلية، ويتوقع تقرير المؤسسة استمرار مؤشرات جودة الأصول خلال فترة الـ12 إلى الـ24 شهراً القادمة، وإن ظلت هناك بعض الضغوط على جودة الأصول، كما في حال قطر التي تواجه مشكلة فائض العرض في القطاع العقاري منذ ما بعد كأس العالم 2022.
ويتوقع التقرير تراجعاً في الربحية في الفترة المقبلة، لكنه قد لا يؤثر كثيراً في وضع التصنيف الائتماني للبنوك الخليجية، وبحسب سيناريو "ستاندرد آند بورز" يتوقع أن يخفض "الاحتياطي الفيدرالي" (البنك المركزي الأميركي) سعر الفائدة بمقدار 2.25 في المئة بنهاية العام المقبل (تتضمن نسبة 0.75 في المئة التي خفضها هذا العام).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالطبع ستتبع البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي هذا المسار بدرجة أو بأخرى، وسيعني ذلك تراجع هامش الأرباح للقطاع المصرفي الخليجي، لكن بنسب لن تكون كبيرة إنما في المتوسط لبنوك المنطقة ما بين 0.25 في المئة و0.5 في المئة.
رأس المال والسيولة
ويتوقع التقرير أن تستمر البنوك الخليجية في الاستفادة من زيادة رأس المال بما يدعم استمرار تصنيفها الائتماني الجيد، وهو ما أسهم في استمرار قوة رأس المال الدعم من المساهمين، إذ تظل نسبة توزيعات الأرباح على المساهمين أقل من 50 في المئة، إضافة إلى زيادة الربحية التي تسهم في استقرار رأس المال.
وتعد جودة رأس المال عالية نتيجة عدم استخدام أدوات تمويل "هجينة" بنسب كبيرة، بمعنى أن المديونية المتذبذبة (نتيجة إصدار السندات وغيرها من الأوراق المالية) تظل عند نسب معقولة، وإن كان التقرير يتوقع أن تزيد بعض البنوك من إصداراتها في الفترة المقبلة ما بين عامي 2025 و2026 للاستفادة من انخفاض أسعار الفائدة في التمويل بكلفة أقل.
ويشير التقرير إلى أن من عوامل قوة وجودة رأس المال وتوافر السيولة في القطاع المصرفي الخليجي أن غالب تمويله هو من الإيداعات المحلية، وساعد ذلك بالفعل على تفادي البنوك الخليجية تأثير صدمات سابقة كما حدث في أزمة وباء كورونا وفي الأخطار الجيوسياسية في المنطقة. وتشكل إيداعات القطاع العام نسبة ما بين 20 و30 في المئة من قاعدة الإيداعات لدى البنوك الخليجية باستثناء البحرين التي تقل فيها تلك النسبة عن ذلك بصورة واضحة.