Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شخصيات مصرية مأزومة تجمعها حانة يهودية

هويدا صالح تراقب حركة الحياة المترددة في رواية "ثلاث طرق للسعادة"

لوحة بريشة الرسام المصري عمر فيومي (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

"ثلاث طرق للسعادة" رواية جديدة للكاتبة المصرية هويدا صالح تعالج فيها أموراً معقدة، شخصية وجماعية، وتقدم قصصاً متوازية عن شخصيات تعيش حالاً من التردد.

يعتمد السرد في رواية الكاتبة هويدا صالح "ثلاث طرق للسعادة" (الدار المصرية اللبنانية) على وضعية الراوي الخارجي العليم من خلال ضمير الغائب، من دون أن يمنع ذلك استخدام ضمير المتكلم في الحوار. تبدأ الرواية بصوت "حسناء" الطبيبة المسيحية التي تعاني من تأزم علاقتها مع زوجها بسبب هيمنة الأم والأخوات عليه، حين تقول لبائع العطور: "لست في حالة تسمح بشراء العطور اليوم، لكني أعدك أن آتي إليك في يوم مختلف. أما الآن فأنا جائعة". ويحق لنا تأويل هذا الجوع على أنه لا يقتصر على الطعام بل يشمل الحب بناء على ما ندركه من حياتها الخاصة وحرمانها من العواطف الإنسانية. ومن الطبيعي أن توظيف الحوار؛ لا السرد، يستلزم ضمير المتكلم. لكن سرعان ما يتدخل الراوي الخارجي متخللاً هذا الحوار وواصفاً الشخصيات. وهكذا يظل هذا التراوح بين الضميرين مع هيمنة واضحة لضمير الغائب الذي يمنح الراوي قدرة الوصف الذي يتطور أحياناً إلى ما يسمى بالصورة المشهدية التي تشمل المكان والشخصيات المتحركة داخله. فتحت عنوان "مراقبة الحياة" تجلس "حسناء" على مقعد رخامي أمام النيل تراقب المراكب التي "يرقص على متنها الشباب والصبايا على ألحان الأغاني الشعبية". فنحن هنا أمام لوحة نابضة بالحياة تشمل اللون والصوت والحركة.

شخصيات معذَّبة

لا يمكن إسناد البطولة إلى إحدى شخصيات هذه الرواية، فقد بدت شخصياتها متكافئة إلى درجة كبيرة على مستوى مساحة السرد. وفي تصوري أن الرواية تقدم قصصاً متوازية ومتقاربة في دلالتها على المعاناة بصور مختلفة، حيث بدت غالبية الشخصيات معذبة تعاني أقداراً خارجة عن إرادتها. فعلى رغم محورية "حسناء"، هناك أيضاً "دعاء" (صديقة الظلام) كما تصفها الساردة، وذلك لملازمتها حجرة مظلمة بعد ابتعادها – لا انفصالها – عن "هشام" زوجها حيث اعتادت التحديق "في طبقات الظلام التي تلفها". واللافت أنها تعايشت مع أشكال طيفية وأصوات مبهمة تتصارع.

ولا شك أن هذه الأشكال والأصوات انعكاس لما تعانيه من اضطرابات نفسية. وهناك "منى" التي تكتشف شذوذ زوجها "محمود التابعي"، فتأخذ ابنها وترحل بعيداً منه. ولا تقتصر هذه العذابات على النساء، حيث نجد "أوليفر" (البارتندر) الذي استقبل "حسناء" في المطعم والبار الملحق به. و"أوليفر" هذا يهودي انتمى إلى الحزب الشيوعي المصري ورفض الهجرة إلى إسرائيل بعد أن نشطت الصهيونية في جلب اليهود إلى الدولة الوليدة. لكن زوجته "ليليان" تستجيب لدعاوى الصهيونية فتأخذ ابنتها وتهاجر إلى إسرائيل متسببة في حزن لزوجها لم يفارقه بقية عمره. وهي حالة توازي عذابات "هشام" الذي احتمل اكتئاب زوجته حتى استطاع علاجها واستئناف حياتهما من جديد.

لعبة المصائر

تقول "حسناء" إنها "لم تدرك أن كل اختياراتنا تقيدنا طوال حياتنا، كل مسار قررنا أن نسير فيه هو اختيار يجب أن نتحمل نتائجه". هذا الصراع بين الجبر والاختيار اللذين يتماهيان في نهاية الأمر يعد بعداً آخر من أبعاد الصراع النفسي الذي تعاني منه شخصيات الرواية. وبهذا فنحن لسنا فحسب أمام "حكايات" عن مجموعة من الشخصيات المتنوعة بل أيضاً أمام سرد معرفي يقوم على تأمل الشخصيات والظواهر وتفسيرها. فعندما يأتي ذكر العامية المصرية تؤكد الساردة أنها "لغة" وليس مجرد "لهجة"، لغة لها أسرارها وبلاغتها الخاصة التي تراكمت عبر القرون. وفي مواضع أخرى تلفتنا إلى ما يسمى بـ "العلم اللدني" الذي يأتي على صورة إشارات إلهية. وهذا ما حدث لـ "حسناء" حيث توالت عليها تلك الإشارات الدالة إلى ضرورة انفصالها عن زوجها، لكنها تغاضت عن "كل تلك الإشارات التي جاءتها في لحظات ربانية صافية، بل عميت تماماً لتكمل رحلة العذاب إلى آخرها". وأزمة "حسناء" مع زوجها – إضافة إلى ما ذكرناه – ترجع إلى كونها امرأة مثقفة، بينما يبدو هو مهتماً فحسب بالجوانب الحسية في علاقته بها، يقول لها: "دعي التفلسف الذي يضيع بهجة اللحظة، ألم تستمتعي معي؟".

وفي المقابل فإن مع رجل الأعمال المصري الذي لا يستقر في بلد "عادل مراد" والذي تعرفت إليها في المطعم، لا يسمح لنفسه باكتمال العلاقة الحميمة معها؛ "حتى يظلا على علاقتهما الوجدانية".

التطرف الديني 

"حسناء" شخصية مركبة حقاً وهي الأكثر درامية بين كل شخصيات الرواية. فهي ليست مجرد فتاة تجمع بين الجمال الإيطالي الذي ورثته عن جدها "بولدوين" الذي سكن مصر في عشرينيات القرن الماضي، والروح المصرية التي ورثتها عن أمها وجداتها. كما أنها ذات إرادة قوية، فقد استطاعت – من خلال التفاني في عملها – التخلص من التشوهات النفسية التي كان من الممكن أن تصيبها بسبب أمها "نرجس" حين تحوَّلت إلى "امرأة متشددة دينياً، حتى أنها ترى كل بهجة في الحياة إثماً يجب أن تعتذر للرب عنه". كل ذلك على العكس من رؤية والد "حسناء" الذي كان يرى أن الدين وجِد لسعادة الإنسان وسلامه الروحي وتصالحه مع كل شيء في الطبيعة حوله. وانعكس التطرف الديني الذي هيمن على "نرجس" على علاقتها بالآخر ورؤيتها للغرب، فقد كانت تصرخ في وجه ابنتها وجدها الذي يحكي لها عن جداته، قائلة: "ابنتي لن تصبح مثل نساء إيطاليا الفاسقات المنحلات". بل إنها كانت تتهم الجد بالكفر لمجرد انتقاده لبعض المرويات التي تنتسب للدين وكأن هذه المرويات أحد أصول الدين الذي كان الجد يؤمن به إيماناً عميقاً يجعله يرى في مخلوقات الله الجميلة انعكاساً لصورة الإله.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكما أصاب التطرف الأفراد فإنه يصيب الأمم، حين تحكي الساردة – على لسان "حسناء" – أن الرومان قديماً- منعوا المصريين من تحنيط موتاهم بحجة أنها عادة وثنية، وكان الحل أن يرسم الرسام المصري للرجل والمرأة بل والطفل بورتريهاً للوجه أثناء حياته؛ "حتى إذا مات يضع أهله تلك اللوحة التي تحمل ملامح الميت معه في القبر حتى تتعرف الروح إلى الجسد وتعود إليه في عالم الخلود".

زحام القضايا

تذكرني ثيمة جمع شلة من الشخصيات المتنوعين طبقياً وثقافياً لكي تحتسي الخمر في أحد البارات ورصد قصص حيواتهم برواية نجيب محفوظ "ثرثرة فوق النيل" التي تجمع من الشخصيات في إحدى العوامات لتدخين الحشيش. وليس في هذا عيب؛ لأنه مجرد حيلة روائية فعلها كثيرون، غير أن ما نظنه هو أن الكاتبة لم تكن ملزمة بسرد حكاية كل شخصية، وكذلك طرح العديد من القضايا كما نجد في حديثها عن مصر القديمة والعامية المصرية والمقارنة بين الرجل والمرأة، والصهيونية والتشدد الديني وقضية الجبر والاختيار، الأمر الذي أثقل الرواية بما أسميته بالسرد المعرفي. وقد أشعرني هذا بابتعاد الكاتبة عن عالمها الحميم الذي رأيناه في أعمال سابقة لها مثل "عمرة الدار" و"جسد ضيق" و"بيوت تسكنها الأرواح".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة