ملخص
يُعرف ستيفن ويتكوف صاحب الـ67 سنة، بخبرته في التفاوض حول الصفقات التجارية وليس الدبلوماسية، وهو يهودي أميركي موالٍ لإسرائيل وأحد أقرب أصدقاء ترمب.
لدى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، عدد من الأهداف الصعبة التي يسعى لتحقيقها في الشرق الأوسط، فمن إنهاء حرب غزة واستكمال السياسة الذي بدأها في ولايته الأولى نحو العمل على تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة، والسعي لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يواجه النزيل الجديد في البيت الأبيض ديناميكيات مختلفة في المنطقة عما كان خلال إدارته الأولى. ومع ذلك، لم تختلف كثيراً مواصفات مبعوثه للسلام قبل ثماني سنوات عن اختياره الجديد.
فمثلما قاد صهره رجل الأعمال اليهودي جاريد كوشنر "فريق السلام" بالبيت الأبيض من دون أي خبرة دبلوماسية سابقة، اختار الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً رجل أعمال آخر يعمل في مجال العقارات ليكون مبعوثاً له في الشرق الأوسط. اختيار ستيفن ويتكوف صاحب الـ67 سنة، المعروف بخبرته في التفاوض حول الصفقات التجارية وليس الدبلوماسية، يعكس إصرار ترمب على التعامل مع أزمات المنطقة باعتبارها مجرد صفقات معقدة.
أهل الثقة
ومع ذلك، فإن الأمر لا يتعلق فقط بنظرة ترمب لقضايا المنطقة، بقدر نهجه الذي يعتمد على تعيين أهل الثقة والمقربين في المناصب الرفيعة. فويتكوف وهو يهودي أميركي موالٍ لإسرائيل، أحد أقرب أصدقاء ترمب وطالما قضى الرجلان أوقاتاً طويلة في لعب الغولف في منتجع مارالاغو المملوك لترمب، وخلال الحملة الانتخابية كان ويتكوف واحداً من أكبر جامعي التبرعات لمصلحة حملة ترمب حيث عمل كحلقة وصل بينه وبين المتبرعين اليهود، بما في ذلك ميريام أديلسون التي ساهمت بمبلغ 100 مليون دولار للحملة، وكان رفيقاً منتظماً له في الحملة الانتخابية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق وسائل إعلام أميركية، تعود علاقة الرجلين إلى عام 1986، تلك العلاقة التي تعمقت على مر السنين. وقد تحدث رجل الأعمال خلال خطابه في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري هذا العام عن مساندة ترمب له عندما توفي أبنه عام 2011 قائلاً: "لقد جلب وجوده عزاء حقيقياً في ساعة مظلمة"، واصفاً ترمب بأنه "رجل طيب وعطوف لم أقابله في حياتي".
ووفقاً لشخص مطلع تحدث لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فإنه مثل ترمب، ينظر بيتكوف إلى الشرق الأوسط كـ "صفقة عقارية عملاقة". وفي تماهٍ مع خلفية الرئيس المنتخب، فإن ويتكوف هو نموذج لنيويوركي صنع ثروته في المدينة الصاخبة ثم انتقل في سن معينة إلى فلوريدا، كما أنه لاعب غولف نهم.
لسان ترمب في المنطقة
من المتوقع أن يتحدث ويتكوف، الذي ليست لديه خبرة سابقة في السياسة في الشرق الأوسط، مباشرة إلى القادة الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب. وفي حين أنه ليست لديه خلفية دبلوماسية، يقول مراقبون إن فرص ويتكوف في إحراز تقدم ستتحسن إذا علم القادة في الشرق الأوسط أنه يتحدث باسم ترمب. فكما لم يكن لدى كوشنر خبرة عندما بدأ العمل في الشرق الأوسط لكنه انتهى به الأمر إلى التوسط في اتفاقيات إبراهام بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والسودان، قد ينته الحال ببيتكوف لإنجاز ما عُين لأجله.
وقال مصدر تحدث لموقع "أكسيوس" الأميركي إن "ترمب يثق في ويتكوف كثيراً وهم قريبون جداً. وهذا شيء سيساعد ويتكوف في مهمته". وفيما قال ترمب في مناسبات عدة إنه يريد إنهاء الحرب في غزة في أقرب وقت ممكن، فإنه يسعى بجد إلى هذا الهدف من أجل تحقيق هدفين أكبر وهما: اتفاق سلام إسرائيلي- فلسطيني، والذي حاول تحقيقه خلال ولايته الأولى، واتفاقية تطبيع بين السعودية وإسرائيل.
يوصف ويتكوف في عالم العقارات بأنه ذكي ولطيف ومفاوض موهوب. ويقول دون بيبلز، وهو مطور عقاري معروف، متذكراً تعاملاته الأولى قبل سنوات: "كان أسلوبه التفاوضي لا يتسم بالعدائية مطلقاً... ويتكوف ليس من النوع الذي يرغب في رؤية الدماء على الأرض قبل إتمام الصفقة".
ومع ذلك، ليس واضحاً بعد عما إذا كان ويتكوف يدرك جيداً التاريخ المتشابك والتفاصيل الدقيقة للشرق الأوسط؟ وفي هذا الصدد يتحدث المقربون عن مؤهلاته التجارية، مشيرين إلى صفقاته مع هيئة الاستثمار القطرية وصندوق الاستثمار التابع لأبو ظبي. فيقول مارتي إيدلمان محامي العقارات لدى شركة بول هاستينغز، بأنه شخص "يتمتع بوعي تام لما يعرفه وما لا يعرفه"، مضيفاً أنه قادر على "فهم مكعب روبيك والأشخاص الذين يديروه". لكن بدا مسؤول تنفيذي آخر في مجال العقارات متشككاً في أوراق اعتماد ويتكوف حتى أثناء الإشادة بذكائه، قائلاً إن صنع السلام في الشرق الأوسط ليس عالم ويتكوف.
وتقول "وول ستريت جورنال" إنه من المتوقع أن يظل كوشنر مشاركاً بالعمل في الشرق الأوسط، حتى من دون دور رسمي، إذ قال للصحيفة في مقابلة أجريت معه أخيراً: "سأقدم لهم نصيحتي، وسأساعدهم بأي طريقة يحتاجونها". ويخطط ويتكوف "للتحدث والتعاون" مع كوشنر، الذي يعتقد أنه يتمتع "بفهم استثنائي لديناميكيات" المنطقة، كما قال شخص مطلع للصحيفة الأميركية.
مشهد جيوسياسي مختلف
ومع ذلك، يمكن القول إن ترمب يرث مشهداً جيوسياسياً في الشرق الأوسط مختلفاً بشكل كبير مقارنة بالمشهد الذي كان سائداً خلال ولايته الأولى بين 2017 و2021، إذ تغيرت التحالفات، وتغيرت الأولويات وتعمقت التوترات في بعض الأماكن وذابت في أماكن أخرى.
طالما كان شعار ترمب في الشؤون الخارجية، كما هي الحال في الأعمال التجارية، أن بإمكانه "إبرام صفقة"، لكن يقول مراقبون إنه مقارنة بما كانت عليه الحال قبل أربع سنوات، تقلصت المساحة المتاحة لأي اتفاق لأسباب عدة.ويوضح كريستيان أولريشسن متخصص شؤون الشرق الأوسط لدى معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس: "إذا كان رجال ترمب يعتقدون أنهم يستطيعون فقط متابعة ما تركوه في عام 2020، فإنهم يسيئون قراءة الموقف تماماً. وسيتضح هذا بسرعة كبيرة".
ويقول الكاتب الأميركي مارك مازيتي في صحيفة "نيويورك تايمز"، إنه سابقاً تم تهميش الفلسطينيين إلى حد كبير عندما قاد كوشنر جهود البيت الأبيض لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية خلال الإدارة الأولى لترمب، ولم تطالب الدول العربية باتخاذ خطوات ملموسة نحو الدولة الفلسطينية كشرط مسبق لعقد ميثاق دبلوماسي مع إسرائيل، ونتيجة لذلك لم يتنازل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أي شيء تقريباً لتحقيق نصر دبلوماسي مميز.
وبينما سعت إدارة بايدن في عام 2023 لتحقيق اتفاق دبلوماسي بين إسرائيل والسعودية، لكن هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) والحرب في غزة قلبت أي احتمالات للتوصل إلى صفقة، بل أرتفع ثمن ذلك حيث أكدت الرياض مراراً أن إسرائيل يجب أن تلتزم بدولة فلسطينية قبل أن تعترف السعودية بإسرائيل. وفي خطاب ألقاه في سبتمبر (أيلول) الماضي، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إن المملكة لن تتوقف عن جهودها الدؤوبة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، مشدداً على أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وكانت إدارة ترمب الأولى تنظر إلى اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية كجزء من استراتيجية طويلة الأجل ضد إيران، التي خاضت لسنوات حروباً بالوكالة من أجل التفوق الإقليمي. لكن العامين الماضيين شهدا تطوراً في العلاقات بين إيران ودول الخليج حيث التقى الدبلوماسيون الإيرانيون مباشرة بمسؤولين من السعودية والإمارات ودول الخليج الأخرى. والشهر الماضي، سافر وزير الخارجية الإيراني إلى العديد من دول الخليج بهدف وقف "جرائم" إسرائيل في غزة ولبنان وفق قول وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية.
وفي حين يصف مازيتي ذلك التطور بأنه في أحسن الأحوال انفراجة هشة، لكن بالنسبة للدول العربية، فهو ناتج جزئياً من البراغماتية في ظل إدراكهم أن الولايات المتحدة كانت تحاول لسنوات الانفصال عن الشرق الأوسط. ويستخدم المسؤولون السعوديون حادثة واحدة خلال إدارة ترمب الأخيرة لتعزيز هذه النقطة وهي عندما اختار البيت الأبيض عدم الرد على هجمات بمسيرات وصواريخ إيرانية استهدفت منشآت أرامكو النفطية في عمق المملكة عام 2019.
وبحسب تشيب آشر، متخصص شؤون الشرق الأوسط الذي عمل لدى وكالة الاستخبارات المركزية، فمن المرجح أن يستمر السعوديون ودول الخليج الأخرى في التحوط في رهاناتهم. فيما يقول أولريشسن: "إن زعماء الخليج يتخذون حساباتهم بالنظر إلى ما قد يحدث بعد 10 إلى 15 عاماً بشأن الكيفية التي قد يغير بها الانسحاب الأميركي من المنطقة توازن القوى. هذا هو الواقع الذي يتعين على فريق ترمب أن يتعايش معه".