ملخص
تشير تقديرات الإنتاج الرسمية الحالية على رغم قلة شفافيتها إلى أن روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية أكبر الدول المنتجة للألغام حالياً.
تكلّف الألغام التي لا تزال تستخدم في الحروب حتى اليوم المجتمع الإنساني في كل عام عشرات آلاف الأرواح والإعاقات الجسدية الدائمة، ومليارات الدولارات في عمليات نزعها بعد انتهاء الحروب. وتشارك في عملية إزالة الألغام عشرات المنظمات الدولية وقوات الأمم المتحدة، وهي عمليات تجري ببطء شديد وتستهلك أموالاً وجهوداً طائلة، ومع ذلك لا تزال الألغام سلاحاً غير محظور عالمياً على رغم الاتفاقات التي تدعو إلى الحد من استخدامها، ولا يزال تصنيعها قائماً في شركات الأسلحة المعروفة بالاسم حول العالم، والتي تبيعها بأسعار رخيصة بسبب كلفة تصنيعها القليلة وكثافة الطلب على هذا النوع من السلاح، سواء من جانب الحكومات عبر عمليات الشراء الشرعية والقانونية، أو من الميليشيات التي يمكنها شراؤها من السوق السوداء بطريقة سهلة أيضاً.
وقد تغطى عمليات زرع الألغام واستخدامها بغطاء عسكري، بينما تهدف في الواقع إلى حماية مناطق غنية بالموارد الطبيعية والمناجم والغابات، وغالباً ما تجبر الألغام مجتمعات ريفية كثيرة على النزوح من أراضيها مما يضيف أعباء ثقيلة على جهود الإغاثة الإنسانية التي ترافق النزاعات المسلحة حول العالم، وقد كان اختراع اللغم قديماً يهدف إلى حراسة مواقع معينة أو منع تقدم العدو وتأخيره، ولكن الألغام اليوم تستخدم للهجوم أيضاً وإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف العدو، خصوصاً بعد تطورها التقني الكبير الذي زاد قدرتها على إلحاق الضرر.
ألغام ميانمار
يمكن القول إن هناك دولاً تحتل قائمة الأكثر تضرراً من الألغام الأرضية، وجاءت ميانمار على رأس هذه اللائحة لعام 2023، إذ تقتل الألغام الأرضية كل عام ما لا يقل عن 1000 مدني ميانماري، وارتفع هذا العدد خلال الأشهر الـ18 الماضية بسبب استخدام كل من الفرقاء المتنازعين الألغام بصورة كثيفة من أجل فصل المناطق عن بعضها بعضاً.
صعود ميانمار إلى أعلى لائحة الدول المتضررة من الألغام أنزل سوريا عن قمة اللائحة التي احتلتها لثلاثة أعوام إلى المرتبة الثانية، بفارق ضئيل عن ميانمار في عدد القتلى المدنيين، وتلت هاتين الدولتين في المرتبتين الثالثة والرابعة كل من أفغانستان وأوكرانيا التي نشر فيها الجيش الروسي ما لا يقل عن 13 نوعاً من الألغام المضادة للأفراد، بحسب ما جاء في تقرير حديث لمنظمة "هيومن رايتس وتش".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول باحثة آسيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، شاينا باوتشنر، إن الاستخدام الواسع النطاق للألغام المضادة للأفراد من قبل الجيش في ميانمار يهدد حياة وسبل عيش القرويين منذ اليوم ولعقود كثيرة مقبلة، مع العلم أن مديرية الصناعات الدفاعية التابعة للمجلس العسكري والمعروفة باسم "كاباسا" KaPaSa تقوم بتصنيع خمسة أنواع من الألغام المضادة للأفراد، وقامت بزرع الألغام في المدارس والعيادات الطبية والأديرة والكنائس والمزارع وأبراج الهواتف الخلوية ومحطات الطاقة ومخيمات النزوح والموانئ ومشاريع والجسور، مما دفع الميليشيات المسلحة إلى استخدام القرويين كاسحات ألغام بشرية، بمن فيهم الأطفال، فأجبروا على السير أمام القوات لتفجير الألغام.
وقال أحد العاملين في المجال الإنساني إن "أية جماعة مسلحة، وأياً كانت القرية التي تغزوها، ستقوم بزرعها بالألغام، وهي أرخص وسيلة للحماية من هجوم المجلس العسكري".
وباء عالمي
قتلت الألغام الأرضية ومخلفات الحرب غير المنفجرة الأخرى أو أصابت ما لا يقل عن 60 ألف مدني في جميع أنحاء العالم خلال عام 2023 وحده، معظمهم من الأطفال الذين يلتقطون ألغاماً غير منفجرة تحمل أشكالاً وألواناً مختلفة، بعضها يهدف إلى إغرائهم لالتقاطها، ولا يزال هذا النوع من استهداف قتل الأطفال عمداً يستخدم حتى اليوم في النزاعات العسكرية حول العالم.
وبحسب تقارير استخباراتية وعسكرية وحقوقية عالمية فإن منظمات عسكرية كثيرة من كولومبيا إلى الهند والصين وباكستان وغزة، وجيوشاً نظامية مثل الجيش الروسي والكوري الشمالي والسوري والإسرائيلي، زرعت ألغاماً أرضية جديدة منذ منتصف عام 2023، وفي أفريقيا وُثق الاستخدام الحديث للألغام الأرضية في بنين وبوركينا فاسو والكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والنيجر ونيجيريا، وفي المحصلة فإن 58 دولة على مستوى العالم، أي ما يعادل ثلث مساحة الأرض، تعاني آفة التلوث بالألغام الأرضية التي من السهل جداً زرعها ونشرها عشوائياً أو وفقاً لخرائط مرسومة، بينما تحتاج إلى أعوام وجهود كبيرة من أجل نزعها.
وعلى سبيل المثال فبينما يمكن زرع مساحة 300 كيلومتر مربع بالألغام في أسابيع عدة، فقد احتاجت هذه المساحة إلى خمسة أعوام لتنظيفها، بدأت عام 2019 ولا تزال مستمرة حتى اليوم، وجرت 75 في المئة من عمليات إزالة الألغام في كمبوديا وكرواتيا، والأمر نفسه انطبق على عمليات إزالة القنابل العنقودية من جنوب لبنان بعد حرب يوليو (تموز) 2006، إذ احتاجت المنظمات الدولية بمعاونة قوات "يونيفيل" الدولية إلى ما يقارب 10 أعوام وبكلفة مئات ملايين الدولارات، من أجل تنظيف ما قصفه الجيش الإسرائيلي خلال شهر واحد من هذه القذائف المحرمة دولياً، وقد استخدم الجيش الإسرائيلي الصواريخ العنقودية في حربه الدائرة حالياً مع حركة "حماس" في قطاع غزة و"حزب الله" في لبنان، والتي طاولت أعداداً هائلة من المدنيين.
ما هو اللغم؟
كانت الحفر المغطاة والمموهة والمملوءة رماحاً مسننة بمثابة ألغام الحروب القديمة، أما لغم الحروب الحديثة فهو سهل الصناعة ويتألف من المادة المنفجرة مثل TNT أو C-4أو خليط من المواد الكيماوية التي تُحدث انفجاراً قوياً بمجرد تنشيطها ولو بشعلة ضعيفة، إذ توضع هذه المادة في العبوة الخارجية المصنوعة من معدن أو بلاستيك أو مواد مقاومة للتلف والتآكل، ويمكن صناعة العبوة الخارجية بأشكال مختلفة تتناسب مع طبيعة ونوع ولون الأرض التي ستزرع فيها من دون أن تظهر للأنظار، كما يمكن تفعيل انفجار اللغم بواسطة الضغط أو المشي فوقه أو بواسطة سحب خيط موصول به، وهناك أنواع من الألغام التي تنفجر عند الاهتزاز أو الحركة بسبب الحساسية المغناطيسية، مثل الألغام البحرية الموجهة ضد السفن وحاملات الطائرات والغواصات.
ويضاف في بعض أنواع الألغام إلى المادة المتفجرة قطع معدنية أو كرات فولاذية لزيادة الضرر.
والألغام بحسب أنواعها هي المضادة للأفراد والمضادة للمركبات والألغام البحرية والألغام الذكية التي تعمل على أنظمة استشعار متطورة، وقد اخترع اللغم منذ العصور القديمة من أجل إعاقة تقدم القوات المعادية وحماية المواقع العسكرية من جهات معينة لمصلحة التركيز على جهات أخرى منها، وبالطبع تهدف الألغام الحديثة منها إلى أكثر من إبعاد العدو وإيقاع الخسائر البشرية والمادية في صفوفه.
وعندما اكتشف الصينيون خلطة البارود المشتعل استخدموها لأكثر من صناعة المفرقعات النارية، ومنذ العصور الوسطى استخدم الصينيون المواد المتفجرة في صناعة الفخاخ وأطلقوا عليها اسم "الألغام الأرضية" التي تشتعل حين يتمر فوقها عربة الجيوش المهاجمة، لكن هذه التقنية شهدت خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية تطوراً كبيراً جعلها أكثر فاعلية وفتكاً، وأُدخلت التكنولوجيا في تحسين عمليات التفجير عن بعد أو بالدعس فوق اللغم.
الألغام في الأسواق
يمكن للباحث عن شركات صناعة الألغام أن يكتشف أسماءها ببحث بسيط على شبكة الإنترنت، وهي موجودة في دول متقدمة بعضها وقع على اتفاقات الحد من استخدام الألغام في الصراعات العالمية، ومنها شركة "فالمارا" الإيطالية التي صنعت لغماً مضاداً للأفراد يحمل اسمها "Valmara-69" ومعروف بشدته وخطورته، وهناك شركة "ديناميت نوبل" Dynamit Nobel المتخصصة في صناعة الألغام المضادة للدبابات، وشركة "ريهمنتايل"Rheinmetall المتخصصة بصناعة الألغام المضادة للدروع والألغام البحرية، وكلتاهما ألمانيتين، وتعرف أيضاً بصناعة الألغام المضادة للأفراد بأنواعها المختلفة شركة "فايكرز" البريطانية للدفاع Vickers Defence Systems ، وشركة "تاتباك" TATBAK التركية، وشركة "نوريكوم" النمسوية.
ومن بين الشركات الأكثر إنتاجاً للألغام حول العالم "تكسترون" Textron Systems الأميركية التي تصنع إضافة إلى الألغام المضادة للأفراد الألغام المضادة للدروع والذخائر العنقودية، وشركة "نورينكو" الصينية التي تعتبر واحدة من أكبر الشركات المصنعة للأسلحة في العالم، إضافة إلى الشركة الروسية المصنعة لمختلف أنواع الأسلحة "روزوبورون أكسبورت" Rosoboronexport.
ووقعت 164 دولة على "اتفاق أوتاوا" عام 1997 الذي يحظر استخدام وإنتاج ونقل وتخزين الألغام المضادة للأفراد، وتلزم المعاهدة الأطراف بتدمير المخزونات وتطهير المناطق المتضررة بالألغام ومساعدة الضحايا، وقد أصبح إنتاج وبيع الألغام المضادة للأفراد غير قانوني في الدول الموقعة على الاتفاق مع استثناء بعضها، مع العلم أن الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند من أهم الدول التي لم توقع الاتفاق، مما يسمح لها بإنتاج وبيع الألغام المضادة للأفراد.
وقبل توقيع "اتفاق أوتاوا" كانت الشركات العالمية تصنع 10 ملايين لغم سنوياً، وعلى رغم أن هذه الأرقام تختلف من مصدر إلى آخر لكنها في بعض المصادر الأخرى لا تقل عن 5 ملايين ولا تزيد على 20 مليون لغم تصنع سنوياً، خصوصاً أن مبيعات السوق السوداء، وهي الأكثر انتشاراً، لا تدخل ضمن الإحصاءات الرسمية لمبيعات الألغام حول العالم.
وتشير تقديرات الإنتاج الرسمية الحالية على رغم قلة شفافيتها إلى أن روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية هي من أكبر الدول المنتجة للألغام حالياً.