ملخص
يقول مراقبون إن هناك تخوفاً مصرياً، ليس من شكل نظام الحكم بحد ذاته، ولكن من حدوث صراعات داخلية خاصة، إذ إن هناك جماعات إسلامية قد تكون لها أولويات وأهداف ومصالح مختلفة في شأن شكل المرحلة الانتقالية والدستور المقبل وغيرها، إلا أن ذلك لا يمنع من حيث المبدأ تواصل مصر مع الإدارة الانتقالية الجديدة في سوريا.
منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد تشغل سوريا مركزاً متقدماً في اهتمامات الإعلام والرأي العام المصري، لكن بعد 20 يوماً على التغيير في دمشق لم يزر أي مسؤول مصري العاصمة السورية للالتقاء بالحكام الجدد، الذين يثيرون الكثير من التشكك والتخوف الظاهر في تعليقات إعلاميين مصريين، فالبعض رأى أن الفصائل المسلحة التي يقودها أحمد الشرع أو "أبو محمد الجولاني" الذي كان مصنفاً على قائمة الإرهاب الأميركية، تنطوي على خطر قيام نظام يتبنى أفكار الإسلام السياسي، وهو المشروع الذي لفظته مصر عبر ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013، ما قد يجعل القاهرة ودمشق مستقبلاً على طرفي نقيض، بعدما كانا يوماً يشكلان شطري جمهورية عربية موحدة. كما أثارت الزيارات المتعاقبة لمسؤولي القوى الإقليمية والعالمية إلى سوريا تساؤلات حول أسباب عدم قيام القاهرة بتحرك مماثل.
الموقف الرسمي المصري منذ الساعات الأولى للإطاحة بالأسد كان دعوة "جميع الأطراف السورية" إلى صون مقدرات الدولة وتغليب المصلحة العليا للبلاد وبدء عملية سياسية شاملة، بحسب بيان صدر عن وزارة الخارجية المصرية بعد ساعات من سيطرة فصائل المعارضة على دمشق. وتطور ذلك الموقف لاحقاً إلى التأكيد على الحرص على التواصل مع "الأشقاء في سوريا"، من دون تسمية جهة محددة، وذلك في بيان آخر صدر بعد يومين من سقوط نظام الأسد، وتزامن مع لقاء عقده السفير المصري في دمشق مع الإدارة السياسية التابعة للفصائل التي سيطرت على الحكم، ضمن مجموعة لقاءات عقدتها الإدارة السياسية مع سفراء عرب.
لكن على المستوى الإعلامي كان الهجوم ضارياً من جانب إعلاميين مشاهير ومعروفين بالقرب من دوائر السلطة المصرية، ومنهم أحمد موسى الذي يحرص في برنامجه على وصف الفصائل السورية بـ "الميليشيات الإرهابية"، كما يكرر أن قائد الإدارة السورية أحمد الشرع "إرهابي" مثل الرئيس المصري السابق، محمد مرسي. وحذر موسى من خطر يهدد الأمن القومي للمنطقة. كذلك، أكد الإعلامي المصري إبراهيم عيسى أن "خطر سيطرة أنصار الإسلام السياسي لا يقتصر على سوريا بل تمتد تداعياته إلى الأمن القومي المصري"، وشكك في خطاب الانفتاح الذي يبديه الشرع.
اتصالات غير معلنة
يتوقع قنصل مصر العام في دمشق سابقاً، السفير يوسف زادة، أن تكون القاهرة قد أجرت اتصالات "غير معلنة" مع الإدارة السورية عكس نظرائها في الدول الخليجية الذين أرسلوا وفوداً رسمية، مشيراً إلى أن هناك "حالة ترقب" في القاهرة لمستقبل سوريا الجديد في ظل ما اعتبر أنه "سيناريو مشابه لما حدث في مصر عام 2012". وقال زادة لـ"اندبندنت عربية" إن "مصر تتمتع بثقل كبير على المستوى العربي وتتعامل بحرفية في الملفات الشائكة، ولذا تتحفظ على التواصل مع الإدارة الجديدة إلى حين استقرار الأوضاع".
واستبعد زادة انفتاح الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع على التواصل مع مصر لاعتقاده بعدم ارتياح تلك الإدارة للانتفاضة الشعبية المصرية في 30 يونيو 2013 ضد حكم جماعة الإخوان، باعتبارها إحدى جماعات الإسلام السياسي مثل "هيئة تحرير الشام" التي أسقطت الأسد، على رغم الاختلافات بين تلك الجماعات. وخلال أسبوعين من حكم الإدارة الانتقالية الجديدة في سوريا، استقبل الشرع وفوداً من دول كبرى على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا. كما حرصت تركيا على إيفاد وزير خارجيتها هاكان فيدان إلى دمشق، كذلك أرسلت دول عربية مثل قطر والعراق مسؤولين رفيعي المستوى. والتقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الشرع، فيما تلقى وزير الخارجية السوري الجديد، أسعد الشيباني اتصالات هاتفية من وزراء خارجية الإمارات، والبحرين، ولبنان، والكويت، وليبيا.
من جهته، أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي اتصالات مكثفة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية لمناقشة الأوضاع في سوريا، مع نظرائه في العديد من الدول العربية والأجنبية ومسؤولين دوليين، أكد خلالها على دعم استقرار سوريا ووحدة وسلامة أراضيها، ورفض المساس بسيادتها أو تقسيمها.
كما شارك عبد العاطي في الاجتماع الذي عُقد في مدينة العقبة الأردنية في 14 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، بحضور وزراء خارجية دول عدة لبحث الوضع السوري، جدد خلاله الموقف المصري الداعم للدولة السورية وضرورة استعادة الاستقرار على كامل الأراضي السورية، وأهمية "تدشين عملية سياسية شاملة بملكية سورية تضم كل مكونات المجتمع وأطيافه لتحقيق مصالحة وطنية وضمان نجاح العملية الانتقالية"، وفق بيان سابق للخارجية المصرية.
"أن تصل متأخراً"
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، إكرام بدر الدين، أن "مصر تنتظر اكتمال التطورات في شكلها النهائي، ولا تريد التعامل مع إدارة انتقالية غير مستقرة، حيث تترقب معرفة أثر التطورات في دمشق على الشعب السوري وشكل الدولة الجديد". وأضاف أنه "من المفيد لمصر التواصل مع الإدارة الجديدة في دمشق لتكون على دراية عن قرب بما يحدث هناك، وفهم توجهات الحكام الجدد في سوريا، باعتبار أن الأوضاع هناك تؤثر في أمن واستقرار المنطقة ومصر ضمناً"، مشيراً إلى أن ذلك التواصل "وإن كان متأخراً عن دول أخرى أفضل من ألا يأتي أبداً، لأنه يمكن انتظار حدوث تداعيات في المنطقة للوضع السوري فنكون ضمن إطار رد فعل، لكن يجب على مصر أن تكون على معرفة قريبة بالتطورات هناك".
وكان رئيس مجلس النواب المصري، حنفي جبالي قد قال في كلمة ألقاها بالمجلس قبل أسبوعين، إن "أمن سوريا واستقرارها أمر حيوي لمصر، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي المصري والعربي، بخاصة بالنظر إلى العلاقة التاريخية بين القاهرة ودمشق".
وكانت مصر وسوريا اختارتا الاندماج في دولة موحدة هي الجمهورية العربية المتحدة في عام 1958، تحت قيادة الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، في تجربة دامت 3 سنوات. كما خاضت الدولتان معاً حرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 1973 ضد إسرائيل. وبعد الاضطرابات في سوريا قبل نحو 13 عاماً، لجأ نحو 1.5 مليون سوري إلى مصر، وفقاً لتقديرات المنظمة الدولية للهجرة، ومن بين هؤلاء، هناك نحو 150 ألف لاجئ تقريباً مسجلين لدى الأمم المتحدة.
وأكد بدر الدين أن "العلاقات التاريخية بين الشعبين المصري والسوري لا تتأثر بأي تطورات سياسية، ويجب عدم السماح لأي تغيرات أن تؤدي لانعزال مصر عن سوريا أو انعزال سوريا عن مصر". وشدد على أن "مصر تحترم أي اختيارات للشعب السوري ولكن التخوف أن تحدث صراعات داخلية تهدد أمن سوريا واستقرارها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تشكك في الجماعات المسلحة
وأشار المتحدث ذاته إلى أن "هناك تخوفاً مصرياً، ليس من شكل نظام الحكم بحد ذاته، ولكن من حدوث صراعات داخلية خاصة، إذ إن هناك جماعات إسلامية قد تكون لها أولويات وأهداف ومصالح مختلفة في شأن شكل المرحلة الانتقالية والدستور المقبل وغيرها، إلا أن ذلك لا يمنع من حيث المبدأ تواصل مصر مع الإدارة الانتقالية الجديدة في سوريا".
لكن يبدو أن ترقب استقرار الأوضاع ليس السبب الوحيد لتأخر القاهرة في التواصل مع دمشق الجديدة، حيث أرجع أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، ذلك إلى "تشكك القاهرة في كل الجماعات المسلحة"، وأنها ليست مقتنعة بالإدارة الجديدة تحت قيادة أحمد الشرع. وأضاف أن "شكوك القاهرة حول نظام سوريا الجديد رفع وتيرتها موقف الإدارة الانتقالية غير الواضح من إسرائيل واحتلال الجولان، فضلاً عن موقفها المتأخر من انتقاد تدمير مقدرات الجيش السوري".
ورأى أنه "ينبغي على كل الحكومات العربية التواصل مع الشرع لأن ترك الأمر كله بيد تركيا وإسرائيل، ستجعله ينصاع لمطالبهما ورؤيتهما في المنطقة".
صورة للشرع مع "إرهابي" مصري
التضاد بين مقاومة مصر مشروع الإسلام السياسي في ثورة 30 يونيو 2013، وسيطرة جماعات تنتمي لذلك التيار على إحدى أكبر العواصم العربية، بدا أيضاً في خلفية مشهد التعامل المصري مع سوريا الجديدة، حيث زاد من المخاوف المصرية ظهور الشرع في صورة إلى جانب أحد المنتمين لجماعة الإخوان الهاربين إلى الخارج، وهو محمود فتحي، المصنف إرهابياً والمحكوم عليه بالإعدام في قضية اغتيال النائب العام هشام بركات، إلى جانب إدانته في قضايا أخرى. وكان في الصورة أيضاً ياسين أقطاي، مستشار "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، حيث أثارت تلك الصورة تعليقات غاضبة على مواقع التواصل ووسائل الإعلام المصرية، حول خطر محتمل على المصالح المصرية من نظام الحكم السوري الجديد وحليفته أنقرة.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية، مصطفى كامل السيد أن "ظهور محمود فتحي بجانب الشرع وأقطاي أكد لمصر أن النظام الجديد في سوريا يتعاطف مع الجماعات الإسلامية التي كانت تعارض النظام المصري معارضةً مسلحة"، مشيراً إلى أنه "بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد خرجت 3 بيانات من مكتب الإرشاد وشباب الإخوان تدعو إلى الثورة على النظام المصري، وهذا الحراك الإخواني أدى إلى تخوف الإدارة المصرية من أن يؤدي انتصار 'هيئة تحرير الشام' على نظام بشار الأسد إلى بعث الأمل لدى جماعات الإسلام السياسي بأنه يمكنهم الوصول إلى السلطة في مصر مثلما حدث في سوريا".
لكن أستاذ العلوم السياسية يرى أن "هذا التخوف مبالغ فيه باعتبار الوضع في مصر مختلف تماماً، لأن المعارضة كانت تحتل قسماً من الأراضي السورية ولها دعم خارجي والنظام السوري كان يعتمد على دعم خارجي لبقائه من جانب 'حزب الله' وإيران وروسيا وكل هذه العوامل غير موجودة في الحالة المصرية".
براغماتية متوقعة
إلا أن الكاتب المتخصص في مكافحة الإرهاب والتطرف، أحمد الخطيب، يتوقع أن "يكون الإخوان على قدر كبير من البراغماتية إذا استقروا على سدة الحكم في سوريا، وسيرسلون رسائل طمأنة إلى دول المنطقة وعلى رأسها مصر ودول الخليج، إذ ستتعلم الجماعة من تجاربها السابقة في القاهرة وتونس واليمن"، مشيراً إلى أن "ذلك التقييم مبني على المنطق السياسي، الذي قد يخرج عنه الإخوان أيضاً". كما توقع أن تلعب تركيا دور "ضابط الإيقاع" في علاقات جماعات الإسلام السياسي مع الدول المحيطة، مشيراً إلى أن "تركيا ابتلعت سوريا بعد الأحداث الأخيرة وستحكم دمشق عبر واجهة جماعات الإسلام السياسي".
وقال الخطيب إن "القاهرة تنظر إلى الأوضاع في سوريا بعين الترقب، حيث يمكن أن تحمل الأيام المقبلة مفاجآت كبيرة في الملف السوري، مثل أن يحدث اقتتال بين التنظيمات الموجودة في سوريا إلى أن ينتهي الأمر لسيادة تنظيم واحد غالباً سيكون الإخوان المسلمين".
وأوضح الخطيب أن "الإسلام السياسي ينقسم إلى نوعين في التصنيفات الغربية هما معتدل ومتطرف، والجميع يترقب الآن أي القسمين سيكون على سدة الحكم في سوريا، هل الجانب المعتدل الذي تدعمه تركيا والولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل أيضاً؟ لأن ذلك الفصيل يتسم بالبراغماتية، أم الجانب المتطرف من معتنقي الإسلام السياسي؟".
وتوقع الخطيب أن يكون هناك تفاهم أو صيغة وسطى بين المعتدلين والمتطرفين في سوريا، بحيث يحكم المعتدلون وهم المرتبطون بجماعة الإخوان، الذين يحظون حالياً بدعم دولي واسع، وسيكون هؤلاء في واجهة الحكم، مع استخدام العناصر المتطرفة في الأهداف الخشنة للنظام الجديد، مثل أي اشتباكات أو إخضاع لمعارضين، فيما لم يستبعد استخدام تلك الميليشيات في مناطق أخرى في المنطقة، على غرار المشروع الإيراني لاستخدام الميليشيات، وذلك في إطار مشروع إقليمي لإخراج إيران من مناطق نفوذها.
وأكد الخطيب أن "هذا التقسيم الغربي لا تتفق معه العقلية المصرية، والقاهرة تنتظر لترى صورة نظام الحكم الجديد في دمشق، لأن نظاماً يسمى بالمعتدل على رأسه الإخوان المسلمين له أسلوب في التعامل، بينما نظام آخر بقيادة من هم أكثر تطرفاً سيكون هناك تعامل مصري آخر معه. لكن القاهرة ستظل عدوة مشروع الإسلام السياسي في المنطقة وترى أنه لا يمكن التعامل مع تلك الجماعات المتطرفة إلا بالسلاح".