Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ذهب تيغراي يتدفق إلى الخارج ويؤجج صراعات الإقليم

عمليات التهريب باتت مشروعاً رائجاً في ظل تراجع الرقابة الرسمية والاتهامات تطاول جنرالات ودولاً أجنبية

تحولت مواقع التعدين في جميع أنحاء الإقليم إلى ساحات معارك للسيطرة على هذا المورد الاقتصادي والمالي المهم (أ ف ب)

ملخص

اعتماداً على عدد من التقارير التي نشرت في الفترة الأخيرة، قال رئيس الحكومة الموقتة لتيغراي جيتاشوا ردا إن شبكة معقدة من الجهات الفاعلة المحلية والدولية تشارك في هذا النشاط الذي لا يهدد بيئة الإقليم واقتصاده فحسب، بل يسهم في تأجيج الصراعات ويفضي إلى حال عدم الاستقرار الذي يعيشه الإقليم الشمالي للبلاد.

كشفت تقارير صحافية إثيوبية عن أن التعدين غير المشروع للذهب قد تحول إلى مشروع رائج في إقليم تيغراي الإثيوبي في ظل تراجع الرقابة الرسمية، سواء من الحكومة الإقليمية أم الفيدرالية في البلاد، وأوضح تقرير صادر عن جهة رقابية مستقلة في الإقليم أن "التنقيب عن الذهب أضحى مشروعاً تجارياً موازياً مدعوماً من جهة مسلحة".

واعتماداً على عدد من التقارير التي نشرت في الفترة الأخيرة، قال رئيس الحكومة الموقتة لتيغراي جيتاشوا ردا إن شبكة معقدة من الجهات الفاعلة المحلية والدولية تشارك في هذا النشاط الذي لا يهدد بيئة الإقليم واقتصاده فحسب، بل يسهم في تأجيج الصراعات ويفضي إلى حال عدم الاستقرار الذي يعيشه الإقليم الشمالي للبلاد.

وأضحت المناطق الغنية بالذهب في تيغراي مراكز للفوضى وانعدام القانون، وتحولت مواقع التعدين في جميع أنحاء الإقليم إلى ساحات معارك للسيطرة على هذا المورد الاقتصادي والمالي المهم، إذ اندلعت اشتباكات مميتة، ولقي عدد من الأشخاص حتفهم في مناوشات عنيفة مرتبطة بأنشطة التعدين.

وكشفت التحقيقات الأولية عن أن تأثير هذه التجارة يمتد إلى خارج حدود إثيوبيا، إذ أصبحت بعض العواصم الإقليمية مركزاً رئيساً للذهب المهرب من إقليم تيغراي.

 

وسلطت حادثة مروعة وقعت بالقرب من نهر "ويري" الضوء على تصاعد حال عدم الاستقرار في المنطقة، إذ أكدت الوفيات الأخطار العالية وانعدام القانون على نطاق واسع، وشمل الصراع مجموعة متنوعة من المشاركين، من بينهم مقاتلون سابقون في قوات الدفاع التيغراوية، فضلاً عن الشباب العاطل عن العمل، إضافة إلى النازحين داخلياً واللاجئين، علاوة على الرعايا الأجانب.

وتحول منجم "راوا" الذي يشتهر باحتياطاته الضخمة من الذهب إلى ما يشبه وضع مناجم "الألماس الدموي" في الكونغو، ووصف مكتب التعدين في تيغراي الموقع بأنه "عسكري للغاية"، إذ يستغل الجنرالات والجماعات المسلحة الآلات المتقدمة للهيمنة على التجارة غير المشروعة.

ومع إشارة رئيس حكومة الإقليم جيتاشوا ردا لدور بعض العسكريين والقادة السياسيين في أنشطة هذه الشبكة التي تمارس تجارة محظورة وتهدر المال العام، رد الجناح الذي يمثل رئيس الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بأن الحملة الأخيرة تهدف بالأساس إلى ممارسة "تصفية الحسابات السياسية"، معتبرين اتهامات ردا بأنها "مسيسة" وتلقي بالمسؤولية تجاه جناح محدد داخل الجبهة الحاكمة لأسباب سياسية، في حين رد القائد الميداني لقوات دفاع تيغراي الجنرال ميغبي هيلي بأنه مستعد للمثول للتحقيق في شأن الاتهامات التي طاولته بالتورط في التجارة الموازية للذهب وإهدار المال العام. 

الدور الأجنبي في الأزمة

من جهة أخرى كشفت التحقيقات التي أجرتها الشرطة الإقليمية في تيغراي عن تورط جهات أجنبية في هذا النشاط، إذ أشارت التحقيقات إلى أن عمالاً صينيين شاركوا بصورة منتظمة في عمليات التعدين غير القانونية. 

وقال تقرير صادر عن الشرطة إن عدداً من العاملين الصينين شاركوا في عمليات التنقيب بطرق غير قانونية ومن دون الحصول على  تراخيص تخص التعدين، وأضاف التقرير أن هؤلاء الأجانب تعاونوا مع الجماعات المسلحة المحلية والقادة العسكريين، مما أدى إلى تفاقم التوترات مع السكان المحليين.

ووقعت إحدى هذه الحوادث العنيفة في منجم الذهب "هينتسات"، إذ أدت النزاعات على الملكية إلى اشتباك مميت أودى بحياة أكثر من 20 شخصاً، وطالب العمال المحليون الذين أصابهم الإحباط بسبب استبعادهم من الأرباح التي تولدها معدات التعدين المتقدمة بنصيب من الثروة، لكن المشغلين الأجانب رفضوا وعاملوهم باعتبارهم مجرد عمال، وتصاعدت هذه الأحداث إلى اشتباكات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بدوره قال كيروس مفلس متخصص جيولوجي يعمل في مكتب الأراضي والتعدين بإقليم تيغراي أن الوضع في الإقليم تجاوز واقع إهدار الثروة إلى خلق صراعات محلية ترتبط بقوى خارجية، سواء في عمليات التعدين الأولية أم في تهريب المنتج إلى الخارج، مشيراً إلى أن مشاركة مسلحين وجنرالات داخل قوات الدفاع التيغراوية فاقم الوضع.

وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن الصراعات السياسية القائمة بين جناحي الحزب الحاكم أسهمت بدورها في إفلات المتهمين من العقاب، موضحاً أن مسارات تهريب الذهب المستخرج من تيغراي ترتبط بشبكة معقدة لا تخضع للرقابة الرسمية، وأحد المسارات الرئيسة يمر عبر منطقتي "أدابو" و"بادمي" ويعبر نهر "مرب" إلى إريتريا، قبل التوجه إلى الأسواق الخليجية عموماً وسوق دبي على وجه الخصوص.

ويوضح المتخصص الإثيوبي أن ثمة طريقاً آخر يتضمن مركبات متخفية بشعارات منظمات دولية، مما يتيح التهريب من شاير إلى أديس أبابا عبر مثلث، وتربط طرق أخرى تيغراي بأرض الصومال وكينيا وأوغندا، إذ تعمل شبكة نافذة كمركز لهذه التجارة غير المشروعة.

ويعتقد مفلس أن "شاير" التي تقع في منطقة استراتيجية بالقرب من مواقع التعدين الرئيسة أضحت مركزاً لتجارة الذهب في السوق السوداء في تيغراي، إذ مثلت المدينة كنقطة تجميع وتوزيع حيث تنسق "الكارتلات" حركة الذهب المهرب إلى الخارج، مما يستدعي طرح أسئلة حول بعض الدول المستفيدة من الذهب المهرب، ومواقفها السابقة الداعمة للحرب في تيغراي، متسائلاً "هل كان ذلك للاستيلاء على موارد الإقليم من المعادن؟ إن إجراء تحقيقات نزيهة ومستقلة حول هذه المسائل بوسعه الإجابة عن هذا السؤال". 

وبحسب المسؤول ذاته فإن التقديرات تشير إلى أن اقليم تيغراي ينتج نحو 20 قنطاراً من الذهب سنوياً، ومع ذلك لا يستفيد سكان المنطقة من كل هذه الثروة.

الآثار البيئية والاجتماعية 

من جهته يرى مكتب الزراعة والسلامة البيئية في إقليم تيغراي أن ممارسات التعدين غير المنظمة في الإقليم قد تسببت في إحداث دمار بيئي واجتماعي كبيرين، إذ يستخدم عمال المناجم الأجانب مواد كيماوية خطرة مثل السيانيد والزئبق لاستخراج الذهب، مما يؤدي إلى تلويث التربة وإمدادات المياه. 

ويقول آرام هيلو المتخصص في مكتب الزراعة والسلامة البيئية أن هذه المواد تعد سموماً وتسهم في وقوع أخطار صحية طويلة الأمد على المجتمعات المحلية، مما يؤدي إلى تفاقم الظروف الإنسانية المزرية بالفعل في تيغراي.

 

ويضيف هيلو أن عمليات التعدين غير المشروع عن الذهب تعمل على تجريف الأراضي الزراعية ورشها بمواد كيمياوية، مما يؤدي إلى تهجير السكان المحليين وحرمانهم من سبل عيشهم. وفي الوقت نفسه أدى تدفق الجماعات المسلحة والعمليات العسكرية إلى تمزيق النسيج الاجتماعي، مما ترك عدداً من المجتمعات في حال من الاضطراب.

ويكشف المتخصص التيغراوي عن أن إدارته تجري حالياً جهوداً لمعالجة أزمة التعدين غير القانوني، وأنشأت بالتعاون مع الحكومة الموقتة للإقليم فريق عمل لاستعادة السيطرة على قطاع التعدين، ومع ذلك فإن القضايا النظامية مثل شبكات التهريب المتجذرة والأسعار غير التنافسية من البنك المركزي تعوق التقدم. 

ويضيف أن هناك ضرورة ملحة لإجراء تحقيقات دولية مستقلة حول تورط بعض الدول في التعدين غير القانوني، الذي ينتهي به المطاف إلى أسواق محددة.

من جهتها أكدت فيسيها ميريسا رئيسة مكتب التعدين في تيغراي على ضرورة أن يقدم البنك المركزي الإثيوبي أسعاراً تنافسية لشراء الذهب من أجل ثني عمال المناجم عن اللجوء إلى السوق السوداء، كما يجب أن تذهب غالبية الإيرادات إلى تيغراي، مضيفة "في ظل غياب الإصلاح الهادف ستستمر موارد الذهب بالمنطقة في إثراء قلة مختارة من الناس في حين تترك شعب تيغراي في حال من الفقر".

وترى ميريسا أن أخطار تجارة الذهب غير المشروعة في تيغراي لا تهدد الاستقرار الاجتماعي والبيئي في المنطقة فحسب، بل إنها تخلف أيضاً آثاراً أوسع نطاقاً على سوق الذهب العالمية، إذ تسهم في ازدهار السوق السوداء للذهب، بالتالي تعزز من احتمالات ازدهار الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وبينما يكافح التيغراويون لتجاوز تداعيات الحرب الاقتصادية والاجتماعية فإنهم يجدون أنفسهم مجدداً ضحايا للفوضى الناجمة عن حمى الذهب، مؤكدة أن مستقبل المنطقة ينذر بحروب مدمرة على الموارد بين عصابات وجماعات مسلحة. وحل هذه الأزمة يتطلب نهجاً متعدد الأوجه، بما في ذلك حوكمة أقوى وإصلاحات اقتصادية وتعاون دولي لتفكيك شبكات التهريب.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير