Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تذيب "دبلوماسية الجثث" الجليد السياسي بين المغرب والجزائر؟

غالباً ما يتقدم البعد الإنساني والأخلاقي على السياسي في العلاقات بين الدول

ما يسمى 'دبلوماسية الجثث' بين المغرب والجزائر ظاهرة تلفت الانتباه في سياق العلاقات المتوترة بينهما (أ ف ب)

ملخص

يرى مراقبون أنه "على رغم أن الحديث عن مؤشرات سياسية للتقارب بين المغرب والجزائر بناءً على هذه المبادرات قد يبدو مبالغاً فيه، فإنها تثبت أن هناك مجالات للتفاهم حتى في أشد حالات التوتر، كما أنها تُظهر أن القطيعة التامة بين الجانبين ليست واقعاً مطلقاً".

يكسر بين الحين والآخر ترحيل الجثث، حالة القطيعة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، ويفتح لوقت قصير الحدود البرية المغلقة بين البلدين الجارين، وذلك لتبادل تسليم جثث مغاربة وجزائريين من خلال الفتح الموقت والاستثنائي لمعبر "زوج بغال" الحدودي (من الجهة المغربية)، والمسمى أيضاً معبر "العقيد لطفي" (من الجانب الجزائري).
ويرى مراقبون أنه على رغم استبعاد سيناريو تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر راهناً، فإن ما صار يصطلح على تسميته "دبلوماسية الجثث"، بات يفتح نافذة صغيرة على إمكانية إعادة بناء جسور الثقة بين "الجارين اللدودين".

تبادل الجثث والمعتقلين

قبل أيام قليلة، سلمت السلطات الجزائرية نظيرتها المغربية جثمان اللاعب المغربي عبد اللطيف أخريف، لاعب فريق "اتحاد طنجة"، والذي قضى في يوليو (تموز) الماضي، في حادثة غرق لقارب سياحي صغير كان يقله وثلاثة من رفاقه على أحد شواطئ شمال المغرب، قبل أن يجرف التيار البحري جثته بعيداً إلى سواحل "كاب فالكون" قرب مدينة وهران الجزائرية.
وبعد مرور بضعة أشهر، أفرجت السلطات الجزائرية عن جثة اللاعب المغربي بعد التأكد من حمضه النووي الذي أرسلته عائلة أخريف، وسلمته للمغرب عبر معبر "زوج بغال" بمدينة وجدة (شرق المغرب)، خصوصاً أن عائلة اللاعب الراحل قدمت طلباً لإصدار شهادة وفاة وترخيص بدفن الجثة في المغرب. وقبل جثمان أخريف، سلم المغرب بدوره في شهر سبتمبر (أيلول) الفائت، في سياق ما يسميه مراقبون "دبلوماسية الجثث"، جثة شابين جزائريين توأمين لفظهما البحر في الصيف الماضي، من خلال الفتح الاستثنائي لمعبر "زوج بغال".

وكان التوأم الجزائريان قد حاولا الهجرة غير النظامية انطلاقاً من شاطئ الفنيدق نحو مدينة سبتة شمال المغرب في أغسطس (آب) الماضي، قبل أن يظهر أنهما قضيا غرقاً لتطفو جثتهما في شاطئ الدرويش بالناظور. وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي فتحت السلطات المغربية والجزائرية المعبر البري المغلق من أجل تسليم جثة شاب مغربي يدعى عبد العالي مشيور الذي سقط صريعاً بسبب رصاص البحرية الجزائرية في أغسطس 2023 في المياه الحدودية بين البلدين.
وليست الجثث وحدها التي تفتح بشكل استثنائي وموقت الحدود البرية المغلقة بين البلدين الجارين، بل أيضاً عمليات تسليم معتقلين من الطرفين، أغلبهم مهاجرون غير نظاميين، كان آخرها عملية تسليم الجزائر للمغرب في سبتمبر من العام الحالي، 22 مهاجراً سرياً مغربياً.
ولا تزال الحدود بين المغرب والجزائر مغلقة منذ عام 1994 بعد تفجيرات فندق "أطلس أسني" بمراكش، عندما فرض الملك الراحل الحسن الثاني التأشيرة على الجزائريين لدخول البلاد، مما دفع الجزائر حينها إلى غلق الحدود البرية بين البلدين، كما تكرس هذا التوتر بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

الإنسانية تتجاوز الخلافات

وفي قراءة لهذا الموضوع يقول أستاذ العلاقات الدولية هشام معتضد إن "ما يسمى 'دبلوماسية الجثث' بين المغرب والجزائر ظاهرة تلفت الانتباه في سياق العلاقات المتوترة بينهما"، مورداً أنه "على رغم أن هذه المبادرات تبدو في ظاهرها عملاً إنسانياً خالياً من أي أبعاد سياسية، فإنها تحمل دلالات عميقة تحتاج إلى تحليل دقيق في ظل العلاقات الحالية".
وشرح معتضد قائلاً إنه "من الواضح أن تبادل الجثث يُظهر حرصاً مشتركاً على احترام الروابط الإنسانية التي تتجاوز الخلافات السياسية، فالكرامة الإنسانية واحترام الموتى تُعدّ قيماً مشتركة لا يمكن إغفالها، حتى في أصعب الظروف"، متسائلاً "هل هذه المبادرات تمثل مجرد استثناءات إنسانية بحكم الضرورة، أم أنها تحمل في طياتها إمكانية استئناف الحوار بين البلدين؟".
يجيب الخبير ذاته بأن ما يُعرف بـ"دبلوماسية الجثث" يظل محدوداً بطبيعته، إذ يعكس التزاماً بأخلاقيات إنسانية لا يمكن التخلي عنها، لكنه في الوقت ذاته يشير إلى وجود قنوات اتصال، مهما كانت محدودة أو غير مباشرة، بين الطرفين. ولفت إلى أن "التوتر القائم بين المغرب والجزائر يُعَدّ أحد أبرز النزاعات الإقليمية التي تُلقي بظلالها على المنطقة المغاربية، ومع ذلك، فإن الشعبين المغربي والجزائري يتشاركان تاريخاً طويلاً من العلاقات الاجتماعية والثقافية، وهو ما يجعل أي مبادرة إنسانية تحمل صدى عاطفياً قوياً لدى الرأي العام في كلا البلدين، وبالتالي يمكن لمثل هذه المبادرات أن تكون خطوة صغيرة لكنها مهمة نحو تخفيف الاحتقان وبناء مساحات مشتركة للحوار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الحوار ممكن

ويرى معتضد أنه "على رغم أن الحديث عن مؤشرات سياسية للتقارب بناءً على هذه المبادرات قد يبدو مبالغاً فيه، إلا أنها تثبت أن هناك مجالات للتفاهم حتى في أشد حالات التوتر، كما أنها تُظهر أن القطيعة التامة بين الجانبين ليست واقعاً مطلقاً".
واستدرك الباحث في مجال العلاقات الدولية أن "ترجمة هذه المؤشرات إلى خطوات عملية، تتطلب إرادة سياسية على أعلى المستويات في البلدين معاً، وهو أمر لا يزال بعيد المنال في الوقت الراهن".
واعتبر المحلل نفسه أن "دبلوماسية الجثث" تعكس قيمة إنسانية تفرض نفسها حتى في ظل أصعب الأزمات، وأنه "على رغم كونها لا تمثل في حد ذاتها مؤشراً كافياً على قرب حلحلة الخلافات بين المغرب والجزائر، فإنها تفتح نافذة صغيرة على إمكانية إعادة بناء الثقة بين الجارين. وإذا ما استُثمرت هذه الخطوات البسيطة في مسارات أخرى أكثر شمولاً، فقد تكون بداية لتذويب الجليد الذي طال أمده بين البلدين".
وخلص الأستاذ الجامعي إلى أن "التاريخ والجغرافيا يجمعان المغرب والجزائر، والمصير المشترك يفرض التفكير في تجاوز الخلافات السياسية"، مبرزاً أنه "على رغم كون الطريق نحو التقارب ما زال طويلاً، لكن المبادرات الإنسانية تظل تذكيراً بأن الحوار ممكن، حتى في أصعب الظروف."

"شعرة معاوية"

وتلتقط الباحثة السوسيولوجية ابتسام العوفير خيط الحديث حول حيثية المبادرات الإنسانية في موضوع "دبلوماسية الجثث"، لتقول إن "العامل الإنساني يظل مهما كان الجمود والقطيعة بين الجارين، وهو أقوى تأثيراً من السياسة وأكثر منها ثباتاً". وتضيف العوفير شارحةً بأنه "لو تم الاحتكام فعلياً وحرفياً إلى قرار القطيعة الكاملة في العلاقات بين البلدين وإغلاق الحدود البرية من جهة الجزائر، لما كان هناك تبادل للجثث ولا تسليم المعتقلين، لكن على رغم ذلك فهذه المبادرات التي تتخذ طابعاً إنسانياً لا تزال مستمرة". واستدركت العوفير بأن "هناك إجراءات إدارية وأمنية بيروقراطية ثقيلة من الجانبين، تجعل تسليم جثث عملية بطيئة جداً قد تتأخر لأسابيع وشهور، مثل ما حصل مع جثة اللاعب أخريف، لكنها تبقى على كل حال أفضل من لا شيء". وتابعت أن "المهم في الموضوع هو أن القطيعة السياسية لم تمنع أبداً من الإبقاء على "شعرة معاوية" بين البلدين الجارين اللذين يجمعهما أكثر مما يفرقهما من حيث اللغة والعادات الاجتماعية والتاريخ والجغرافيا".
وخلصت إلى أنه "يتعين التأسيس والبناء على هذه المبادرات الإنسانية التي تظل ضرورية وليست منة من أي طرف على آخر، وتحويلها من 'شعرة معاوية' إلى باب لفتح الحوار الإيجابي بين البلدين، ونبذ العصبية والتنافر وتبادل الشتائم والسباب بين الجهتين".

من جهتها، شددت الجزائر في أكثر من مرة على لسان منابرها الإعلامية المقربة من الحكومة، على أن تسليم الجثث وفتح المعبر الحدودي بصورة استثنائية مع المملكة، يأتي تلبية لطلب جمعيات حقوقية مغربية تفاوضت مع السلطات الجزائرية في هذا الشأن، وأيضاً نظراً إلى الحال الإنسانية للمتوفين وعائلاتهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير