Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من المُلام على سقوط ميانمار في براثن الطغمة العسكرية؟

يسلط احتجاز أونغ سان سو تشي داخل سجن في الأدغال الضوء على صعود وسقوط أحد أهم الرموز النسائية في العالم بينما يذوي بلدها ميانمار في غياهب النسيان عالمياً

أونغ سان سو تشي في صورة أرشيفية (اندبندنت)

ملخص

تحكي قصة أونغ سان سو تشي انهيار حلم الديمقراطية في ميانمار، حيث أدى تراجع الدعم الغربي بسبب سياستها القومية المتشددة واضطهاد أقلية الروهينغا إلى تمكين الجيش من استعادة السلطة واعتقالها وإعادة البلاد إلى حكم استبدادي قاسٍ

منذ أربعة أعوام، كانت الأجواء واعدة جداً في المستعمرة البريطانية السابقة الواقعة بين الهند والصين.

فبعد نصف قرن من الحكم العسكري، جرت انتخابات نزيهة انتخبت فيها حكومة على رأسها زعيمة شعبية، وُكلت بتحويل أفقر دول جنوب شرق آسيا إلى نموذج عن الإنجازات الممكنة في ظل الديمقراطية، حتى في الدول ذات الأسس الديمقراطية الضعيفة.

واليوم تقبع أونغ سان سو تشي، تلك الزعيمة التي تحتفل بعيدها الـ80 العام المقبل، وراء قضبان سجن وسط الأدغال من دون أي احتمال بالإفراج عنها، فيما يخوض الجيش الذي تشاركت معه السلطة منذ عام 2016 حرباً أهلية ضروساً على جبهات عدة، ذهب ضحيتها آلاف الأشخاص. انتهت التجربة الديمقراطية التي عاشتها البلاد طوال 10 سنوات، وأصبحت هباء منثوراً.

والمذنب الأول لا يخفى على أحد: فجيش بورما عاد إلى وحشيته. وقد ارتد إلى النهج الذي سار عليه خلال معظم تاريخ ميانمار بعد الاستقلال - جمع الثروات وإبقاء الشعب في حال من الفقر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن في الوثائقي الذي أنتجته أخيراً "اندبندنت"، يقول السفير السابق السير جون جنكينز إن الغرب بدوره يتحمل جزءاً من المسؤولية. فخسارة سو تشي دعم الغرب هو ما جعل الجيش يتجرأ على التخلص منها وتحقيق حلم يراوده منذ أعوام.

كان أونغ سان، والد سو تشي، مؤسس جيش بورما لكن مسارها السياسي قام على التصدي لاغتصاب هذا الجيش السلطات المدنية. وفي خطابها الأول، أقدمت على خطوة تتخطى كل التصورات وهاجمت قائد الجيش في ذلك الحين.

على مدى أعوام طويلة، رد الجيش عليها باحتجازها وعزلها عن عائلتها وحظر حزبها واعتبار أية إشارة إليها مسألة جنائية.

وحين أُفرج عنها أخيراً، عام 2020، أي بعد مرور زهاء 20 عاماً من العزل، وسُمح لها بدخول المعترك السياسي، حدث ذلك لأنها تمتلك أصدقاء نافذين في الغرب.

أدرك جيش بورما في البداية أن سو تشي ليست فقط مشاكسة ثرثارة، بل هي أهم من ذلك بكثير. فمن نيلها جائزة نوبل للسلام عام 1991 ووصولاً إلى منحها دكتوراه فخرية من جامعة أكسفورد في عام 2011، كانت السيدة بحسب تعبير البروباغاندا العسكرية "نموذج فتاة الغرب بامتياز".

وقد حُملت مسؤولية العقوبات المفروضة على اقتصاد ميانمار وعلى التسبب في فقدان بلدها مكانتها في نظر العالم. ولكن شعبيتها في الغرب جعلت من المستحيل تجاهلها.

وفي النهاية، أدرك أدهى كبار الجنرالات في بورما، تاين سان، أنه يستطيع استغلال سمعتها في الغرب لمصلحته: فهي قادرة على كسر عزلة ميانمار دولياً من خلال دخولها في معترك السياسة دخولاً مشروطاً بقيود دستورية قاسية، باعتبارها شريكة صغرى للجيش.

وهذا ما حدث، وهو أمر لقي ترحيباً وتشجيعاً حاراً من الرئيس أوباما. في الانتخابات العامة التي جرت عام 2015، أصبحت سو تشي أول زعيمة تُنتخب بنزاهة في ميانمار منذ 1962.

لكن انتصارها أخفى وراءه نقطة ضعف قاتلة. فلأنها صنيعة الغرب، عندما سلكت طريقاً بدا لنا خاطئاً، أصبحت أشبه بالربيب المتمرد.

فحين شن الجيش عام 2017 هجوماً على أقلية الروهينغا المقموعة في ولاية راخين، لم تتصرف بالصورة المطلوبة برأينا ولم تندد بالهجوم.

وفي عام 2019، حين وجهت غامبيا اتهامات للجيش بارتكاب إبادة جماعية، اختارت الذهاب إلى محكمة العدل الدولية والدفاع عنه.

لكن لماذا تخاطر بهذه الصورة دفاعاً عن الجيش؟

لا يمكن تصديق التفسير البسيط لتصرفها - أي أنها تتملق قيادة الجيش العليا: فلم تُقدم سو تشي يوماً على أي عمل بغية استرضاء الجيش والتقرب إليه.

بل شعرت، كما قالت للمحكمة، أن هذه الاتهامات ظالمة وأن واجبها، بصفتها زعيمة في بلادها، يحتم عليها الدفاع عنها. فالقومية الشديدة هي الدافع الذي حرك سو تشي طوال حياتها. وهو يغلب كل ما عداه.

لكن إذا لم تكن تهدف إلى إرضاء الجنرالات، فهي أيضاً لم تشعر بالحاجة إلى مراعاة وقع رحلتها إلى لاهاي على الغرب.

فلم يكن من شيم سو تشي يوماً دراسة العواقب المحتملة لأمور وهذا ما يجعل نجاحها أكثر إبهاراً. إذ كثيراً ما كانت سياسيّة مختلفة جداً تتمتع بطابع أبعد ما يكون عن السياسة.

وفي خلاصة الأمر: تحطمت سمعتها في الغرب، بعد أن كانت في تدهور منذ عام 2017. وتنبه الجنرالات لهذا التغيير- فما عادت السيدة تملك أصدقاء نافذين يمكنها الاستعانة بهم. وبالكاد مر عام واحد قبل أن يزيحوها ويعتقلوها.

إنها قصة مأسوية خلف فيها تسرع الغرب في إطلاق الأحكام تبعات كارثية. ليس بالنسبة إلينا طبعاً، فقد تخلينا بكل بساطة عن سو تشي وعن بلدها البعيد وتناسيناهما. لكنها بلا شك مأسوية بالنسبة إلى بلد كان مستقبله واعداً في يوم من الأيام.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات