لاقت قرارات حكومة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، الهادفة إلى استعادة هيبة الجامعات السودانية وتطهيرها من عناصر النظام السابق الذي كان يسيطر على مدى 30 عاماً على مؤسسات التعليم العالي، ترحيباً واسعاً من قبل الناشطين والمدونين والثوار على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرين أنها تمثّل خطوة جريئة وبداية صحيحة، تؤسس لإعادة هيكلة أجهزة الخدمة المدنية ومؤسساتها التي لا يزال عدد كبير من عناصر الحكومة السابقة يسيطرون على الجزء الأكبر من مفاصلها.
توجه سليم
ووصف أكاديميون وناشطون تعيين 67 من رؤساء مجالس إدارات ومديري جامعات ونوابهم بعد إقالة قيادات النظام السابق في الجامعات قبل استئناف الدراسة خلال هذا الشهر، بعدما توقفت في يناير (كانون الثاني) 2018 بسبب اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) الماضي، بأنه "توجه سليم لاستعادة هيبة الجامعات التي كانت بمثابة بؤر للفساد والمحسوبية والعنف"، لافتين إلى أن التعيينات في هذه المناصب كانت توكل في السابق إلى مدراء موالين للنظام الحاكم، ينسقون في معظم الأحيان مع الوحدات والاتحادات الطلابية التي كانت تتمتع بسلطات وامتيازات عالية للمحافظة على النظام الحاكم آنذاك، إضافةً إلى أن هذه العلاقة الترابطية التنظيمية، كانت وراء أحداث العنف والاغتيالات التي راح ضحيتها المئات من الطلاب خلال السنوات الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
معالجة للتشوهات
وأشار الأكاديمي عبد الباقي منصور لـ "اندبندنت عربية" إلى أن الجامعات السودانية خلال العهد السابق كانت بمثابة ثكنات أمنية ومكان لتصفية الخصوم السياسية، فلم تكن البيئة التعليمية مهيأة تماماً، لذلك كانت كثيراً ما تتوقف الدراسة بسبب أحداث العنف التي تُمارس من قبل الطلاب التابعين للنظام السابق ضد طلاب التنظيمات السياسية الأخرى. وبالتالي، فإنّ ما جرى من تصفية لقيادات الجامعات، خطوة مهمة جداً من شأنها أن تحدث استقراراً نفسياً وتعليمياً، إلى جانب معالجتها للتشوهات الكثيرة التي لحقت بالبيئة الجامعية نتيجة سيطرة عناصر المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً على مفاصل العملية التعليمية في تلك الجامعات. ولفت أيضاً إلى ما نتج من فساد كبير طال عدداً كبيراً من الجوانب، بما في ذلك منح الشهادات والدرجات العلمية، والتدخلات والممارسات السافرة من الاتحادات والمجموعات المتشددة، التابعة للنظام.
وأشاد منصور بقرارات حمدوك لأن الخراب الذي أحدثته الحكومة السابقة في مؤسسات التعليم العالي، يتطلب بالفعل إعادة ترتيب أوراق الجامعات وتنفيذ مهام محددة تتضمن تصحيح التشوهات التي لحقت بالبيئة الجامعية والرجوع إلى التقاليد الأكاديمية الصارمة التي كانت سائدة قبل انقلاب البشير عام 1989، متوقعاً أن تقود هذه التغييرات إلى تحسين البيئة الجامعية وجعلها جاذبة للطلاب لممارسة أنشطتهم الأكاديمية والثقافية والاجتماعية، وإنقاذ الجامعات من حالة التردي الكبير والفوضى الأكاديمية والإدارية التي عاشتها معظم الجامعات الحكومية خلال فترة الثلاثين عاماً الماضية.
الوحدات الجهادية
وظلت الجامعات السودانية على مدى 30 عاماً، ساحة لممارسة أعمال العنف المسلح من خلال ما يُسمى بـ "الوحدات الجهادية" ضد الطلاب المخالفين سياسياً لتنظيم الحركة الإسلامية الحاكم آنذاك، إذ سجلت هذه الجامعات عدداً من حالات القتل وسط الطلاب على يد الميليشيات الطلابية المسلحة، كما أدت إلى تعطيل الدراسة في عدد من المؤسسات التعليمية. وتمتلك هذه الوحدات الجهادية مقار اجتماعات وتواصل، كما تمتلك مخازن للأسلحة، غالباً ما تكون ملحقة بالمساجد داخل الجامعات السودانية، مثلما هي الحال بالنسبة إلى الجامعات العريقة كجامعتي "الخرطوم" و"أم درمان الإسلامية".
وعلى الرغم من المطالبات المستمرة من أساتذة الجامعات ومن الطلاب السودانيين بضرورة تفكيك هذه "الوحدات الجهادية"، ونزع أسلحتها وتحويل مقارها وممتلكاتها إلى الجامعات السودانية، فإن إداراتها المعينة بواسطة نظام المؤتمر الوطني السابق لم تستجب لتلك الدعوات، حتى سقوطه، لذلك اشترط تجمع أساتذة الجامعات، إعادة فتح الجامعات السودانية بحل تلك "الوحدات الجهادية" وإزالة كل مخلفات النظام السابق قبل استئناف الدراسة.
شروط لاستئناف الدراسة
ووضع التجمع شروطاً عدة قبل استئناف الدراسة، أبرزها: حل "الوحدات الجهادية" حفاظاً على أرواح الطلاب وسلامتهم، وإقالة مدراء الجامعات السودانية الذين عُيّنوا بقرار من رئيس النظام السابق، ووكلاء الجامعات وشاغلي الوظائف الإدارية العليا، ومراجعة كل القرارات الصادرة عنهم منذ عزل البشير، إضافةً إلى حل شرطة الجامعات التي لا تناسب المؤسسات الأكاديمية والعودة إلى الحرس الجامعي، وكذلك حل صندوق دعم الطلاب والتحفظ على ممتلكاته ومعالجة وضعه وتصفيته، على أن تتولى إدارة الجامعات السودانية أمر إسكان الطلاب ومساعدتهم، كما كان متبعاً سابقاً، وما هو معمول به في كل جامعات العالم.
استهداف بالقتل
ووفقاً للمتحدث باسم تجمع أساتذة الجامعات السودانية عبد الخالق الطيب، فإن الوحدات الجهادية هي "واحدة من أدوات العنف لطلاب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية السياسية السودانية، وهي في الأصل مجموعة تضم طلاباً، منهم خريجون وموظفون في الجامعات يمارسون عنفاً ضد نشاط الحركة الطلابية السودانية وضد الأساتذة أنفسهم"، موضحاً أن عناصر الوحدات الجهادية تمتلك مكاتب داخل الجامعات السودانية لمتابعة أنشطة العنف ضد الحركة الطلابية، ومضيفاً أن "هذه الوحدات أُنشئت لمحاربة الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل انفصال الجنوب وعقب توقيع اتفاقية نيفاشا وتحوّل سلاحها إلى قمع الحركة الطلابية وإيقاف النشاط الفكري والثقافي داخل الجامعات".
وذكر أن طلاب دارفور هم الأكثر تضرراً من هذه الوحدات الجهادية، بعد استهدافهم مباشرة بالقتل والاعتقال والتعذيب، مشيراً إلى عشرات حالات القتل في صفوف طلاب دارفور بالجامعات السودانية، دُوّنت بلاغاتهم ضد مجهول خلال حقبة النظام البائد. ولفت أيضاً إلى أن هذه الوحدات في العهد السابق كانت تمتلك سلطة إغلاق الجامعات والتحكم في مصير استمرار الدراسة، لأنها تُعتبر ذراعاً أمنية ولها سلطة عليا من الدولة السودانية.