Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قرى ونوادي الفن في الجزائر... هل تحقق أهدافها المنشودة؟

تواجه تحديات اجتماعية مرتبطة بغياب رؤية واضحة لدمجها ضمن المشهد الثقافي الوطني

على رغم المبادرات والتظاهرات الفنية والثقافية التي تحتضنها هذه القرى والنوادي، إلا أن تأثيرها في المشهد الثقافي الجزائري لا يزال محدوداً (مواقع التواصل)

ملخص

على رغم المبادرات والتظاهرات الفنية والثقافية التي تحتضنها هذه القرى والنوادي، فإن تأثيرها في المشهد الثقافي الجزائري، لا يزال محدوداً وينحصر في المناسبات الكبيرة التي تحتم على السلطات الاستعانة بالخدمات التي تقدمها هذه الفضاءات، بسبب إشكالات تتنوع بين صعوبة توفير البيئة المناسبة للإبداع ومحدودية الدعم والرعاية التي يمكن أن تساعد على استقطاب الفنانين وتشجيعهم على الاستقرار في هذه القرى.

تعد قرى الفنانين في الجزائر من المشاريع الثقافية والفنية المهمة التي تهدف إلى توفير بيئة ملائمة وداعمة للفنانين والمبدعين في شتى ألوان الفنون، ومع ذلك، تواجه هذه القرى إشكاليات عدة تعرقل تحقيق أهدافها بشكل كامل. وعمدت الحكومة الجزائرية، بعد نهاية "العشرية السوداء" (1990 - 2000)، وتحسن الوضع الأمني في البلاد، إلى إطلاق مشاريع متنوعة لتنشيط الحياة الثقافية والفنية، بعد سنوات كان خلالها ممارسة أي نوع من الفنون يعد مستحيلاً ويهدد حياة الفنانين من طرف الجماعات المتشددة المسلحة التي كانت تستهدفهم مما دفع بكثيرين منهم إلى مغادرة البلاد.
ولعل من بين المشاريع التي أُطلقت، ما يسمى بقرى ونوادي الفنانين، وتجهيزها لاستقبال الفنانين وتوفير الأجواء المناسبة لهم لإطلاق العنان لإبداعاتهم، إضافة إلى احتضان التظاهرات الثقافية والفنية على المستويين المحلي والدولي.

قرى ونوادي

وفي 21 يونيو (حزيران) 2009، تم افتتاح قرية الفنانين التي تقع في مرتفعات سيدي منيف بزرالدة (29 كيلومتراً غرب العاصمة الجزائرية)، وذلك بمناسبة تظاهرة المهرجان الأفريقي الثاني الذي نظمته الجزائر، وهي تتسع لــ2500 سرير ومجهزة بالمستلزمات ووسائل الإقامة المريحة لاستقبال الفنانين ومختلف التظاهرات الثقافية والاجتماعية.
وبُنيت الإقامة باستخدام الهيكل المعدني على مساحة 20 ألف متر مربع، وتشمل 130 غرفة مزدوجة مجهزة بالكامل (أثاث، حمام، تكييف)، إضافة إلى قاعات للطعام مزودة بمطابخ بسعة 850 وجبة، مكتبة، قاعات مؤتمرات، ورش عمل، مقهى، وكافتيريا. كما تضم القرية إضافة إلى الفنانين من مدرسة الفنون الجميلة والموسيقى، الطلاب من المدارس التحضيرية في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وعلوم الحياة والطبيعة، والعلوم الاقتصادية والتجارية، وإدارة الأعمال.
وبمرور الوقت، طاول الإهمال "قرية الفنانين" بالعاصمة، ما دفع بوزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، في عام 2022، إلى إصدار توجيهات بضرورة الاعتناء بها بعد اطلاعها عليها في زيارة. وذكر بيان لوزارة الثقافة أن مولوجي عاينت مختلف أجنحة "قرية الفنانين"، واستمعت إلى مجموعة من العروض التي قدمها مجموعة من الفنانين المقيمين المندرجة ضمن النشاطات المبرمجة للاحتفال بستينية استرجاع السيادة الوطنية.
ودعت مولوجي إلى ضرورة الاعتناء بالغرف والمساحات الخضراء والمطعم، من أجل أن تسهم القرية في جمع الفنانين من مختلف المناطق وتنظيم إقامات إبداعية للمثقفين في شتى المجالات الأدبية والفكرية، بحسب بيان الوزارة.


وفي الخامس من يوليو (تموز) 2019، افتُتحت أول دار للفنان بوسط مدينة البليدة (50 كيلومتراً جنوب العاصمة الجزائرية) بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ57 لعيد الاستقلال، وذلك بعدما ظلت مغلقة لمدة ثلاث سنوات منذ استكمال إنجازها.
وتضم بناية "دار الفنان" المكونة من طابق أرضي وآخرين علويين، رواقاً للفنون الجميلة، وقاعة للعروض الموسيقية والمسرحية، ونادياً للسينما، وورشة للفنون الدرامية والكوريغرافيا، وورشة للفنون التشكيلية، واستوديو للتسجيل، وقاعة لتدريس الموسيقى، كما تضم أيضاً ورشات للتدريب الموسيقي لمختلف الأنواع، كالموسيقى الشعبية، والأندلسية، والعصرية، والموسيقى الجوقية، والعربية، والعزف على البيانو والآلات النفخية، وورشة الآلات الإيقاعية، والسولفاج، والدروس النظرية.
وخُصِّص سطح هذه المنشأة الثقافية الأولى من نوعها في الولاية، والتي تتربع على مساحة 7880 متراً مربعاً لتنظيم المقاهي الأدبية والنقاشات الفكرية التي ستحتضنها دار الفنان والتي سينشّطها مختصون في المجال الثقافي بالولاية من كتاب وشعراء، لتبادل الأفكار وتنشيط الحركة الثقافية المحلية.
وفي 22 أغسطس (آب) 2020، تأسس بمدينة وهران (400 كيلومتر غرب العاصمة الجزائرية) نادي الفنانين الجزائريين لتعزيز المشهد الثقافي والترويج للفن الجزائري والتعريف أكثر بالفنانين الذين ينشطون في شتى الميادين الثقافية والفنية، بحسب مؤسسي النادي.
ويهدف هذا الفضاء الفني إلى تسويق المنتج الفني الجزائري عبر صفحة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي وإطلاق حصة عبر الإنترنت للتعريف بالمشوار الفني للفنانين الذين فقدتهم الساحة الفنية الجزائرية، وعرض أعمال المبدعين ومشاريعهم المستقبلية في مختلف الحقول الفنية، والسماح بتبادل التجارب والخبرات الفنية مع النوادي الفنية العربية.

إشكالات وتحديات

وعلى رغم المبادرات والتظاهرات الفنية والثقافية التي تحتضنها هذه القرى والنوادي، إلا أن تأثيرها في المشهد الثقافي الجزائري لا يزال محدوداً وينحصر في المناسبات الكبيرة التي تحتم على السلطات الاستعانة بالخدمات التي تقدمها هذه الفضاءات، بسبب إشكالات تتنوع بين صعوبة توفير البيئة المناسبة للإبداع ومحدودية الدعم والرعاية التي يمكن أن تساعد على استقطاب الفنانين وتشجيعهم على الاستقرار في هذه القرى.
إضافة إلى ذلك، تواجه القرى الفنية تحديات اجتماعية مرتبطة بغياب رؤية واضحة لإدماجها ضمن المشهد الثقافي الوطني، كما أن ضعف الترويج لهذه القرى على المستوى المحلي والدولي يسهم أيضاً في تقليل انتشارها وشهرتها، مما يقلل من فرص استقطاب المهتمين بالثقافة والفن، وعلى رغم وجود العديد من الفنانين الموهوبين في قرى الفنانين، إلا أن هناك ضعفاً في الترويج لأعمالهم الفنية في الداخل والخارج ما يحد من فرصهم في الوصول إلى جمهور أوسع ويقلل من فرص بيع أعمالهم.
كما أن غياب التكامل بين المجتمع المحلي والفنانين يخلق فجوة يصعب تجاوزها، بخاصة إذا لم يتوافر الوعي الكافي بأهمية هذه القرى كمنصات للإبداع والمساهمة الثقافية، حيث تحتاج هذه القرى إلى استراتيجية شاملة تعمل على تحسين الظروف وتوفير الدعم المستدام من الجهات المعنية.
وتُطرح في بعض الحالات، مشكلة قلة التفاعل بين الفنانين والجمهور المحلي، وأحياناً يظل العمل الفني محصوراً داخل محيط القرية ولا يتمكن الفنانون من الوصول إلى جمهور أوسع من خلال المعارض أو الفعاليات الثقافية، إضافة إلى ضعف التنسيق بين قرى الفنانين والهيئات الثقافية الحكومية وغير الحكومية.
وتلقى بعض قرى الفنانين صعوبة في الحفاظ على استمرارية الأنشطة الثقافية والإبداعية، إذ إن الأنشطة في هذه القرى قد تكون موسمية أو محدودة بالزمن، مما يجعلها أقل جذباً للفنانين الذين يبحثون عن فرص مستدامة، فيما يواجه الفنانون أحياناً مشكلات في حماية حقوقهم الفكرية والفنية، كما أن عدم وعي الفنانين بالتشريعات القانونية التي تدعم حركتهم الإبداعية يؤدي إلى فقدان الحوافز التي قد تشجعهم على الاستمرار في عملهم الفني.


مركزية الفعل الثقافي

وقال رئيس الجمعية الوطنية للفنانين الجزائريين، جمال محمدي، إن "الهدف من إنشاء قرية الفنانين الجزائريين في زرالدة كان من أجل توفير بيئة ملائمة للفنانين لإنتاج أعمالهم الإبداعية في مختلف الفنون وتمكينهم من خلق فرص للتلاقي وتبادل التجارب والخبرات بين مختلف المبدعين".
وأوضح محمدي أن "هذا المرفق الثقافي والتكويني تمكن من خلق بيئة وفضاء ملائمين للفنانين الجزائريين، ويضم اختصاصات يستفيد منها طلاب الفنون الجميلة والموسيقى والمسرح وغيرها. وأضاف أنه "تم استحداث أنشطة شبه تجارية، من خلال استقبال القرية للكثير من اللقاءات والمؤتمرات، بغرض توفير موارد مالية تعزز المهمات الإبداعية لتغطية التكاليف وإعطاء أريحية مالية لهذا المرفق".

وأشار جمال محمدي وهو أيضاً مؤلف وناقد سينمائي إلى أن "الإشكال المطروح هو عدم مراعاة اللامركزية في هذه المشاريع، إذ من المفروض وضع استراتيجية لتوسيع هذا المرفق الثقافي، بخلق هياكل ملحقات أخرى تابعة له على مستوى بقية الولايات أو على الأقل على مستويات جهوية في إطار تشجيع السياحة الثقافية والفنية عبر ربط الإبداع الفني بالخدمات السياحية، وهو ما سيحد من مركزية المشهد الثقافي وعدم حصر النشاطات الفنية في العاصمة فقط".
وأفاد بأن "هذا التعميم على المستوى الولائي أو الجهوي سيعزز إمكانية إنشاء قرى أخرى يستفيد من خدماتها الفنانون على المستوى المحلي خصوصاً فئة الشباب المبدع في مختلف أنواع الفنون. كما أن الانفتاح على الولايات بتعميم هذا المرفق على شكل ملحقات، سيكون له دور مهم جداً من خلال تبادل الأفكار والتجارب وخلق نهضة فنية وثقافية تعزز الهوية الثقافية الوطنية وتمنح كل الجزائريين فرصاً متساوية للإبداع في ظروف ملائمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لوبي ثقافي

من جهته، أشار الفنان التشكيلي الجزائري مراد عبد اللاوي، إلى أن "وزارة الثقافة عملت ما بوسعها لتنشيط المشهد الفني في الجزائر، وإضافة إلى القرى والنوادي الفنية، يتم تنظيم العديد من الصالونات والمعارض الثقافية والفنية في ولايات عدة، إلا أن الاحترافية غائبة نسبياً في التنظيم والتسيير". وقال "الاحترافية منعدمة بشكل واضح، بسبب عدم تنظيم الفنانين أنفسهم في إطار قانوني للمطالبة بحقوقهم والنشاط بطريقة احترافية كي لا تذهب الأموال الكبيرة التي تخصصها السلطات للقطاع الثقافي هباءً منثوراً". وأضاف المتحدث أن "ما يزيد الطين بلة هو كبر مساحة البلاد، وللأسف هناك مركزية لا تخدم القطاع الثقافي والفني، إذ لا يجب حصر كل النشاطات في العاصمة وحدها وإهمال بقية الولايات".

وتحدث عبد اللاوي عن وجود "لوبي ثقافي" في العاصمة (من دون أن يحدد هويته) "يحاول بطريقة خفية تهميش الفنانين المحليين وخلق حواجز أمامهم كي لا يُبرزوا أعمالهم الفنية والإبداعية على المستوى الوطني أو الدولي"، مشيراً إلى "وجود فضاء في العاصمة تم صرف عليه مبالغ ضخمة لكنه مهجور حالياً". وأفاد بأنه "يجب خلق طرق احترافية لإبراز إبداعات الفنانين المحليين لأن هناك مواهب كثيرة وتجارب من شأنها إثراء المشهد الثقافي شرط توافر الظروف الملائمة"، مشيراً إلى أن "إشكالية المحسوبية تحول دون استفادة الفنانين من هذه الفضاءات لأن هناك خللاً ما. أنا لا ألوم الوزارة لكن ألوم الفنانين لأنهم لم يتهيكلوا في تنظيمات للدفاع عن مصالحهم".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير