ملخص
تسعى السلطات الباكستانية على مر الأعوام إلى عدم إحراج إيران التي تعدها إسلام آباد دولة جارة وصديقة بذكرها في صدد العمليات الإرهابية أمام وسائل الإعلام، وتتجنب ربط اسمها بأعمال العنف التي تحدث داخل باكستان، لكن أنشطة لواء "الزينبيون" في السنوات الأخيرة لم تترك مجالاً للمجاملة والتستر أمام المسؤولين الباكستانيين.
عندما أعلنت إدارة مكافحة الفساد الباكستانية منتصف عام 2021 أنها ألقت القبض على مشتبه فيه بارتكاب أعمال طائفية والقيام بأعمال إرهابية بعد تلقيه تدريبات عسكرية في "دولة مجاورة" توقع الجميع أن المسؤولين الباكستانيين يلقون باللوم على خصمهم التاريخي الهند، أو ربما على أفغانستان المدمرة بالحروب، لكن المقصود بالدولة المجاورة كانت بخلاف كل التوقعات إيران.
وتسعى السلطات الباكستانية على مر الأعوام إلى عدم إحراج إيران التي تعدها إسلام آباد دولة جارة وصديقة بذكرها في صدد العمليات الإرهابية أمام وسائل الإعلام، وتتجنب ربط اسمها بأعمال العنف التي تحدث داخل باكستان، لكن أنشطة لواء "الزينبيون" في السنوات الأخيرة لم تترك مجالاً للمجاملة والتستر أمام المسؤولين الباكستانيين.
وأكد وزير الداخلية الباكستاني آنذاك رانا ثناء الله مجلس الشيوخ الباكستاني في يوليو (تموز) 2022 أن لواء "الزينبيون" ضمن المنظمات التي كانت "متورطة بصورة فعالة" في الأنشطة الإرهابية داخل باكستان بين عامي 2019 و2021.
وبعد سقوط نظام الأسد في سوريا عادت المخاوف الأمنية لدى الأجهزة الحكومية في باكستان حيال عودة مقاتلي لواء "الزينبيون" الذين جندوا من قبل إيران بصورة أساس للمشاركة في الحرب الأهلية السورية.
نداء ديني لحرب طائفية
في مطلع عام 2013 بدأ عرش نظام الأسد في سوريا يترنح أمام عواصف الربيع العربي، وكاد يذهب أدراج الرياح، في الوقت ذاته وعلى بعد آلاف الأميال من العاصمة السورية دمشق يهتف جمع من الشباب على سفوح جبال "باراتشينار" الباكستانية ويقسمون بأنهم سيقدمون أرواحهم دفاعاً عن مرقد السيدة زينب رضي الله عنها. كان ذلك نواة تشكيل لواء "الزينبيون" الذي ظهر اسمه في تلك المرحلة إلى جانب التنظيمات المسلحة التي شاركت في الحرب السورية تحت غطاء وإشراف الحرس الثوري الإيراني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الطابع الديني العاطفي في تجنيد الشباب الباكستانيين لحرب أجنبية كان ظاهراً حتى في اسم اللواء الذي تم تشكيله، إذ كان شعاره الدفاع عن المراقد المقدسة، وبخاصة ضريح السيدة زينب، وهو الأسلوب الأكثر تأثيراً في العواطف الدينية لشيعة باكستان، بالتالي إقناعهم بالذهاب إلى ساحة قتال مستعرة بين طرفين لا تربطهما أية صلة سياسية أو عرقية بباكستان.
وبحسب مسؤول في إدارة مكافحة الفساد الباكستانية فإن عدد مقاتلي لواء "الزينبيون" بلغ 6937 بحلول عام 2017، بينما تشير التقديرات غير الرسمية إلى أعداد أكثر من ذلك. ويقول الصحافي فيض الله خان إن عدداً كبيراً من المقاتلين جندوا من منطقة "باراتشينار" الحدودية ذات الغالبية الشيعية، ومن قطاع "غيلغت" بواسطة عملاء إيران الموجودين في باكستان، ووصل هؤلاء المجندون إلى إيران ضمن الزائرين الدينيين على تأشيرات رسمية ليتلقوا تدريبات عسكرية هناك قبل أن ينقلوا إلى سوريا، حيث بُني معسكر كبير قرب مرقد السيدة زينب للمقاتلين الوافدين من باكستان وأفغانستان والعراق.
وأضاف فيض الله، "تشير التقارير إلى أن إيران لم تقم بتجنيد الشباب الباكستانيين فحسب، بل تكفلت بجميع حاجاتهم المالية، وبعضهم انتقل مع عائلته إلى إيران ومنحوا الجنسية الإيرانية".
"الزينبيون" بعد الأسد
في هذا الصدد أشار مؤسس ومدير تحرير "The Khorasan Diary" افتخار فردوس لـ"اندبندنت عربية" إلى أن هناك 1400 عائلة باكستانية موجودة في سوريا منذ بداية عملية التجنيد عام 2013، البعض منها زحف إلى لبنان بعد سقوط نظام الأسد خشية الملاحقة، وآخرون كانوا في اللاذقية مع مجندين أفغان من لواء "الفاطميون" قبل أن ينقلوا إلى طهران بمساعدة القوات الروسية.
وأكمل فردوس، "قتل سبعة من مقاتلي (الزينبيون) وجرح تسعة آخرون في ضواحي مدينة دمشق أثناء تقدم المعارضة المسلحة قبيل فرار الأسد".
وعن احتمالية عودتهم إلى باكستان استبعد فردوس ذلك، وقال إنه "ليست هناك بيانات دقيقة تؤكد عودة المقاتلين لباكستان خلال الأسابيع الأخيرة، وأعتقد أن طهران لن تعيد المقاتلين الشرسين من لواء (الزينبيون) إلى باكستان في أي وقت قريب، بل ستنشرهم في موقع آخر أو تستفيد من خبراتهم في إيران، كما أعرب السطات الباكستانية من جانب آخر عن قلقها من أن عودة هؤلاء المقاتلين ستزيد من الانقسامات الطائفية في باكستان".
المخاوف التي يعبر عنها المسؤولون الباكستانيون في شأن عودة لواء "الزينبيون" ليست في غير محلها، إذ إنها أذاقت البلاد الويلات من تحريض على مؤسسات الدولة وإشعال الانقسامات الطائفية بعد انتهاء الحرب الأفغانية - السوفياتية وعودة المقاتلين منها إلى باكستان.
وخلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" أثار الصحافي فيض الله خان مخاوف مشابهة حال عودة مقاتلي "الزينبيون" إلى باكستان، لا سيما أن السجل الإجرامي لعناصرها داخل البلاد مليء بالجرائم الفظيعة من قتل وسطو وعمليات غسل الأموال والانتظام في الصراعات الطائفية المسلحة.
"قد لا يكون عدد من مقاتلي (الزينبيون) مطلوبين لدى الأجهزة الأمنية الباكستانية، لكن من المحتمل جداً أنهم قد يتورطون في أنشطة تسبب إزعاجاً للحكومة، لذا ينبغي عليها ألا تعيد الخطأ التي ارتكبته مع المقاتلين العائدين من أفغانستان وكشمير الذين انقلبوا ضدها، وأن تعد لهم أنشطة ومسارات سلمية يفرغون طاقاتهم فيها من دون أن يتعرضوا للدولة أو لمواطنيها".
السجل الإجرامي للواء
تأثرت باكستان بصورة مباشرة وكبيرة من الحرب السورية خلال الأعوام الأخيرة، لا سيما بعد عودة عناصر لواء "الزينبيون" لباكستان. وتحدثت البيانات الصحافية لإدارة مكافحة الفساد عن تورط خلايا اللواء في عمليات اغتيالات مستهدفة في كراتشي أكبر مدن باكستان، وعن عمليات السطو المخططة على البنوك من خلال توظيف أفرادها كحراس أمن في الفرع المستهدف للبنك والسطو عليه بعد أشهر عدة، مما دفع باكستان إلى إدراج اللواء ضمن الجماعات المحظورة.
ويتحدث افتخار فردوس عن تأثير عمليات "الزينبيون" على المستوى العالمي، إذ "تعرضت باكستان لإحراج كبير في فبراير (شباط) 2024 عندما أعلنت وزارة العدل الأميركية اعتقال أربعة باكستانيين (من عناصر الزينبيون) قبالة سواحل الصومال في بحر العرب بتهمة توريد أسلحة متطورة للحوثيين في اليمن. وقد دفع هذا إلى جانب سلسلة من عمليات القتل المستهدفة المرتبطة والخلاف الطائفي في منطقة كورام (باراتشينار) الحدودية مع أفغانستان السلطات الباكستانية إلى اتخاذ إجراءات صارمة وإعلان جماعة (الزينبيون) كمنظمة محظورة".
وتداولت وسائل التواصل قبل أسابيع مقاطع فيديو لمنطقة "كورام" الحدودية، حيث يرفع أفراد ملثمون علم لواء "الزينبيون" محل العلم الباكستاني إثر صراعات طائفية دموية في المنطقة راح ضحيتها أكثر من 100 شخص. وبينما يعود الصراع في هذه المنطقة إلى عقود فإن الاشتباكات الطائفية الأخيرة التي شارك فيها عناصر اللواء بصورة علنية أخذت طابعاً دموياً غير مسبوق من قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث ونهب البيوت.