Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوكرانيا وسياسة ملء فراغات المنسحبين من سوريا

بعد أربعة أيام من سقوط النظام قالت مصادر إعلامية روسية إن إمدادات القمح إلى دمشق توقفت بسبب الحال الضبابية ومشكلات تأخر الدفع

أعلنت أوكرانيا استعدادها إمداد سوريا بالغذاء والقمح بعد سقوط نظام بشار الأسد (أ ف ب)

ملخص

قطعت أوكرانيا علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري عام 2022 بسبب اعترافه بسيادة روسيا على بعض الأراضي الأوكرانية، وبعد سقوط النظام عرضت كييف تقديم المساعدات لدمشق وأرسلت وفداً سياسياً إلى العاصمة السورية، مما أثار حفيظة روسيا.

خلال العقد الأخير كانت سوريا ساحة صراع مباشر بين إيران وإسرائيل، وفي الوقت ذاته كانت ساحة صراع غير مباشر بين روسيا وأوكرانيا على الصعيد السياسي في أقل تقدير، وبعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 غادرت إيران سوريا في هزيمة وصفت بالتاريخية، أما روسيا فغادرت معظم قواتها ضمن اتفاقات مع الحكومة الجديدة، مع بقاء قواتها على الساحل السوري، وفي الـ 13 من ديسمبر 2024، أي بعد أربعة أيام من سقوط النظام، قالت مصادر إعلامية روسية وسورية إن إمدادات القمح الروسية توقفت إلى سوريا بسبب الحال الضبابية في ما يتعلق بالحكومة الجديدة، إضافة إلى مشكلات تأخر الدفع.

ولم يتأخر الرد الأوكراني كثيراً، فبعد دقائق قليلة من انتشار هذا الخبر أعلنت كييف استعدادها ملء الفراغ في ما يتعلق بتوريد القمح إلى سوريا، فقال وزير الزراعة الأوكراني فيتالي كوفال لوكالة "رويترز" إن أوكرانيا مستعدة لإمداد سوريا بالغذاء بعد سقوط نظام الأسد"، مضيفاً "نحن منفتحون على توريد غذائنا إذا احتاجت سوريا إليه وسنلبي الطلب".

زيلينسكي يغرد للسوريين

ونشر الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي عبر منصة "إكس" في الـ 27 من ديسمبر الجاري باللغة العربية معلناً أن 500 طن من دقيق القمح الأوكراني في طريقها إلى سوريا كجزء من برنامج إنساني، وقال "كما وعدنا نحن ندعم الشعب السوري في وقت حاجته، وهناك 500 طن من دقيق القمح الأوكراني في طريقها بالفعل إلى سوريا كجزء من برنامجنا الإنساني بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي".

وبحسب مصادر سورية فإن شحنة القمح هذه قدمتها أوكرانيا على شكل مساعدات مجانية للسوريين، وسيجري توزيعها على 167 ألف شخص خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

ولم تتوقف الأمور عند الجانب الإنساني، فقد زار وفد أوكراني رسمي أمس العاصمة السورية دمشق برئاسة وزير الخارجية أندري سيبيغا، ويضم وزير الزراعة فيتالي كوفال والمبعوث الخاص للرئيس الأوكراني مكسيم الصلح والمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأوكرانية، وقد التقى الوفد القائد العام في الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، كما أجرى محادثات مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني الذي أكد أن الإدارة الجديدة تعتزم إقامة شراكة إستراتيجية بين سوريا وأوكرانيا على الصعد كافة.

 وخلال مؤتمر صحافي مع نظيره الأوكراني قال الشيباني إن "سوريا ترحب بجميع الوفود العربية والأجنبية، وتبدأ اليوم بنسج علاقات جديدة ووصل الماضي بالحاضر، وتطوي صفحة طويلة قديمة من القطيعة التي كانت أيام النظام السابق، وستكون هناك شراكات إستراتيجية بيننا وبين أوكرانيا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي".

من جهته أكد وزير الخارجية الأوكراني التزام بلاده دعم سوريا في مواجهة التحديات الإنسانية والاقتصادية، وقال سيبيغا مهاجماً موسكو إنه "في الوقت الذي تصدر فيه روسيا البراميل المتفجرة إلى سوريا فنحن نقدم لها الدعم الغذائي، وأوكرانيا مستعدة لمساعدة سوريا في جمع الأدلة والتحقيق في الجرائم التي ارتكبها النظام السوري السابق وروسيا".

أهداف مختلفة ومصلحة مشتركة

وتختلف أهداف سوريا عن أهداف أوكرانيا في التقارب بين البلدين، فبالنسبة إلى الحكومة السورية الجديدة فهي تطمح لبناء علاقات قوية مع جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحتى روسيا، فتبحث عن اعتراف دولي ودعم لإعادة إعمار البلاد متجنبة أية خصومات أو عداوات أو حروباً، وهي تصرح علناً بأنها ترحب بكل مبادرة وترحب بتطوير العلاقات مع أية دولة، أما أوكرانيا فهي تعتبر أن سوريا مركز نفوذ سابق لروسيا وأن انتصار المعارضة السورية هزيمة لروسيا، وتريد توسيع وجودها هناك على حساب الوجود الروسي، وبمعنى آخر فإن الأهداف السورية – الأوكرانية تختلف ولكنها تشترك في مصلحة واحدة تتمثل في تقوية العلاقات.

وخلال الفترة ما بين عامي 2011 و2022، ارتكب نظام الأسد جرائم حرب في سوريا فقطعت الدول العربية ومعظم دول العالم علاقاتها معه، لكن الحال لم يكن كذلك بالنسبة إلى أوكرانيا التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق حتى عام 2022 بعد أشهر من بدء الحرب الروسية - الأوكرانية، والسبب الرئيس كان إعلان النظام السوري السابق الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسيك شرق أوكرانيا، وهو ما اعتبرته أوكرانيا "انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة وللقواعد والمبادئ الأساس للقانون الدولي"، فقطعت العلاقات مع دمشق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أوكرانيا تعتبر نفسها شريكاً في النصر السوري

المحلل السياسي الروسي نزار بوش يرى في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "زيارة وزير الخارجية الأوكراني دمشق أمر طبيعي لأن العلاقات السورية - الأوكرانية كانت مقطوعة في عهد النظام السابق بسبب وقوفه إلى جانب روسيا في عملياتها العسكرية، وبعد قلب نظام الحكم في سوريا بات أحمد الشرع يمثل رئيس الدولة في سوريا، إذ إن أوكرانيا تعتبر نفسها شريكاً في مساعدة الشرع على الانتصار وقلب نظام الحكم، وأيضاً كييف تعتبر نظام الحكم السابق عدواً لها مثل روسيا"، وفق تعبيره.

ويضيف بوش أن "تصريحات وزير الخارجية الأوكراني من دمشق استفزازية، فعندما يقول للسوريين إنكم عندما تستطيعون إخراج الروس فستضمنون أمنكم وأمن البلاد المجاورة فهو يعتبر تصريحاً تحريضياً، أما بالنسبة إلى قوله إن أوكرانيا ستمد السلطات الجديدة بالمواد الغذائية والقمح فهدفه التقرب من سوريا لما لها من موقع جيو-إستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى أنه يحرض على طرد الروس، لكن أعتقد أن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال بدمشق لم يتحدث عن الوجود الروسي ولم يوجه أية انتقادات لروسيا، ويبدو أن السوريين لا يريدون علاقات سيئة مع موسكو لأنها لاعب قوي عالمياً ولديها دور كبير في مجلس الأمن الدولي وتمتلك حق النقض، فالسلطات الجديدة في دمشق تدرك أنه يجب عدم استفزاز روسيا كونها ثاني أكبر دولة من حيث القوة العسكرية في العالم، فضلاً عن أن السلطات الجديدة في سوريا قد تفكر مستقبلاً بالحصول على السلاح الروسي، فيما لم ترد روسيا على التصريحات التي أطلقها الوزير الأوكراني من دمشق".

تشابه سوري - أوكراني

ويقول الصحافي والمحلل السياسي الأوكراني، وهو من أصول فلسطينية، محمد فرج الله في تصريح خاص، إن "الحرب الأوكرانية والانتفاضة السورية غيرا وجه الشرق الأوسط من حيث العلاقات بين الشعوب، فقد أصبح الشعب السوري والشعب الأوكراني حليفين، ففي أوكرانيا تعرض الشعب لحرب همجية بهدف هدم السيادة الأوكرانية، أما في سوريا فصحيح أن الحرب كانت مع نظام الأسد ولكن لولا الدعم الإيراني - الروسي لما استطاع النظام البقاء، ولولا التدخل العسكري الروسي المباشر بعد عام 2015 لما اضطر السوريون لدفع هذه الفاتورة من التضحيات، ولذلك أصبح الشعبان السوري والأوكراني يتفقان على عداء روسيا، وكل ما جرى سينعكس بصورة مباشرة على تعاون تاريخي بين سوريا وأوكرانيا في مجالات آنية وأخرى إستراتيجية، إذ ستستقبل الجامعات الأوكرانية آلاف الطلبة السوريين لتخريج المهندسين والأطباء والمتخصصين في مختلف المجالات، إضافة إلى دعم مشاريع البحث العلمي، وعلى الصعيد الاقتصادي ستكون سوريا إحدى وجهات البضائع والقمح الأوكراني".

ويضيف فرج الله أن "أوكرانيا دعمت جهود السوريين في المحافل الدولية، وسيكون هناك تنسيق مشترك بين سوريا وأوكرانيا على الصعيد السياسي، وهذا يتناغم مع المواقف السياسية على الصعيد العالمي، وقد شهدنا خلال الأيام الأخيرة استخدام إدارة العمليات العسكرية طائرات مسيرة، وكلنا نعلم أن أوكرانيا لديها خبرة واسعة في هذه الصناعة، ويمكن لاحقاً أن يكون هناك تعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين سوريا وأوكرانيا، ويبدو أن مستقبل العلاقات السورية - الأوكرانية واعد للغاية، وعلى رغم ذلك فإن المعيار يعود إلى رغبة دمشق في ذلك، كما أعتقد أن زيارة وزير الخارجية الأوكراني لدمشق ستكون لها رمزية كونه أول وزير خارجية أوروبي يزور سوريا الجديدة".

ويوضح المحلل الأوكراني أنه "حتى الآن لم تصدر تصريحات رسمية من القادة الجدد في سوريا حول ما يتعلق باحترام سيادة أوكرانيا وإلغاء بعض القرارات التي أصدرها النظام السابق في ما يختص بالاعتراف بالسيادة الروسية على بعض الأراضي الأوكرانية، ومن جهة أخرى من المعروف أن تركيا هي أهم حليف لسوريا اليوم، وتركيا صديقة لأوكرانيا، وسوريا تتجه للتقرب من الغرب والاندماج في العالم المتحضر، وهذا الجانب من العالم حليف لأوكرانيا، وكل هذه مؤشرات على مستقبل واعد للعلاقات السورية – الأوكرانية، أما الموقف الروسي من هذه العلاقات فرأينا أن موسكو لم تكن قادرة حتى على إنقاذ حليفها الأسد، وهي بعد ذلك غير قادرة على التأثير في الملف السوري أو التقارب بين دمشق وكييف".

ابتزاز غربي لدمشق

أما الباحث في مركز أبعاد للدراسات الصحافي السوري فراس فحام فيقول إن "أوكرانيا كانت بالأصل تطمح إلى الدخول في الساحة السورية قبل سقوط نظام الأسد، لأنها تعتقد أنها ساحة ضغط مهمة على روسيا، وهي فعلت الشيء نفسه في دول أفريقية مثل مالي حيث يوجد الروس أيضاً".

ويضيف فحام أن "النشاط الأوكراني في روسيا قد يكون مدعوماً غربياً لأن وجود قاعدة حميميم في البحر المتوسط، بما تشكله من خطر محتمل على الدول الأوروبية في حال جرى تركيز قاذفات إستراتيجية فيها، يشكل تهديداً للدول الغربية، وواضح أن الغرب عموماً وأوكرانيا لديهم توجه من أجل محاولة استثمار الفرصة في سوريا بعد سقوط الأسد وإنهاء النفوذ الروسي هناك، وهذا الأمر يجري من طريق التحفيز من خلال المساعدات التي تعرضها أوكرانيا، ومن خلال استغلال قضية رفع العقوبات في مقابل إنهاء النفوذ الروسي".

من جانبه يرى المحلل السياسي الروسي ديميتري بريكع في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "التقارب الأوكراني مع الحكومة السورية الجديدة يمثل خطوة تحمل أبعاداً سياسية وإستراتيجية واضحة، إذ تسعى كييف إلى توسيع وجودها في مناطق تعتبرها روسيا تقليدياً ضمن نطاق نفوذها الجيوسياسي، وتنظر موسكو إلى هذا التقارب بحذر وربما باستياء ضمني، إذ تعتبره محاولة لاستغلال انشغالها بالحرب في أوكرانيا لتقويض دورها في سوريا التي تمثل أحد أهم مراكز نفوذها في الشرق الأوسط"، مضيفاً أن تصريحات المسؤولين الروس تشير إلى أن موسكو تراقب هذا التطور عن كثب، مشددة على استمرار علاقاتها القوية مع دمشق على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، ومن المحتمل أن تعمل روسيا على تحجيم أي دور أوكراني في سوريا من خلال تعزيز وجودها العسكري والدبلوماسي هناك، وتأكيد التزامها دعم الحكومة السورية في مواجهة أية محاولات للتأثير الخارجي في سيادتها".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير