Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عام غير وجه الملكية البريطانية مع تجاوز كيت وويليام أصعب سنواتهما

في البدء سرت إشاعات مغرضة حول علاقة الأمير والأميرة وتلاها إعلان أليم عن إصابة الملك وزوجة ابنه بالسرطان، ومع حلول نهاية العام يبدو أن الأسرة الملكية البريطانية اختبرت سنة مريرة حافلة بالمصاعب

أظهرت كيت قدرة مذهلة على التحمل (أسوشيتد برس)

لا ريب في أن عام 2024 بدا أسوأ الأعوام بالنسبة إلى الأسرة الملكية، إذ ظهرت صورة جديدة وهشة عن الأسرة خلال الأشهر الـ12 الماضية. اقتحم مرض السرطان هذه المساحة المقدسة وطرق المتصيدون أبواب القصر، فيما هوت سمعة الأمير أندرو إلى درك أسفل من ذي قبل، فحقق الرجل إنجازاً كان يعتبر محالاً قبلاً. لم تحصن الامتيازات هذه العائلة من البلاء، ومع حلول منتصف مارس (آذار) المشؤوم، كان الملك وكنته يعيدان رسم صورة الملكية.  

أدت الرغبة في حماية الذات والضغط الشعبي إلى مشاركة (جزئية) غير مسبوقة لمعلومات صحية خاصة، وحلت الأفلام المنتقاة بذكاء محل صورة العائلة التي عولجت بصورة بسيطة بواسطة فوتوشوب. ثم استعادت أميرة ويلز صوتها وشاركت الجمهور أنباء إصابتها بالسرطان، قبل أن تقر بأن طريقها كان "معقداً ومخيفاً وغير متوقع بالنسبة إلى الجميع ولا سيما الأقربين".  

لكن بعد أقل من 12 شهراً، طوت الأميرة صفحة "أصعب السنوات" وسمعتها ممتازة [أثبتت أنها جديرة بمنصبها]. 

فالعام الذي كان سيئاً في البداية بالنسبة إلى العائلة الملكية تحول إلى سنة أكثر تعقيداً مع مرور الوقت، إذ تقاطعت أنباء المرض الكارثية الذي أصاب بعض أفراد الأسرة وأكثر مؤسسات المملكة المتحدة وقاراً، وغيرت بعض الأدوار في الملكية. لا شك في في أن الإصابة بالسرطان سيئة، في كل الأحوال. وبالنسبة إلى كيت، الأم لثلاثة أطفال التي بلغت منتصف العمر، أدت صدمة إصابتها بـ"ذلك المرض" والعلاج الصعب الذي فرضه المرض إلى رسم صورة جديدة عنها في الوعي الشعبي. 

وعادت الزمرة التي كانت تسأل "أين كيت؟" للانضباط، وبعد التعاطف، جاء شعور الاحترام وثم الفرح: بدت الأميرة مشعة في عيد ميلاد الملك وكانت تبث الغبطة في ردائها الأحمر في حفلة الميلاد المنعقدة في نهاية العام. هاليلويا!

لم تسر كيت هذا الدرب وحدها، وأرغم المنتقدون الذين شككوا في قدرة ويليام على مواجهة الأمور وصلابته في التعاطي مع المصاعب على إعادة التفكير في موقفهم، إذ أصبح أمير ويلز سنداً جديداً للعائلة الملكية مجسداً جدته الراحلة ودعامة صلبة، وحسن صورته بتلك اللحية الخفيفة التي أطلقها عندها كانت زوجته بعيدة من الحياة العامة، وأظهر إخلاصه وتفانيه لزوجته، إذ أعلن أن عام 2024 كان أكثر من شاق، بل كان أصعب سنوات حياته.    

وعاد الشعب ليقع في غرام ابن ديانا البكر من جديد، كنا نسينا كم هو فارع الطول وواثق من نفسه. بل واثق بنفسه لدرجة أن ترمب نفسه لم يتمكن من التصرف بخشونة مع الملك المستقبلي خلال رحلته السريعة إلى باريس. (ماكرون من؟ بدا الرئيس الفرنسي هو الأصغر سناً [أمام ويليام]). لا شك أبداً في أن انبعاث آل ويلز على صورة الثنائي الأبرز في البلاد نقل الملكية إلى موقع جديد، وهما يبدوان هذه الأيام مرتبطين ومتلاصقين وإن لم يكونا معاً. 

لكن كل قصة نجاح ملكية تعكر مساحة أخرى، وأنا لا أشير هذه المرة إلى دوق ودوقة ساسكس (اللذين غالباً ما يكونان منفصلين وفقاً للإشاعات عبر المحيط، ما عدا في بطاقة المعايدة بمناسبة عيد الميلاد)، بل إن ملكنا هو من يتحسر. لا شك إطلاقاً في حب الملك لزوجة ابنه الصبورة والوقورة، لكن وراء كل الكلام البدهي والاحترام، يلوح شعور الحزن الحتمي. 

فهو الرجل الذي انتظر 73 سنة قبل أن يأخذ فرصته في الحكم، ولم يمض 18 شهراً على تسلمه منصبه قبل أن يعوقه المرض عن مهماته. وما فاقم المشكلة هو أنه حتى عندما نجح في تأجيل علاجه وقطع نصف العالم ليبهر الكومنولث الفاتر، كان عليه التفكير في صحة زوجته. فالملكة كاميلا التي تكبره سناً وتبلغ من العمر 77 سنة لم تستعد عافيتها تماماً منذ عودتها من أستراليا: فقد أصيبت بالتهاب في الصدر وبالرئة ذاتها وبالإنهاك بعد تعافيها من الفيروس. وهو ينبه بصورة واضحة إلى أن السفر لمسافات بعيدة وازدحام المهمات والتقدم في السن مسائل متنافرة يتعذر الجمع بينها، وهي مشكلة ضاعفتها قدرة الملكة الراحلة وفيليب على جعل الملكية تبدو سهلة حتى بعد سن التقاعد.

وفي هذه الأثناء، يتولى ويليام، الابن الرائع، شؤون والده ويسير على خطاه. من جائزة إيرث شوت في جنوب أفريقيا إلى برنامجه حول التشرد على "آي تي في"، وزيارته إلى باريس لمقابلة الرئيس الأميركي المنتخب وكلماته الحكيمة عن زوجته المذهلة. لكن فيما عمل الابن على هذه المحاور الرئيسة، لا يحمل عبء التاج سوى فرد واحد. إذ إن عبء الملكية الكامل على كاهل الملك تشارلز وحده، الذي يتحمل أيضاً في هذا الإطار عبء [مشكلات] الأمير أندرو المتناسل إلى ما لا نهاية.

كل تلك السرية لم تكن لتخفي فشل أحدهم، من المذهل أننا قضينا القسم الأكبر من العام مشدوهين بصراحة تشارلز وكيت لأنهما لفظا عبارة "سرطان" بينما الملكية وطريقة عملها ما تزال سراً كبيراً غامضاً، فالشفافية شبه معدومة هناك. وما يزال أندرو للأسف جزءاً من المتاهة الملكية، على رغم افتقاره إلى الحكم السليم (راجعوا رفضه في البداية لإدانة سلوك جيفري إبستين المدان بسبب ميوله إلى القصر، ومسألة التسوية القضائية التي بلغت 12 مليون جنيه استرليني قبل أشهر من احتفالات اليوبيل البلاتيني للملكة)، بصفته أميراً ودوقاً، يستمر أندرو بالتقرب من الأصدقاء غير المناسبين [أصدقاء السوء]. أما في ما يتعلق بمن يؤثر فيه [التأثير والنفوذ]، فيبدو أنه وقع في شباك الحكومة الصينية.

 

في نهاية المطاف، كشف اسم رجل الأعمال والجاسوس المزعوم وهو يانغ تنبو، ويعتقد أنه على صلة بإدارة عمل الجبهة المتحدة United Front Work Department، الذراع السري للحكومة الصينية. وتربع هذا الرجل عينه على "رأس شجرة معارف (الأمير)"، ويبدو أنها شجرة  "يود كثيرون أن يتسلقوها".   

أليس أمراً مذهلاً؟ منذ سقطته في عام 2019، ما عاد لأندرو نصيباً من أموال الملكية. ووصل الحال بالدوق الذي يلفه العار هذه الأيام إلى اضطراره إلى إصلاح سقف منزله الضخم الخاص (نعم، ما يزال في المقر الملكي). يحتاج أندرو إلى مبالغ كبيرة، وعلى رغم فشله خلال قضية إبستين وكل الضجة التي أحدثتها تلك القضية، ما يزال يتمتع بمستوى من الحماية من المساءلة العامة لا يسعنا سوى أن نحسده عليها. وبعد مرور عشرات السنين، لا يمكن التحقيق في الفترة التي قضاها أندرو كمبعوث تجاري بسبب الحصانة الخاصة التي يتمتع بها كونه فرداً من الأسرة المالكة (ويمنع الاطلاع على ملفاته حتى عام 2065). كما أن تقديم طلب بموجب قانون حرية المعلومات لن يثمر أية نتيجة كذلك: فأفراد العائلة المالكة معفيون من هذا القانون. حتى الأمراء "غير الفاعلين" تحكمهم قوانين مختلفة، ويبدو أن خصوصيتهم أهم من المصلحة العامة.        

على رغم (أو ربما بسبب) كل هذه السرية، يتصدر إرث أندرو الموحل  [بصمته السيئة] أولويات الملك، قبل السرطان وبعده. ولا شك في أنه يسلط الضوء على الحرب الباردة بين ويليام وأخيه هاري من ناحية جديدة، فمع أن الأخير ربما يظهر ميلاً إلى الثرثرة والأنانية في خضم محاولاته لكسب المال لكن دوق ودوقة ساسكس يحاولان في الأقل أن يشقا طريقهما الخاص ويدركان، فيما يسخر كثيرون من جهودهما، أن الموضوع غير سهل [عسير ومليء بالمشقاتٍ. وعلى رغم فداحة آخر مأزق وجد أندرو نفسه فيه، إلا أن الحل الذي توصل إليه الملك - أن يبعد أخاه الصغير الذي لم يدع إلى احتفال عيد الميلاد في ساندرينغام هذا العام - لا يرقى إلى المستوى المطلوب.  

حبذا لو تمكن تشارلز من رؤية حجم هذه القصة المحزنة التي لا تقتصر على أندرو إلى حد كبير، فالمسألة تمس صلب العائلة الملكية ونجاحها المستقبلي. فقبل كل شيء، أبرزت المشكلات الصحية التي ظهرت في عام 2024 قيمة ملكيتنا الدستورية: من مكانة الملكية الخاصة في تاريخنا وأمتنا [الأمة البريطانية] وموقعها البعيد من السياسة وجانبها الإنساني في التفاعل مع الشعوب حول العالم واكتساب احترام أصعب اللاعبين السياسيين. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يصر ويليام على رغبته في تبني أسلوب قيادة مبني على التعاطف وسط ظهور طلائع خطرة للقومية المتبجحة، ومن الضروري جداً أن ينضم الملك إليه لمساعدته في إتمام هذه المهمة الشاقة. ربما لن يسطع نجمه بالشكل الذي سطع فيه نجم والدته الراحلة أو كما ابنه الذي يسير على هذا الدرب بسرعة، لكن يمكن أن يحفر تشارلز اسمه في التاريخ باعتباره الملك الذي أشرف على إصلاحات عميقة نحن البريطانيين بأمس الحاجة إليها.

لو تعاظمت شفافية الوضع المالي للعائلة المالكة وحقوقها المكتسبة، وتراجعت حالات الإعفاء من المساءلة، فستكون العائلة المالكة على قدم السواسية مع المؤسسات العامة الأخرى. وعلى المدى البعيد تفضي زيادة الصراحة في العائلة الملكية إلى زيادة الثقة بها، كما تخلق حماية من أخطار القوى الشريرة الخارجية. ومن شأنها أن تحمي أفراد العائلة المالكة من أنفسهم. فلا يمكن لأي استراتيجية وقاية أن تقي من السرطان لكن من شأن الإصلاحات التقدمية التي يقوم بها الملك أن تسهم في الحفاظ على سحر وألق عائلة وندسور للجيل القادم. واقتباساً من الفيديو الذي نشرته أميرة ويلز في الصيف، نقول "يمكن أن يخلق النور من رحم العتم، لذا فلندع ذلك النور يسطع بقوة".   

تيسا دنلوب مؤلفة كتاب إليزابيث وفيليب، قصة عن حب شاب وزواج وملكية، دار هدلاين برس، 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات