Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ضحايا العنف الجنسي في السودان... أوجاع صامتة خلف العزلة

عدد منهن تعرض للابتزاز من قبل مسلحين بتصوير الاعتداء عليهن

هناك 42 مركزاً في السودان تعمل على مساعدة ضحايا العنف الجنسي (أ ف ب)

ملخص

أشار بيان إلى وجود مئات الفتيات المختطفات والمحتجزات كرهائن، حيث يتم استعباد بعضهن جنسياً، وإجبارهن على العمل المنزلي القسري، مع تقارير عن تهريب فتيات داخل وخارج السودان بغرض الإتجار بهن، طبقاً للبيان.

تحتضن معسكرات النزوح ودور الإيواء في الولايات الآمنة، مئات قصص ومآسي القهر النفسي والجسدي والجنسي الموجعة تعرضت لها فتيات يافعات أثناء حرب السودان الحالية.

حكايات كانت مكتومة لم ترو لتخرج إلى العلن حتى الآن، وكشفت مساعي مساعدة وعلاج الضحايا في المراكز المتخصصة عن هول ما تعرضن له، فيما كثيرات من الناجيات لا يزلن ينتظرن العلاج وهن يغالبن الجراح في صمت ويتعايشن مع أسرارهن وأوجاعهن الخاصة نتيجة ما وقع عليهن من جرم وظلم قبل تمكنهن من النزوح إلى المناطق والولايات الآمنة.

العون والعلاج

وشرعت وزارة الصحة الاتحادية بالتضامن مع الجهات الحكومية ذات الصلة وعدد من المنظمات المناهضة للعنف والاغتصاب، في العمل المكثف داخل مراكز الإيواء من أجل مساعدة وعون الناجيات على تخطي محنتهن. وأوضحت مصادر صحية، أن جميع مراكز العون والمساعدة تعمل وفق برنامج الإحالة الذي تعتمده وزارة الصحة الذي يؤكد المحافظة على السرية والخصوصية في التعامل مع الحالات المكتشفة.

أضافت المصادر أن عدداً من المنظمات التي تعمل بالتنسيق مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، تتابع تقديم خدمات الرعاية والمساعدة للناجيات، أبرزها منظمات (كافا)، ومؤسسة الشرق الأدنى ومنظمة "بلان" العالمية، لكن المشكلة أن هذه المنظمات لا تمتلك فروعاً بجميع الولايات، مما يعني أن جهات أخرى مطلوب منها تغطية المناطق المتبقية.

مئات الحالات

وكشفت وزارة الصحة والتنمية الاجتماعية في ولاية القضارف أن 90 في المئة من النازحات بمراكز الإيواء بالولاية في حاجة إلى علاج نفسي مكثف، حيث تمكن مركز الطب الشرعي بالولاية من تسجيل مئات حالات الاعتداء الجنسي معظمها لناجيات من الحرب، مع وجود حالات انتحار وصدمات نفسية كبيرة وسط اللواتي تعرضن للاغتصاب، وأن وحدة العنف ضد المرأة بالوزارة شرعت في تقديم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي مع الالتزام القاطع بالخصوصية.

وشهد مركز الطب العدلي بالمستشفى المركزي بمدينة القضارف، تسجيل 342 حالة اعتداء جنسي خلال الفترة الماضية، معظم تلك الحالات لنازحات ناجيات من الحرب، بحسب متخصص الطب الشرعي، عبدالرحيم محمد صالح.

 

عنف مفرط

وأوضح وزير الصحة والتنمية الاجتماعية المكلف، أحمد الأمين، خلال ورشة عمل بالتعاون مع منظمة "بلان سودان"، من أجل المناصرة الإعلامية لقضايا العنف ضد المرأة والطفل، عن وجود مراكز عدة تعمل على تقديم العلاج والدعم النفسي والاجتماعي للناجيات ممن تعرضن للاغتصاب، تشمل (مركز الصدمة النفسية بمستشفى القضارف، مستشفى النساء والتوليد وإدارة الطب الشرعي)، إلى جانب مراكز في كل من مناطق أبو النجا، أم شجيرات والمستشفى الميداني الأميركي، إضافة إلى خدمات وحدة العنف ضد المرأة والطفل بالوزارة.

وشدد الأمين على أهمية تكثيف العمل المجتمعي لإزالة الوصمة، وحض الناجيات ممن تعرضن للعنف الجنسي على العلاج، لافتاً إلى أن العادات والتقاليد تمثل أكبر التحديات التي تواجه الطرق على قضايا العنف ضد المرأة والطفل.

من جانبها كشفت السلطات العدلية ممثلة في النيابة العامة بالولاية أن معظم حالات الاغتصاب التي وصلتها، كانت تعرضت لعنف مفرط، فيما لم تتعرف الضحايا في معظم تلك الحوادث على الجناة، لأسباب عدة من بينها ارتداء الجناة لما يعرف بـ(الكدمول) الذي يغطي وجه الجاني، وتحفظ على ذكر أرقام بلاغات الاغتصاب المسجلة لدى نيابة القضارف.

الخوف والجهل

في السياق أقرت المتخصصة في الصحة الإنجابية ضحى سليمان إدريس، بأن العنف الجنسي كان يستخدم كواحد من أسلحة هذه الحرب بأقذر وأسوأ أدوات الاستغلال، وذلك وفق ما كشفت عنه الإحصاءات الحالية التي تمثل فقط الحالات التي تم التبليغ عنها، بينما تفوق الحالات التي لم يبلغ عنها الإحصاءات بكثير.

وتابعت "هناك عدد من العوامل الثقافية والاجتماعية التي تحول دون التبليغ والوصول إلى جهات الاختصاص من أهمها مسألة الخوف من الوصمة الاجتماعية التي تعتبر من أكبر التحديات".

ولفتت إدريس إلى أن جهل كثير من أسر الناجيات بطريقة الوصول إلى جهات الاختصاص لمعالجة الناجية وأخذ حقوقها يتطلب تكثيف العون وجهود المناصرة لمثل هذه القضايا، إلى جانب أهمية تكثيف الوعي عبر وسائل الإعلام المختلفة لتنوير الأسر والمجتمعات حول أماكن تقديم الخدمة للناجيات من الاغتصاب وبالإجراءات التي تتبع عبر وزارات الصحة بكل الولايات والمؤسسات العلاجية الحكومية وبعض المراكز الخاصة، لمعالجة وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي بواسطة كوادر مؤهلة للتعامل مع هذه الحالات، بالتنسيق مع دوائر الاختصاص العدلية والشرطية المدربة بغرض التبليغ وتحويل الحالات للمؤسسات الصحية.

جهود وتحديات

وتابعت إدريس "ينبغي أن تدرك الناجية وتطمئن إلى أن تلك الخدمات تقدم بتحفظ وسرية كاملتين وتحرص على خصوصية الضحايا، إلى جانب تقديم خدمات إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي".

غير أن خروج عدد من مراكز تقديم الخدمات عن الخدمة إضافة إلى غياب الكوادر المدربة والمتخصصة للتعامل مع هذه الحالات، يعدان أهم التحديات في ظل ظروف الحرب الراهنة.

على نحو متصل أوضح ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في السودان، محمد الأمين، أن هناك 42 مركزاً في السودان تعمل على مساعدة الضحايا، بعضها في مناطق ما زالت ملتهبة حول مدينة الفاشر ووسطها، هناك مراكز للإيواء تساعد النساء والفتيات على البقاء في أماكن آمنة يتلقين فيها هذه الخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية، بالتشارك مع منظمات أممية وأخرى دولية ومحلية غير حكومية.

وأشار الأمين إلى أن الصندوق الأممي للسكان قدم مع 41 شريكاً آخر داخل السودان الدعم النفسي والطبي والسريري والاجتماعي لكثير من الناجيات ممن بلغن مرحلة اليأس وفقدان الأمل في الحياة وحاولن الانتحار، مبيناً لمجلة الأمم المتحدة، أن هناك مراكز للإيواء تمكن النساء من الرجوع إلى حياة شبه طبيعية بمؤازرة مجموعات تساعدهن على استعادة معنوياتهن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أوضاع عصيبة

على الصعيد ذاته أوضح متخصص علم النفس الاجتماعي، بدر الدين مرحوم، أن الناجيات النازحات ممن تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي يعشن أوضاعاً عصيبة، دفعت ببعضهن إلى الانتحار تحت تأثير الصدمة والاكتئاب والخوف من مستقبل موصوم ومجهول، مشدداً على ضرورة البحث عن وسائل لمحاربة النظرة المجتمعية السلبية تجاه الناجيات وتشجيعهن على الذهاب إلى مراكز الدعم النفسي والعلاج الطبي.

وأعرب مرحوم عن اعتقاده أن الأرقام الحقيقية قد تبدو أكبر بكثير من أرقام الإحصاءات المتداولة حتى الآن، بسبب عدم وجود فرق ميدانية للمتابعة على الأرض، إلى جانب حساسية موضوع الاغتصاب نفسه، لأن أكثر الناجيات لا يبلغن بأنفسهن عن الممارسات التي تعرضن لها أثناء وجودهن في مناطق القتال خوفاً من ارتدادات أكثر عنفاً قد يتعرضن لها. وأضاف متخصص علم النفس أن الخوف من وصمة العار يشكل الجزء الأكبر من مشكلة عدم توفر إحصاءات دقيقة لحالات الاغتصاب القسري التي وقعت أثناء الحرب، بخاصة في مجتمع السودان التقليدي المتكتم الذي يعتبر العذرية أهم شروط الزواج ويُحتفي فيه بالشرف والعفة كدليل على مكانة الأسرة والقبيلة الاجتماعية، مما يضاعف العبء النفسي على الضحايا.

آثار ممتدة

ولفت مرحوم إلى أن كثيراً من الضحايا تعرضن للابتزاز من قبل مسلحين بتصوير الاعتداء عليهن، مما تسبب أيضاً في صمتهن وعدم طلبهن المساعدة، فضلاً عن لجوء بعض أسر الضحايا إلى معالجة الأمر (سراً) على حساب حق الضحية، مشيراً إلى أن بعض الحالات التي حدث لها حمل تخلت عن أطفالها بكل ما لذلك من تبعات نفسية واجتماعية على الأم.

وأردف "على رغم الدور الذي تقوم به وزارة الصحة والمنظمات المختلفة في ظروف صعبة منذ بداية الحرب، لتوثيق الحالات ومحاولة مساعدة ودعم الضحايا نفسياً وطبياً، فإن المسؤولية الكبرى في هذا الجانب تقع على عاتق كل المجتمع إلى جانب أجهزة الدولة الصحية والقانونية مجتمعة ضمن برنامج معالجات شامل ومتكامل، لأن الذي حدث كان نوعاً من العنف الجنسي والجسدي الذي قد تمتد آثاره في الضحايا والمجتمع لأعوام عدة مقبلة".

نطاق واسع

وأفادت تقديرات الأمم المتحدة قبل عامين بأن نحو ثلاثة ملايين امرأة وطفلة عرضة للعنف القائم على النوع الاجتماعي أي قبل بداية الصراع الحالي في السودان، بينما ارتفع العدد المقدر بعد الحرب في عام 2024 إلى نحو 6.9 مليون امرأة وفتاة.

وأكدت حملة "معاً ضد الاغتصاب والعنف الجنسي"، التي يشرف عليها متطوعون سودانيون وتسعى إلى منع استخدام الاغتصاب والعنف الجنسي سلاحاً في الحرب الدائرة، أن الأرقام المعلن عنها حتى الآن تعتبر منخفضة جداً مقارنة بالأرقام المتوقعة، بسبب "صعوبة الوصول إلى الخدمات وطلب المساعدة، إضافة إلى غياب المؤسسات القانونية وآليات الإبلاغ، وطبيعة الصمت والوصمة المجتمعية في حالات الاغتصاب والعنف الجنسي في تاريخ النزاعات السودانية".

وكانت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة أفادت بأن "الدعم السريع" مسؤولة عن ارتكاب عنف جنسي على نطاق واسع في مناطق سيطرتها، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي وخطف واحتجاز ضحايا في ظروف ترقى إلى مستوى الاستعباد الجنسي، ونسبت مفوضية حقوق الإنسان نحو 70 في المئة من الجرائم المتعلقة بالعنف الجنسي إلى مقاتلين يرتدون زي قوات "الدعم السريع".

تضارب وصعوبات

ووفق بيان سابق لوزارة الخارجية السودانية وثقت الجهات الرسمية والمنظمات الحقوقية ما لا يقل عن 500 حالة اغتصاب، لا تمثل سوى الحالات المبلغ عنها، في حين يُعتقد أن هناك أعداداً أكبر لم تُرصد بسبب عدم التبليغ أو بسبب وقوع الضحايا في مناطق لا تزال تحت سيطرة "الدعم السريع". وأوضح البيان أن جرائم العنف الجنسي تشمل الاغتصاب والاختطاف والاسترقاق الجنسي والزواج بالإكراه والتهريب، وأشكالاً أخرى من العنف والمعاملة غير الإنسانية والمهينة للنساء وأسرهن. وأشار البيان إلى وجود مئات الفتيات المختطفات والمحتجزات كرهائن، يُستعبد بعضهن جنسياً، ويُجبرن على العمل المنزلي القسري، مع تقارير عن تهريب فتيات داخل وخارج السودان بغرض الاتجار بهن، طبقاً للبيان.

واتهمت الخارجية السودانية قوات "الدعم السريع" باستخدام الاغتصاب سلاحاً في الحرب لإجبار السكان على النزوح من قراهم لتوطين مرتزقتها، ومعاقبة المجتمعات التي ترفض وجودها، كجزء من مخطط للإبادة الجماعية والتطهير العرقي، حيث تُستهدف مجموعات إثنية محددة باغتصاب النساء والفتيات وقتل جميع الذكور.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير