Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مستوطنون ومهمة تحويل قصص "أسرلة" جنوب لبنان إلى واقع

تجاوزوا الخط الأزرق الحدودي وأقاموا خيماً بهدف إنشاء تجمع يهودي

أحد مواقع الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان (أوري تسافون)

ملخص

 بلغت الخروق الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان ما يزيد على 1000 حتى الآن، بالتزامن مع حملة استيطانية للاستيلاء على قرى الجنوب.

في محيط بلدة عرب العرامشة شمال إسرائيل الملتصقة بالحدود مع لبنان، تشير آنا ستوكلين (38 سنة) إحدى أبرز مؤسسي منظمة "أوري تسافون" الإسرائيلية بيدها لبعض المراهقين وعائلاتهم عن مكان شققهم المستقبلية في المنطقة، وما سينعمون به من مساحات واسعة وإطلالات خلابة على غابات لبنان وقممه الثلجية.

وعلى رغم رداءة الطقس العاصف وشدة البرد فقد أصر المنظمون على إتمام جولتهم الميدانية، كيف لا وهي تروج بكثافة منذ نحو عام لفكرة الاستيطان وتوسيع منطقة الجليل لتضم جنوب لبنان باعتبارها جزءاً من أرض إسرائيل، والتي لم تقتصر على توزيع منشورات وصور تظهر مكان وشكل المستوطنات الجديدة المنشودة، بل شملت محطات تعليمية عدة، بهدف نشر رسالة المنظمة ورؤيتها بتعزيز السيطرة الإسرائيلية على المنطقة، مع التشديد المستمر على أن الحضور هناك ليس فقط بسبب الأمن، بل لأن الأرض، وفقاً لاعتباراتهم، هي أرضهم من الناحية التاريخية.

وسبق أن أرسلت مجموعة "أوري تسافون" (إيقاظ الشمال)، وهي مجموعة إسرائيلية تطالب بغزو لبنان والاستيطان اليهودي فيه، طائرات من دون طيار وبالونات إلى جنوب لبنان في يونيو (حزيران) 2024 تحمل إخطارات إخلاء لسكان المنطقة، كما نشرت خريطة تحمل "الأسماء العبرية الجديدة للمستوطنات في جنوب لبنان" استناداً إلى الأسماء الحالية للمدن والقرى اللبنانية، ووفقاً لما نقله موقع "ذا كرادل" الأميركي فإن المستوطنين لا ينوون "التراجع عن مخططاتهم".

 

ومنذ الـ 27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 الماضي يسود وقف هش لإطلاق النار بين لبنان وإسرائيل لمدة 60 يوماً، بعد المواجهة العسكرية التي بدأت بقصف متبادل بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي والذي تطور لاحقاً إلى الحرب في سبتمبر (أيلول) 2024.

وفيما ينص اتفاق وقف إطلاق النار أن إسرائيل لن تنفذ أية عملية عسكرية هجومية ضد أهداف في لبنان، من البر أو الجو  أو البحر، وألا يقوم "حزب الله" وجميع التنظيمات الأخرى في الأراضي اللبنانية بأي عمل ضد إسرائيل، أشار نواب في البرلمان اللبناني إلى أن الخروق الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار بلغت ما يزيد على 1000 حتى الآن، وآخرها كانت إقدام الجيش الإسرائيلي على تدمير برج مراقبة للجيش اللبناني وإزالة برميل أزرق ضمن محددات خط الانسحاب بين البلدين، وهو ما عدته قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) انتهاكاً صارخاً لقرار مجلس الأمن رقم (1701) الصادر في الـ 11 من أغسطس (آب) 2006، والذي يدعو إلى وقف كامل للعمليات القتالية بين لبنان وإسرائيل آنذاك، وإنشاء منطقة خالية من السلاح والمسلحين بين الخط الأزرق المحدد لخطوط انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000 ونهر الليطاني جنوب لبنان، باستثناء القوات التابعة للجيش اللبناني وقوة "يونيفيل".

اعتراف رسمي

وفي الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الماضي نشرت المنظمة على موقعها الإلكتروني صوراً تظهر ست عائلات من المستوطنين أثناء نصبهم خيماً وزرع أشجار في بلدة مارون الراس الحدودية جنوب لبنان وإلى جوارهم عدد من الجنود، وعلقت عليها قائلة "وصلت ست عائلات من حركة الاستيطان للاستقرار في لبنان".

وعلى رغم نفي الجيش الإسرائيلي قيام مستوطنين من منظمة "أوري تسافون" بنصب خيم في لبنان، لكنه عاد في الـ 18 من ديسمبر الماضي ليؤكد أن مستوطنين تجاوزوا "الخط الأزرق" الحدودي جنوب لبنان وأقاموا خيماً بهدف إنشاء مستوطنة يهودية.

 

ووصف هذا التجاوز بأنه "حدث خطر يستوجب التحقيق، وأنه اتخذ تدابير لتعزيز أمن الحدود ومن بينها سد الفجوات في السياج الفاصل"، لكن المنظمة عادت لتؤكد في بيان أن لبنان "أرض إسرائيلية" داعية إلى استيطانها كما تدعو إلى استيطان غزة، ورأت أن "الحدود الحالية مصطنعة ولا قيمة لها". ودعا البيان لاعتبار اتفاقات مثل "سايكس بيكو" و"مؤتمر باريس" أدوات مرحلية لا تستحق الاحترام، ووفقاً لتقرير صحيفة "جويش كارنتس" فإن منظمة "أوري تسافون" التي تعني "استيقظ أيها الشمال" أصبحت اليوم "منصة متطرفة تدعو إلى الاستيطان في جنوب لبنان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشهدت المنظمة منذ انطلاقها نمواً سريعاً، وتضم إحدى المجموعات الافتراضية الرسمية لها ما يقارب ثلاثة آلاف عضو يناقشون فيها بانتظام ويطرحون مقترحات لإعادة تسمية المدن اللبنانية بأسماء عبرية، ويروجون لإعلانات رحلات مستقبلية إلى جنوب لبنان تحت شعار "إنه ليس حلماً... إنه حقيقة"، كما وجهوا دعوة إلى الحكومة الإسرائيلية للانضمام إليها واتخاذ خطوات فعالة لإقامة مستوطنات جنوب لبنان.

وأبدى عضو لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي أرييل كيلنر في حديث إذاعي قبل أيام دعمه للاستيطان في لبنان من أجل إعادة المستوطنين لشمال إسرائيل، قائلاً إنه "إذا كان هذا هو ما يجب القيام به لإعادة سكان شمال البلاد لديارهم فسنفعله"، معتبراً أن "السيطرة على الأرض هي مفتاح النصر المستدام"، وهي تصريحات رأى بعضهم أنها تتوافق مع تصريحات عضو الكنيست الإسرائيلي الوزير السابق أفيغدور ليبرمان حين قال إن "كل شيء بين نهر الليطاني جنوب لبنان وإسرائيل يجب أن يكون تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي".

ويرى مراقبون أن تلك التهديدات البرلمانية من شخصيات إسرائيلية تنسجم مع رؤية مؤسس منظمة "أوري تسافون" عاموس عزاريا الذي قال "إن وجود حدود مناسبة على أساس نهر الليطاني لن يسمح فقط بالسيطرة على الحدود، ولكنه في الواقع سيختصر الحدود مع مرور الوقت".

أنشطة وفعاليات

وشجع الدعم المتزايد للمنظمة القائمين عليها لتوسيع أنشطتها والبدء بالترويج لبيع عقارات جديدة تطل على جبال لبنان ومناظرها الطبيعية الساحرة، بحسب تعبيرهم، بعروض تبدأ من 80 ألف دولار، وجاء في أحد إعلاناتها "نحن على بعد قرار إستراتيجي واحد من هذا الحلم، لنواصل قضم جنوب لبنان ومنع سكانه من العودة، أسهموا في حدوث ذلك وانضموا إلينا".

 

كما عقدت المنظمة عبر الإنترنت مؤتمراً تحت عنوان "نماذج ناجحة للاستيطان من الماضي ودروس لجنوب لبنان"، يدعو إلى إقامة مستوطنات في المنطقة لضمان الأمن وعودة سكان الشمال، وإضافة إلى ذلك صممت قصة قصيرة للأطفال الذي تراوح أعمارهم بين سنتين وست سنوات تصف لبنان بأنه جزء من أرض إسرائيل، وتحمل عنوان "ألون ولبنان"، والتي تحكي قصة طفل إسرائيلي يتمنى العيش في جنوب لبنان ويفتقد جباله وحقوله ذات اللون البني المخضر، وتتكرر فيه عبارات "لبنان لنا".

وقد تعمدت الحملة الممنهجة للمنظمة نشر وتوزيع ملصقات وصور ولافتات في مختلف المدن والبلدات والأماكن العامة شمال إسرائيل، بما في ذلك الملاعب والملاجئ داعية إلى استيطان لبنان، كما نظمت تجمعات جماهيرية في "كيبوتس ألونيم" ودعت أفرادها لقيادة مركباتهم مدة ساعة شمالاً وتسلق جبل ميرون في الجليل الأعلى وصولاً إلى نقاط المراقبة المتعددة فيه، حيث يقع جنوب لبنان في مرمى النظر.

وكتبت المنظمة عبر مجموعتها على تطبيق "واتساب" إلى جانب صورة للمشاركين على قمة الجبل "نظرنا إلى لبنان وإن شاء الله سنصل قريباً إلى هناك".

 

وفي مناسبة أخرى رتبت المنظمة قرب الحدود الشمالية للعائلات المستعدة للاستيطان في لبنان خلوة ليلية بزعم أن الاقتراب المادي من الحدود يعبر عن رغبتهم في الاستيطان في المنطقة، وبحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية فقد بدأت القوات في بناء البنية التحتية للبؤر الاستيطانية على طول الحدود الشمالية خارج الحدود الإسرائيلية اللبنانية.

قرار سياسي

وعلى رغم أنه من المفترض أن ينسحب الجيش الإسرائيلي بعد انتهاء مهلة 60 يوماً التي نص عليها اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين، لكن التقارير كشفت أخيراً عن نية إسرائيل البقاء بعد انتهاء المهلة المحددة، إذ تدرس حكومة بنيامين نتنياهو إمكان إبقاء قواتها في مواقع رئيسة في جنوب لبنان، خصوصاً وأن الجيش لم يسمح لسكان جميع القرى اللبنانية القريبة من السياج الحدودي بالعودة بعد لمنازلهم، وبيّنت صحيفة "إسرائيل اليوم" أن تمديد وجود القوات الإسرائيلية في لبنان بعد وقف إطلاق النار "قرار سياسي" يستند إلى حجة أن الجيش اللبناني "سيواجه تحديات كبيرة في تلبية متطلبات نشر القوات في الوقت المحدد"، إضافة إلى الحجم الكبير لأسلحة "حزب الله" وبنيته التحتية التي لا يزال يعثر عليها في المنطقة، فضلاً عن جهود التنظيم حتى الآن لاستعادة تعزيز قوته بمساعدة إيران.

من جهتها قالت هيئة البث الإسرائيلية قبل أيام إن مسؤولين في الجيش اللبناني تلقوا إشارات خطرة من الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز الذي يترأس لجنة مراقبة وقف إطلاق النار في لبنان، تفيد بأن إسرائيل تنوي تمديد وجودها في لبنان من 60 إلى 90 يوماً، مع إمكان تمديد آخر حتى شهر أبريل (نيسان) المقبل، ونقلت عن الجنرال الأميركي قوله إن "على إسرائيل أن تأخذ الوقت الكافي لتنفيذ أهداف العملية البرية في الاستيلاء على منشآت ومستودعات 'حزب الله' في ظل عجز الجيش اللبناني عن تطهير المنطقة"، في حين نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن إسرائيل "تأمل في أن يتفهم الأميركيون موقفهم بأن الانسحاب في الموعد المحدد من دون أن يلتزم لبنان بتعهداته سيكون أمراً إشكالياً".

 

في المقابل أكد نائب رئيس المجلس السياسي في "حزب الله" محمود قماطي أن "الحزب سيلتزم الصبر على الخروق الإسرائيلية 60 يوماً فقط"، مضيفاً أنه "من المستحيل أن نسمح باحتلال الأراضي وبناء المستوطنات عليها"، في حين اعتبر مراقبون أن التصريحات والأخبار الإسرائيلية المتداولة حول تمديد مهلة الاتفاق هي بمثابة نوع من الضغط على بيروت للتسريع من عملية انتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني.

وفيما تأخذ الحكومة اللبنانية تلك التصريحات على محمل الجد وتكثف اتصالاتها الداخلية والدولية للتحذير من خطورة الطرح الإسرائيلي على الاستقرار، تتزايد الأصوات من كلا الجانبيين بضرورة الاستعداد لكل السيناريوهات، فالأيام الباقية لإتمام مهلة الاتفاق الذي من المفترض أن ينتهي في الـ 27 من يناير (كانون الثاني) الجاري ستكون حاسمة، ليس فقط لمستقبل الاتفاق بل للمشهد الأمني في المنطقة برمتها.

المزيد من تقارير