Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاغتصاب "سلاح حرب" لتدمير نساء السودان

توثيق نحو 500 حالة وانتشار الظاهرة في مناطق سيطرة "الدعم السريع"

العديد من النساء والفتيات المغتصبات يؤثرن الصمت وعدم الإبلاغ خوفاً من العار والانتقام (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

مع طول أمد الحرب السودانية تصاعدت حالات الاغتصاب واتخذت أبعاداً مروعة، إذ بلغت الحالات الموثقة حتى الآن نحو 500 حالة في مناطق النزاع النشط، في حين يرى متخصصون أن هذه الأرقام غير دقيقة وقد تزيد بكثير بسبب عدم وجود فرق متخصصة في الميادين، إلى جانب أن عديداً من النساء والفتيات المغتصبات يؤثرن الصمت وعدم الإبلاغ خوفاً من العار والانتقام.

لا يزال العنف الجنسي يستخدم سلاحاً في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ اندلاعها في منتصف أبريل (نيسان) 2023، وبات السمة المميزة في الصراع الممتد في أجزاء واسعة من البلاد بخاصة ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور، خصوصاً في مناطق سيطرة "الدعم السريع".

ومع تطاول أمد هذه الحرب تصاعدت حالات الاغتصاب واتخذت أبعاداً مروعة، إذ بلغت الحالات الموثقة حتى الآن نحو 500 حالة في مناطق النزاع النشط، في حين يرى متخصصون أن هذه الأرقام غير دقيقة وقد تزيد بكثير بسبب عدم وجود فرق متخصصة في الميادين، إلى جانب أن عديداً من النساء والفتيات المغتصبات يؤثرن الصمت وعدم الإبلاغ خوفاً من العار والانتقام.

وحديثاً رصدت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة وهي جهة حكومية تتبع لوزارة الرعاية الاجتماعية نحو 21 حالة تعرضت للاغتصاب خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها ولاية الجزيرة، إذ شنت قوات "الدعم السريع" حملات انتقامية على القرى الواقعة شرق وغرب وشمال تلك الولاية، نتيجة انشقاق القائد الميداني أبو عاقلة كيكل وانضمامه إلى الجيش السوداني.

علاج نفسي

تروي المواطنة السودانية عفاف إبراهيم بصوت حزين والدموع تنهمر على خديها أن "الحرب اللعينة دمرت حياتنا فلم نعد نذوق طعم الحياة، فابنتي البالغة من العمر 17 سنة تعرضت لاعتداء جنسي من قبل عناصر يرتدون زي ’الدعم السريع‘ في ضاحية الحتانة بمدينة أم درمان، وحقيقة لا يمكن وصف مرتكبي هذه الحادثة إلا بالوحوش، فقد تسببوا في إحداث صدمة نفسية بالغة لابنتي، إلى جانب ما أصابها من آلام جسدية".

 

 

وأضافت إبراهيم "بعد أن رأيتهم يجردون ابنتي من ملابسها حاولت أن أفديها بنفسي، لكنهم أشهروا أسلحتهم في وجهي وتعرضت للإساءة بألفاظ نابية كانت دلالاتها أنهم يريدون ابنتي، فضلاً عن أن الشكوك كانت تراودني في روايات الاغتصاب ولم أتوقع أن تكون حقيقة حتى شاهدتها بعيني وصراخها يملأ أرجاء المنزل لإنقاذها من هؤلاء الوحوش، لكن لا حيلة كانت لنا غير الصمت"، وتابعت "بعد أن وقعت ابنتي الوحيدة فريسة لرغبات هؤلاء المجرمين حاولت الانتحار مرات عدة بقطع شرايين يدها بسبب التشوهات النفسية، إذ إن طبيعتها تغيرت وأصبحت تميل إلى الوحدة والصمت وتجنب إخوتها الذكور، لذلك قررنا النزوح إلى دولة من دول الجوار، على رغم أننا لا نملك المال الكافي الذي يعيننا على السفر براً، وكل تطلعاتنا الابتعاد ما أمكن عن السودان الذي أصبح طارداً، لا سيما أن هذه الواقعة المؤسفة جعلت السكان يفكرون في الهجرة القهرية والبحث عن ملاذات آمنة".

وأشارت الأم إلى أن "ابنتها الآن تخضع للعلاج النفسي وإعادة دمجها مرة أخرى في المجتمع، في حين أصبحت حالنا تنطبق على المئات من النساء والفتيات، لذلك من الضروري رفع الوعي الأسري واحتواء الضحايا".

كآبة وحزن

فيما سردت إحدى السيدات، فضلت عدم ذكر اسمها وتبلغ من العمر 32 سنة تفاصيل اغتصابها في ولاية الجزيرة بقولها "اضطررنا عقب دخول قوات ’الدعم السريع‘ إلى قريتنا الواقعة شرق ولاية الجزيرة إلى الفرار سيراً على الأقدام، وفي أثناء سيرنا اعترضتنا قوة عسكرية تابعة لتلك القوات قرب مدينة الحصاحيصا وجمع عدد من أفرادها النساء في مكان واحد وكذلك الرجال في مكان آخر، ثم اغتصبونا بصورة وحشية ومهينة، إذ كانوا يتناوبون على اغتصابنا على رغم توسلنا لهم، لكن المؤسف في الأمر أنهم يساند بعضهم بعضاً ويفتخرون بهذه الجريمة البشعة". 

 

 

وأردفت "فور وصولي إلى منطقة آمنة أبلغت عن هذه الحادثة في أحد المستشفيات حتى أجد العلاج خوفاً من حدوث حمل وبالفعل قام فريق طبي بإجراء اللازم، لكن آثار ما جرى لي من اغتصاب كان صادماً ولا يمكن نسيانه وجعل حياتي كئيبة وحزينة".

اغتصاب ممنهج

في السياق ذاته قالت عضو محامي الطوارئ في السودان سامية عبدالرزاق إن "المناطق التي تشهد نزاعات مستمرة، بخاصة مدن الخرطوم الثلاث ودارفور والجزيرة تتعرض النساء والفتيات فيها إلى اغتصاب ممنهج، والمؤسف أنه يشمل القاصرات في عمر الطفولة نتيجة لعدم وجود رادع يمنع التعدي الجنسي الذي أفرزه هذا الصراع وهو يندرج تحت مسمى جرائم الحرب، فيما يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وحقوق الإنسان".

ومضت عبدالرازق في القول "أعمال العنف التي تتعلق بالنزاع كثيرة، لكن ما تفشى منها الاختطاف بهدف الاغتصاب علاوة على الزواج القسري للقاصرات والاسترقاق وبيع النساء والفتيات في الأسواق، إلى جانب التحرش والحمل والإجهاض"، وزادت "المشكلة أن المجتمعات السودانية تخشى وصمة العار، لكن في تقديري أن من طاولتهن جريمة الاغتصاب لا ذنب لهن وأن الهدف الأساس من الإلحاح في الإبلاغ ضمان حمايتهن وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي، فضلاً عن أن المغتصبة حين تسترجع الذكريات، بخاصة إذا ما تناوب في اغتصابها أكثر من فرد تحدث لها هزة نفسية عنيفة تؤدي إلى سلوك انتحاري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفتت عضو محامي الطوارئ إلى أنه "يجب عدم التأخر في طلب المساعدة حتى يكون بالإمكان منع الحمل أو إجراء عمليات الإجهاض وفق القانون، بخاصة أنه يعد بروتوكولاً طبياً مصدقاً عليه".

جهود معقدة

إلى ذلك أوضحت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة سليمى إسحاق أنه "مع تصاعد وتيرة العنف الجنسي في الصراع خصوصاً في مناطق تجدد الاشتباكات والحملات الانتقامية التي يقوم بها ’الدعم السريع‘ في قرى الجزيرة، عقب انشقاق أبو عاقلة كيكل وانضمامه إلى الجيش السوداني، أدت إلى مزيد من الاغتصاب والقتل والترويع، بيد أن أعداد الضحايا يمكن أن تكون أكثر من التي وردت إلينا في الوحدة البالغة نحو 21 حالة من بينها 17 في قرية واحدة، إلى جانب ثلاثة تم استهدافهن داخل مركز طبي"، وأردفت "في حقيقة الأمر نواجه صعوبات بالغة في الوصول إلى النساء والفتيات الناجيات وهن في حال نزوح وتنقل من منطقة لأخرى، مما يعقد الجهود الرامية إلى تقديم المساعدة، إلى جانب توقف خدمات الاتصالات والإنترنت وضعف الرعاية الصحية".

 

 

وأضافت إسحاق "من المؤسف أن الاستهداف الجنسي شمل النساء على وجه الخصوص لذلك نتج منه حالات حمل وولادة، وهناك عديد من الحالات تتلقى الرعاية في دور إيواء الأطفال فاقدي السند، ومن المؤسف أن رقعة تلك الأفعال الوحشية اتسعت بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والاستعباد الجنسي والبقاء القسري".

ونبهت إلى أنهم "يعانين حساسية الأهالي لواقعة الاغتصاب التي تقود بدورها إلى ما لا تحمد عقباه، من احتمالية تفشي الانتحار والأمراض المنقولة جنسياً، إضافة إلى تدارك الحمل والإجهاض الآمن".

وأعربت مديرة مكافحة العنف ضد المرأة عن قلقها في شأن وقوع هذه الانتهاكات على مرأى ومسمع الجميع سواء المجتمع الدولي أو الإقليمي وحتى المدني السوداني الحقوقي، الذين لا يتحدثون عن تعديات "الدعم السريع"، في هذا الصراع الذي تدفع ثمنه النساء.

آثار مدمرة

وفي سياق متصل أعرب اختصاصي الطب النفسي محمد المصطفى عبدالجواد عن قلقه إزاء السلوكيات التي يترتب عليها الاغتصاب، الذي بات سلاحاً فتاكاً في حرب السودان، قائلاً إن "هناك آثاراً نفسية واجتماعية جسيمة تنتج منها اضطرابات ما بعد الصدمة والاكتئاب اللذين يقودان إلى الانتحار باعتباره أحد الطوارئ النفسية، مما يستدعي التدخلات العلاجية المعرفية التي تحوي الجلسات والعلاج بمضادات الاكتئاب".

 

 

وأردف عبدالجواد "هناك دراسة حديثة أشارت إلى وجود 90 في المئة من حالات الانتحار بسبب الكوارث الناتجة من النزاعات والحروب والعنف، مما يؤدي إلى قلة المزاج والشعور بالعزلة والحزن المستمر وتمني الموت، وغالباً ما تكون وسط النازحين المهجرين، إلى جانب المشكلات المادية، فضلاً عن أن هذه العوامل تتداخل وتجعل الشخص في حال تخطيط دائم للانتحار"، وأشار إلى أنه "من الأفضل أن يكون العلاج في مراحل مبكرة، حتى يتسنى لفرق العمل التي تشمل أطباء النساء والتوليد واستشاريين في الصحة النفسية والاجتماعية والطبيب العام لمنع الحمل والأمراض، إضافة إلى علاج اضطرابات ما بعد الصدمة التي تتفاقم وتصل إلى حالة مرضية تطول معالجتها، إلى جانب علاج القلق الذي يصاحب النوم".

ونوه اختصاصي الطب النفسي بأن منظمة الصحة العالمية أطلقت مبادرة تحت شعار "عش الحياة" لمكافحة سلوك الانتحار، إذ حظيت بمشاركة واسعة من القطاعات الحكومية والصحة النفسية والإعلامية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير