ملخص
هناك من يرى أن "دور الاتحاد الأفريقي مهم من الناحية النظرية، لكن عملياً ليس بإمكانه تقديم شيء في جانب حلحلة الأزمات".
ما زالت العلاقة بين الحكومة السودانية والاتحاد الأفريقي تشوبها الشكوك وفقدان الثقة بسبب المواقف من الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، مما بات واضحاً أن الطرفين وصلا إلى مفترق طرق بالنظر إلى الهجوم الذي شنه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان أخيراً على الأخير (الاتحاد) خلال مخاطبته جمعاً من العسكريين، إذ طالب الاتحاد بتصحيح مواقفه في التعامل مع الأزمة السودانية وإلا فإن بلاده في غنى عن دوره.
وكان الاتحاد الأفريقي علق عضوية السودان عقب إجراءات البرهان في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بحل مجلسي السيادة والوزراء وفرض حال الطوارئ في البلاد، وهو ما اعتبره الاتحاد انقلاباً، بينما رفض البرهان التوصيف الأفريقي، وسمى قراراته إجراءات تصحيحية فرضتها ظروف المرحلة.
فكيف ينظر المراقبون لمواقف الاتحاد الأفريقي في ما يجري في السودان، وهل بإمكان هذا الاتحاد أن يلعب دوراً مؤثراً في حل الأزمة السودانية؟ وما انعكاسات استغناء حكومة البرهان عن دوره؟
دور سلبي
في السياق قال المتخصص في مجال التخطيط الاستراتيجي والعلاقات الدولية مجاهد بخيت "بالنظر إلى أهداف الاتحاد الأفريقي التي من أهمها الدفاع عن سيادة الدول الأفريقية والعمل على سلامة أراضيها من أي عدوان خارجي، نلحظ أن هذا الاتحاد اتخذ دوراً سلبياً اتجاه ملف الحرب الدائرة الآن داخل أراضي السودان من غزو أجنبي مدعوم من قبل دول عظمى ودول إقليمية مست أرواح مواطني البلاد في المقام الأول، ومن ثم مقدراته وأعيان الدولة وأراضيها، مما أثار حنق الشعب وحكومته وقيادة جيشه اتجاه هذا الاستهتار الواضح للدم السوداني من قبل المنظمة الأممية بصورة عامة والمنظمات الإقليمية بصورة خاصة".
وأضاف "من المؤسف أن الاتحاد الأفريقي ظل يساوي بين حكومة السودان وميليشيات ’الدعم السريع‘ ويصفهما بطرفي النزاع، ولهذا تبين لصناع القرار في الحكومة السودانية أنه لا يوجد دور إيجابي للاتحاد الأفريقي ولا للمنظمات الإقليمية الأخرى داخل محيط القارة الأفريقية لإيقاف هذه الحرب، وقد وضح جلياً تأثير دولة إقليمية مؤججة لهذا الصراع على صناع قرارهم، لذا استُغني عن دورهم في فض النزاع الدائر نظراً إلى تعارض المصالح الخاصة".
وزاد بخيت "كان من الممكن أن يكون للاتحاد الأفريقي دور بارز لوقف هذه الحرب في حال تعامل بحيادية ومؤسسية، علماً أن جميع مؤشرات الإنذار المبكر كانت واضحة وتؤكد أن ميليشيات ’الدعم السريع‘ تسعى إلى إعلان الحرب ضد قيادة الجيش، ومع ذلك فإن حكومة السودان لن تقطع علاقتها مع هذا الاتحاد كمنظمة إقليمية عريقة تعنى بشؤون السلم والأمن في القارة الأفريقية، لكن ستتعامل معه مستقبلاً من خلال خطة استراتيجية تراعي تقاطعات المصالح وما يفرضه الواقع".
وواصل "بكل تأكيد أن استشراف مستقبل السودان السياسي سيتشكل وفق واقع جديد وبناء على منظومة استراتيجية اجتماعية وسياسية جديدة تفرضها مصالح الاستقرار السياسي والدور الإقليمي في المنطقة، وكل ذلك تحت مظلة قيادة القوات المسلحة السودانية التي نالت ثقة الرأي العام السوداني بشقيه المدني والعسكري".
وختم المتخصص في مجال التخطيط الاستراتيجي والعلاقات الدولية "في تقديري أن الحرب حالياً في خواتيمها وأن النصر أصبح قاب قوسين وأدنى لمصلحة الجيش والشعب السوداني وذلك بكل مقاييس ومعايير النصر، فكل الجهود الخاصة بالتفاوض لإيقاف هذه الحرب باءت وستبوء بالفشل، لأن الشعب والجيش قد اشترطا لنهايتها استسلام هؤلاء المتمردين، على أن يُقدموا إلى محاكمات عادلة أو القضاء عليهم بلا رحمة أو شفقة نظراً إلى جرائمهم التي لن يغفرها لهم الشعب السوداني".
عدم موثوقية
من جانبه أوضح الباحث في شؤون القرن الأفريقي إبراهيم ناصر قائلاً "في نظري أن هناك عدم موثوقية في دور الاتحاد الأفريقي من ناحية الأزمات التي تعرضت لها عديد من دول القارة. صحيح أنه استطاع إيجاد حلول لبعض المشكلات، لكن نظراً إلى عدم وجود آليات لتنفيذ ما يُتوافق حوله بين الأعضاء جعل الاتحاد مجرد اسم لا فاعلية له، فمثلاً في الأزمة الإثيوبية - الإثيوبية التي اندلعت أخيراً بين الحكومة المركزية بأديس أبابا وجبهة ’تيغراي‘ نجد أن الاتحاد الأفريقي لم يلعب دوراً ملموساً في معالجتها، غير أنه كان مجرد وسيط أي كأنه (الحاضر الغائب)، لكن الفاعل الأبرز كانت الولايات المتحدة".
وتابع "أما عند تعقب الأزمة السودانية فنجد أن الاتحاد الأفريقي لم يكن له دور متكامل الأضلاع، وإن كان أصبح (الاتحاد) أمام تحدي غياب المشروعية لحكومة السودان بسبب انقلاب الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي نفذه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان ضد حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، وهو ما أدى إلى تجميد عضويته في هذا الاتحاد، ومن ثم انخفض تحركه لحل أزمة البلاد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى أن "دور الاتحاد الأفريقي مهم من الناحية النظرية، لكن عملياً ليس بإمكانه تقديم شيء في جانب حلحلة الأزمات، كما نلحظ أن الاتحاد يعاني مشكلة تحديد الأولويات وتسمية الأطراف بصورة حقيقية، فكان أن سمى أطرافاً مختلفاً حولها سياسياً في أحد مؤتمراته لم تتقبلها المكونات السودانية، فهو يتعامل ببراغماتية في تحركاته مما جعله يفشل في تقديم حلول للأزمة السودانية، كما أن إدراكه تعقيدات المشهد السوداني دون المستوى المطلوب".
وأردف ناصر "مع ذلك من الصعب الاستغناء عن دور الاتحاد الأفريقي لأنه يصيغ الشرعية بحكومات القارة الأفريقية، والآن السودان يعاني غياب الشرعية، وأعتقد أن أي طرف يعترف به الاتحاد سيكون محل اهتمام، لكن في الوقت نفسه نجد أن الاتحاد الأفريقي ليس لديه الوعي الكامل بتعقيدات المشهد السوداني".
وأعرب عن خشيته من طول أمد الحرب بخاصة أن كل المؤشرات تدل على ذلك، وفي هذه الحالة ستكون نتائجها كارثية على البلاد، إذ ستفتح الباب أم الجماعات الإرهابية في ظل وجود ما يقارب الـ47 ألف مقاتل يتبعون تلك المجموعات، ويمكن أن يتكاثروا في السودان ويشكلوا نقطة انطلاق تجاه بعض الحواضن في القارة الأفريقية أو في منطقة الشرق الأوسط، لذا ما لم تحل الأزمة السودانية في أقرب فرصة يمكن أن يكون السودان بؤرة مكشوفة للتنظيمات الإرهابية.
وزاد "كذلك من المحتمل أن يكون هناك صراع، وهو مسار خطر، متعدد الأطراف على أساس أهلي ومناطقي، وهذا تحد كبير سيؤدي إلى ضرب المجتمعات السودانية بعضها بعضاً، مما يزيد من حالة التشظي على مستوى الدولة، لذلك لا بد من الحلول السريعة لإيقاف هذه الحرب التي تكمن في إيجاد دور للقوى السياسية أو الإقليمية ذات صدقية مدعومة من قوى أممية ومقبولة من الأطراف السودانية كافة".
ونوه الباحث في شؤون القرن الأفريقي بأنه بإمكان الجهود التركية الأخيرة أن تسهم في إيجاد تقارب بين أطراف الصراع، فضلاً عن إثناء تشاد عن موقفها الداعم لـ"الدعم السريع" مما قد يعجل الحل السياسي، عدا ذلك فإن السودان مقبل على مرحلة صعبة.
التحلي بالمسؤولية
فيما قال المتخصص في الشأن الاقتصادي السياسي في الجامعات السودانية حسن بشير محمد نور "يبدو أن قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان بحكم أنه عسكري غير مهتم بالجوانب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفرص التنمية والاستثمار التي توفرها العضوية في الاتحاد الأفريقي، وإلا ما كان أدلى بتصريحات معادية لهذا الاتحاد ولا كان ذهب في اتجاه التهديد المباشر من خلال الاستغناء عن عضوية الاتحاد".
وأضاف محمد نور "بحكم أن الاتحاد الأفريقي منظمة إقليمية تضم أكثر من 50 دولة فهو يقدم الدعم السياسي والدبلوماسي للدول الأعضاء، كما يعزز فرص التنمية والاستثمار بدعم مشاريع التنمية عبر مؤسساته مثل بنك التنمية الأفريقي وتعزيز التجارة عبر منظمة التجارة الحرة الأفريقية AFCFTA كما يقدم فرصاً للاستثمار في البنية التحتية، إضافة إلى ذلك هناك عديد من جوانب الدعم المالي والتقني والتنموي وبناء القدرات والتصدي للكوارث والأزمات وحالات الطوارئ".
واستطرد "لذا فإن فقدان العضوية أو حتى تجميدها يفقد السودان جميع تلك الفرص ويؤدي إلى عزلته سياسياً ودبلوماسياً عن محيطه الأفريقي، فضلاً عن شل عضويته في المنظمات الإقليمية والدولية، إلى جانب حرمانه من مزايا التمتع بعضوية تلك المنظمات وفقدان مكانته الإقليمية والدولية وتقليص فرص الاستثمار والتنمية وحتى التعاون على المستويين الاجتماعي والثقافي".
وبين المتخصص في الشأن الاقتصادي السياسي أنه من المهم لحكومة الأمر الواقع في بورتسودان التحلي بالمسؤولية حول واقع البلاد ومستقبلها لناحية مصير ورفاهية مواطنيها المغلوبين على أمرهم، كما يجب عليها الاستعانة بمستشارين من الأشخاص المهنيين المؤهلين الذين يتمتعون بالكفاءة والعزيمة والشجاعة اللازمة لتقديم الاستشارات المطلوبة بدلاً من تشغيل فاقدي التأهيل الذين يسببون الضرر.