Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشرعون: كيف ستحكم سوريا طوال 4 أعوام لحين وضع دستور جديد؟

"قد تعيش البلاد في حال فراغ قانوني بظل حكومة ليس لها شرعية سوى تلك التي أوكلها الشعب لها"

لسوريا عدد من الدساتير التي بدأ العمل عليها منذ انهيار السلطنة العثمانية بعد خسارتها في الحرب العالمية الأولى عام 1918 (أ ف ب)

ملخص

-يؤكد مشرعون سوريون أن "كتابة الدستور لا تستغرق أكثر من ستة أشهر وفي أسوأ أحوالها سنة، فما يريده الشعب السوري من الدستور واضح، وهو فصل متوازن بين السلطات، ويريد سيادة القانون والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، فهناك دساتير كاملة جاهزة وموجودة".

-كان من المرتقب عقد مؤتمر الحوار الوطني على بند أعماله تجميد دستور 2012 بعد الاتفاق على مبادئ دستورية انتقالية مع انبثاق لجنة خبراء عن المؤتمر للعمل على صياغة دستور جديد يعرض لاستفتاء شعبي.

-يتساءل قانونيون من هم الذين سيكتبون دستور سوريا الجديد، ومن سيكلفهم وكيف باعتبار أن اللجنة يجب أن يكون مصدق عليها من قبل الشعب.

حين تنتهي الحرب ويسقط الديكتاتور وتصل الأمة حد الأزمة، عندها يحين وقت تعلو فيه الأصوات للدعوة إلى دستور جديد. لكن وضع الدستور أمر محفوف بالأخطار إذ لا بد من اتخاذ قرارات صعبة وعظيمة الأثر حول الاتجاه الذي ستتخذه البلاد، وعليه ينبغي توخي الحرص بصفة خاصة عند تصميم العملية.

هذا ما فعلته إدارة العمليات العسكرية في سوريا عند تسلمها السلطة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، إذ أعلن قائدها أحمد الشرع الذي يتولى زمام العملية السياسية في البلاد اليوم، أنه ينوي "كتابة دستور جديد يليق بسوريا الحرة" على حد وصفه، ولكن المدة التي أعلن عنها لكتابة هذا الدستور من ثلاثة إلى أربعة أعوام فاجأت كثيرين الذين عدوا أن تصريحه يشير إلى أن الفئة التي تحكم الآن تريد أن تضع دستوراً بحسب معتقداتها في ظل وجود أساسات تاريخية لعدد من الدساتير السورية ووجود الأرضية التي يبنى على مقتضاها دستور جديد لا يحتاج لكل هذه المدة، وإنما يستطيع المشرعون أن ينجزوه في فترة تراوح ما بين ستة أشهر وسنة.

مدة طويلة... فراغ دستوري

وعلى رغم أن التاريخ يذخر بالأمثلة عن كتابة الدستور في وقت قياسي، مثل دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة‎ لعام 1958، الذي أنجز بطلب من الجنرال ‎ديغول حين كلف المتخصص ميشال ديربيه الإشراف على كتابته والذي بدوره جاء بسبعة أو ثمانية خبراء قانونيين ودستوريين وقضاة معروفين، وفي غضون أسبوع واحد قدموا لديغول مسودة الدستور الذي أجريت عليه تعديلات حتى عام 2008.

‎أما الدستور الأميركي، فكتب أثناء مؤتمر فيلادلفيا المعروف باسم المؤتمر الدستوري، الذي انعقد بين 25 مايو (أيار) و17 سبتمبر (أيلول) أي في أقل من أربعة أشهر، ووقع عليه في هذا التاريخ على رغم أن الولايات المتحدة كانت خارجة في ذلك الوقت من حرب الاستقلال.

إلا أن لقائد العمليات العسكرية والسياسية في سوريا أحمد الشرع رأياً آخر، فقد قال في أحد لقاءاته، "إن صياغة دستور جديد أو تعديلات دستورية تحتاج إلى وقت طويل من قبل الخبراء، وربما تستغرق سنتين أو ثلاثاً الله أعلم، وربما أربعاً فهناك كثير من التفاصيل التي يجب أن تناقش داخل الدستور، فنحن اليوم في إعادة تأسيس الدولة، وليس تسيير الدولة كما كانت عليه في السابق".

ولم يلقَ هذا التصريح قبولاً لدى عدد كبير من أطياف الشعب السوري وكثير من القانونيين ورجال السياسة، فقد عبر هادي البحرة رئيس "الائتلاف الوطني السوري" عن رفضه كلام الشرع قائلاً، "إن كتابة الدستور لا تستغرق أكثر من ستة أشهر، وفي أسوأ أحوالها سنة، فما يريده الشعب السوري من الدستور واضح وهو فصل متوازن بين السلطات، ويريد سيادة القانون والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، فهناك دساتير كاملة جاهزة وموجودة".

وفي هذا السياق عبر الباحث السياسي خالد النبواني عن رأيه بالقول، "إن كلام الشرع حق، قد يراد به باطل"، ويتابع "الدستور السوري أنجز فيه الكثير، فهناك نقاشات لا يجب أن تبدأ من الصفر، ويجب البناء على ما تم تقديمه، لكن المشكلة أن الحكومة الجديدة تريد وضع دستور جديد يتلاءم مع خلفية أيديولوجية معينة لا تقتضي بفصل السلطات أو بناء دولة المواطنة، من ثم فهي لا تريد البناء على ما تمت مناقشته بصورة مدنية في السابق بل ترفض تلك المرحلة وتضع نفسها وصية على الشعب". ويضع النبواني افتراضاً قائلاً "إذا تم قبول مهلة الأربعة أعوام، فبأي طريقة ستحكم سوريا، فالدستور السابق معطل ولم يتم العودة للدساتير السابقة، لذلك فإن سوريا تعيش في حال فراغ دستوري، وفي حكومة ليس لها شرعية سوى الشرعية الثورية، وبالتالي تبقى منقوصة".

السير على نهج باقي الدول

إن معظم الدساتير في العالم تدعي أنها كتبت بواسطة "نحن الشعب" وقد يعتمد ملايين البشر دستوراً في تصويت وطني، إذ يعهد بالكتابة الفعلية لذلك الدستور إلى هيئة مسؤولة عن وضع الدستور، وتأخذ هذه الهيئة أشكالاً عدة فقد تكون مجموعة معينة أو منتخبة من الأشخاص، وهنا يشير عدد من القانونيين السوريين إلى أن هذه النقطة لحد اللحظة غير واضحة المعالم، فمن هم الذين سيكتبون دستور سوريا الجديد، ومن سيكلفهم وكيف؟ إذ يرون أن هذه اللجنة يجب أن يكون مصدقاً عليها من قبل الشعب.

لكن كل هذه الأسئلة كان سيجاب عليها في مؤتمر الحوار الوطني الذي كان مقرراً أن ينعقد في الأيام السابقة، إذ كان على بند أعماله، تجميد دستور 2012 بعد الاتفاق على مبادئ دستورية انتقالية مع انبثاق لجنة خبراء عن المؤتمر للعمل على صياغة دستور جديد يعرض لاستفتاء شعبي.

هذا الإجراء الدستوري يشبه حالات كثيرة في عدد من البلدان، ففي دولة بنين كانت هيئة وضع الدستور عبارة عن مؤتمر وطني يتألف من نحو 500 عضو، في حين اعتمدت كينيا لجنة مكونة من تسعة خبراء فحسب، وكتب دستور إسبانيا من قبل لجنة برلمانية مكونة من سبعة أعضاء، أما تونس فقد انتخبت أكثر من 200 شخص للجمعية التأسيسية. فالعمل المدني الذي تقوم به هذه الهيئات لصياغة الدستور والتفاوض في شأنه ستتعرض لنقاش محتدم وستبرز عديد من الاختلافات، وهذا أمر موضوع في الحسبان، إذ ليس وضع الكلمات على الورق أصعب ما في الأمر بل بناء الإجماع، الذي يتيح للمجموعات المختلفة أن تلتقي وتتفق على دستور يعكس حاجات الشعب. ففي كينيا مثلاً وزعت مسودات الدستور من خلال الإنترنت والصحف، وفي جنوب أفريقيا جرى عقد أكثر من 1000 جلسة تشاور علنية في شتى أنحاء البلاد، وفي تونس فقد شاهد الشعب المناظرات على التلفزيون وناقش القضايا على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما ينتظره السوريون.

المخالفات الدستورية للرئيس المخلوع

وفي أول مخالفة دستورية ارتكبها بشار الأسد كانت عقب وفاة حافظ الأسد في 10 يونيو (حزيران) عام 2000 حين عقد البرلمان السوري اجتماعاً طارئاً لتعديل المادة رقم 83 من دستور عام 1973 التي تنص على أن سن الرئيس يجب أن تكون 40 سنة، فعدل بسرعة ليصار إلى أن سن رئيس الجمهورية يمكن أن تكون 34 سنة، وهو تعديل تناسب حينها مع عمر بشار حافظ الأسد ووصف بأنه الأسرع في العالم. ويعد كثير من القانونيين أن هذا التعديل هو تلاعب بالدستور وعدم احترامه وتطبيقه بما جاء فيه، ففي التفاصيل أن المواد الناظمة لتعديله تشترط موافقة رئيس الجمهورية سواء طرح باستفتاء شعبي مع موافقة الرئيس أو تعديله بغالبية ثلثي مجلس الشعب وكذلك موافقة الرئيس، وفي حال تسلم بشار كان الرئيس متوفى ونائبه يعد قائماً بأعمال وليس لديه صلاحيات الرئيس بأي معايير قانونية بتعديل الدستور في غياب منصب رئيس الجمهورية.

أما الثانية، فكانت مخالفة القسم الذي أداه فقد قال حينها، "أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري الديمقراطي الشعبي وأن أحترم الدستور والقوانين وأن أرعى مصالح الشعب وسلامة الوطن"، ولكن الأحداث والصور والشهود بينت بالدلائل القاطعة عدم تنفيذه له.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دساتير سوريا تاريخياً

ولسوريا عدد من الدساتير التي بدأ العمل عليها منذ انهيار السلطنة العثمانية بعد خسارتها في الحرب العالمية الأولى عام 1918، عندها تألفت أول حكومة بعد دخول الملك فيصل دمشق في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، ونتج منها المؤتمر السوري في 1919 وتأليف لجنة من 20 عضواً برئاسة هاشم الأتاسي لوضع دستور، وبعد 10 أسابيع أنجزت اللجنة مهمتها وعرف الأتاسي بـ"أبو الدستور السوري".

وتوالت الدساتير التي وضعت في سوريا بحسب المرحلة السياسية في زمن الانتداب الفرنسي وما بعده، فوضع دستور 1930 وتم تعطيل العمل به مرات عدة ولأعوام كثيرة، ودستور 1950 الذي بدأ مع انقلاب سامي الحناوي وأقر في عهد أديب الشيشكلي الذي عمل بعد انقلابه الثاني على مشروع دستور جديد عرف بدستور 1953، أما دستور 1962 فقد جاء بعد انقلاب عبدالكريم النحلاوي عام 1961 والانفصال عن مصر، فكلف المجلس التأسيسي والنيابي وضع دستور في مدة أقصاها ستة أشهر فطبق دستور 1950 مع بعض التعديلات.

وفي عام 1973 أقرت القيادة القطرية الموقتة لحزب البعث الحاكم تعيين مجلس شعب مؤلف من 173 عضواً وكلفته أن يقوم خلال عامين بإعداد دستور للبلاد وإقراره، إثر ذلك شكل المجلس لجنة دستورية برئاسة فهمي اليوسف رئيس مجلس الشعب وقتها لإعداد مسودة الدستور الدائم الذي عرض على المجلس فأقره، ثم عرض على الاستفتاء العام بتاريخ 12 مارس (آذار) 1973 وبات نافذاً من تاريخ 13 مارس 1973 حيث استمر العمل به لغاية إقرار دستور عام 2012، الذي جاء إثر انطلاق الانتفاضة السورية والاحتجاجات الشعبية في مارس 2011. فقد أصدر رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد بتاريخ 15 أكتوبر 2011 القرار الجمهوري رقم 33 القاضي بتشكيل اللجنة الوطنية لإعداد مشروع دستور للجمهورية العربية السورية تمهيداً لإقراره وفق القواعد الدستورية، وحدد القرار المذكور مدة أربعة أشهر من تاريخ صدوره لكي تنجز اللجنة عملها. وبعد أن أتمت اللجنة صياغة مشروع الدستور الجديد وسلمته لرئيس الجمهورية، تم تحديد الأحد الـ26 من فبراير (شباط) 2012 موعداً للاستفتاء على مشروع دستور الجمهورية العربية السورية الجديد، وإثر ذلك أصدر رئيس الجمهورية المرسوم رقم 94 للعام 2012 الذي جعل الدستور الجديد نافذاً من تاريخ 27 فبراير 2012.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير