Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حكومة تصريف الأعمال السورية... لون واحد وتناقضات شتى  

هناك من يرى أنها تجاوزت صلاحياتها كـ"موقتة" فيما يدافع آخرون بأنها لا تزال ضمن المستوى المقبول

على رغم اللغة المطمئنة فإن اتخاذ الحكومة قرارات مصيرية أثار حفيظة عديد من السوريين والناشطين وحتى السياسيين (أ ف ب)

ملخص

لهذا النوع من الحكومات صلاحيات محدودة، كما تكون برامجها مقتصرة على الفترة الانتقالية، ولا يدخل ضمن هذه الصلاحيات اتخاذ القرارات المصيرية أو بعيدة الأجل، وتقوم بتسليم السلطة لأول حكومة منتخبة بعد انتهاء الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد، فهل هذا التعريف التزمت به حكومة تصريف الأعمال السورية؟

منذ الساعات الأولى لتعيينها أعلنت حكومة تصريف الأعمال السورية أن مهمتها تسيير أعمال الدولة لمنع انهيار المؤسسات، موضحة أن مهمتها ستستمر لمدة ثلاثة أشهر فقط على أن تنتهي في الأول من مارس (آذار) 2025، بعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني المرتقب وتشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة انتقالية.

بمعنى آخر بدا أن حكومة تصريف الأعمال ليست حكومة انتقالية بقدر ما هي حكومة عاجلة تمنع انهيار مؤسسات الدولة، أما الحكومة الانتقالية فمن المفترض أن تنبثق من مؤتمر الحوار الوطني الذي كان من المقرر أن ينعقد في الأسبوع الأول من العام الجديد، لكن شيئاً لم يحصل، كما أن حكومة تصريف الأعمال اتخذت قرارات عدة وصفت بأنها من اختصاص الحكومة الرسمية وليس حكومة موقتة، مثل ترفيع ضباط كبار أو تغيير مناهج دراسية أو غير ذلك من القرارات التي لاقت تحفظ بعض السوريين وترحيب آخرين.

اصطلاحاً يتم تعريف الحكومة الموقتة أو الانتقالية بأنها حكومة يتم تشكيلها لفترة زمنية محدودة بهدف إدارة شؤون الدولة في الظروف الاستثنائية بعد حدوث تغييرات سياسية كبرى، وتستمر مهمتها حتى صياغة دستور جديد للبلاد أو إجراء انتخابات عامة، ولهذا النوع من الحكومات صلاحيات محدودة، كما تكون برامجها مقتصرة على الفترة الانتقالية، ولا يدخل ضمن هذه الصلاحيات اتخاذ القرارات المصيرية أو بعيدة الأجل، وتقوم بتسليم السلطة لأول حكومة منتخبة بعد انتهاء الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد، فهل هذا التعريف التزمت به حكومة تصريف الأعمال السورية؟

حكومة اللون الواحد

حكومة تصريف الأعمال السورية يترأسها المهندس محمد البشير، وهو آخر رئيس وزراء لحكومة الإنقاذ السورية التي كانت عاملة في إدلب، ومن أهم وزرائها أسعد حسن الشيباني للخارجية ومرهف أبو قصرة للدفاع ومحمد عبدالرحمن للداخلية وماهر الشرع للصحة ومحمد يعقوب العمر للإعلام، وآخرون، وهؤلاء الوزراء جميعهم مقربون من "هيئة تحرير الشام" بقيادة أحمد الشرع، الذي وعد بحل الهيئة خلال مؤتمر الحوار الوطني، كما اعترف بأن حكومة تصريف الأعمال "ذات لون واحد"، مؤكداً أن هذا ما تقتضيه المرحلة الحالية بسبب التطورات السريعة، وواعداً بأن تكون الحكومة المقبلة شاملة.

 

على رغم اللغة المطمئنة التي تحدثت بها حكومة تصريف الأعمال، والتي أيضاً تحدث بها أحمد الشرع شخصياً، فإن اتخاذ قرارات مصيرية أثار حفيظة عديد من السوريين والصحافيين والناشطين وحتى السياسيين، وفي هذا السياق يقول المحامي والحقوقي السوري زيد العظم لـ"اندبندنت عربية" إنه من الناحية القانونية "يجب على الحكومة الموقتة الامتناع عن اتخاذ قرارات واجبة الشرعية الشعبية والدستورية أو قرارات استراتيجية طويلة الأجل، لأنها حكومة تعين لإدارة شؤون الدولة لفترة انتقالية، وهي مكلفة مهام محددة، وهو ما ينطبق بطبيعة الحال على الحكومة السورية الحالية التي ما كان ينبغي عليها أن تقوم بتعديل المناهج ومناقشة ملفات التجنيس والترفيعات العسكرية، إذ إن القرارات السابقة يجب أن تستند إلى شرعية دستورية وقانونية، غير أن الوضع الدستوري في سوريا معطل بعدما تم تجميد الدستور، والحكومة الحالية تحوز الشرعية الثورية دون الشعبية أو الدستورية"، وفق تعبيره.

من جهته يرى الباحث في مركز "جسور" للدراسات وائل علوان أن هناك "فرقاً جوهرياً بين الحكومة الانتقالية وحكومة تصريف الأعمال، فلدينا الآن حكومة تصريف أعمال بانتظار الحكومة الانتقالية، وما أود قوله هو أن الأمور تعتمد على القادم، وما ننتظره هو تشكيل حكومة انتقالية، لكن الشكل الحالي أو الشكل المتوقع في المستقبل القريب للإدارة في سوريا هو شيء هجين لا يشبه ما يحصل عادة بعد انتصار الثورات أو الانقلابات العسكرية، ففي مثل هذه الأحداث يتم إلغاء كل شيء وإصدار البيان رقم واحد، وتكون هناك حكومة لها شرعية ثورية وتعتمد على بيان دستوري، ثم يتم تشكيل لجان أو تنظيم مؤتمر لتشريع الأمور، وهذا لم يحصل في سوريا، بمعنى آخر لم يحدث هناك انتقال دستوري كما حدث سابقاً في مصر، حيث يخرج الرئيس ويعلن تنحيه عن الحكم وتسلم نائبه شؤون تيسير أمور البلاد، وبهذه الصورة تسير الأمور بصورة دستورية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح الباحث السوري لـ"اندبندنت عربية" أن "هذا المسار لم يحصل في سوريا، فالحال السورية كانت هجيناً، فيها انتصار ثوري رافقه بقاء رئيس الوزراء السابق على رأس عمله لفترة قصيرة، كما بقيت بعض الدوائر الحكومية كما هي، وأيضاً السفراء في الخارج الذين كانوا في عهد النظام السابق بقوا على رأس عملهم، كما طلبت الحكومة الجديدة من جميع الموظفين العودة إلى وظائفهم، واستمر التداول بالعملة نفسها أيضاً، كل هذه التداخل يعني أن ما حصل في سوريا شيء هجين مختلط، لهذا لا يمكننا مساءلة الحكومة حالياً عن سبب اتخاذ مثل هذه القرارات، ولا يمكننا تحديد ما هي من صلاحيتها، فالإدارة الجديدة تدمج ما بين الشرعية الثورية والحفاظ على الأطر السياسية والدبلوماسية ومراعاة الوضع الدبلوماسي الخارجي".

استثناءات محدودة

من جهته يقول الباحث في مركز "الحوار" السوري أحمد القربي إن "سوريا الآن في مرحلة استثنائية، أما المرحلة الانتقالية فهي تجسير ما بين الوضع الاستثنائي والوضع المستقر، وكل ما رأيناه إلى الآن لم يشهد بعد الوصول إلى المرحلة الانتقالية، بل سوريا الآن في بداية التحضير للمرحلة الانتقالية، ويمكن تسمية المرحلة الحالية بأنها (استثنائية)، لأن المرحلة الانتقالية لم تبدأ فعلياً، والحكومة الموجودة الآن في دمشق تسمي نفسها حكومة تصريف أعمال".

 

ويعتقد القربي أن حكومة تصريف الأعمال السورية لا تتصرف وكأنها حكومة دائمة فيقول، "لا أرى أن هذا واقعي لأسباب عدة، فحتى الآن نرى أن التصرفات التي صدرت عن حكومة تصريف الأعمال جزء كبير منها يرتبط بقضية استعادة الأمن الخدمات وضبط السلاح"، نافياً أن يكون هناك تعديل في المناهج الدراسية، فـ"ما حصل هو حذف بعض الأمور المحددة وليس تعديلاً أساسياً، أما الحديث عن القضايا المستقبلية فهو ليس من اختصاص حكومة تصريف الأعمال، على سبيل المثال فإن التحول من اقتصاد السوق الاجتماعي الذي كان سابقاً إلى السوق الحر أو المفتوح هو قرار خارج صلاحيتها، إذ إن مثل هذه القضية تكون من اختصاص حكومة المرحلة الانتقالية".

أما في ما يتعلق بقرارات ترفيع بعض الضباط في الجيش، فيرى الباحث في مركز "الحوار" السوري أن "هذه الترفيعات أو التعيينات التي حصلت قليلة جداً ومحدودة، وتندرج ضمن صلاحيات الحكومة الحالية، إذ إن هذه القضية تتعلق بضرورة إعادة هيكلة الجيش والمؤسسة الأمنية، لكن كان الأولى بحكومة تصريف الأعمال عدم اتخاذ هكذا قرارات من دون مشاورة باقي الأطراف السورية أو الجهات السورية الأخرى، كي لا تكون هذه القرارات خاصة بـ(هيئة تحرير الشام) أو الفصائل الموجودة معها، ومثل هذه التعيينات أيضاً هي مرحلية ربما وليس من الصعوبة التراجع عنها لاحقاً".

ويختم الباحث السوري بالقول، إن "غالب القرارات التي صدرت عن حكومة تصريف الأعمال السورية تندرج ضمن إطار صلاحياتها، فهي تركز حالياً على الخدمات مثل القطاع الصحي وقطاع الاتصالات والخدمات الأساسية، وهذه أمور ضرورية جداً وكلها ضمن صلاحيات الحكومة، بمعنى آخر هناك هدفان أساسيان لهذه الحكومة هما ضبط الأمن واستعادة الخدمات، أما إن حصلت استثناءات فهي محدودة، ويمكن التراجع عنها لاحقاً، لكن بالمجمل تبدو تصرفات الحكومة الحالية مندرجة ضمن صلاحياتها".

 

صحافي سوري يقيم في دمشق، يفضل عدم الكشف عن هويته، قال لـ"اندبندنت عربية" إنه "لا يمكن لأحد على الإطلاق أن ينفي الدور الذي لعبته (هيئة تحرير الشام) في إسقاط نظام الأسد، ولا يمكن أيضاً نكران الخدمات التي قامت بها حكومة الإنقاذ في إدلب خلال السنوات الماضية، وكانت حكومة ناجحة أكثر من الحكومة المعترف بها دولياً في دمشق، لكن سوريا ليست إدلب، وغالب وزراء حكومة تصريف الأعمال الحالية هم وزراء سابقون أو مسؤولون في حكومة الإنقاذ، ولسنا بصدد التقليل من خبرتهم أو أهميتهم، لكن دولة بحجم سوريا وتنوعها وبالمسؤولية الكبيرة التي تحتاج إليها يجب أن يكون لها حكومة شاملة أو حكومة تكنوقراط متنوعة في أقل تقدير، وهذا أيضاً ينطبق على الحكومة الانتقالية وحكومة تصريف الأعمال. على سبيل المثال، المناهج الدراسية في سوريا ليس بهذه البساطة يتم تغييرها بين عشية وضحاها، بل تحتاج لجاناً ودراسات وأشهراً من العمل، وهي من اختصاص حكومة سورية منتخبة معترف بها دولياً. مسألة أخرى تتعلق بهذا التعديل وإن كان طفيفاً، فليس جميع الطلاب السوريين من عائلات متدينة أو مسلمين، فهناك تنوع طائفي واضح في سوريا، وتغيير بعض المصطلحات لتتناسب مع لون واحد سيتسبب بمزيد من الانشقاقات".

ويضيف الصحافي السوري أن "بعض المتابعين يقول لنا إنه يجب علينا التريث لتنتهي الفترة الانتقالية، وهذا أمر غير منطقي، إذ إن الاعتراض على القرارات المصيرية نراه اليوم يجد آذناً صاغية من السلطات الحالية، وأضرب مثالاً على ذلك بمؤتمر الحوار الوطني، فقد كان مقرراً يومي 5 و6 يناير (كانون الثاني) الجاري، لكن حصلت حملة واسعة على مواقع التواصل تندد بعقد مؤتمر مهم مثل هذا المؤتمر الذي يقرر مصير سوريا في يومين فحسب، لذلك تم تأجيله واستكمال الدراسات، وسبق أيضاً أن ظهر علم (هيئة تحرير الشام) في لقاء تلفزيوني لرئيس حكومة تصريف الأعمال، وبعد اعتراض واسع من السوريين بات يرفع فقط العلم السوري الجديد، وهذه مؤشرات إيجابية، واليوم نقول إن الحكومة الحالية تتخذ قرارات مهمة خارج صلاحياتها، وعليها إعادة النظر والالتزام بالمهام المنوطة بها، ونأمل منها التوقف عن اتخاذ أية قرارات تزيد مدتها على ثلاثة أشهر".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير