Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

تونس تؤسس بيئة ابتكارية لخلق صناعة إلكترونية عالية التقنية

المدير العام للقطب التكنولوجي في سوسة لـ "اندبندنت عربية": نساعد المصنعين في اعتماد الصناعة الذكية والنقل النظيف

يقول التركي في حوار لـ"اندبندنت عربية" إن القطب التكنولوجي يقدم التكوين في المهن الحديثة والتكنولوجيا الجديدة (اندبندنت عربية)

ملخص

يشكو المدير العام لـ"نوفايشن سيتي" ظاهرة هجرة المهندسين التونسيين وانعكاساتها على أداء القطب ومجال البحث والابتكار

يندرج القطب التكنولوجي بسوسة ضمن إستراتيجية الدولة التونسية لدفع الاستثمار وتثمين البحث العلمي، إذ أسسته وزارة الصناعة والمناجم والطاقة التونسية عام 2008 تحت إشرافها وفقاً للقانون (50) لسنة2001 المصدر في الثالث من مايو (أيار) 2001، قبل أن ينقح بالقانون رقم (37) لسنة 2006 في يونيو (حزيران) 2006 والقانون رقم (24) لسنة 2010 في مايو 2010.

وشهد القانون تطوراً على مر العقد الماضي بهدف تطوير مؤسساته مثل قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي المؤرخ في يونيو 2024 ويتعلق بتأسيس مخبر بحث بمركز البحث في الـ "ميكرو-إلكترونيك" والـ "نانو-تكنولوجيا" في القطب التكنولوجي، بحكم أن الابتكار والتجديد يمثلان اللبنة الأولى لخلق القيمة المضافة في المجال الصناعي لخلق التفاعل بين أصحاب الأفكار الناشئة والباحثين في المجال العلمي والتكنولوجي والمؤسسات، التركيبة الأساس لتحقيق الابتكار المذكور.

وتتمثل مهمة القطب التكنولوجي بسوسة في تونس في خلق بيئة الأعمال الحاضنة لهذه العناصر من أجل تحفيز التجديد التكنولوجي وتطوير الصناعة الذكية، وهذا ما ورد على لسان المدير العام للقطب التكنولوجي بسوسة هشام التركي خلال حواره مع "اندبندنت عربية"،

 وقال التركي إن "القطب يمثل مجمعاً لتحفيز الابتكار متخصص في قطاع الـ 'ميكاترونيك' أي قطاعي الصناعات الميكانيكية والإلكترونية مع التركيز على تطوير الرقمنة فيها، إذ ترتكز إستراتيجيته المتخصصة الذكية على خلق صناعة ذكية ومدينة ذكية متخصصة في الذكاء الاصطناعي ونقل ذكي، ويعمل أيضاً على تعزيز الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية في مدينة متخصصة تتكون من مؤسسات تشتغل على البحث العلمي والتطوير ونقل ذكي ومصانع ذكية".

وأضاف، "أيضاً يوفر القطب مساحات لمصلحة المؤسسات الصناعية والمصانع على حد سواء وكذلك المؤسسات التعليمية العليا والبحث العلمي، في إطار وظيفته المتمثلة في استقطاب المستثمرين التونسيين والأجانب في مجالات الإلكترونيك والميكانيك وتطوير الدراسات والبحث لتحفيز المحتوى التكنولوجي والرقمي للصناعة التونسية".

وأشار التركي إلى أن القطب يتكون من مجمعات تمتد على 240 هكتاراً وتتنوع بين المنطقة الصناعية التي تحوي جملة من المصانع على مساحة 150 هكتاراً ومجمع مقار المؤسسات والشركات وتبلغ 140 مؤسسة ثم مجمع التعليم العالي والبحث العلمي ويضم 40 ألف طالب 50 في المئة، منهم متخصصون في المجال التكنولوجي، ومنها المعهد العالي للمهندسين وجامعة متخصصة في الذكاء الاصطناعي.

وفي شأن البحث العلمي قال التركي إن القطب يحوي مراكز بحث في الـ "نانو-تكنولوجيا، أي تكنولوجيا الذرات والجزيئات، والـ 'مايكرو-الكترونيكس، أي الإلكترونيات الدقيقة، و12 مخبراً ومعهداً خاصاً بأطروحات الدكتوراه ومراكز بحث أخرى.

الصناعة الذكية

وحول أهداف القطب أكد التركي أنه يسعى إلى توفير 50 ألف فرصة عمل، تم توفير 8 آلاف وظيفة منها حتى الآن، مشيراً إلى أن المبدأ الأساس يظل هو التطوير والتجديد التكنولوجي من أجل خلق القيمة المضافة العالية، إذ توفر المجامع المذكورة التواصل والتلاقح بين الأفكار الناشئة والبحث والتطوير والمؤسسات بالتركيز على ثلاثة أبعاد، موضحاً "تعمل على التأسيس للصناعة الذكية التي تتمثل في التصنيع الذكي مع تجسيد التحول الرقمي لمراحل الإنتاج الصناعي وتحسينه، ثم التأسيس للذكاء الاصطناعي واعتماده في المجال الصناعي ثم النقل الذكي والنظيف، إذ يخلق القطب من أجل ذلك مراكز تميز لكل مجال منها مخصص للطلبة والباحثين والخبراء والمستثمرين وأصحاب الأفكار الناشئة".

ولفت المدير العام للقطب التكنولوجي بسوسة إلى أنه جرى توفير أكاديمية تكوين تكميلي لكل مجال على حدة، وتعمل على التكوين في المهن والخطط الحديثة والتكنولوجيا الجديدة، وتمثل حاضنة لأصحاب الأفكار الناشئة وتساعدهم في تسريع وتحديث مسار مشاريعهم وتجسيد أفكارهم في شركات فتية وترافقهم في نموها، وفي مرحلة موالية يضع القطب مصانع ذكية للعمل سويا تجمع بين الباحثين والشركات الناشئة والمؤسسات"، مضيفاً "علاوة على مساحات للتعاون بين هذه الأطراف فكل ذلك في إطار الخدمات التي يوفرها القطب والتي تقدم كذلك عملية التقييم والاستشارة ونقل المعرفة بين الشركات الناشئة والصغرى والباحثين".

وحول التمويلات التي تبدو الاهتمام الأول للشركات الناشئة قال التركي إن "القطب يساعدهم في الحصول على التمويل من طريق تأطيرهم وتقديم التكوين المتخصص في البحث عن رؤوس أموال لدى الممولين الكبار، بحكم أن الشركات الناشئة لا تبحث عن الاقتراض بل تتجه إلى خلق رؤوس أموال للانطلاق في مراحلها الأولى".

أول مركز ابتكار للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط وأفريقيا

وأكد التركي أن القطب يوفر ذلك في نطاق الشراكة ويختار الشركاء الأقوى والأكثر خبرة في العالم، وهي مؤسسات كبرى، ولا يتوقف الأمر على الموارد المالية بل يتعداه إلى الاستشارة والتكوين والاستئناس بالتجارب الأكثر تطوراً وعقد شراكات مهمة في هذا النطاق، فعلى سبيل المثال أبرم القطب وعملاق التكنولوجيا الأميركي "إنفيديا" شراكة إستراتيجية في سبتمبر (أيلول) 2024، أسفرت عن افتتاح أول مركز ابتكار للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو عبارة عن بنية تحتية رئيسة أسس بالتعاون مع الشركة الأميركية، ويوفر موارد الذكاء الاصطناعي والتدريب، وتسهيل البحث والتطوير وتطبيق التقنيات المتطورة من خلال معهد "إنفيديا" للتعلم المعمق، مشيراً إلى أن الهدف الرئيس لهذا المركز هو إنشاء بيئة متكاملة تجمع بين الجامعات العلمية وشركات التكنولوجيا ومحترفي الصناعة، مما يجعل القطب مركزاً للتميز في الذكاء الاصطناعي في تونس وخارجها، لافتاً إلى أهمية الاستثمار في المهارات الدولية لتعزيز القدرة التنافسية لتونس قائلاً "نريد أن نقدم لشبابنا فرصاً مماثلة لتلك المتاحة في الخارج".

وأوضح التركي أن منذ أعوام عدة التزم القطب بتأسيس كثير من البرامج على هذا النحو مثل برنامج حاضنة "AI Garage" ومسرع "AI Factory" المتخصصة في الذكاء الاصطناعي لدعم 70 شركة ناشئة، إذ أسس مختبراً يعد من الأوائل من نوعه للذكاء الاصطناعي في أفريقيا لتشجيع الابتكار في مجال الروبوتات المتطورة والذكاء الاصطناعي.

اقرأ المزيد

وأضاف أن عام 2024 شهد إطلاق سلسلة من المبادرات الكبرى، بما في ذلك أكاديمية الذكاء الاصطناعي التي دربت أكثر من 500 شخص على تقنيات الذكاء الاصطناعي، من خلال برامج تدريبية ضخمة للمطورين وكذلك تدريب المدربين في حد ذاتهم، مشيراً إلى أن اختيار "إنفيديا" الإستراتيجي لتونس جاء على خلفية ثراء مواهبها ومستوى باحثيها وقربها الجغرافي من أوروبا، لافتاً إلى أنه كجزء من البرامج المستقبلية، أعلنت عن تدريب 40 شاباً تونسياً ليكونوا "سفراء لإنفيديا"، إذ تهدف هذه الشراكة إلى تعزيز جاذبية تونس على الساحة الدولية للذكاء الاصطناعي، مع توفير فرص ملموسة للشباب التونسي.

ويضيف المدير العام قائلاً إن "تونس حققت من خلال القطب كثيراً من النتائج الجيدة، ولدينا ثلاث خبراء متحصلين على شهادة متخصصة في الصناعة الذكية 4.0 وهي شهادة معروفة وعدد المتحصلين على الشهادة 9 في أفريقيا ثلاثة منهم في القطب التكنولوجي بسوسة، وكذلك مركز التميز للذكاء الاصطناعي هنا معترف به من قبل مؤسسة "إنفيديا"، وهي أكبر شركة في العالم مطورة للذكاء الاصطناعي وهو معترف به من "إنفيديا" كمركز مطور للذكاء الاصطناعي ونحن نقدم تكوين للذكاء الاصطناعي يتحصل على شهادة الاعتراف من طرف الشركة الأميركية، كذلك كونا 500 عنصر في الذكاء الاصطناعي و50 عنصراً مكونين في الذكاء الاصطناعي، وهدفنا هذا العام تكوين 1500 عنصر، وكل هذا من أجل الوصول إلى هدف جعل تونس منطقة معروفة بالذكاء الاصطناعي وتطويره.

وعن المراحل التي بلغتها المؤسسات التونسية في نطاق الانتقال إلى الصناعة الذكية 4.0، قال المدير العام إن "200 مؤسسة على المستوى الوطني انتقلت إلى تكنولوجيا 4.0 وتسير كثير من المؤسسات في مراحل متقدمة للانتقال إلى تكنولوجيا 5.0 وهي الجيل الخامس للصناعة الذكية، ويضم القطب كثيراً من المؤسسات التونسية اللامعة على غرار مؤسسة  متخصصة في صناعة الروبوتات الذكية المستعملة في مجالات عدة، منها الصناعة والسلامة والصحة، وهي أول شركة للروبوت والذكاء الاصطناعي في تونس وقد صنفت ضمن أفضل 100 شركة عالمية مبتكرة في عام 2020، وهي مصدرة للروبوتات التونسية إلى الولايات المتحدة.

هجرة المهندسين وتمويلات خجولة

وفي شأن جمعية "كلوستار ميكاترونيك تونس" التي يترأسها التركي فقد قال إنها "هيكل تأسس مباشرة بعد تأسيس القطب التكنولوجي بسوسة وتربط بين المؤسسات في قطاع الصناعات والميكانيك والكهرباء والإلكترونيات، وكانت الرغبة مبدئياً هي تشجيع تحول المؤسسات الميكانيكية من خلال إشراك مؤسسات أخرى في الصناعات الإلكترونية والرقمية في إجراءات تعاونية، من أجل التكيف مع تطورات السوق وزيادة القيمة المضافة المنتجة في تونس، وتأسست بالشراكة مع الوكالة الفرنسية للتنمية وانطلقت بعضوية 16 مؤسسة وثلاث مؤسسات عامة، واليوم لديها 96 شركة بإجمال 31730 موظفاً، بعضهم مصدرين بالكامل مع تسع مؤسسات عامة، أما المؤسسات فهي متخصصة في تكنولوجيا عالية النمو في الميكانيك والإلكترونيات والبلاستيك وتكنولوجيا المعلومات، وتهدف بدورها إلى خلق الاتصال مع الباحثين وأصحاب الأفكار الناشئة.

وحول الجمعية التونسية للأقطاب التكنولوجية فقال إنها "تجمع كل الأقطاب التنموية والتكنولوجية في تونس باختصاصاتها وتركز على النواقص وتشتغل عليها، وتبحث حالياً مشروع لوضع آلية لتثمين استغلال براءات الاختراع التونسية، إذ تفتقر الشركات الناشئة إلى آلية لتثمينها والاعتراف بها وتبويبها وحمايتها في السوق، وتوفر لها إستراتيجية لاستغلالها مقاومة للأخطار، وهو بحث في الثغرة الموجودة حالياً في سلسلة الإنتاج، وتلعب الجمعية دوراً تقنياً في كثير من المشاريع الداعمة لتطوير الصناعة الذكية".

ورداً على استفسار "اندبندنت عربية" عن تأثير ظاهرة هجرة المهندسين التونسيين وانعكاساتها على أداء القطب ومجال البحث والابتكار في مجال الصناعة الذكية، أوضح التركي أنها أضحت تمثل إشكالاً حقيقياً، إذ تجسد ظاهرة رحيل الطاقات والمواهب الجيدة والخالقة للفارق بالنظر إلى مهمة القطب التكنولوجي التي تتمثل في جذب هذه المواهب، وكشف عن أن "نسبة المهندسين المغادرين لمراكز القطب تتراوح ما بين 17 و20 في المئة، وهم يرحلون بعد احتضانهم وتكوينهم في القطب لنعود لاستقطاب للمواهب الجديدة لتعويضهم، وهو ما أضحى يشكل أزمة تضاف إلى نقائص أخرى تحول دون تحقيق مزيد من المكاسب، مثل إشكال التمويلات الشحيحة".

ويتمتع مجال التطوير والبحث العلمي في بلدان الشمال على غرار أوروبا والولايات المتحدة بدعم من الدول من طريق تمويلات عمومية، فهي تضع موازنات خاصة بها وصناديق لتمويل البحث والابتكار ودفعه إلى الأمام، وهو الأمر الذي يغيب في تونس على رغم ورود القطب في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص، إذ يقتصر القطب حالياً على الدعم المالي الموفر من طرف الشركاء من الجهات الدولية المانحة.

المزيد من حوارات