ملخص
تزايد الحوادث الجوية والمطبات الهوائية الشديدة بسبب تغير المناخ يفاقم رهاب الطيران لدى بعضهم، على رغم ندرة الحوادث، إلا أن تكرارها يثير القلق، فيما يبقى السفر الجوي خياراً ضرورياً لكثيرين.
كثيراً ما يقال، لا سيما للأشخاص الذين يخافون السفر بالطائرة من أمثالي، أن حوادث تحطم الطائرات تتصدر العناوين الإخبارية لأنها نادرة. ولكن مع ذلك، وقعت أربع حوادث جوية في أقل من شهر.
أولاً، اصطدمت طائرة مروحية عسكرية بطائرة ركاب تابعة لشركة الخطوط الجوية الأميركية في واشنطن العاصمة في الـ29 من يناير (كانون الثاني)، مما أسفر عن مقتل 67 شخصاً. وبعد ثلاثة أيام، تحطمت طائرة طبية تقل طفلاً مريضاً وولي أمره، إضافة إلى الطاقم الطبي، في فيلادلفيا، مما أدى إلى مصرع الركاب الخمسة وشخص واحد كان في موقع التحطم.
في السادس من فبراير (شباط)، تحطمت طائرة صغيرة في ولاية ألاسكا، فلقي جميع الركاب الـ10 حتفهم. والإثنين الماضي، تعرضت طائرة تابعة لشركة "دلتا إيرلاينز" لحادثة انقلاب خطر عند هبوطها على مدرج مطار "بيرسون" في تورونتو، مخلفة 18 إصابة.
تأتي الحوادث المذكورة في أعقاب سلسلة كوارث جوية مأسوية أخرى جذبت اهتمام الإعلام في عام 2024، من بينها الحادثة المميتة لطائرة ركاب تابعة لـ"الخطوط الجوية الأذربيجانية" أثناء محاولتها الهبوط اضطرارياً في كازاخستان، وكارثة الطائرة الكورية الجنوبية التي توفي نتيجتها جميع المسافرين البالغ عددهم 181 شخصاً باستثناء راكبين، إضافة إلى المطبات الهوائية الشديدة التي واجهتها رحلة الخطوط الجوية السنغافورية [ولقي راكب بريطاني حتفه].
ومنذ فترة ليست بعيدة، اختفت الرحلة "أم أتش 370" (MH370) [التابعة للخطوط الجوية الماليزية] وبقي مصيرها مجهولاً، كذلك تحطمت طائرتان من طراز "بوينغ 737 ماكس" في 2018 و2019، وتوفي 346 شخصاً، وذلك كله قبل أن نتطرق إلى تقارير تتحدث عن انفصال أجزاء من الطائرات في أثناء الرحلات، وصور كثيرة لا تنتهي ترصد طائرات تتأرجح وتصارع الرياح العاتية قبل الهبوط في مطار لندن "هيثرو".
تؤثر هذه الحوادث الجوية المأسوية بصورة رئيسة في أقارب الضحايا وأحبائهم، وفي المجتمعات المحلية التي ينتمون إليها، كذلك تضر بسمعة شركات الطيران [فيفقد الناس ثقتهم فيها] حتى لو حاولت شخصيات بارزة مثل الرئيس الأميركي دونالد ترمب استغلال المأساة وحزن عائلات الضحايا لصالح أجنداتها السياسية، متذرعة بادعاءات كاذبة لا أساس لها من الصحة. ولكن لا يمكن إنكار أن هذه الأحداث تبعث أيضاً شعوراً كبيراً بالقلق والتوتر لدى من يختارون السفر بالطائرة.
بطبيعة الحال، تعزز هذه الكوارث الجوية مشاعر الخوف والتردد لدى الأشخاص أمثالي الذين يكابدون أصلاً رهاب السفر جواً، فتجعل فكرة ركوب الطائرة أكثر نفوراً وصعوبة. إنها تذكرنا بأن سلامتنا ليست مضمونة، وأن الكوارث الجوية غير المتوقعة والخارجة عن المألوف ليست مستبعدة، وتحدث بالفعل. ربما، لو كانت هذه الأحداث معزولة أو تحدث ضمن فترات زمنية متباعدة، لكان الناس تجاهلوها على اعتبار أنها حالات استثنائية ونادرة. ولكن في الوقت الحالي، يبدو أن كوارث الرحلات الجوية والمشكلات المتعلقة بالطائرات صارت أكثر تكراراً على رغم أن خبراء صناعة الطيران يطمئنون المسافرين بأن بروتوكولات السلامة أصبحت أوسع وأشمل وأكثر كفاءة من أي وقت مضى.
في الحقيقة، ليس خوفي من الطيران نابعاً من حوادث الرحلات الجوية التي تتصدر العناوين الرئيسة للأخبار، بل نتيجة تجارب شخصية مررت بها أثناء سفري في ظروف جوية سيئة. آنذاك، اضطرت طائرتي المتجهة إلى نيس إلى الإقلاع مرة أخرى بعدما كانت لمست إطارات الطائرات المدرج، وكان مرد ذلك إلى الرياح القوية تحديداً. كذلك واجهت رحلتي من إسبانيا إلى لندن أمطاراً غزيرة ومطبات هوائية، حتى أن السماء تلونت بالأخضر القاتم. أما في رحلتي الجوية من كورفو، فهوت الطائرة مئات الأمتار قبل استعادة السيطرة عليها. لا تنفك ذكريات الماضي تظهر عندما أصعد على متن الطائرة.
والمعضلة بالنسبة إلى المسافرين الذين يكابدون القلق من الطائرات أمثالي، أننا نجد أنفسنا دائماً أمام الخيار الصعب: هل نتخلى عن متعة السفر، أم نتحمل التوتر الذي نحمله معنا في كل رحلة؟ حتى الآن، كانت رغبتي في استكشاف العالم تفوق رغبتي في إبقاء قدمي على الأرض حيث أشعر بالأمان، ولكن أحداث الطيران المتزايدة تجعلني أتوقف وأفكر.
في المستطاع تجنب الخطأ البشري أكثر من أي عامل خطر آخر (ربما لا يجب فصل مئات من موظفي "إدارة الطيران الفيدرالية" وتنفيذ تخفيضات جذرية في الموازنة عندما يتعلق الأمر بالسلامة العامة). ولكن مع ظاهرة الاحترار العالمي وتزايد الأحوال الجوية غير المعتادة، ليس في متناولنا الكثير لتخفيف التأثيرات السلبية في الرحلة أو حماية أنفسنا من التداعيات. أعلم أنني أجد صعوبة في التعامل مع فكرة فقدان القدرة على التحكم في الأمور في مثل هذه المواقف، وليس لدي أطفال أعتني بهم أو أشخاص يعتمدون علي لكي أقلق.
ليس غرضي إثارة الذعر في قلوبكم، تقلع الغالبية العظمى من الرحلات الجوية وتصل إلى وجهتها بنجاح كل يوم، وإلا لما سافر أحد مجدداً. نعم، تتوفر وسائل أخرى للسفر. ولكن مع وصول عدد المسافرين على متن طائرات تابعة لشركات طيران عالمية إلى نحو 4.4 مليار مسافر عام 2023، والتوقعات بارتفاع الأعداد في المستقبل، تبدو الأخطار المتزايدة المرتبطة بالرحلات الجوية واقعاً من الصعب تجاهله.
© The Independent