Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

فلسطين أمام اختبار جديد لـ "الاقتلاع والنفي"

ما بين التهويد والتهجير تعيش الهوية أخطر مراحلها ومؤرخون يؤكدون أن الموقف العربي الموحد بات حتمياً

امرأة فلسطينية نازحة تحمل متعلقاتها في مخيم جنين للاجئين بالضفة الغربية، 24 فبراير 2025 (أ ف ب)

ملخص

بعد أكثر من 15 شهراً من الحرب بات الفلسطينيون في كل مناطق وجودهم على الأرض الفلسطينية من القدس إلى مناطق 48 داخل الخط الأخضر، مروراً بالضفة ووصولاً إلى غزة، أمام خطة تهجير لا تقل خطورتها عن نكبة عام 1948.

يخوض الفلسطينيون من جديد معركة البقاء إزاء تعرضهم لمخطط تهجير جديد طرحت معالمه الأوسع والأخطر تجاه فلسطينيي قطاع غزة من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وسط معارضة فلسطينية وعربية ودولية واسعة.

على أرض الواقع باشر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، إعداد بنى تحتية وعملياتية وتشكيل لجان خاصة لتنفيذ هذه الخطة بأساليب مختلفة وغير مباشرة في غزة، وفي الوقت نفسه يطبق خطة تهجير في الضفة الغربية لا تقل خطورة عن خطة غزة، من خلال تهويد المناطق الفلسطينية بالمشاريع الاستيطانية، ومن ثم تهجير سكانها الأصليين، وكذلك عبر خطة "السور الحديدي" بتهجير سكان مخيمات وبلدات عدة، إذ أدت عمليات الجيش إلى تهجير أكثر من 40 ألف فلسطيني حتى نهاية فبراير (شباط) الماضي عن أراضيهم وبلداتهم في الضفة، وهذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها سكان الضفة للتهجير بهذا الشكل.

وفي حين يتعرض فلسطينيو القدس لشتى محاولات سحب هوياتهم وإبعادهم، أي تهجيرهم عن القدس، ما زال فلسطينيو 48 يخضعون لقانون الطوارئ الذي فرض عليهم منذ اليوم الأول من حرب "طوفان الأقصى" ويمنعهم من التعبير عن موقف داعم لأبناء شعبهم الفلسطيني، وهناك عشرات منهم مهددون بسحب هوياتهم، أو بمعنى آخر التهجير، في أعقاب توجيه اتهامات أمنية ضدهم لتضامنهم مع سكان غزة ومعارضة الحرب، أو مجرد التعبير عن أي موقف فلسطيني.

هكذا وبعد أكثر من 15 شهراً من الحرب بات الفلسطينيون في كل مناطق وجودهم على الأرض الفلسطينية من القدس إلى مناطق 48 داخل الخط الأخضر، مروراً بالضفة ووصولاً إلى غزة، أمام خطة تهجير لا تقل خطورتها عن نكبة عام 1948.

التهجير وتشويه الهوية

في دراسة خاصة لمؤسسة "ماعت" للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، تناولت تداعيات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وأثرها في حقوق الإنسان ودول الجوار، استخلص معدوها أن التهجير القسري يشكل انتهاكاً واضحاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وشددوا على أهمية توفير الدعم اللازم لدول الجوار في مواقفهم الرافضة عملية التهجير القسري والضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل وقف هذا المخطط الذي ينتهك جميع الاتفاقات الدولية.

ويرى رئيس "ماعت" أيمن عقيل أن ما تشهده المناطق الفلسطينية وقطاع غزة من مخططات لا تقتصر على كونها انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، بل ترقى إلى جريمة تهجير قسري ممنهجة تهدف إلى اقتلاع شعب من أرضه وتشويه هويته الوطنية، مشدداً على أن المجتمع الدولي لا يمكنه الوقوف متفرجاً، بل يجب التحرك بصورة عاجلة وحاسمة لوأد هذه المخططات قبل أن تتحول إلى كارثة إنسانية وسياسية يصعب احتواؤها.

ويرى عقيل أن "التهجير القسري الجديد، الذي يتعرض له الفلسطينيون، سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأسرها، وسيضع دول الجوار في مواجهة أزمات غير مسبوقة، بدءاً من الضغط على البنى التحتية والموارد، وصولاً إلى تفاقم الأزمات الإنسانية".

أما في الضفة، وإزاء ما يتعرض له الفلسطينيون هناك، يقول المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز "موشيه ديان" للأبحاث الشرق أوسطية والأفريقية، مايكل ميلشتاين، إن عمليات الإخلاء وإبعاد السكان من بلداتهم، وتحديداً تلك التي تتعرض لها المخيمات الفلسطينية في الضفة وبلدات وقرى فلسطينية، هي عمليات خطرة تشكل خطوات لم يسبق أن شهدناها منذ إقامة إسرائيل.

ويضيف "لا أعرف ما الاستراتيجية العامة، إسرائيل من جهتها تنفذ عملياتها هذه تحت عنوان التصدي للجماعات المسلحة المدعومة من إيران، فيما يرى الفلسطينيون أن النيات الحقيقية لإسرائيل هي التهجير الدائم الواسع النطاق للسكان بتدمير المنازل وجعل بقائهم مستحيلاً."

موقف عربي موحد

ما يشهده الفلسطينيون اليوم في مختلف مناطقهم يشكل محطة جديدة ضمن محطات كثيرة خاضها الفلسطينيون حتى قبل النكبة في تشكيل هويتهم، علماً أن عام 1948 يشكل المرحلة المفصلية لدى الفلسطينيين في تشكيل هويتهم، فهو حدث أصاب صلب حياة الفلسطينيين الذين تشردوا وطردوا من أرضهم وأصبح أكثر من 800 ألف فلسطيني لاجئين خارج وطنهم، وفق ما يقول المؤرخ الفلسطيني جوني منصور، الذي يرى أن "فقدان الفلسطينيين بلادهم واللجوء أسهما إسهاماً كبيراً في تشكيل هذه الهوية الفلسطينية التي كانت وما زالت ترتكز على العودة إلى فلسطين كحق وطني ودولي بموجب القرار 194 للأمم المتحدة، والمدعوم من هيئات دولية أخرى مثل جامعة الدول العربية".

ويشدد منصور على أن "عملية إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني اعتمدت على الهوية الفلسطينية التي تشكلت على خلفية هذه الأحداث المركزية، وفي صلبها الحفاظ على العلاقة مع الأرض الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني الذي تعرض ويتعرض للتشويه والتزوير والتلفيق، وبهذا تشكلت الرواية الفلسطينية التي ربطت الفلسطينيين بأرضهم وتاريخهم وتراثهم".

وأكد منصور أن "أي عملية اقتلاع من الأرض وتهجير ستؤثر في مكونات هذه الهوية، خصوصاً أن مقترحات مشاريع التهجير تأتي من قوى استعمارية تنظر إلى الفلسطيني وكأنه لا يستحق الحياة، لذا يرى هؤلاء أن عليه أن يفرغ أرضه لمصلحة مشروع احتلالي لشعب آخر يعتبره الاستعمار الغربي الأفضل الذي يستحق الحياة".

وأوضح أنه "على رغم ما واجهه الفلسطينيون من تهجير لم تفارقهم ولو للحظة العلاقة بينهم وبين وطنهم المسلوب، ومن خلال عيشهم في مخيمات اللاجئين أو خارجها عرفوا أنفسهم كفلسطينيين، وأسسوا هيئات تمثيلية فلسطينية أبرزها منظمة التحرير الفلسطينية التي أدت دوراً ريادياً في رفع القضية الفلسطينية إلى موقع مهم جداً عربياً وعالمياً وإقليمياً، ثم مؤسسات بحثية عملت منذ مطلع الستينيات على دراسات وبحوث وأنشطة فكرية وثقافية ركزت على إبراز التاريخ الفلسطيني وربطه بالقرون القديمة بهدف بناء علاقة بنيوية مع الجذور التاريخية المتواصلة وغير المتقطعة".

الأمل في العودة

وأشار منصور إلى أنه في مقابل هذه المؤسسات كان هناك اهتمام كبير لبناء مشاريع ذات صلة بالحضور الفلسطيني مثل الأغاني التراثية الفلسطينية، والأغاني الوطنية التي تحكي الرواية الفلسطينية، وأفلام تنقل الوجع الفلسطيني وتبني قاعدة الأمل بالعودة إلى الوطن، والأدب الفلسطيني الذي تطور بصورة غير مسبوقة وجعل القضية محوره كشعر محمود درويش، وروايات إبراهيم نصرالله وحاتم علي وعلي سيف، والمسرحيات والأفلام السينمائية التي وصلت إلى أنحاء مختلفة من العالم وعكست عمق الهوية الفلسطينية وقوة الارتباط بين الفلسطيني ووطنه، حتى وإن كان بعيداً منه أو غُرب بتلفيق أساطير لا علاقة تاريخية لها بهذا الوطن، ولا شك في أن للعائلة والمدرسة والنشاطات الثقافية والاجتماعية والسياسية دوراً مهماً في التوعية بهذه العلاقة بين الفلسطيني وفلسطين.

هل يمكن للموقف العربي الموحد المحافظة على الهوية الفلسطينية لتكون "بوليصة ضمان" للقضية؟ يجيب منصور "إذا كان الموقف العربي مترهلاً وغير متماسك فهذا مؤشر لإسرائيل والدول الداعمة لها لتعزيز وجودها وحضورها في المنطقة ككيان طبيعي. أما إذا كان الموقف العربي متماسكاً وقوياً وصلباً من ناحية عدم التنازل بسهولة عن الحقوق الفلسطينية فهذا داعم للقضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى على الدول العربية الظهور بموقف واحد وموحد يدعم الحقوق الشرعية للفلسطينيين، وأيضاً موقف صلب في مواجهة التهديدات والترهيب ومشاريع التوسع الإسرائيلية".

ولا يعني ذلك، بحسب المؤرخ الفلسطيني، سوى توسيع وتنشيط العمل الدبلوماسي لكسب مزيد من التأييد العالمي بجميع أشكاله، مؤكداً أن بروز موقف عربي موحد صلب في وجه سياسات التهجير الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة سيؤثر كثيراً في مستقبل التعامل مع القضية الفلسطينية، وسيجعل من الدول العربية أيضاً ذات علاقة مع قواعدها الشعبية.

يعتقد منصور أن "موقفاً عربياً موحداً ليس ضمانة للقضية الفلسطينية فحسب، بل حاضنة توفر الاطمئنان الفلسطيني بأن العرب يتحركون، وأنهم ليسوا مجرد ظاهرة صوتية، والتحرك العربي في الميادين الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية له مفاعيل قوية، وقد أثبتت أحداث في الماضي هذا التأثير، مثل سلاح النفط، وطبعاً في وقتنا يمكن استخدام أسلحة أخرى فاعلة للتأثير في صانعي القرار في العالم. أضف إلى ذلك أنه إذا ظهرت الدول العربية في موقف موحد وصلب بالمحافل الدولية فسيكون لذلك صدى قوي لمصلحة القضية الفلسطينية، ولا بد من تأكيد أن موقفاً عربياً موحداً سيدفع بقواعد شعبية إلى الاطمئنان أن العرب يتحركون".

المزيد من تقارير