Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

مدينة الأبيض السودانية... البقاء قاتل والنزوح مميت

قصف "الدعم السريع" العنيف للمدينة يفاقم معاناة سكانها والفرار بات خطراً بسبب الانفلات الأمني

في ظل شجرة مع أحد أبنائها بين ذراعيها بينما تكتب رسالة إلى رئيس مخيم "تيامشرو" للنازحين داخلياً (أ ف ب)

ملخص

دان عدد من المنظمات الإنسانية والصحية عملية القصف باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، وطالبت بوقف استهداف المدنيين وضمان الحماية للمناطق السكنية.

تشهد مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان غرب السودان موجة نزوح جديدة بسبب تجدد القصف المدفعي والجوي بالمسيرات، والمتواصل بصورة عنيفة منذ أيام من قبل قوات "الدعم السريع"، مما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين جراء سقوط القذائف على المباني السكنية والتجارية، وأثار حالاً من الخوف والذعر وسط المواطنين لاستهدفه الأحياء السكنية.

ودان عدد من المنظمات الإنسانية والصحية عملية القصف باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، وطالبت بوقف استهداف المدنيين وضمان الحماية للمناطق السكنية.

ويعد نزوح المدنيين من هذه المدينة الأصعب من نوعه بالنظر إلى الانفلات الأمني الذي تشهده الطرق البرية المؤدية إلى المدن والقرى المجاورة لمدينة الأبيض، حيث أصبح النازحون أمام خيارات صعبة، فإما التوغل غرباً أو النزوح نحو شمال وشرق البلاد، خلال وقت تعالت أصوات سكان المدينة المنكوبة للمطالبة بالتدخل العاجل لتخفيف معاناتهم، وبخاصة الأسر التي تعيش تحت الحصار.

أوضاع قاسية

وزاد التصعيد العسكري على هذه المدينة من معاناة سكانها وآلاف النازحين الذين قصدوها عند اندلاع الحرب في ولايتي الخرطوم ودارفور، بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في معسكرات الإيواء البالغ عددها أكثر من 125 مركزاً يسكنها نحو 3709 أسر نازحة و26717 فرداً.

ويأتي القصف على عاصمة شمال كردفان بعد تمكن الجيش خلال الـ23 من فبراير (شباط) الماضي من إنهاء الحصار الذي فرضته قوات "الدعم" على هذه مدينة الأبيض قرابة عامين.

 

يقول آدم خليل، وهو أحد النازحين الذين فروا من مدينة أم درمان إلى الأبيض "منذ اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم نزحت مع أسرتي إلى مدينة الأبيض، ليستقر حالنا في أحد المعسكرات التي تؤوي آلاف النازحين من الأسر الذين جاء معظمهم من مناطق النزاع، وفي الحقيقة فإن النازحين في هذه المعسكرات يواجهون تحديات معقدة بسبب تصعيد العمليات العسكرية في المدينة، مما جعل النازحين على حافة الموت بسبب تفاقم أوضاعهم المعيشية لعدم حصولهم على الغذاء ومياه الشرب والرعاية الصحية، بل إن هذه المعاناة تزايدت أكثر خلال شهر رمضان، لانعدام المساعدات الإنسانية وتوقف المبادرات الخيرية التي كانت تغطي حاجة عدداً من مراكز الإيواء، في وقت تعاني مدينة الأبيض شحاً في السلع الاستهلاكية الأساس وارتفاعاً جنونياً في الأسعار".

وأضاف خليل "أجبرتني الأوضاع السيئة بعد نفاد أموالنا على العمل كبائع متجول لملابس الأطفال، وللأسف فإن المكسب قليل جداً ولا يكفي تأمين وجبة واحدة في اليوم، وحالي ينطبق على جميع النازحين في المعسكر، مما دفع كثيراً من النساء النازحات للعمل في المنازل أو كبائعات شاي في الأسواق الفرعية من أجل سد رمق أطفالهن الذين يواجهون خطر نقص الغذاء".

وواصل "لا تزال الأوضاع تتدهور يوماً تلو الآخر بسبب تصعيد وتيرة القتال، ومعها يزيد حجم القلق واليأس في نفوس النازحين، وأصبح التحمل صعباً للغاية، مما جعل كثراً منهم يفكرون في البحث عن ملاذ آمن على رغم الأخطار التي يمكن أن تواجههم في طريق النزوح".

ولفت النازح السوداني إلى أن "غالبية معسكرات إيواء النازحين في مدينة الأبيض تقع في الأحياء الغربية التي تشهد حالياً قصفاً عشوائياً من قبل قوات ’الدعم السريع‘، مما اضطرهم إلى مغادرتها نحو أحياء أكثر أماناً، لكن من غير توافر مأوى، مما زاد من معاناتهم وبخاصة أنه ليس لديهم بديل آخر".

استهداف مستمر

وفي السياق أوضحت الناشطة المجتمعية نادين مصطفى أن "اندلاع الحرب في العاصمة وتمددها داخل عدد من الولايات جعل مدينة الأبيض أكثر المدن تأثراً بالصراع، فهي تتمتع بموقع استراتيجي كونها ملتقى طرق، إلى جانب ارتباطها بطريق الصادرات الرابط بين ولايات السودان المختلفة، علاوة على أنها طريق ممهد إلى إقليم دارفور، مما أدى إلى استهدافها بصورة متواصلة من قبل قوات "الدعم السريع"، وتعد أكبر سوق للصمغ العربي على مستوى العالم وسوقاً أخرى للمنتجات الزراعية والثروة الحيوانية".

 

وأردفت مصطفى "كان متوقعاً بعد أن فك الجيش السوداني الحصار عن هذه المدينة أن ينعم المواطنون بالاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها، لكن هجوم ’الدعم السريع‘ المتواصل وصوت الانفجارات والدخان الكثيف الذي يملأ سماء المدينة أحال الحياة إلى جحيم، مما سبب حالاً من الخوف لدى المواطنين وجعلهم يبحثون عن إيجاد سبل للتعامل مع هذه الأخطار التي أدت لمقتل أسر بأكملها بسبب القذائف العشوائية المصوبة باتجاه الأحياء السكنية، وهي عادة ما تكون في أوقات غير محددة".

وأشارت الباحثة إلى أن "الوضع في المدينة أصبح كارثياً بسبب مشكلات أخرى كبيرة تمثلت في انعدام السيولة النقدية وتذبذب التيار الكهربائي، إضافة إلى تدهور الجانب الصحي والنقص الحاد في الأدوية والكوادر الطبية داخل المستشفيات العامة، فكل هذه المعضلات جعلت المواطنين يعجزون في الصمود أمامها، خلال وقت تستغرق رحلات النزوح المحفوفة بالأخطار ساعات وأياماً وربما تصل أسبوعاً كاملاً نتيجة سلوك طرق أخرى غير رئيسة".

شح الغذاء

على صعيد متصل قال عضو منسقية النازحين في كردفان عبدالكريم الصديق إن "تطور العمليات العسكرية في مدينة الأبيض فاقم معاناة سكانها، إضافة إلى النازحين الذين يعيشون داخل معسكرات الإيواء، حيث يواجهون ظروفاً قاسية في ظل شح الغذاء وارتفاع الأسعار وعدم توافر المال والسيولة، مما أجبر بعضهم على ممارسة التسول من أجل توفير لقمة العيش وبخاصة وسط النساء والأطفال وكبار السن".

 

وزاد الصديق أن "غالبية النازحين يمارسون أعمالاً متواضعة توفر القليل من متطلبات الحياة، لكن في ظل تصعيد المواجهات أصبح هناك خطورة في التحرك داخل المدينة، مما أوقف نشاطاتهم التي ستتفاقم معها أوضاعهم المعيشية، فضلاً عن أن معسكرات الإيواء تقع في مرمى القصف، حيث لم يبق أمامهم مخرج سواء النزوح ومواجهة مزيد من الكرب".

وبين عضو منسقية النازحين أن "الحصار الذي كان مفروضاً على المدينة، أدى إلى إغلاق المداخل وإعاقة القوافل الإغاثية من الوصول منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وعقب كسر الحصار استقبلت المدينة شحنات محملة بالغذاء والدواء والكساء والمشمعات البلاستيكية، وانتعشت الحركة التجارية في أسواق المدينة قبل أن تعود مرة أخرى للركود مع القصف المدفعي اليومي، لكن من المحال عودة الأحوال للهدوء بسبب تمسك القوتين المتحاربين بالقتال".

إنهاء الحصار

ويسيطر الجيش على مدينة الأبيض منذ اندلاع الحرب مع قوات "الدعم السريع" منتصف أبريل (نيسان) 2023، خلال وقت كانت الأخيرة تفرض حصاراً من جميع الاتجاهات على المدينة، قبل أن يتمكن الجيش من إنهاء الحصار عبر متحرك الصياد، وفتح الطريق القومي بينها ومدينة أم روابة وكوستي بولاية النيل الأبيض.

ومنذ فك حصار هذه المدينة ظلت قوات "الدعم" تستهدفها بالقصف المدفعي والطائرات المسيرة، مما ألحق أضراراً بالمدنيين بين قتلى وجرحى وتدمير للممتلكات العامة، من غير أن يصيبا أهدافاً عسكرية في المدينة.

وتعد مدينة الأبيض التي تضم الفرقة الخامسة مشاة التابعة للجيش السوداني والمعروفة بالهجانة، ذات موقع استراتيجي من الناحية التجارية والعسكرية بفضل موقعها الجغرافي المتميز، إذ تربطها طرق برية بولايات كردفان الكبرى والنيل الأبيض وشمال دارفور.

المزيد من متابعات