Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كردفان عالقة بين حصار "الدعم السريع" ولهيب الأسعار

أصبح السكان والنازحون الذين استقبلتهم الولاية مهددين بشبح المجاعة

سودانيات فررن من الصراع في السودان يصطففن لتلقي حصص الأرز (أرشيفية - رويترز)

ملخص

تحتضن مدينة الأبيض إلى جانب سكانها أعداداً كثيفة من النازحين، الذين فروا من تمدد العمليات العسكرية، وفاقم ارتفاع الأسعار غير المسبوق وانعدام السيولة الأزمات وجعلا الجميع في ظروف قاسية.

مع استمرار تصاعد حدة الاشتباكات في السودان واجتياح الولايات الآمنة تفرض قوات "الدعم السريع" التي تخوض حرباً دامية مع الجيش السوداني منذ الـ15 من أبريل (نيسان) 2023، حصاراً محكماً على ولايات كردفان، بخاصة مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان (تبعد من الخرطوم 400 كيلومتر)، مما أدى إلى تنامي مخاوف سكانها الذين يعيشون واقعاً مأسوياً في المناطق التي تشهد تكرار المعارك لدخول هذه المدينة والسيطرة عليها وبسط نفوذها.

وفي المقابل يواصل الجيش السوداني حماية المناطق التي تتمركز فيها قيادة الفرقة الخامسة مشاة، إلى جانب مواقعها الاستراتيجية، في ظل هذه التداعيات بين طرفي الصراع أصبح السكان والنازحون الذين استقبلتهم الولاية في مراكز الإيواء والبالغ عددها 167 مركزاً، وتحوي ما يفوق 5044 سريراً، يهددهم شبح المجاعة نتيجة لهذا الحصار منذ مايو (أيار) الماضي، الذي نتج منه ارتفاع جنوني في أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، بعد أن وسعت القوات من نقاط تفتيشها وفرضت جبايات طائلة على الشاحنات التي تنقل البضائع من وإلى مدينة الأبيض. واضطر ذلك التجار إلى تخزين بضائعهم مما أسهم بدوره في ندرتها وتعرضها للتلف، إضافة إلى توقف المساعدات التي كانت تصل ولاية شمال كردفان بصورة مستمرة لا سيما أن الولاية حظيت باهتمام واسع من منظمة الأمم المتحدة التي اتخذت من مدينة الأبيض مقراً لوجيستياً لقاعدتها.

إحجام قسري

يقول المواطن السوداني صومالي إبراهيم الذي يعمل سائق مركبة لنقل البضائع إلى مدينة الأبيض إنه "وجد نفسه بلا عمل، بعد أن كان في حركة دؤوبة لنقل البضائع إلى المدينة، إذ تعد نقطة تلاقي طرق تجارية مع بعض المدن الحيوية، لكن تمدد الحرب حال دون مواصلة العمل بسبب حصار قوات (الدعم السريع) المدينة، إلى جانب انتشار عصابات النهب المسلح، إضافة إلى نقاط التفتيش، التي تفرض رسوماً طائلة للعبور، مما يعرض التجار إلى خسائر مادية كبيرة".

 

 

وأضاف إبراهيم "على رغم فتح طرق بارا والرهد وأم روابة لجأ التجار إلى تخزين بضائعهم مما جعلها عرضة للتلف، إلى جانب أن شحها بالأسواق أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعارها، مما فاقم من معاناة الأهالي وشكل كارثة في أوضاعهم المعيشية".

وأشار السائق إلى أن "استمرار الحال على هذا النحو، فضلاً عن توقف انسياب السلع الاستهلاكية الضرورية، وتوقف المساعدات الإنسانية حتماً سيترتب عليه الجوع والمرض اللذان انتشرا بصورة واسعة بسبب الحرب اللعينة". منبهاً إلى رفع الوعي وسط المواطنين بخاصة الشرائح الضعيفة والنازحون عند ملاحظة مؤشرات تدل على تلف السلع الغذائية بسبب طول تخزينها تحت ظروف غير ملائمة، لذا يجب الإبلاغ ورفع الشكاوى، فضلاً عن أن الأسواق تشهد رقابة واستجابة سريعة من الجهات المعنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأمام ذلك جرى ضبط كمية كبيرة من أجولة عدس مقشور داخل موقع بالسوق الكبيرة لمدينة الأبيض، أعيدت تعبئته من جديد بعد تلفه، وفور الإبلاغ من أحد المواطنين أجريت عملية تفتيش اتضح أنه اختلط بصابون غسل سائل عند التخزين، مما أفسده وجعله غير صالح للاستخدام، بحسب صومالي، الذي أضاف "نأمل في أن تحظى الأسعار بالاهتمام نفسه وضبطها حتى تستقر حال المواطن".

شبح المجاعة

وفي المنحى ذاته أوضحت الباحثة المجتمعية اعتماد الرشيد أن "طول أمد الحرب واحتدام المعارك يطاول مجتمعات ولايات كردفان الثلاث، بخاصة شمال كردفان التي تحاول ميليشيات (الدعم السريع) السيطرة عليها من خلال الحصار المحكم على مدينة الأبيض، مما أدى إلى تردي الأوضاع، وبات المدنيون في مواجهة مجاعة وشيكة".

وأردفت الرشيد "تحتضن هذه المدينة إلى جانب سكانها أعداداً كثيفة من النازحين، الذين فروا من تمدد العمليات العسكرية، إذ إن ارتفاع الأسعار غير المسبوق، وانعدام السيولة، فاقما الأزمة وجعلا الجميع في ظروف قاسية وصلت إلى عدم تمكينهم من شراء أساسات صناعة وجبة واحدة في اليوم، إلى جانب غلاء أسطوانة غاز الطهي وعدم توافرها إلا في السوق السوداء". وزادت في القول "من الصعوبات الإضافية التي يواجهها مواطن مدينة الأبيض ارتفاع سعر الخبز نسبة إلى الزيادة الباهظة في سعر جوال الدقيق، إذ تباع سبع قطع من الخبز بـ1000 جنيه (ثلاثة دولارات)، إلى جانب عدم القدرة على شراء اللحوم، إذ وصل سعر كيلو اللحم البقري إلى 20 ألف جنيه (40 دولاراً) والضأن إلى 30 ألف جنيه (50 دولاراً)، وهذه أسعار خيالية تفوق مقدرة المواطن في ظل هذه المرحلة الحرجة التي تشهدها البلاد". ولفتت إلى أن "الحصار إذا امتد لثلاثة أشهر مقبلة ستكون هناك عواقب وخيمة على سكان ونازحي مدينة الأبيض".

غلاء طاحن

وفي السياق ذاته، قال المواطن يوسف بشارة أحد مراقبي حركة السوق بمدينة الأبيض إن "شمال كردفان تعاني تدهوراً اقتصادياً، لا سيما أن مدينة الأبيض عاصمة الولاية تعد واحدة من مدن السودان المهمة، إذ تضم أكبر بورصة للصمغ العربي في العالم، وأضخم سوق للمحاصيل، إلى جانب أنها ملتقى طرق تجارية ومركز زراعي بارز".

 

 

وأوضح بشارة "حال التضخم وارتفاع الأسعار وندرة السلع ترجع إلى حصار المدينة والتوترات الأمنية وعمليات النهب الواسعة التي جعلت الطرق غير آمنة، فهذه الأسباب أدت بالتجار إلى تخزين السلع وأخذ الحيطة وتفادي الخسائر المادية". وتابع "من أبرز السلع الاستهلاكية التي شهدت ارتفاعاً فظيعاً، السكر الذي بلغ الجوال وزن 50 كيلوغراماً 150 ألف جنيه (120 دولاراً)، والرز والعدس وزن 20 كيلوغراماً 100 ألف جنيه (110 دولارات)، إلى جانب دقيق الخبز 70 ألف جنيه (80 دولاراً) وزيت الطعام ومشتقات الفول 80 ألف جنيه (90 دولاراً) والبصل إلى 90 ألف جنيه (100 دولار)، إلى جانب ارتفاع غير مسبوق في لبن البدرة والبن، وهذه الأسعار غير ثابتة وفقاً لتأرجح الدولار وعدم استقراره".

وأشار المواطن إلى أنه "مع توسع القتال ومحاولة السيطرة على كردفان فإن الأمر سيزداد سوءاً وستشهد المنطقة غلاءً طاحناً ويصبح المواطن غير قادر على شراء قوت يومه وينتشر الجوع، ومن ثم المجاعة والموت بغير ميادين القتال".

المزيد من متابعات