Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

النبي شعيب في العقيدة الدرزية: رمز النبوة والحكمة والهوية

يحتل مقامه مكانة مركزية ومقدسة وله منزلة خاصة في تسلسل الرسالات التوحيدية

يحتل النبي شعيب مكانة مركزية ومقدسة في العقيدة الدرزية وله منزلة خاصة في تسلسل الرسالات التوحيدية (اندبندنت عربية)

ملخص

النبي شعيب ليس مجرد شخصية دينية في الوعي الدرزي، بل هو مرآة لهوية دينية وثقافية عميقة الجذور. يُمثل، في عيون الموحدين، قامة روحية سامية وأيقونة أخلاقية، تتجلى في الحكمة والتوحيد والصبر، وهي القيم التي شكلت حجر الأساس في بُنية العقيدة الدرزية

يحتل أبناء الطائفة الدرزية في المنطقة راهناً حيزاً كبيراً من الاهتمام الإعلامي، بخاصة مع ما يحدث في كل من سوريا ولبنان، وموقف القيادات الروحية لهذه الطائفة من التطورات المتسارعة وبخاصة لناحية العلاقة مع إسرائيل.

وفي السياق، جاءت الزيارة التاريخية التي قام بها وفد من المشايخ الدروز من بلدة حضر السورية بريف القنيطرة إلى المنطقة التي تحتلها إسرائيل في الجولان، والتي تمت بالتنسيق مع الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ موفق طريف، لتسلط الضوء على هدف الزيارة الروحي والديني والإنساني، المتمثل بزيارة مقام النبي شعيب. 

فمن هو النبي شعيب وما رمزيته لدى الدروز؟

تقول المراجع الدينية، إن النبي شعيب هو أحد أنبياء الله ومن أحفاد النبي إبراهيم، وهو ثالث نبي عربي ورد اسمه في القرآن الكريم، كما ذكرت سورة الأعراف وهود والشعراء أنه بُعث نبياً بعد نوح وهود وصالح ولوط، وأنه كان نبياً لأهل مديَن والأيكة.

أبناء طائفة الموحدين الدروز، يعتبرون بدورهم أن النبي شعيب والذي لقب بخطيب الأنبياء ومعلمهم لفصاحة لسانه، هو منزه لم يتزوج ولم يكن له أولاد. وكان يعيش في عصر النبي موسى، وفي منطقة مدين في ساحل الحجاز بين قومه، وبدأ يهديهم لطريق الخير والعدل والاستقامة والأمانة وعدم الغش والخداع في التجارة، حيث كانوا يشترون بالزائد ويبيعون بالناقص. وبعد أن رأى أنهم لم يهتدوا، تركهم مع قومه المؤمنين وقدم إلى أرض الشام، حيث أقام في قرية تسمى حطين في الجليل الأسفل بالقرب من بحيرة طبريا، حتى توفي ودفن فيها، وتلك المنطقة تعتبر أقدس بقعة للدروز في العالم.

بحسب موروثهم كان النبي شعيب المرشد الروحي للنبي موسى، إذ دعمه وأرشده وعلمه أصول الإدارة وتنظيم صفوف قومه، ووفق معتقداتهم كان معه حين أنزل عليه الرب الوصايا العشر، ووفقاً للتوراة فإن النبي موسى خاطبه قائلاً "ابقى معنا فقد كنت لنا كالعينين".

أما بالنسبة لمقام النبي شعيب، تكشف المراجع التاريخية أنه شيد على عهد القائد العربي صلاح الدين الأيوبي، بعد نصره على الصليبيين، وكان قائد الأركان في موقعة حطين الشهيرة، درزي واسمه رافع أبو الليل، ومنذ ذلك الوقت تولى الدروز الإشراف على المقام. 

مكانة النبي شعيب لدى الدروز

يحتل النبي شعيب مكانة مركزية ومقدسة في العقيدة الدرزية، ليس فقط بصفته نبياً من أنبياء بني إسرائيل كما تذكره الديانات السماوية، بل كرمز إيماني وتجسيد للحق والحكمة، وله منزلة خاصة في تسلسل الرسالات التوحيدية. ولا يُعبد النبي شعيب، بطبيعة الحال، لكنه يُجل ويُكرم كرمز من رموز التوحيد والنبوة الصادقة، ويُعتبر لدى الموحدين الدروز الأب الروحي للديانة الدرزية والذي جسد المعاني العليا للتوحيد ويجسد معاني العقل الكلي، ويرمز إليه باللون الأخضر في العلم الدرزي.

وتبرز هذه المكانة في التقاليد الدينية، وفي الأدبيات التوحيدية، وفي الشعائر الاجتماعية التي تحيط بزيارة مقامه في حطين. ويُستحضر في الأدعية والآداب الدينية كمثال للصدق، والصبر، والقيادة الروحية، ويُعد مقامه من أقدس المقامات لدى الدروز. كان له دور في الحفاظ على نقاء الرسالة التوحيدية، ولذلك يُستحضر اسمه في مجالس العقل والحكمة.

وللتعرف أكثر إلى موروث النبي شعيب، وما يمثله من قدسية لدى طائفة الموحدين الدروز تحدثت "اندبندنت عربية" إلى المدير العام للمجلس الديني الدرزي الأعلى المحامي رائد شنّان في إسرائيل، وهو من بلدة حرفيش في الجليل، والذي أشار إلى توقيت تاريخي بالنسبة للمقام، وإلى مفهوم خاطئ بربط المقام بدولة إسرائيل.

يكشف شنّان أن لقاء الدروز حول العالم في هذا المقام تم عام 1884 أي قبل وجود مشروع ثيودور هرتزل الذي أعلن عام 1896 عن رؤيته حول إقامة دولة يهودية ووطن للشعب اليهودي، وكان الشيخ مهنا طريف، الجد الأكبر للشيخ موفق طريف، الرئيس الروحي الخامس للطائفة الدرزية في فلسطين آنذاك. وحينها وبالتعاون مع رجال الدين الدروز من لبنان وسوريا تم بدء العمل على ترميم المقام، وحينها قاموا بتحديد يوم 25 أبريل (نيسان) موعد الزيارة السنوية لمقام النبي شعيب.

اقرأ المزيد

لماذا في 25 أبريل تحديداً؟

هناك روايتان وفقاً للمحامي رائد شنّان، الأولى تحدثت عن أنه حين كانوا يقومون بأعمال الترميم شع نور من الضريح، والثانية تحدثت عن أن ذلك التاريخ يكون أوائل الربيع أي الإشراق، وفي هذه الفترة من الممكن أن يجتمع الدروز حول العالم، وحينها لم تكن هناك سيارات أو طائرات، فكان الناس ينتظرون ذوبان الثلوج للقدوم مشياً على الأقدام أو الاستعانة بالخيول والدواب. وكان دروز لبنان وسوريا يتبرعون لترميم المقام سنوياً، وقد تم تكرس تاريخ الزيارة منذ 1884 حتى اليوم. كما أن داخل المقام لا تزال هناك غرفة باسم الزعيم الدرزي اللبناني نسيب بيك جنبلاط كان تبرع بها، مما يعني بحسب شنّان أنه لا علاقة لقيام دولة إسرائيل بالزيارة أو بتاريخها.

ويتابع أنه كان هناك خلاف عقاري بين الشيخ أمين طريف وبين الوقف الإسلامي في فلسطين على ملكية أرض المقام، وذلك خلال زمن الانتداب البريطاني. 

وفي هذا السياق حصلت "اندبندنت عربية" على وثيقة تاريخية تظهر توقيع كل الرؤساء الروحيين للطائفة الدرزية عام 1945 في كل من لبنان وسوريا وفلسطين، وموجهة إلى المندوب السامي البريطاني اللورد غورت جون فيريكير وتؤكد ملكية أرض مقام النبي شعيب للطائفة الدرزية. 

 

ومما جاء في نص الوثيقة، التي حملت تاريخ 30 مايو (أيار) 1945:

"إننا الموقعين أدناه ممثلي الأمة الدرزية الإسلامية من رجال الدين والزعماء والمشايخ في سوريا ولبنان وفلسطين، أتممنا اجتماعنا السنوي لزيارة المقام الشريف مقام النبي شعيب، نؤكد لفخامتكم أن حق الدروز في المقام الشريف حق تاريخي وحق تملك منذ قديم الزمان، نقول هذا مع الإيجاز مكتفيين بالخرائط التي قدمت لفخامتكم من جهات درزية عديدة، ولقد بلغنا أن هناك معارضة لهذا الحق من جهة الأوقاف الإسلامية..."   

ووقعت هذه الوثيقة من قبل محمود شجاع من لبنان، الرئيس الديني أمين طريف في فلسطين والرئيس الديني في سوريا أحمد الهجري.

دروز لبنان زاروا المقام في فترة الاحتلال الإسرائيلي

بالعودة إلى مسألة الزيارة، بعد قيام دولة إسرائيل وإقامة العلاقات بين الدروز والدولة الإسرائيلية، استمر الأمر كمحطة سنوية وتحولت إلى عيد رسمي بالنسبة للدروز في إسرائيل، كما أصبحت عطلة رسمية معتمدة لدى الدولة الإسرائيلية.

وفي السياق يقول شنّان إن الأتراك والعثمانيين لم يعترفوا بالدروز كطائفة رسمية من ناحية الأوقاف والمحاكم الروحية والمذهبية، حتى جاءت الدولة الإسرائيلية واعترفت بهم كطائفة مستقلة وذلك عام 1957، وحينها تأسس المجلس الديني الدرزي.

لا تقتصر زيارة المقام على الطابع الديني فقط، بل تأخذ بعداً اجتماعياً ووحدوياً، حيث تُنظم لقاءات تُعزز اللحمة بين أبناء الطائفة المنتشرين في سوريا ولبنان وإسرائيل، ويتم فيه نقاش شؤونهم العامة. وتقدر أعداد زوار المقام في كل عام بأكثر من 10 آلاف زائر، ويزدحم المقام بهؤلاء القادمين لالتماس البركة وإيفاء النذور، فيما تتخذ الاحتفالات هناك طابعاً دينياً وكذلك طابع التجمع الشعبي ولم الشمل، وقبل عيد النبي شعيب بأسبوع، تبدأ التوعية والإرشاد بين أبناء الطائفة في البلاد بالتوجه إلى المدارس والحديث عن النبي شعيب وتاريخ المقام، فيما يتبادل أبناء الطائفة التهاني بقولهم "زيارة مقبولة".

ويشير المحامي شنّان إلى أنه عام 1967 قام دروز الجولان بالزيارة بشكل طبيعي، ومن ثم عام 1973 أي عام حرب الغفران بين مصر وسوريا وإسرائيل، كانت الأخيرة تحتل بلدة حضر في مرتفعات الجولان، فقام حينها مشايخ تلك البلدة بالزيارة، وهذا ما يعرف اليوم بـ "الزيارة الحضرية"، ولكن بعد اتفاق وقف إطلاق النار انسحبت إسرائيل من حضر وامتنع حينها الدروز من سوريا عن القيام بالزيارة السنوية.

ويوضح المدير العام للمجلس الديني الدرزي الأعلى أن ما قيل في الإعلام عن أن الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد المشايخ من حضر هي الأولى منذ 50 عاماً ليس دقيقاً إلى حد ما، حيث أنه وفي عام 1982 عندما اجتاحت إسرائيل لبنان، قام المشايخ اللبنانيون بزيارة المقام ومنهم الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين، (شيخ درزي يُعتبر من أرفع المرجعيات الدينية لدى طائفة الموحدين الدروز في سوريا ولبنان وفلسطين)، أيضاً الشيخ سامي أبو المنى، (شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز راهناً في لبنان)، والذي ألقى قصيدة ما زالت موثقة في أرشيف زيارات المقام، وقام بالزيارة مرات عدة.

كذلك استمرت الزيارات طوال فترة احتلال إسرائيل للبنان أي منذ الاجتياح عام 1982 وحتى انسحابها بشكل كامل من الجنوب عام 2000، وأكثر من هذا كان العمال الذين يقومون بأعمال الصيانة والترميم في المقام هم من دروز لبنان، وخلال تلك الفترة (بين 1982 و2000) زار المقام كافة دروز لبنان لما للنبي شعيب من قدسية، حيث يعتبر قبلة الدروز، وكانت الزيارات تقام بشكل عادي، حتى على المستوى الاجتماعي كانت هناك زيارات متبادلة بين الدروز في لبنان وإسرائيل. ويعرب شنّان عن تفاجئ الدروز في إسرائيل من الموقف الذي اتخذته الشخصيات السياسية والروحية الدرزية في لبنان من زيارة المشايخ الأخيرة، ويذكر أنه هو نفسه زار مدينة عالية في جبل لبنان في ذلك الوقت، وكان لا يزال صغيراً.

علاقات وطيدة تربط بين الدروز حول العالم

يرى شنّان ألا حدود بين الدروز وهذه صفات متأصلة بهم، فهم يغتنمون أي فرصة للتواصل ومؤزارة بعضهم البعض في أي بقعة في العالم، ولن يتوانوا لحظة عن زيارة لبنان عند أي فرصة سانحة ولا أحد يستطيع منعهم من توطيد علاقاتهم بعضهم ببعض، لا حدود ولا أسلاك ولا سياسة، فالدروز يعتبرون أنفسهم كلهم أقارب وأهل.

ويشير هنا إلى أن هناك عائلات باعدت بينهم الحدود، التقت ببعضها البعض خلال زيارة مشايخ حضر الأخيرة. ويشرح أنه خلال حرب 1973 وقبل أن ينقسم الجولان جزءاً سورياً وجزءاً إسرائيلياً، هناك عائلات انقسمت بين الجزءين حتى أن هناك أخوة كل منهم يسكن في جزء، وهذا ظلم بحق تلك العائلات، أيضاً هناك نساء من حضر وعين جرفا (الجزء السوري) تزوجت من مجدل شمس (الجزء الإسرائيلي)، وهناك عائلات بأكملها انتقلت من حضر إلى جبل الكرمل (حيفا) قبل 1948 وبعد الحرب انقطعت الحدود فاستقروا هناك. وحتى عام 2010 كانوا يلتقون على تلة اسمها تلة الصيحات في مجدل الشمس، وكانوا يتبادلون التحايا من جبل إلى جبل عبر مكبرات الصوت في مشهد إنساني مؤثر، ولكن عندما اندلعت الحرب السورية قبل أعوام توقف الناس عن تلك اللقاءات.

النبي شعيب في العقيدة الدرزية

النبي شعيب ليس مجرد شخصية دينية في الوعي الدرزي، بل هو مرآة لهوية دينية وثقافية عميقة الجذور. يُمثل، في عيون الموحدين الدروز، قامة روحية سامية وأيقونة أخلاقية، تتجلى في الحكمة والتوحيد والصبر، وهي القيم التي شكلت حجر الأساس في بُنية العقيدة الدرزية. ومن هنا، تتضاعف أهميته ليس فقط في البعد الديني، بل أيضاً في الحفاظ على وحدة الطائفة وتماسكها عبر الزمان والمكان. ومعلوم أن الدروز لا يُظهرون تفاصيل عقيدتهم للعامة (التقية)، لكن في تراثهم الداخلي، يُعتبر النبي شعيب من كبار الحكماء الذين يمثلون خطاً روحياً يرتبط بجوهر التوحيد.

المزيد من تحقيقات ومطولات