ملخص
لا غنى للولايات المتحدة عن دعم الحلفاء
على امتداد أعوام طويلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تمتعت الولايات المتحدة بمكانة قوة عظمى في عالم أحادي القطب. ازدهر اقتصادها وأصبحت قوتها العسكرية لا تضاهى. وفي خضم سعيها إلى تحقيق أهدافها، كان على واشنطن أن تواجه عدداً من العراقيل، لكن حتى خلال أوقات الازدهار هذه، أخفق الزعماء الأميركيون أحياناً في مجال السياسة الخارجية. وغالباً ما ارتكبت الولايات المتحدة أخطاء أسفرت عن أداء لا يعكس مكانتها الدولية الرفيعة. وتساءل كثر مثلاً كيف يمكن للولايات المتحدة أن تتمتع بالقوة الكافية لتخرج منتصرة من الحرب الباردة وتخفق في الآن ذاته في تحقيق مهمتها المنشودة في مناطق مثل الصومال بعد مرور أعوام قليلة فقط.
ومنذ ذلك الوقت، تغير العالم بشكل جذري، إذ أحرزت الصين تقدماً لافتاً، وأصبحت الآن قادرة على منافسة الولايات المتحدة على الصعيدين العسكري والاقتصادي كما سعت، إلى جانب روسيا، إلى قلب النظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. وبات لواشنطن منافسون أنداد من جديد. باختصار، تخسر الولايات المتحدة تفوقها شيئاً فشيئاً.
ومن جهته تغير الشعب الأميركي أيضاً. ما عاد في الداخل إجماع على ضرورة أن توجه الولايات المتحدة دفة العالم، لكن قد يتبين أن هذه النزعة [الانعزالية] محفوفة بالأخطار، لأن العالم يكون أكثر استقراراً إجمالاً عندما تلعب الولايات المتحدة دوراً قيادياً فيه. ونظراً إلى هذه القيود في الداخل والخارج، ما عاد الزعماء الأميركيون يملكون رفاهية مقاربة فن الحكم على نحو سيئ والتعثر. حري بهم الاعتبار بدروس مستقاة من أخطاء من سبقوهم- وتحديداً أن السياسة محكومة بالفشل إن لم يوازن الرئيس بين أهدافها ووسائل تطبيقها.
ولكي ينجح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عليه أن يدرك هذه الحقيقة. صحيح أن بعض أهدافه، مثل وضع حد للحروب في غزة وأوكرانيا، تستحق الثناء، لكنها فضفاضة إلى حد أنها تتطلب من الولايات المتحدة تسخير كل قدراتها. وهي حتى إن فعلت ذلك، ستظل في حاجة إلى المساعدة من بعض شركائها. ومع أن ترمب يرى في الحلفاء منتفعين مزعجين، فسيصعب عليه طي الحرب في غزة من دون دعم الدول العربية كما سيكون من الصعب أيضاً أن يمارس "أقصى الضغوط الممكنة" على إيران من دون أن يفرض شركاء الولايات المتحدة عقوبات عليها كذلك. ولو أرادت إدارة ترمب أن تستعيد الولايات المتحدة هيمنتها، فعليها أن تتبين كيفية تحقيق هذا المراد وما الذي تحتاج إليه للنجاح فيه. قد يبدو ذلك بديهياً للغاية، لكن التاريخ الأميركي حافل بالسياسات الخارجية التي أخفقت بسبب عدم قدرة الرؤساء أو عدم رغبتهم في حشد الموارد الضرورية لتحقيق الأهداف التي حددوها.
تحديد الأهداف
كثيرة هي المساعي الأميركية المحكومة بالفشل منذ البداية في مجال السياسة الخارجية بسبب وضعها بغية خدمة أهداف سيئة. أحياناً لا يكوّن الرؤساء الأميركيون صورة وافية عن الوضع الذي يواجههم، فيضعون أهدافاً طموحة للغاية. اعتقد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن أن الولايات المتحدة قادرة على إرساء الديمقراطية والسلام في الشرق الأوسط من طريق إطاحة الديكتاتور العراقي صدام حسين. فمن شأن العراق الحر أن يرتقي نموذجاً تحتذي به باقي دول المنطقة- أو هذا ما اعتقده الرئيس. اقتنع الرئيس بهذه الخطة بسبب مستشاريه وبعض الشخصيات العراقية البارزة في المنفى. وقد أبعد الأشخاص المحيطين به مثل وزير الخارجية كولن باول الذي عارض هذه الافتراضات. ونتيجة لذلك، غيرت الولايات المتحدة النظام في العراق لكنها تركت فراغاً أدى إلى نشوب حرب طائفية. فمن دون ضمان أمن الشعب العرقي، لم يتح للعملية السياسية أي فرص نجاح.
كذلك يمكن أن يؤدي الضغط السياسي بالرؤساء إلى تبني أهداف ليسوا مستعدين لتحقيقها. في عام 2011، بدأ الرئيس السوري بشار الأسد بقتل وتعذيب الآلاف من شعبه. على مدى أشهر، ناشد الناشطون والمحللون الرئيس الأميركي باراك أوباما كي يتدخل. في أغسطس (آب) 2011، رد على هذه الضغوط بتصريحه بأن الأوان قد حان كي "يتنحى" الأسد. لكن أوباما لم يكن مستعداً للتدخل. وكانت كلفة تقاعسه هذا حرباً مدمرة أسفرت عن صعود "داعش"، ومصرع 600 ألف شخص وتهجير الملايين غيرهم. صحيح أن التدخل الأميركي لم يكن ليمنع نشوب الحرب لكن كان بمقدور الولايات المتحدة أن تقلص الأضرار بشكل كبير، من طريق حظر الطيران فوق شمال سوريا مثلاً.
في بعض الأحيان، يحقق الرؤساء هدفاً واحداً فيقتنعون بعدها أنهم قادرون على تحقيق المزيد. وافق الرئيس جورج بوش الأب مثلاً على مهمة عسكرية في 1992 من أجل إغاثة الصومال من المجاعة ومنع المسلحين من الاستيلاء على المساعدات الإنسانية. نجحت القوات الأميركية في تقليص خطر المجاعة - محققة هدف بوش الأساسي - لكن البلاد ظلت غير مستقرة جراء الاقتتال بين أمراء الحرب. عندها، وسع بوش نطاق عمل المهمة لدرجة أن الولايات المتحدة تورطت فعلياً في الحرب الأهلية في الصومال. ورث الرئيس بيل كلينتون هذا الهدف المعدل واستمر على نهج بوش إلى أن أسقط المسلحون الصوماليون مروحيتين أميركيتين من طراز بلاك هوك وسحلوا جثث جنود المارينز الأميركيين في شوارع مقديشو. بعد هذه المأساة، سحب كلينتون القوات الأميركية من البلاد. وفشلت المهمة في نهاية المطاف لأن الولايات المتحدة كانت تفتقر إلى مصلحة إستراتيجية تستخدم القوة لإحراز التغيير أو شريك محلي موثوق قادر على الانتصار في الحرب الأهلية الصومالية. وتبين أن الصومال هو المثال النموذجي عن انحراف المهام، حيث كبر الهدف مع الوقت وأصبح ثقيلاً وغير عملي، وقطعت الولايات المتحدة وعوداً لم تكن على استعداد لتحقيقها.
ما عاد الزعماء الأميركيون يملكون رفاهية التعثر في فن الحكم
من شبه المؤكد أن تسفر الأهداف غير المدروسة عن فن الحكم بشكل سيئ. وإن أراد الرئيس وضع أهداف مناسبة، فعليه أن يدرس الأخطار جيداً. يمكن للولايات المتحدة أن تكون طموحة عندما تكون مستعدة لتسخير الموارد الضرورية كما فعلت في ألمانيا بعد سقوط جدار برلين. آمنت إدارة جورج بوش الأب أن توحيد شطري ألمانيا مسألة حتمية وأنه من الضروري أن تكون الدولة الألمانية الجديدة جزءاً من الناتو، إذ ساور واشنطن القلق من أن تشعر ألمانيا الموحدة في حال كانت على الحياد، بالحاجة إلى تطوير أسلحتها النووية الخاصة أن تصبح مساحة للتنافس بين القوى العظمى- مما يعيد إنتاج الظروف نفسها التي أدت إلى نشوب الحربين العالميتين في أوروبا.
لكن الأخطار كانت ضخمة جداً والعوائق جسيمة: لم يكن الاتحاد السوفياتي ليقبل بسهولة هذه النتيجة التي يتوحد فيها شطرا ألمانيا وتنضم البلاد إلى الحلف الأميركي. كذلك قلق الزعماء البريطانيون والفرنسيون أيضاً من أن تزداد ألمانيا قوة وتهيمن على أوروبا. وكما قالت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر "سوف يأخذ الألمان في السلم ما لم يتمكن هتلر من أخذه في الحرب"، لكن بوش ووزير الخارجية جيمس بيكر قررا أنهما قادران على التغلب على كل جهات المعارضة إن أمسكا بزمام المبادرة وأظهرا للألمان بأن واشنطن إلى جانبهم وعرضا على الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف حزمة من التطمينات والدعم الملموس، وأظهرا كيف يمكن للولايات المتحدة أن تسهم في تغيير الهيكلية الاقتصادية والأمنية في أوروبا بحيث لا تتيح لألمانيا الهيمنة على المؤسسات الأوروبية (غالباً ما طمأن بوش وبيكر الحلفاء بقولهما إن النتيجة ستكون ألمانيا الأوروبية وليس أوروبا الألمانية).
نجحت واشنطن في ضمان مشاركة ألمانيا الموحدة في الناتو - وهو إنجاز ضخم - لأنها كانت مستعدة لتعزيز هذا المسعى الدؤوب من طريق الجمع بينه وبين الجهود الدبلوماسية الحثيثة. سافر بيكر حول العالم للقاء نظرائه البريطاني والفرنسي والألماني والسوفياتي من أجل العمل على التفاصيل ومنها طريقة انسحاب القوات السوفياتية من ألمانيا الشرقية ومن سيدفع كلفة سحبها وكيف يمكن أن يبدو الناتو أقل تهديداً بالنسبة إلى الاتحاد السوفياتي. أدارت الولايات المتحدة كل خطوة من عملها الدبلوماسي بدقة. فاستخدمت واشنطن مثلاً قنوات خلفية للاتفاق على التفاصيل في مسائل حيوية قبل إجراء اللقاءات مع الحلفاء والاتحاد السوفياتي، ووصل بها الأمر إلى منح غورباتشوف ووزير خارجيته إدوارد شيفرنادزه مسودة إعلان الناتو لتبين لهما أن الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة يتغير- وهي مسألة يقول شيفرنادزه إنها أتاحت لغورباتشوف فرصة إقناع قيادة الحزب بقبول انضمام ألمانيا إلى الناتو.
حقق بوش نجاحه في ألمانيا بفضل الدبلوماسية الدقيقة والقوة الناعمة الأميركية، إذ يصبح في المتناول بلوغ الأهداف الأميركية حين الاستعانة بالحلفاء وتطرح الأمور بشكل يجعل الموقف الأميركي جذاباً في عيون الآخرين. لا يمكن للقوة الناعمة أن تحل محل القوة الصلبة إنما يمكن أن تصبح مكملة لها إن استخدمت بشكل فعال. تجاهل ترمب هذه الأداة بشكل كبير، فهو يفضل أن يصدم الحلفاء والشركاء بدلاً من أن يستقطبهم لمصلحة قضاياه، وهو يرتاح بشكل أكبر عندما يستخدم عنصراً آخر من عناصر فن الحكم: النفوذ.
صانع سلام؟
يمكن فعلاً أن يسهم ميل ترمب إلى استخدام الضغط والنفوذ في إنهاء الحرب في غزة، إن طبقه بحذر. أكملت إسرائيل و"حماس" المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلا إليه في يناير (كانون الثاني) الماضي، على أن يمتد على ثلاث مراحل، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غير مستعد للتفاوض على المرحلة الثانية، وأحد الأسباب أنه يريد تجنب إحداث اضطرابات داخل تحالفه. لم يضغط ترمب على نتنياهو كي يتفاوض على المرحلة الثانية، لذلك جمد الاتفاق أي إنه لا يطلق سراح أي أسير ولا تدخل أي مساعدات إنسانية إلى غزة. وبدلاً من ذلك، يطرح مبعوث ترمب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف خطة بديلة يستمر فيها وقف إطلاق النار 40 يوماً يطلق خلالها سراح نصف الأسرى الأحياء المتبقين مقابل عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، مما يعطي الولايات المتحدة وقتاً إضافياً كي تحاول حل كل القضايا، لكن "حماس" رفضت هذه الخطة. وفي الـ18 من مارس (آذار) الجاري، استأنفت إسرائيل قصف غزة ربما بهدف الضغط على "حماس" كي تقبل بمقترح ويتكوف. وسيسفر تجدد القتال عن مصرع عدد أكبر من الفلسطينيين وقد ينهي حياة الرهائن ويغرق إسرائيل أكثر في غزة، من دون أن يكون لديها أي منفذ سهل للخروج منها.
حان وقت أن يلجأ ترمب إلى نفوذه ويولي الأولوية لاستمالة الدول العربية. كي تنتهي هذه الحرب، يجب التوصل إلى بديل عن حكم "حماس" في غزة، ولا يمكن حصول ذلك سوى بدعم من الدول العربية. في الخامس من مارس الجاري، أعلنت مصر عن خطة إنشاء إدارة فلسطينية لغزة من التكنوقراط وإعادة إعمار القطاع من دون الحاجة إلى إخراج الغزاويين منه- في رد على اقتراح ترمب بنقل الغزاويين إلى دول أخرى كي تتمكن الولايات المتحدة من بناء "ريفييرا الشرق الأوسط". وبموجب الخطة المصرية، ينتقل الفلسطينيون إلى مناطق معينة من القطاع كي يتسنى البدء في إعادة الإعمار في مناطق أخرى. لكن عيب الخطة الفادح هو أنها لا تتطرق إلى مسألة "حماس"، بل لا تذكر "حماس" أبداً. قلة من المانحين مستعدون للاستثمار في القطاع وهم يعلمون أن "حماس" قادرة على إعادة رص صفوفها وترميم قدراتها وإشعال حرب أخرى بعد أعوام عدة.
ستقبل إسرائيل بإنهاء الحرب بعد عودة كل الأسرى وعند اقتناعها أن "حماس" غير قادرة على إعادة رص صفوفها. ويجب أن تتضمن الخطة العربية بنوداً يمكن الركون إليها لمنع التهريب من مصر إلى غزة والحرص على عدم استيلاء "حماس" على المساعدات الإنسانية ومواد إعادة البناء ولا إعادة بيعها ولا تعديلها [استخدامها لأهداف أخرى]. ومن شأن هذه البنود أن تقطع مصدر الدخل الرئيس للحركة بشكل فعال. وعلى الدول العربية أن تظهر كيفية تطبيق هذه الآليات، عبر اقتراح إرسال قوات من أجل تطبيق القانون وضبط النظام مثلاً، والحيلولة دون استيلاء "حماس" على المساعدات. وكانت الإمارات أبدت استعداداً للقيام بهذا الدور إن انضمت إليها دول عربية أخرى.
يستطيع ترمب أن يؤثر في الخطة المصرية من خلال الترغيب والترهيب: إذ بإمكانه مثلاً أن يوضح أنه ما لم تتضمن الاتفاقية آليات كهذه، فسيرفضها ويدعم جهود إسرائيل للإمعان في تحطيم "حماس". لا تحب الدول العربية "حماس" لكنها تريد إنهاء الحرب. وفي الوقت نفسه يمكنه أن يعد بأنه في حال طبقت هذه الآليات بشكل محكم، يمكن لمصر أن تقود عملية إعادة إعمار غزة، ومن شأن ذلك أن يشكل دعماً للمقاولين المصريين والاقتصاد المصري ككل. وعلى الدول العربية أن تضع أيضاً خطة لإصلاح السلطة الفلسطينية كي تتمكن في نهاية المطاف من تحمل المسؤولية في غزة. إن ظلت السلطة الفلسطينية على حالها من فساد وتصلب وشعبية معدمة، فلا سبيل موثوقاً يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية.
إيران
أما في الشأن الإيراني، فعلى ترمب منع الجمهورية الإسلامية من صناعة سلاح نووي. حتى الآن، فرض عقوبات على طهران وهدد باستخدام العنف ضدها. كذلك شن ضربات عسكرية على الحوثيين، الميليشيات المدعومة إيرانياً مصرحاً أنه "سينظر إلى كل طلقة يطلقها الحوثيون... على أنها أطلقت من فوهة أسلحة إيران وقيادتها". سيكون ترمب أكثر إقناعاً إن استخدم مقاربة شاملة تتضمن زيادة العزلة السياسية لطهران- وهذه خطة نجحت جيداً عبر التاريخ. وبغية عزل إيران مالياً ودبلوماسياً بشكل فعال، تحتاج واشنطن إلى المساعدة من حلفائها وشركائها. وعلى ترمب ووزير الخارجية ماركو روبيو العمل على تعبئة وحشد جهات أخرى للانضمام إلى الولايات المتحدة في مساعيها عبر تسليط الضوء على عمل إيران بوتيرة متسارعة على تخصيب اليورانيوم حتى 60 في المئة - 30 كيلوغراماً شهرياً - منذ نهاية العام الماضي في أقل تقدير. وفقاً للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل غروسي "ما من غرض مدني يمكن تبريره" لتخصيب اليورانيوم إلى تلك العتبة. وتفيد الوكالة الآن أن إيران تمتلك بالفعل مواد شبه قابلة للاستخدام في صناعة ست قنابل.
تملك إيران بالفعل مواد شبه قابلة للاستخدام في صناعة ست قنابل
على واشنطن أن تنشر النتائج التي توصلت إليها الوكالة وتنبيه العالم إلى أن كل دولة وصلت إلى مستوى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة أنتجت بعدها قنابل نووية. اتخذت إدارة ترمب بالفعل خطوات هدفها زيادة الضغط الاقتصادي على إيران عبر فرض عقوبات على الجهات التي تشتري النفط الإيراني. ومن خلال إقناع الحلفاء بالانضمام إلى هذه المساعي، ستتضاعف قدرة ترمب على إرغام إيران على وقف برنامجها النووي.
القوة في الجماعة
من مصلحة ترمب ألا يكتفي باستخدام نفوذه مع إيران، بل مع الدول التي لديها تأثير في طهران أيضاً. فالصين مثلاً، لا ترغب في أن تستخدم الولايات المتحدة أو إسرائيل القوة ضد إيران، لأن ذلك قد يرفع أسعار النفط بشكل هائل، وعلى ترمب أن يكون واضحاً مع الرئيس شي جينبينغ وأن يبدي استعداده للتخلي عن طرح الضربة العسكرية الأميركية في حال وقعت إيران على اتفاق يقلص حجم بنيتها التحتية النووية إلى حد كبير (على أن يسمح بإنتاج الطاقة النووية للأغراض المدنية).
ولا شك أنه على ترمب التواصل مع إيران عبر قنوات متعددة. وعليه أن يعبر في العلن وفي المجالس الخاصة بأنه - فيما يفضل استخدام الدبلوماسية - الولايات المتحدة، سواء وحدها أو إلى جانب إسرائيل، لم تعد تملك سوى تدمير البنية التحتية النووية في إيران إن رفضت طهران إبرام اتفاق. ويجب أن يعلم زعماء إيران أنهم قد يخسرون أربعة عقود من الاستثمار في بنية بلادهم التحتية النووية إذا رفضوا الحل الدبلوماسي.
ويستطيع ترمب أن يقرن تهديداته بحوافز منها وعود بالاستثمار في إيران ورفع العقوبات. قد تشكك القيادة الإيرانية بهذه العروض نظراً إلى أن بلادها لم تستفد كثيراً من المكاسب الاقتصادية جراء الاتفاق النووي الذي أبرمته عام 2015، إنما يمكن لترمب أيضاً أن يعرض عليها المساعدة في مجال الأمن المائي والغذائي، إذ تعاني إيران شحاً شديداً في المياه. وقد حذر أحد وزراء البيئة السابقين من أن البلاد لن تعود قادرة على تلبية حاجة شعبها من المياه إن مضت قدماً بهدرها وبإساءة إدارتها. ويمكن للولايات المتحدة أن تساعد عبر توفير تقنيات تنظم ري المحاصيل وتمنع خسارة المياه من خلال التبخر- ويجب أن تشهر استعدادها لفعل ذلك.
يتطلب الحكم الجيد وضع أهداف واقعية وتخصيص الموارد اللازمة لتحقيقها. ويعي ترمب أكثر من معظم الأشخاص أهمية بسط النفوذ لبلوغ الأهداف. إنما يفوته أن التاريخ أثبت بأن واشنطن حققت فعالية قصوى حين حشدت الدعم من أصدقائها. فمن خلال العمل مع الآخرين، تضاعف الولايات المتحدة نفوذها وتصبح أقوى. إن أفضل فرصة تملكها إدارة ترمب للنجاح تأتي من طريق تسخير كل الأدوات التي بين يديها- بما في ذلك القوة الناعمة والتحالفات.
مترجم من فورين أفيرز
*دنيس روس مستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وأستاذ في جامعة جورج واشنطن ومؤلف كتاب فن الحكم: ما تحتاج إليه الولايات المتحدة للقيادة في عالم متعدد الأقطاب (مطبعة جامعة أكسفورد، 2025). والمقال جزء مقتطع بتصرف من الكتاب الآنف الذكر.