Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

عن إدانة المرأة وتبرئتها في الموروث الحكائي الشرقي والغربي

"كتاب سندباد"... حكاية بيزنطية عن حكيم كاره للنساء لا علاقة لها بالبحار الشهير

من رسوم وضعت لكتاب "سندباد" (أمزون)

ملخص

أقدم نسخة من طكتاب سندباد" (وهو غير سندباد البحار) كانت باللغة السريانية، حتى وإن كان معروفاً أن ثمة نسخاً عدة أقدم منها، صيغت باللغة اليونانية الوسطى، صاغها المدعو ميكائيل أندريوبولوس، الذي كان في القرن الحادي عشر، قد قام بوظيفة أستاذ للأمير لدى الدوق الأرميني غابريال دي ملتين

عندما نذكر اسم النص المعنون "كتاب سندباد" يكون أول ما يتبادر إلى الذهن حكاية "السندباد البحري" التي أدمجت في شكل لاحق في "ألف ليلة وليلة" لتشكل جزءاً أساساً منه ولا يعود أحد يتصور أنها لم تكن فيه أصلاً. وهذا الكلام نفسه ينطبق على حكاية "علاء الدين". ولكن الحقيقة تكمن في مكان آخر تماماً. "كتاب سندباد" كما هو معروف في الآداب العالمية ومنذ أزمان شديدة القدم، لا علاقة له بالسندباد البحار، على الإطلاق، بل هو يتحدث عن شيء آخر تماماً، وإن كان ما يجمعه ببحار الليالي العربية، كون الكتابين موجودين من دون أن يُعرف مؤلف حقيقي لأي منهما، وينطبق هذا خصوصاً على الكتاب الذي نحن في صدده هنا، وهو كتاب من المرجح أنه لا وجود له في الثقافة العربية، وإن كان عنوانه يخلق نوعاً من سوء التفاهم. كتابنا هنا هو، إذاً، "كتاب سندباد" ويعزى عادة إلى مصدر شرقي، كما حال كتاب "سندباد البحار"، غير أن هذا المصدر المعني هنا يعرف انطلاقاً من عنوان "كتاب سنتيباس" ويعرف أنه ذو أصل بيزنطي... وذلك على اسم شخصية نصف وهمية/ نصف حقيقية هي شخصية أستاذ جاء به واحد من ملوك بيزنطة لتدريس ابنه وولي عهده... أما أقدم نسخة موجودة منه  فباللغة السريانية، حتى وإن كان معروفاً أن ثمة نسخاً عدة أقدم منها، صيغت باللغة اليونانية الوسطى، صاغها المدعو ميكائيل أندريوبولوس، الذي كان في القرن الحادي عشر، قد قام بوظيفة أستاذ للأمير لدى الدوق الأرميني غابريال دي ملتين. ويبدو أن هذه النسخ سابقة بسنين عدة للنسخة السريانية التي يبدو أيضاً أنها إنما كانت ترجمة لها، على النمط الذي اعتاده العرب في ذلك الحين من الحصول على الكتب اليونانية من طريق اللغة السريانية. إذاً، انطلاقاً من هذا كله يمكن القول إن "كتاب سندباد" الذي هو شيء مغاير لحكاية السندباد، كتاب ذو أصول يونانية - بيزنطية، وصل إلى العرب والعالم من طريق اللغة السريانية، ويبدو أنه أعار اسمه، لا أكثر، لحكاية السندباد، التي هي حكاية هندية الأصل. فما هو "كتاب سندباد" هذا الذي نتحدث عنه هنا؟

إغواءات امرأة

إنه النص الذي وصلنا، بعد تعديلات وإضافات عدة، منذ عام 1626، ليحدثنا تحديداً عن بعض مراحل وأحداث حياة ملك هندي كان واسع الشهرة والحكمة في زمنه، هو الملك آشوكا... وهذه المراحل تروى لنا عبر عدد من الحكايات في ما يشبه الحواريات تجرى بين الملك والأستاذ الحكيم، على غرار ما هي الحال في كليلة ودمنة، حيث النص عبارة عن حوارات بين الملك والحكيم. وهذه الحواريات تضم حكايات وحكماً ونصائح تتقاطع وتتوالى مع بعضها بعضاً وخلف بعضها بعضاً، لتشكل نصاً سمي أحياناً "حكايات الحكماء" وفي أحيان أخرى "الحكماء السبعة". ومهما كان من أمر فإن منطلق الحكايات يتعلق في نهاية الأمر بما حدث مع الفيلسوف الحكيم سندباد، ذات يوم حين قرأ في نجوم الفلك، أن هناك خطراً كبيراً يتهدد تلميذه الأمير، وصف له درءاً لذلك الخطر، أن يبقى سبعة أيام صامتاً لا يتكلم، ولا يتفوه بأي حرف وإلا فإن الخطر سيصبح حقيقة. وإذ يخلد الأمير إلى الصمت لا يكون من زوجة أبيه الملكة، التي تشتهيه عادة، إلا أن بدأت تغويه إغواء قوياً، وهو صامت لا يمكنه صدها، إلا في شكل عملي. وفي نهاية الأمر، حين لم تلق منه أي تجاوب، راحت إلى أبيه تشكو إليه أن الفتى قد حاول مغازلتها فصدته. أمام هذه الشكوى يجن جنون الأب، ومن دون أن يسأل الفتى أو غيره عن حقيقة الأمر، يصدر حكمه على الأمير بالإعدام فوراً. وهنا يتدخل في الأمر، إذ لا يمكن الفتى أن يفتح فمه ليجيب أو ليدافع عن نفسه، يتدخل سبعة من كبار الحكماء يروح كل واحد منهم راوياً للملك حكاية من الحكايات، خلال الأيام السبعة الخطرة.

تنبيه من مكر النساء!

وكان الهدف من كل واحدة من هذه الحكايات أن تنبه الملك، صراحة أو مواربة، من "مكر النساء وخداعهن"، ناهيك بتنبيهه أيضاً من الخطر الماثل في التسرع في اتخاذ القرارات والحكم على الأمور من دون بحث أو تمحيص. وفي كل يوم، ما إن ينتهي الحكيم من رواية حكايته، حتى تقوم الملكة من ناحيتها برواية حكاية مضادة غايتها الأساسية رفض حكاية الحكيم، وتأكيد ما تذهب هي إليه في اتهامها للفتى... ويكون من مفعول جلسات الحكي تلك أن يتأجل موعد تنفيذ حكم الإعدام بالأمير، حتى تنقضي تماماً الفترة التي كانت نجوم الفلك حددتها للحكيم سندباد، باعتبارها الفترة التي يتعين على الأمير أن يصمت خلالها كي ينجو من الخطر الموعود. وإذ تنقضي المهلة ويصبح في وسع الأمير أن يتكلم، بات في وسعه الآن أن يقول ما عنده، منكراً حكاية الملكة مبرئاً نفسه، مما يؤدي إلى معرفة الملك للحقيقة وحكمه على الملكة بالإعدام، وهو يعلن يأسه من مكر النساء وكذبهن. والحال أن قراء "ألف ليلة وليلة" يعرفون طبعاً أن هذه الحكاية قد أدمجت فيها، لكن الحقيقة هي أن هذا الدمج قد أتى لاحقاً على الزمن الذي يقال إن النسخ الأولى من الليالي العربية قد جمعت فيه. ومع هذا، ليس ثمة أدنى شك في أن مغزى هذه الحكاية المتفرعة حكايات طبعاً، يتماشى كلياً مع المغزى العام الذي يشكل الإطار الذي انبثقت منه الليالي: أي حكاية الملك الذي يكتشف خداع زوجته له وخيانتها، فيقرر الانتقام من النساء ككل، حتى تصل إليه شهرزاد لتحاول اللعب عليه، بقوة الحكي، حتى تصل، أولاً لاكتساب ثقته، وبعد ذلك إلى إعادة الاعتبار إلى المرأة وأخلاقياتها.

اقرأ المزيد

براءة ضاعت إلى الأبد

أما هنا في "كتاب سندباد" هذا، فإن المرأة لا تبرأ على الإطلاق، بل إن الحكايات التي يرويها الحكماء، تتخذ مقداراً من الصدقية، لا يضاهيه على الإطلاق، ذلك الجوهر الذي تنطلق منه الملكة، لنفي ونسف معاني حكايات الحكماء. إذاً، في "ألف ليلة وليلة"، يعد غدر المرأة حالاً خاصة، يعادله وفاء شهرزاد وإخلاصها، ناهيك بذكائها وقدرتها على الإبداع دفاعاً، ليس فقط عن نفسها، وإنما عن النساء جميعاً، أما في "حكاية سندباد" ذات الأصل اليوناني، فإن المرأة مدانة كامرأة، مما يعكس نظرة ذكورية كانت سائدة بقوة في تلك الأزمان، نظرة لا تزال حتى يومنا هذا سائدة في كثير من المجتمعات، من تلك التي بدلاً من أن تحفظ درس شهرزاد باعتباره درساً إنسانياً نسوياً بامتياز، حفظت الدرس الآخر: درس "كتاب سندباد" الذي سجل في حق المرأة لعنة أبدية... وهنا قد يكون من الأمور الدالة أن تنتشر "حكاية سندباد" في الغرب، في زمن كان يمهد لكل ذلك الأدب القروسطي، الذي قلل دائماً من شأن المرأة وجعلها مسؤولة، ليس فقط عن الشر في هذا العالم، بل عن الأوبئة التي تنتشر فيه. وحسبنا في هذا السياق أن نقرأ ونعيد قراءة أمهات المسرحيات الشكسبيرية، سواء كانت تراجيدية أو كوميدية أو بين بين، حتى نرى أنفسنا في مواجهة نظرة دونية إلى المرأة، من المدهش أن الآداب النسوية في القرن الـ20، لم تتوقف عندها، مع أن في الإمكان الانطلاق من شكسبير، كما من نصوص "كتاب سندباد" وغيره من الكتب، للعثور على جذور ما تعانيه المرأة، حتى يومنا هذا، من إجحاف واتهامات وأفكار مسبقة وما شابه.

المزيد من ثقافة