ملخص
رئيس الـ"شاباك" الذي كان يفترض أن يجلس بعد تنفيذ عملية "يوكنعام" داخل جلسة حكومية أو مجلس وزاري أمني مصغر مع قادة الأجهزة الأمنية، لبحث سبل التصدي لخطر عودة العمليات التي تدخل في نطاق مسؤولية جهازه بالدرجة الأولى، كان يدافع عن نفسه وعن حقه في البقاء بمنصبه خلال وقت تعد مثل هذه العمليات إخفاقاً داخل عمل جهازه، لعدم الكشف عنها وإحباطها قبل تنفيذها.
تماماً في وقت وصلت الأزمة الإسرائيلية إلى ذروتها بين جهاز الأمن العام (الشاباك) والمستوى السياسي، كانت أجهزة الأمن والشرطة تطوق منطقة "يوكنعام" في الشمال، بعد أن دخلت مرمى العمليات الفلسطينية وقتل فيها شخص وأصيب آخرون، جراء تنفيذ عملية مركبة شهدت دهساً وإطلاق نار، وهي العملية الرابعة خلال فترة قصيرة.
العملية أنذرت بعودة متزايدة لعمليات مماثلة داخل إسرائيل، إذ سبق وأعلنت تنظيمات فلسطينية أنها انتقام للجرائم التي ترتكبها بحق سكان غزة والضفة.
عندما نفذت عملية "يوكنعام" (منطقة حيفا)، كان رئيس الـ"شاباك" رونين بار يتعرض لهجوم من قبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزرائه لم يسبق أن شهدته الدولة العبرية منذ إقامتها، إذ عدَّ الوزير إيتمار بن غفير أن رونين بار "أزعر"، ورأى أن السجن هو المكان الملائم لرئيس الـ"شاباك"، فيما ضرب نتنياهو عرض الحائط بالتظاهرات والاحتجاجات والتحذيرات من إقالة بار وحتى عدم قانونية قراره، ومضى في البحث عن بديل له مصراً على إقالته، وكل هذا بسبب خلافات داخلية أبرزها ما بات يعرف بقضية "قطر غيت".
مأزق "البقرة المقدسة"
رئيس الـ"شاباك" الذي كان يفترض أن يجلس بعد تنفيذ عملية "يوكنعام" داخل جلسة حكومية أو مجلس وزاري أمني مصغر مع قادة الأجهزة الأمنية، لبحث سبل التصدي لخطر عودة العمليات التي تدخل في نطاق مسؤولية جهازه بالدرجة الأولى، كان يدافع عن نفسه وعن حقه في البقاء بمنصبه في وقت تعد مثل هذه العمليات إخفاقاً داخل عمل جهازه، لعدم الكشف عنها وإحباطها قبل تنفيذها.
إخفاقات سجلت لجهاز الـ"شاباك" لم تكن فقط في عملية "يوكنعام"، وإنما جميع العمليات التي سبقتها حتى تفجير الحافلات في منطقة بات يام، مركز إسرائيل في الـ20 من الشهر الماضي.
عملية "يوكنعام" وقبلها عملية الطعن في حافلة داخل حيفا نفذهما شابان من فلسطينيي 48 أي إنهما يحملان الهوية الإسرائيلية، وهنا يكمن الخطر الأكبر بل والإخفاق الأكثر خطورة على أمن الإسرائيليين من قبل الـ"شاباك"، فإذا كان فشل في منع تسلل فلسطينيين من الضفة إلى إسرائيل عبر الجدار أو ثغرات كثيرة يمكن التسلل عبرها، أو أن عملاءه ووحدة المستعربين الناشطة في الضفة فشلت في كشف عمليات نفذها فلسطينيون من الضفة، فإن فشله في عدم إحباط عمليات نفذها مواطنون يسكنون داخل إسرائيل يجعل التحديات مضاعفة، بل يشعل الضوء الأحمر أمام متخذي القرار لما آلت إليه وضعية هذا الجهاز، الذي كان التعامل معه على مدار أعوام طويلة تماماً كما الجيش الإسرائيلي، مثل "البقرة المقدسة" التي لا يمسها أي طرف سياسي أو أمني، باعتبار نجاح الـ"شاباك" أقوى بوليصة تأمين لحياة الإسرائيليين وضمان أمنهم.
اليوم وبعد سلسلة العمليات وخطر توسيعها في مقابل زعزعة الثقة بين الـ"شاباك" والحكومة ومتخذي القرار، باتت المهام أكثر صعوبة في مواجهة العمليات ومنعها.
وخلافاً لما كان الاعتماد عليه من قبل جهاز الـ"شاباك"، وضع الجيش الإسرائيلي خطة حماية واسعة النطاق لمواجهة خطر هذه العمليات، خصوصاً إذا عادت إلى القدس والمستوطنات والمناطق الإسرائيلية المحيطة بالضفة.
الخطة التي وضعها الجيش تتعامل فقط مع فلسطينيي الضفة، بينما فلسطينيو 48 الذين تخشى إسرائيل مما سمته "إيقاظ الخلايا النائمة"، فمواجهة خطر العمليات التي ينفذونها تتطلب جهداً كبيراً ومركزياً من جهاز الـ"شاباك".
ألغام "الهوية الزرقاء"
بعد تفجير الحافلات الثلاث الشهر الماضي كثف الجيش الإسرائيلي من عملياته داخل الضفة وتحديداً داخل جنين (المدينة والمخيم) وطولكرم، لكنه في المقابل عمل على أكثر من مسار لمنع تسلل فلسطينيين وتنفيذ عمليات سواء كانت فردية أو من قبل تنظيمات. وقرر وزير الأمن يسرائيل كاتس بقاء الجيش لفترة طويلة في المناطق، وكما أكد ضابط في الإدارة المدنية فإن الخطة التي وضعها الجيش للقضاء على التنظيمات الفلسطينية ومنع أي ناشط فيها أو شخص فلسطيني من التسلل إلى إسرائيل وتنفيذ عمليات، شملت تغييرات جذرية وواسعة في الإدارة المدنية بحيث كثف الجيش عمله في الضفة، وتحديداً شمالها.
جنباً إلى جنب قام بتوسيع الحواجز وتشديد العمل فيها داخل كل أرجاء الضفة والقدس، وأقام الجيش مواقع واستحكامات في المدن الفلسطينية. ووفق تقرير إسرائيلي فإن الجيش وبعد تصعيد العمليات وخطر توسعها والعودة إلى العمليات الفردية التي نفذها أشخاص عبر الطعن والدهس، ينفذ خطة دفاع واستحكام لم يسبق أن نفذها في الضفة منذ 20 عاماً.
وفي نقاش سبل مواجهة خطر العمليات ضد إسرائيليين وأهداف إسرائيلية، قالت صحيفة "هآرتس في افتتاحيتها إن "دولة إسرائيل كعادتها بدلاً من أن تحل المشكلات الجذرية للنزاع، تثبت أنها لا تفهم إلا لغة القوة وغير قادرة إلا على التفكير للمدى القصير. وبعد 23 عاماً من حملة (السور الواقي) لا تزال إسرائيل تقف أمام الصورة ذاتها، فما الذي سيولده استخدام مزيد من العنف والعقاب الجماعي والتنكيل بالسكان المدنيين وعملية عسكرية من دون دور سياسي، غير دائرة عنف ودم وعمليات ضد الإسرائيليين داخل إسرائيل إلى جانب نبذ إسرائيل في العالم؟".
المتخصص في الشأن العسكري أور هيلر يقول إن التحدي الأكبر اليوم للجيش وجميع الأجهزة الأمنية هو هجوم أصحاب بطاقات الهوية الزرقاء، ويقصد فلسطينيي 48 "إنها هجمات ينفذها أفراد وهؤلاء يُصفُّون على الفور، ولا يمكن معرفة ما إذا كان العمل نفذ بمبادرة شخصية أم جُنِّد منفذه ودُرب من قبل تنظيمات فلسطينية أو إيرانية أو من قبل ’حزب الله‘، أي تنظيمات معادية لإسرائيل".
ووفق تقرير إسرائيلي، فإن العمليات الأخيرة استدعت تكثيف عمل ونشاط جهاز الـ"شاباك"، وكشف عن استخدام تقنيات تنصت على الهواتف ومراقبة الصفحات الخاصة في شبكات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى مراقبة المحادثات الدولية، وتبين أن معظم المحادثات لدول تعدها إسرائيل مراكز لتنظيمات معادية لها تكون مراقبة، خصوصاً هواتف فلسطينيي 48، خشية إيقاظ "الخلايا النائمة" كما يسميها الـ"شاباك" في أعقاب الحرب الأخيرة على غزة والضفة، انتقاماً من إسرائيل.
وترى الأجهزة الأمنية أن الأسبوع الأخير من شهر رمضان وتجدد القتال في قطاع غزة "له تأثير كبير في ساحة الأمن الداخلي داخل إسرائيل برمتها"، وحذر أمنيون من الأخطار الكامنة في عدم معالجة الوضع الأمني الداخلي كما هو مطلوب، في ظل انشغال الحكومة بالصراعات الداخلية وتركيزها على إطاحة رئيس الـ"شاباك" رونين بار.
من الخليل إلى القدس
أما الجانب الآخر من العمليات والتي ينفذها فلسطينيو الضفة، فهنا يتحمل الجيش المسؤولية المركزية من خلال وحداته العسكرية المختلفة ومن بينها "المستعربون" ووحدات المراقبة والتجسس، إضافة إلى وحدات الهندسة وتنفيذ العمليات والحواجز. ووضع الجيش خطة شاملة بعد تفجير الحافلات الشهر الماضي تحاكي أيضاً سيناريو عمليات توقعت أجهزة الأمن تنفيذها خلال شهر رمضان.
"شاب فلسطيني من الضفة الغربي تسلل إلى إسرائيل وسط آلاف الفلسطينيين للصلاة في الحرم القدسي الشريف، ثم توجه إلى البلدة القديمة حيث توجد مجموعات يهودية ونفذ عملية"، هذا واحد من سيناريوهات عدة تدرب عليها الجيش الإسرائيلي منذ نحو أسبوعين ضمن الاستعداد لمواجهة عمليات ينفذها فلسطينيون داخل إسرائيل، مع التركيز على العمليات الفردية كالطعن أو الدهس.
التدريب دار حول كيفية منع الشاب الذي وصل إلى البلدة القديمة من تنفيذ عمليته عبر إجراء تحقيقات وفحوص لمجمل الشباب الفلسطينيين حتى 40 سنة، والمراقبة من بعد لكل من يثير شكوكهم.
لكن، وكما قال مصدر أمني مطلع على هذه التدريبات، فإن سبل الكشف ومواجهة العمليات الفردية أمر في غاية الصعوبة، "صحيح أن الـ(شاباك) أحبط أكثر من 400 عملية في غضون أشهر قليلة، لكن العمليات الفردية تشكل تحدياً كبيراً".
لكن أجهزة الأمن ركزت على مسألة تشديد الحماية والدفاع على طول خطوط الحدود بين الضفة والبلدات الإسرائيلية من جهة، والضفة والقدس والمستوطنات خصوصاً من جهة أخرى، وكان التركيز الأكبر على الخليل ونابلس وجنين وأريحا، وبالتنسيق بين الجيش وقوات حرس الحدود. وضاعف الجيش منظومة المراقبة وتعزيز المنطقة بوحدات قتالية، ونشر دوريات على مدار اليوم، إلى جانب اجتماعات يومية لتقييم الأوضاع.
وأوكلت المهمة لقائد القيادة المركزية آفي بلوط وقائد فرقة "يهودا والسامرة" ياكي دولف اللذين يجريان جولات على مختلف المناطق، ويشرفان على عمليات المراقبة والتفتيش خصوصاً في الخليل، التي ادعت تقارير استخباراتية إحباط عشرات العمليات التي كان مخططاً أن يخرج منفذوها منها.
وضمن الاحتياط والاستعداد أجرى الجيش دراسة حول نوعية المركبات التي كان يستقلها الفلسطينيون الذين ينفذون عمليات، وشملت الدراسة عمليات نُفذت خلال الـ20 عاماً الأخيرة ووصل منفذوها عبر مركبات خاصة، ولم يكشف الجيش عن نوعية المركبات التي توضع في قائمة المركبات الخطرة. ونقل عن مسؤول عسكري قوله "لقد بحثنا في جميع المركبات التي كانت مرتبطة بالهجمات خلال الأعوام الـ20 الماضية وجميع خصائصها، مع فكرة تحديد نمط معين من شأنه أن يساعد في التعرف من وجهة نظر استخباراتية وإحصائية على المركبات التي ستنفذ عمليات، وهذا يساعد في 90 في المئة من الحالات، إذ الاحتمال الأكبر توقيفها قبل دخول منفذ العملية إلى إسرائيل".
معظم نشاطات الكشف والاحتياط، وفق هذا المسؤول، تنفذ بمساعدة الذكاء الاصطناعي ومختلف قدرات تحليل البيانات عالية المستوى، "إن عمل الذكاء الاصطناعي على كشف ما نبحث عنه يتحسن باستمرار"، وفق المسؤول.