ملخص
يشير انتعاش القطاع الخاص وعودة ثقة المستثمرين في قطاع التكنولوجيا الصيني إلى مستقبل أكثر تفاؤلاً، لا سيما في ظل تبني الحزب الشيوعي الصيني الحاكم نهجاً سياسياً أكثر مرونة، إذ إن ارتفاع الطلب الصيني على المواد الخام والمكونات والسلع المستوردة، قد يسهم في استقرار الاقتصاد العالمي
رغم أن التحذيرات المتكررة من المؤسسات الدولية وبنوك الاستثمار العالمية في شأن تداعيات حرب الرسوم الجمركية التي بدأها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على عدد من الدول والشركات التجاريين لبلاده، لكن كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" عن خمسة سيناريوهات متفائلة في شأن مستقبل الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي.
وقبل أيام، خفضت منظمة التعاون والتنمية توقعاتها للنمو العالمي عام 2025، على خلفية تراجع آفاق النمو في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، في ظل التوترات التجارية والاضطرابات الجيوسياسية. وقال كبير الاقتصاديين في المنظمة، خلال إحاطة إعلامية ألفارو سانتوس بيريرا، نحن "نبحر إلى المجهول"، ملخصاً وضع الاقتصاد العالمي المتثاقل الدينامية في الأشهر المقبلة في ظل تشرذم التبادلات العالمية والاتجاهات التضخمية التي قد ينحو إليها.
وخلال العام المضي، بقي النشاط الاقتصادي العالمي "منيعاً" مع تقدم بنسبة 3.2 في المئة في إجمالي الناتج المحلي، لكن بالنسبة إلى العام 2025، تتوقع المنظمة نمواً نسبته 3.1 في المئة، بانخفاض بنحو 0.2 في المئة عن توقعاتها الأخيرة التي نشرتها المنظمة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بنسبة 3.3 في المئة.
حرب الرسوم قد تكون جعجعة بلا طحين
بالنسبة إلى توقعات "فايننشال تايمز"، أشار التقرير إلى أن تهديدات ترمب، الجمركية قد تكون مجرد جعجعة بلا طحين.
وذكرت أن ثمة آمالاً في أن يكون تأثير سياسات ترمب التجارية محدوداً، خصوصاً إذا أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم، مما قد يضعف شعبيته وهي نقطة ضعفه الأساسية، ويدفع إدارته إلى إعادة النظر في مسارها، فحتى التعديلات الطفيفة، مثل منح إعفاءات أو تمديد الجداول الزمنية أو الدخول في مفاوضات تجارية أكثر تنظيماً وقد تحسن بصورة ملحوظة من التوقعات الاقتصادية العالمية.
أما السيناريو الثاني، فيتمثل في أن أوروبا قد تفاجئ الجميع بنمو غير متوقع في سيناريو قد يشهد زيادة الإنفاق العام، وانتعاش أسواق الأسهم الأوروبية، وتسبب الرسوم الجمركية الأميركية التي يفرضها ترمب في دفع الشركات والمستهلكين في القارة العجوز نحو اللجوء إلى حلول محلية، وهو ما يحتمل أن تصاحبه ظهور مؤشرات اقتصادية إيجابية غير متوقعة.
كذلك قد تؤدي زيادة الإنفاق على موازنات الدفاع في أوروبا إلى تعزيز النمو، وفتح الباب أمام تطورات غير متوقعة في مجالات البحث والتطوير، التي قد تؤتي ثمارها على المدى الطويل.
وتضيف الصحيفة أن احتمال التوصل إلى وقف سريع لإطلاق النار في أوكرانيا ربما يعزز معنويات الأسواق والمستثمرين، فضلاً عن المساهمة في خفض أسعار الطاقة.
بالنسبة إلى السيناريو الثالث، ذكرت الصحيفة، أنه رغم تباطؤ النمو عالمياً فإنه لا تزال الصين قادرة على تحفيز الاقتصاد العالمي، ولا يزال "مصنع العالم" يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق نمو سنوي بنسبة خمسة في المئة، وهو ما يتجاوز توقعات المحللين ويجعل بكين مؤهلة بقوة لدعم الاقتصاد العالمي.
ويشير انتعاش القطاع الخاص وعودة ثقة المستثمرين في قطاع التكنولوجيا الصيني إلى مستقبل أكثر تفاؤلاً، لا سيما في ظل تبني الحزب الشيوعي الصيني الحاكم نهجاً سياسياً أكثر مرونة، إذ إن ارتفاع الطلب الصيني على المواد الخام والمكونات والسلع المستوردة، قد يسهم في استقرار الاقتصاد العالمي، وهو أمر بالغ الأهمية بالنظر إلى التحديات التي قد تفرضها الرسوم الجمركية والسياسات التجارية الأميركية على معدلات النمو الدولية.
هل يصمد الاقتصاد الأميركي تحت وطأة الرسوم؟
في ما يتعلق بالسيناريو الرابع، فإن الاقتصاد الأميركي قد يصمد رغم وطأة الرسوم الجمركية، وربما تسهم سياسات تقليل القيود التنظيمية، مثل تمديد قانون خفوض الضرائب والوظائف، في تعزيز الاستهلاك والاستثمار، إذ تشير تقديرات "مؤسسة الضرائب" الأميركية، وهي مؤسسة بحثية معنية بالسياسات الضريبية الأميركية، إلى أن هذه السياسات قد ترفع الناتج الاقتصادي بنسبة 1.1 في المئة على المدى الطويل.
ورغم المخاوف من تأثير الرسوم الجمركية، فقد لا تكون تداعياتها الفورية بالقسوة المتوقعة، فثمة احتمالية بأن يواجه المستوردون الأميركيون صعوبة في تدبير بدائل محلية بسرعة، مما قد يحد من التأثير السلبي لهذا الاتجاه الجديد في الاقتصاد.
وفي تناوله للسيناريو الخامس، ذكر التقرير أن البنوك المركزية قد يكون لديها هامش مناورة أكبر من المتوقع، إذ يرصد الخبراء مؤشرات مبكرة في سوق العمل دالة على تراجع تدرجي في الضغوط التضخمية المرتبطة بارتفاع الأجور، مما قد يعني أن هذه الضغوط ستنحسر بوتيرة أسرع من المتوقع.
ويمنح هذا التطور البنوك المركزية مساحة أكبر لخفض أسعار الفائدة من دون المساس باستقرار الأسعار، مما يتيح لها مرونة أكبر في التعامل مع التحديات الاقتصادية المقبلة.
في الوقت ذاته، سيكون مستقبل أسواق الديون السيادية "مليئاً بالتحديات" هذا العام، مع تسابق الدول لإعادة تمويل ديونها في ظل ارتفاع عائدات السندات ومعدلات الفائدة، بحسب ما أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وخلال العام الماضي، مثلت مدفوعات الفائدة في الدول الأعضاء بالمنظمة البالغ عددها 38 دولة نحو 3.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل ثلاثة في المئة في 2023، لتسجل بذلك أعلى مستوياتها منذ 2007، وتتفوق على الموازنات العسكرية البالغة نسبتها 2.4 في المئة،
لكن الحكومات مستمرة في الاقتراض لسد الفجوة، فقد اقترضت الحكومات والشركات نحو 25 تريليون دولار خلال العام الماضي من الأسواق، أي نحو ثلاثة أمثال حجم الاقتراض عام 2007، وسيستمر هذا الاتجاه في العام الحالي، فمن المتوقع أن تصدر الحكومات ديوناً سيادية بقيمة غير مسبوقة تصل إلى 17 تريليون دولار هذا العام، ارتفاعاً من 16 تريليون دولار في 2024، ونحو نصف الديون السيادية للدول الأعضاء بالمنظمة سيحل أجل استحقاقها عام 2027، وهذا سيمثل عقبة أمام إعادة التمويل، وربما يقلل من المرونة المالية للحكومات في ظل ارتفاع العائدات وازدياد الحاجة إلى الاستثمارات.
وسجلت مدفوعات الفائدة في الولايات المتحدة ارتفاعاً حاداً، لتصل إلى 4.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، تلتها إيطاليا بنسبة 4.1 في المئة والمملكة المتحدة بنسبة 2.9 في المئة وفرنسا بنسبة 2.1 في المئة، بينما سجلت ألمانيا أقل نسبة، إذ بلغت نحو واحد في المئة فحسب.