ملخص
روايات الشهود الـ13 في دمشق تشير إلى أن أعمال عنف طائفية وقعت في الأطراف الجنوبية للعاصمة السورية، على بعد بضعة كيلومترات من القصر الرئاسي، و"رويترز" أول من ينشر تفاصيل المداهمات المزعومة وعمليات الخطف والقتل.
ذكر 13 شاهداً لـ"رويترز" أن مسلحين اقتحموا منازل عائلات علوية في العاصمة السورية دمشق بحلول منتصف ليل السادس من مارس (آذار) واعتقلوا أكثر من 20 رجلاً أعزل تزامناً مع موجة عنف طائفي اجتاحت غرب سوريا.
ومن بين المعتقلين من حي القدم بدمشق مدرس متقاعد وطالب يدرس الهندسة وفني إصلاح سيارات، وجميعهم من الطائفة العلوية، وهي الأقلية التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وقبل ذلك بساعات، أطلقت مجموعة من العلويين الموالين للأسد تمرداً مسلحاً في المناطق الساحلية، على بعد نحو 320 كيلومتراً إلى الشمال الغربي، وتبع ذلك موجة من عمليات القتل الانتقامية هناك أسفرت عن مقتل المئات من العلويين.
وقال الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع لـ"رويترز" إنه أرسل قوات في اليوم التالي لوقف العنف في منطقة الساحل السوري، لكنه أضاف أن المناطق كانت "واسعة" وصعب السيطرة عليها، وأن بعض المسلحين تدفقوا إلى المنطقة لمواجهة التمرد من دون التنسيق مع وزارة الدفاع.
ووسط مخاوف من اتساع نطاق الصراع الطائفي في جميع أنحاء سوريا، حرصت حكومة الشرع على التأكيد في أعقاب أعمال العنف على أن أعمال القتل كانت محدودة جغرافياً، وعينت لجنة لتقصي الحقائق في "أحداث الساحل".
غير أن روايات الشهود الـ13 في دمشق تشير إلى أن أعمال عنف طائفية وقعت في الأطراف الجنوبية للعاصمة السورية، على بعد بضعة كيلومترات من القصر الرئاسي، و"رويترز" أول من ينشر تفاصيل المداهمات المزعومة وعمليات الخطف والقتل.
وقال أحد السكان، والذي خطف رجال ملثمون قريبه مهندس الاتصالات إحسان زيدان (48 سنة) في الساعات الأولى من السابع من مارس الجاري "أي بيت علوي، خلعوا الباب وأخذوا الرجال"، وأضاف "أخذوه فقط لأنه علوي"، وطلب جميع الشهود الذين تحدثوا عدم نشر أسمائهم خوفاً من الانتقام.
وحي القدم معروف بأنه موطن للعديد من العائلات العلوية، وتحدث شهود عن خطف ما لا يقل عن 25 رجلاً، وأكد أقارب وجيران لهم أن 12 منهم على الأقل تأكدت وفاتهم لاحقاً، بعد أن شاهدوا صوراً للجثث أو عثروا عليها بالقرب من الحي، ولم يُعرف مصير بقية الرجال.
وقال أربعة من الشهود إن بعض المسلحين الذين قدموا إلى حي القدم عرفوا أنفسهم بأنهم أعضاء في جهاز الأمن العام، وهو جهاز سوري جديد يضم مقاتلين سابقين بقوات المعارضة.
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية، التي يعمل تحتها جهاز الأمن العام، "لم نستهدف العلويين بشكل مباشر، قوة الأمن تسحب السلاح من كافة الأطياف"، ولم يُجب المتحدث عن أسئلة أخرى، بما في ذلك سبب اعتقال رجال عُزل في هذه العمليات.
وقال ياسر الفرحان، المتحدث باسم لجنة تقصي الحقائق في العنف الطائفي "عمل اللجنة لحد الآن هو محصور جغرافياً بالساحل، ولم نتحقق لحد الآن بأي حالات بحي القدم، لكن ممكن أن يكون في وقت لاحق مشاورات داخل اللجنة عن توسيع العمل".
ويمثل العلويون نحو 10 في المئة من سكان سوريا ويتمركزون في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، كما تعيش آلاف العائلات العلوية منذ عقود في دمشق وحمص وحماة.
دوامة الإفلات من العقاب
في رد فعل على تقرير "رويترز"، دعت هبة زيادين الباحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى إجراء تحقيق شامل في ما تردد عن المداهمات.
وقالت إن العائلات تستحق إجابات، وإن على السلطات ضمان محاسبة المسؤولين عن ذلك بغض النظر عن انتماءاتهم، وأضافت أنه إلى أن يحدث ذلك "ستستمر دوامة العنف والإفلات من العقاب".
وتأكدت وفاة أربعة رجال في دمشق من نفس العائلة، وفقاً لأحد أقاربهم الذي نجا من المداهمة بالاختباء في طابق علوي مع أطفال العائلة الصغار.
والرجال الأربعة هم محسن محمود بدران (77 سنة) وفادي محسن بدران (41 سنة) وأيهم حسين بدران (40 سنة)، الذي لم يلتحق بالخدمة العسكرية لأنه مولود بعيب خلقي في يده اليمنى، وصهرهم فراس محمد معروف (45 سنة).
وقال الشاهد إن أقاربهم زاروا مستشفى المجتهد وسط دمشق بحثاً عن جثثهم لكن الموظفين منعوهم من دخول المشرحة وأحالوهم إلى مقر جهاز الأمن العام في حي القدم.
وأطلعهم مسؤول هناك على صور على هاتف محمول للرجال الأربعة وقد فارقوا الحياة، وقال قريبهم إن سبب الوفاة لم يُذكر، ولم يتسن التأكد من أي شيء من الصور.
وطلب المسؤول من العائلة استلام الجثث من مستشفى المجتهد، لكن الموظفين هناك نفوا وجودها لديهم، وقال قريبهم "لحد الآن ما قدرنا نلاقيهن وخايفين نسأل أي طرف عنهم".
وقال مدير مستشفى "المجتهد" محمد الحلبوني لـ"رويترز" إن كل الجثث من حي القدم نُقلت مباشرة إلى قسم الطب الشرعي المجاور، وقال موظفون هناك إنه ليس لديهم أي معلومات للإدلاء بها.
ولم يرد المتحدث باسم وزارة الداخلية على أسئلة حول ما إذا كانت القوات في مركز شرطة حي القدم على صلة بالوفيات.
وأعلن الشرع حل جميع جماعات المعارضة وعن خطط لدمجها في وزارة الدفاع بعد إعادة هيكلتها، لكن السيطرة الكاملة على الفصائل المختلفة، والمُتنافسة أحياناً، لا تزال صعبة.
وذكرت امرأة من السكان أن أربعة رجال آخرين خُطفوا في الليلة نفسها عُثر على جثثهم في بستان بالقرب من حي القدم، وعليها إصابات طلقات نارية تُشير إلى أنهم قُتلوا "بطريقة الإعدام"، وقالت إن أقاربهم دفنوا الجثث على الفور، ولم يتسن لـ"رويترز" التحقق من تفاصيل روايتها بشكل مستقل.
وتأكدت وفاة أربعة رجال آخرين، بعد أن تلقى أحد الأقارب صوراً للجثث عبر تطبيق "واتساب" من رقم تركي.
وأظهرت الصور، التي أرسلت لـ"رويترز"، أربعة رجال على الأرض، وجوههم مغطاة بالدماء والكدمات، وتحدثت "رويترز" مع قريب لأحد هؤلاء الأربعة والذي أكد أن من بينهم قريبه سامر أسعد البالغ من العمر 45 سنة والمصاب بإعاقة ذهنية، والذي اعتقل ليلة السادس من مارس الجاري.
وتساءل الرجل "أنا شو مفروض أعمل هلق؟ انتظر لياخذوني أنا وابني؟ نحن البقيانين، شو لازم نعمل؟".
ولا يزال معظم المخطوفين في عداد المفقودين، ومن بينهم الطالب الجامعي علي رستم (25 سنة)، ووالده تميم رستم، وهو مدرس رياضيات متقاعد عمره 65 سنة، بحسب ما ذكر اثنان من أقاربهما، وقال أحدهما "ما عندنا لا أدلة، لا جثامين، لا معلومات".
"بدي اترك المنطقة"
قالت إحدى قريبات ربيع عاقل، الذي يعمل فنياً لإصلاح السيارات، إن العائلة استفسرت في مركز شرطة محلي وأجهزة أمنية أخرى، لكن قيل لهم إنه لا توجد معلومات حول مكانه.
وقارنت ما حدث بحالات الاختفاء القسري في عهد الأسد، عندما اختفى الآلاف داخل نظام سجون معقد، وفي كثير من الحالات، علمت العائلات بعد سنوات بموت أقاربها في السجون، وأكدت هي وشهود آخرون أن لجنة تقصي الحقائق لم تتصل بهم، وقال جميع الشهود إنهم شعروا بضغوط لمغادرة حي القدم تحديداً لإنهم علويون، وفعل بعضهم ذلك بالفعل.
وأوضح أحد السكان الشباب أن مسلحين زاروا منزله عدداً من المرات في الأسابيع التي تلت الإطاحة بالأسد، مطالبين بإثبات ملكية العائلة للمنزل وأنهم غير مرتبطين بعائلة الأسد.
ومنذ ذلك الحين، فر هو وعائلته، وطلبوا من جيرانهم المنتمين لطائفة السنة رعاية منزلهم.
وقال آخرون إنهم توقفوا عن الذهاب إلى العمل أو حصروا تنقلاتهم خلال النهار فقط لتجنب احتمالية اعتقالهم.
وقالت امرأة أخرى في الستينيات من عمرها إنها تسعى لبيع منزلها في حي القدم بسبب الخوف من اعتقال زوجها أو أولادها، وأضافت "بعد يللي صار، بس بدي اترك المنطقة".