ملخص
يشعر سكان غزة بالخوف الشديد من الحرب... تقرير حول حالات أشخاص خائفين جراء القتال المستمر في القطاع
على رغم أن عقارب الساعة قطعت منتصف الليل فإن عيني لبنى ما زالتا مفتوحتين يؤرقهما الخوف من صوت أزيز طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي تحلق فوق رأسها، ويسلب النوم سماعها الانفجارات والقصف الذي لا يتوقف.
منذ الساعة التاسعة مساءً مددت لبنى جسدها على الفراش، ومضى على ذلك ثلاث ساعات كاملة لم تستطع فيها أن تغفو، تقول "خائفة جداً، أعصابي متوترة، قلبي ينبض وحائرة، القلق والرعب يسيطران على نفسي".
يدها ترتجف
ولدت مشاعر الخوف عند لبنى بعدما أمر الجيش الإسرائيلي منطقتها بالإخلاء الفوري لشن هجمات جوية، لكن السيدة لم تستجب لأوامر النزوح وظلت في بيتها ترفض العودة للعيش في خيمة أو الانتقال جنوب قطاع غزة. وهي تمسك يدها اليمنى التي ترتجف كلما سمعت صوت انفجار، وتميل برأسها إلى أسفل مع كل أزيز قوي تصدره طائرات الاستطلاع، وتقفز من مكانها مع سماعها صوت الأعيرة النارية التي يطلقها جنود الجيش الإسرائيلي. وتشرح لبنى ما تمر به، "خائفة لدرجة أنني أشعر بأن قلبي قد يتوقف بأي لحظة، ينبض بسرعة، وفي خاطري ألف توهم وخيال وسيناريو، لست قلقة من الموت، بقدر قلقي من بتر يدي أو قدمي، باختصار مشاعر الخوف المرعبة تسيطر على روحي وتحرمني النوم".
الأم والطفلة خائفتان
منذ استئناف إسرائيل الحرب على غزة لم تتوقف الغارات الجوية، سواء في الليل أو النهار، وتحليق الطائرات والقصف المدفعي أو الجوي يحدث حالاً من الخوف والإرباك بين سكان غزة ويزداد هذا الخوف عند الأطفال والنساء.
على مدار الساعة يشعر سكان غزة بالخوف، لكن هذا الشعور يزداد كثيراً في الليل ويتضاعف إلى رعب وقلق، إذ تتعمد إسرائيل شن غاراتها الجوية على القطاع بعد منتصف الليل.
بعد سماع صوت الغارة، تشبثت الطفلة لجين في أمها ممسكة بقوة في عنقها، "أخاف من الليل، دعيني في حضنك، احميني من الموت"، لكن الأم رانيا هي الأخرى خائفة ومرعوبة كثيراً وترتجف من شدة قلقها على صغارها.
تقول الأم رانيا، "طفلتي تخاف جداً، مرعوبة من أصوات الطيران المدفعية والغارات، أنا الأخرى خائفة على حياتي وحياتها، قلبي يرتعش، وعقلي يفكر كثيراً، أعصابي تؤلمني، وأنفاسي تهبط، أحاول أن أكون إلى جانب طفلتي طوال الوقت، وأنا أحتاج إلى من يقف إلى جانبي ويخفف من مشاعر الخوف التي أشعر أنها تقتلني".
فزع
تخلق أجواء الحرب حالاً من الفزع الشديد عند سكان غزة، بخاصة أنها تأتي من دون سابق إنذار، مما يوتر مشاعر السكان كثيراً. يقول رجائي، "يخيم على قلبي الخوف والرعب والهلع والتوتر، جراء عودة الحرب، مرة أخرى، بغطاء ناري إسرائيلي مكثف". ويضيف، "للمرة الأولى أشعر بأن قلبي كاد يتوقف وخائف، لديَّ شعور أنني سأموت في جولة القتال هذه، تشن إسرائيل قصفاً جنونياً عنيفاً يربك المشاعر، ويجعل الأعصاب ترتجف، ويسبب التوتر، رأيت أشلاء وجثثاً جعلت قلبي يخاف أكثر".
إحدى الغارات الجوية استهدفت منزلاً قريباً من منطقة سكن رجب، يقول "لهيب النار الذي سببه القصف وضع في قلبي الخوف، وجعلني أشعر بكل تفاصيل الموت، من الخوف لم أستطع وقتها الحركة من مكاني للحظات، وظننت أني قد قضيت في تلك الغارة".
بعدما امتص رجب صدمة القصف، والتراب والغبار والبارود تملأ المكان وتغطي جسده، بسرعة حمل أطفاله وسار برفقة زوجته خارج المنزل "رأيت الموت قد اقترب لآخر الخطوات، نجوت بأعجوبة من ذلك الخوف".
توقف الحركة ليلاً
خوفاً من الغارات التي تشتد يومياً توقف السكان عن الخروج ليلاً، حتى إنهم لم يذهبوا لأداء صلاتي العشاء والتراويح، وباتت الحركة بعد أذان المغرب معدومة، بسبب الطيران الإسرائيلي فوق أجواء القطاع.
يشير زيد إلى أن حجم الخوف والرعب من الغارات الجوية، وعدم القدرة على التنبؤ بما سيحدث، بعد كم التهديدات الإسرائيلية الكبيرة لغزة، يجعله، كباقي السكان، يعيش الرعب والخوف على مدار الساعة، "تتوعد تل أبيب السكان بالموت، وهذا جعلني أشعر بخوف لم أعشه طوال فترة الحرب". يوضح فرج أن الخوف الذي يعيشه، هذه الأيام، أضعاف ما عاشه أول الحرب "أحس قلبي كاد يتوقف من الخوف والمصير المجهول، لا أعلم ما هو مصيري، الخوف والقلق مسيطران على مشاعري".
توقف قلب
توقف قلب هيا مرتجى من شدة الخوف بعد سماعها الانفجارات والقصف الإسرائيلي، وأدخلها الأطباء إلى غرفة العناية المكثفة، وهذه الفتاة تعد خامس حالة تنقل إلى المرافق الطبية لتلقي العلاج من الخوف والهلع بعد استئناف تل أبيب حربها ضد غزة.
يقول منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر، "سكان غزة يعيشون، مرة أخرى، الخوف المروع، أصبح أسوأ مخاوفنا واقعاً عندما استؤنفت الغارات الجوية في أنحاء قطاع غزة، وهذا جعل المدنيين يعيشون رعباً هذه المرة".
وتقول المتخصصة النفسية في منظمة "أطباء العالم" إيمان الأخرس، "غالباً ما يفتقر الناس إلى الضرورات الأساسية للشعور بالأمان، دائماً لديهم إحساس بالخوف، المرضى الذين أتعامل معهم يطلبون عقاقير منومة للهرب من الخوف". وتضيف "رأيت سيدات ورجالاً لا يستطيعون النوم حتى لا يموتون، كثر ماتوا أمام أعينهم، بالتالي يشعرون أن عليهم البقاء مستيقظين حتى يتمكنوا من الهرب في حال حدوث خطر، هناك خطر متزايد للإصابة بمتلازمة الإجهاد ما بعد الصدمة، والاضطرابات المعرفية، وتأخر النمو لدى الأطفال، وكلها ناتجة من الخوف من الحرب".