ملخص
يشهد الدوري الإنجليزي تحولاً تكتيكياً كبيراً هذا الموسم، حيث تتفوق الفرق ذات الاستحواذ المنخفض (مثل نوتينغهام فورست وبورنموث) عبر الهجمات المرتدة والضغط المنظم. بينما يواجه أسلوب الاستحواذ التقليدي تحديات تبرز في سقوط مانشستر سيتي.
يعرف الاستحواذ على الكرة بأنه "امتلاكها أو التحكم فيها"، ولعل كلمة "التحكم" هي التي تلخص فلسفة كرة القدم، فإذا امتلكت الكرة، سيطرت على المباراة.
وقال بيب غوارديولا مرة وهو يبتسم، "ربما سيغيرون القواعد يوماً ما، لكنني أعتقد أنك تحتاج إلى الكرة لتسجيل هدف".
لكن في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، هناك أدلة متزايدة على أن الفرق التي تتحكم حقاً في المباريات هي تلك التي لا تمتلك الكرة. إنهم الفرق التي تغري خصومها بإحساس زائف بالأمان، القادرون على سرقة الكرة في أي لحظة، الذين يمكنهم تحويل كرة في منتصف الملعب إلى تسديدة على المرمى في ثوان.
لقد رأينا علامات ذلك في الأشهر الأخيرة في هجمات نوتينغهام فورست السريعة، وضغط بورنموث العالي، وتراجع أداء مانشستر سيتي في التمريرات.
الهجوم المضاد تكتيك قديم لكن نجاحه الجديد لافت للنظر.
نوتينغهام فورست الذي يحتل المركز الثالث في ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز هو نفسه يحتل ذيل الترتيب من حيث الاستحواذ بنسبة 40 في المئة، وبطريقة ما يبدو أن بورنموث يهيمن على الكرة في معظم المباريات بنسبة 47 في المئة فقط، ثم هناك ساوثهامبتون الذي يمتلك تسع نقاط فقط لكنه في المتوسط يستحوذ على الكرة بأكثر من 50 في المئة، وإن كان ذلك لأن مدربه راسل مارتن طلب من لاعبي الدرجة الثانية اللعب مثل البرازيل في سبعينيات القرن الماضي. وتوتنهام في المتوسط يستحوذ على الكرة بنسبة 57 في المئة، ولديه نفس نقاط إيفرتون الذي يستحوذ على الكرة بنسبة 41 في المئة فقط.
في الوقت الحالي، لم يعد الاستحواذ على الكرة يعني بالضرورة السيطرة على المباراة، إذ أصبح الضغط على الخصم أكثر تنظيماً وتخطيطاً من أي وقت مضى، ما يتسبب في أعداد قياسية من الأخطاء المكلفة، وباتت مباريات الدوري الإنجليزي تعج بهذه الأخطاء، فقد ارتُكب خلال الموسم الماضي 329 خطأً أدى إلى تسديدة على المرمى، بينما بلغ الرقم هذا الموسم بالفعل 482 خطأً، وهو في طريقه لتجاوز ضعف الرقم السابق.
وتظهر إحصاءات شبكة "أوبتا" أن حالات "الاستحواذ العالي" (الهجمات التي تبدأ من مسافة أقل من 40 متراً من المرمى) في ازدياد، بينما بلغت الهجمات المرتدة السريعة (التي تبدأ من النصف الدفاعي) أعلى مستوياتها على الإطلاق في الدوري الإنجليزي.
لقد أصبحت هذه الهجمات فعالة لدرجة أن الفرق الضيفة تحقق نتائج ممتازة، حتى أن ميزة اللعب في ملعبك تكاد تكون قد اختفت تماماً.
لقد اختفت تقريباً ميزة اللعب داخل الأرض التي كانت سائدة في مواسم الدوري الإنجليزي الممتاز السابقة، ولم تعد تلعب دوراً يذكر في الموسم الحالي.
لا توجد استراتيجية واحدة تستخدمها الفرق قليلة الاستحواذ، ولا تكتيك وحيد سيطر على الدوري، فنوتينغهام فورست يجذب الخصوم نحو مرماه ويدافع لاعبوه بأرواحهم، حيث يتصدر فريق نونو إسبيريتو سانتو ترتيب التصديات ويحتل المركز الثاني في التدخلات الناجحة في ثلثهم الدفاعي، ثم يشنون هجمات سريعة في المساحات، مثل الهجمة التي مزقت دفاع توتنهام في ديسمبر (كانون الأول) 2024 عندما اندفع مورغان غيبس وايت عبر خط الوسط بالكرة، وبثلاث لمسات فقط كانوا قد سجلوا هدفاً.
كريستال بالاس يمارس الضغط العالي تحت قيادة أوليفر غلاسنر، بينما يصطاد بورنموث في مجموعات منظمة مثل عملية عسكرية. ينصبون شبكة معقدة من الفخاخ مصممة لإجبار الخصم على إخراج تمريرات سيئة، وغالباً من أقل لاعبيهم مهارة. وقد استدرج بورنموث منافسيه هذا الموسم لارتكاب 40 خطأً، وهو الرقم الأكبر في الدوري بفارق كبير.
هذا كله استجابة تطورية طبيعية لهوس الاستحواذ الذي سيطر على كرة القدم منذ 15 عاماً، منذ أن غير فريق برشلونة الساحر تحت قيادة غوارديولا قواعد اللعبة.
وقال مدرب بورنموث أندوني إيراولا لـ "اندبندنت" في يناير (كانون الثاني) الماضي، "كرة القدم تتطور بسرعة كبيرة جداً، ما كنا نتحدث عنه قبل 10 سنوات أصبح مختلفاً تماماً الآن... بل حتى قبل أربع سنوات".
مانشستر سيتي "غوارديولا" أصبح رمزاً لصراع كرة القدم القائمة على الاستحواذ، وقد خسر تسع مباريات في الدوري هذا الموسم، بما في ذلك الهزيمة أمام فورست وبورنموث.
ويمكن لغوارديولا أن يشير- وهو يفعل- إلى إصابة رودري الفائز بالكرة الذهبية كسبب، كما أن هذا الفريق المسن يفتقد لجوليان ألفاريز أكثر مما يتم الاعتراف بذلك، لكن في الوقت نفسه أصبح الخصوم يعدون خططاً أفضل لمواجهتهم.
ولاحظ غوارديولا ذلك في وقت سابق من الموسم وقال، "المزيد من الفرق تستخدم المراقبة الفردية في ركلات المرمى، وأصبحوا أكثر عدوانية، كانوا في السابق أكثر حذراً. أما الآن فالفرق أصبحت شجاعة جداً".
واعترف غوارديولا بأن اللعبة تتكيف وتتطور بعيداً من أيديولوجيته، فأصبحت أكثر مباشرة حيث تضحي الفرق بالسيطرة لمصلحة الاختراق. وقال، "كرة القدم الحديثة اليوم هي ما يلعبه بورنموث ونيوكاسل وبرايتون. لم تعد كرة القدم الحديثة تعتمد كثيراً على المراكز"، في إشارة إلى أسلوب "خوغو دي بوسيسيون" (اللعب التموضعي) المنظم للغاية الذي حقق سيتي من خلاله نجاحاً كبيراً.
لكن ما من شيء في هذا أصبح تام الوضوح، فتراجع النقاط للفرق التي تعشق الاستحواذ في الدوري الإنجليزي لا يعني انهيار كرة القدم القائمة على الاحتفاظ بالكرة. ففي ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا، يتصدر الترتيب حالياً نفس الفرق الأكثر استحواذاً (بايرن ميونيخ وإنتر ميلان وباريس سان جيرمان وبرشلونة). لكن في الوقت الراهن، هناك زخم حقيقي لمصلحة فرق الدوري الإنجليزي التي تقضي وقتاً أطول في المطاردة بدلاً من التمرير.
ربما تكون هذه مجرد مرحلة. وأصر غوارديولا على أنه لن يتخلى عن مبادئه، وقد يعيد إشعال فتيل سيتي الموسم المقبل. وبينما قد يحسن أنج بوستيكوغلو أداء توتنهام إذا تمكن من الحفاظ على لياقة لاعبيه الأساسيين. وفي الدورة التطورية الطبيعية لكرة القدم، سيتم التصدي لتكتيكات فورست. لكن رياح التغيير تهب بلا شك عبر الدوري الإنجليزي. ونادراً ما كان امتلاك الكرة بهذه الخطورة.
© The Independent