ملخص
هذه المواقف تذكرنا بسياسة "لا حرب ولا مفاوضات" التي انتهجها المرشد علي خامنئي خلال العقدين الماضيين، وهو نهج مزج إلى حد ما بين التهديدات العسكرية وخلق حال من انعدام الأمن في البلدان الأخرى، في حين كان يحاول إحياء الدبلوماسية مع الغرب ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.
في وقت أقيمت مراسم النظام التي تسمى "يوم القدس"، أمس الجمعة، بعد ساعات من الإعلان عن نبأ رد إيران على رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أدلى عدد من مسؤولي النظام الإيراني بتصريحات متناقضة، إذ أكدوا من جهة ضرورة مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، وزعموا من ناحية أخرى أنهم مهتمون بالتفاوض وخيار الدبلوماسية مع واشنطن.
هذه المواقف تذكرنا بسياسة "لا حرب ولا مفاوضات" التي انتهجها المرشد علي خامنئي خلال العقدين الماضيين، وهو نهج مزج إلى حد ما بين التهديدات العسكرية وخلق حال من انعدام الأمن في البلدان الأخرى، في حين كان يحاول إحياء الدبلوماسية مع الغرب ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.
الحكمة والذكاء والشرف
وفي وقت تحدث رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية كمال خرازي، الخميس الماضي، عن استعداد بلاده لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية، أكد مستشار المرشد علي لاريجاني، الجمعة، رداً على سؤال "هل تعتقد أن المفاوضات التي بدأت ستحقق نتيجة ملموسة أم لا؟" بالقول "إن شاء الله سنصل إلى نتيجة، ونحن متفائلون بهذه المفاوضات".
كما صرح وزير الخارجية عباس عراقجي خلال مشاركته في "يوم القدس"، قائلاً "إن رسالة ترمب كانت تحمل أبعاداً مختلفة، إذ تضمنت تهديداً ومحاولة لفتح نافذة للدبلوماسية والتفاوض".
هذا في وقت حذر وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب الولايات المتحدة، على هامش مراسم "يوم القدس" في مدينة قم قائلاً "نحن لا نخاف من أي تهديد من الأعداء، وسوف نرد بحزم".
وفي السابع من فبراير (شباط) الماضي، قال المرشد علي خامنئي في لقاء مع عدد من كبار القادة العسكريين، إنه "لا ينبغي أن نتفاوض مع أميركا، فالتفاوض معها ليس من الحكمة أو الذكاء أو الشرف".
مقدمة للانهيار والهزيمة
ويواصل النظام الإيراني دعم الميليشيات العربية المرتبطة به مثل "حماس" و"حزب الله" و"الحوثيين". وأيضاً رغم العقوبات الدولية المفروضة على إيران وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، واصل النظام الإيراني تقديم الدعم المالي والدبلوماسي للميليشيات التي تقاتل بالوكالة في لبنان واليمن خلال الأشهر الأخيرة.
وفي هذا اللقاء كان المرشد خامنئي استذكر تجربة الاتحاد السوفياتي ثم ليبيا، واصفاً المفاوضات المباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية والتراجع عن المثل الأيديولوجية بأنها مقدمة للانهيار والهزيمة.
وأطلق رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، تهديداً على هامش "يوم القدس"، مشيراً إلى احتمالية قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد إيران، قائلاً إنه "إذا ما هاجموا الأراضي الإيرانية فسيكون بمثابة شرارة في برميل بارود سيفجر المنطقة بأكملها".
وعن المفاوضات النووية والضغوط الأميركية قال قاليباف، إن "المفاوضات لقبول مطالب العدو بالقوة هي مقدمة للحرب".
ونشر المرشد علي خامنئي ليلة الخميس، مقطع فيديو بمناسبة "يوم القدس" وأكد خلاله أنه والمسؤولين الإيرانيين لن يتراجعوا عن مواجهة الضغوط الاقتصادية أو التهديدات العسكرية من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.
إن ترديد مثل هذه الشعارات أو حرق أعلام دول مختلفة أمر يتكرر منذ أعوام من قبل المسؤولين الحكوميين وأنصارهم في إيران، التي كانت أحد الأسباب التي زادت من العزلة الدولية للنظام الإيراني. لكن هذا العام وعلى عكس الأعوام السابقة، لم تظهر أي صور لحرق العلم الأميركي في التقارير الرسمية التي بثتها الإذاعة والتلفزيون أو غيرها من وسائل الإعلام الحكومية.
سياسة شراء الوقت
وأدى الانسداد السياسي والدبلوماسي مع إدارة ترمب إلى تعزيز احتمالات زيادة التوترات العسكرية في المنطقة. إذ حذر مسؤولون في إدارة ترمب الجديدة في أكثر من مناسبة في الأشهر الأخيرة من أنه إذا لم تعد إيران إلى طاولة المفاوضات فإن الضغوط الاقتصادية والعقوبات ستشتد أكثر من ذي قبل، مما قد يؤدي هذا إلى هجوم عسكري. إن وجود عديد من السفن الأميركية وزيادة عدد القاذفات الاستراتيجية الأميركية في المنطقة زاد احتمال وقوع هجوم عسكرية أميركي على إيران.
ويبدو أن سياسات النظام الإيراني وضعت البلاد في موقف لا يمكن التنبؤ به من خلال استمرار سياسات العقود الماضية ورفض التفاوض بشكل مباشر مع الولايات المتحدة. إذ تشير تصريحات كبار المسؤولين الحكوميين الجمعة، أي بعد يوم من إرسال رد على رسالة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وتحديد مهلة شهرين لبدء المفاوضات، على الأرجح إلى أن "النواة الصلبة" للنظام الإيراني لا تزال عالقة وحائرة بين سياسة التهديد والدبلوماسية. وفي وقت يهدد أنصار فصيل "الميدان"، بدءاً من قادة "الحرس الثوري" مروراً بخطباء صلاة الجمعة، بالمواجهة العسكرية فإن المسؤولين الدبلوماسيين في النظام مثل عراقجي ولاريجاني وخرازي يشيرون إلى إمكانية التفاوض مع الإدارة الأميركية والاتفاق معها.
ويعتقد عديد من المحللين في المنطقة، أن المرشد علي خامنئي والمسؤولين في النظام الإيراني، من خلال تبني هذه السياسة المتناقضة، يعملون على شراء الوقت لتحقيق أهدافهم العسكرية والنووية، أو حتى تقليص سلطة دونالد ترمب بعد الانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي.
وبالنظر إلى أوامر المرشد خامنئي بمنع المفاوضات المباشرة واستمرار دعم إيران للميليشيات التي تعمل بالوكالة وتهديد إسرائيل والولايات المتحدة، يبدو أنه من غير المرجح حدوث مفاوضات مباشرة واتفاق بناء بين طهران وواشنطن في المستقبل القريب.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"