Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

الدرب الوحيد للعيد في جنوب لبنان باتجاه المقابر

لا يزال الضحايا يتساقطون بعد وقف إطلاق النار والحزن والدمار يعمان الأرجاء كلها

حتى القبور الصامتة التي لا حول لها ولا قوة نالتها الاعتداءات ولم ترحم (كامل جابر- اندبندنت عربية)

ملخص

حتى اليوم لم يتوقف حمام الدم في جنوب لبنان على رغم إعلان وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي من قرى الحافة الأمامية من الحدود وبقائها في خمس تلال في داخل الأراضي اللبنانية، إذ تسبب القصف الإسرائيلي من خلال سلاح الجو والطائرات المسيرة والقصف المدفعي والرمايات الرشاشة بسقوط نحو 120 قتيلاً منذ إعلان وقف النار في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

يلقي عيد الفطر هذا العام بظلال حزينة على سكان جنوب لبنان، لا سيما في البلدات والقرى التي خلف فيها الإسرائيليون إبان الحرب الأخيرة أضراراً زلزالية محت في بعضها مناطق وأحياء عن بكرة أبيها، وتسببت في مقتل المئات من أبنائها وبقاء مئات الألوف نازحين ومشردين لم يستطيعوا بعد ما يزيد على أربعة أشهر من إعلان وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية وفرنسية العودة إلى قراهم وبيوتهم بسبب الدمار، وممارسة إسرائيل نوعاً من الحظر عبر تصفية بعض العائدين بإطلاق النار عليهم أو قصفهم بالمسيرات، وتدمير أو حرق بعض البيوت الجاهزة التي نقلوها إلى بلداتهم كي يسكنوها موقتاً قبل إعادة تعمير ما تهدم.

حتى اليوم لم يتوقف حمام الدم في جنوب لبنان على رغم إعلان وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي من قرى الحافة الأمامية من الحدود وبقائها في خمس تلال في داخل الأراضي اللبنانية، إذ تسبب القصف الإسرائيلي من خلال سلاح الجو والطائرات المسيرة والقصف المدفعي والرمايات الرشاشة بسقوط نحو 120 قتيلاً منذ إعلان وقف النار في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

جنوب الحزن

هذا الأمر يلقي بظلاله حزناً يعم معظم بلدات الجنوب على سقوط مزيد من الضحايا، ففي بلدة كفرتبنيت القريبة من عاصمة المحافظة والقضاء مدينة النبطية، وعشية العيد سقط النقيب المتقاعد في قوى الأمن الداخلي علي شرف الدين وزوجته شادية بدير جراء غارة من الطيران الحربي استهدفت دارتهما في وسط البلدة، بعدما دمر صاروخان أطلقتهما طائرة حربية مسكنهما فوق رأسيهما.

كذلك أصيب نحو 300 من سكان الجنوب في هذه الفترة (في خلال أربعة أشهر) بينهم نساء وأطفال بجروح مختلفة جراء الاستهدافات الإسرائيلية المتنوعة والمتكررة، وكان الرقم المعلن للضحايا والجرحى ممن سقطوا في الحرب الأخيرة حتى الـ27 من نوفمبر 2024، تاريخ وقف الأعمال الحربية، 3961 قتيلاً و16520 جريحاً بحسب بيانات وزارة الصحة العامة اللبنانية.

 لذلك يجمع معظم رؤساء بلديات الجنوب على أن الحزن دخل إلى جميع بيوت الناس، أولاً على من سقطوا في هذه الحرب من نساء وأطفال وآباء وشباب، وثانياً على بيوتهم المدمرة، وثالثاً على مصادر رزقهم، ورابعاً على استمرار الحرب ولو بصورة غير معلنة ووقوع مزيد من الضحايا والخراب، وخامساً على النزوح والبعد من مسقط الرأس والأرض التي ترعرعوا في حناياها، ومقابر موتاهم التي يزورونها عادة في الأعياد ويتفقدونها، وقد دمر الإسرائيليون كثيراً منها فضاع رفات الموتى.

 

في هذا الإطار لم تعلن المنتجعات السياحية والمتنزهات بمختلف مناطق الجنوب، إذا ما استثنينا مدينة صيدا، عن احتفالات أو مهرجانات أو سهرات فنية أو غيرها في مناسبة العيد، بسبب الحزن السائد، وانقطاع الموارد المالية والاقتصادية نتيجة تداعيات الحرب واحتراق مئات المؤسسات التجارية التي كانت قائمة ومنتشرة على طول الخط الممتد من الخيام ومرجعيون في القطاع الشرقي باتجاه كفركلا والعديسة ومركبا وحولا وميس الجبل، إلى بليدا وعيترون وبنت جبيل وضواحيها في القطاع الأوسط، ثم نزولاً نحو عيتا الشعب ورميش وعديد من البلدات الحدودية، وصولاً إلى الناقورة في القطاع الغربي ومحاذاة الساحل اللبناني جنوب مدينة صور.

عيد الأضرحة

يشير رئيس بلدية كفركلا (في قضاء مرجعيون) حسن شيت إلى أن مراسم عيد الفطر "ستقتصر على زيارة أضرحة وقبور الأحبة، مع العلم أن العدوان الإسرائيلي لم يوفر كثيراً من القبور ودمرها بالقصف والغارات، وسنؤدي صلاة العيد بين ركام الساحات والبيوت المدمرة، وبالطبع سيحضر الأهالي يوم العيد إلى بلدتهم المنكوبة من خارج الجنوب، إذ ما زالوا ينزحون بسبب القصف المستمر ليلاً أو نهاراً، حتى إن البيوت الجاهزة التي أحضرناها إلى البلدة وحاولنا استخدامها كنقاط إيواء موقتة لأهالي البلدة كي نحصي الخسائر والأضرار ونحاول تأمين ما تيسر من البنى التحتية مما سيساعد بعض العائلات في العودة إلى ما تبقى من بيوتهم بانتظار الترميم أو إعادة التعمير، جرى تدميرها على رغم وقف إطلاق النار".

يؤكد شيت عدم وجود أي استقرار أمني داخل البلدات الحدودية التي انسحب منها الإسرائيليون، والتي يفترض أن تخضع لسلطة الجيش اللبناني، وأن يوقف العدو اعتداءاته بموجب الاتفاق المعقود لوقف إطلاق النار والتزاماً ببنود القرار الأممي 1701، ما نراه عكس ذلك تماماً فالدخول إلى كفر كلا أو الخروج منها يشوبهما كثير من الحذر، لو أتيح لنا وبعد مرور شهر ونصف الشهر على انسحاب جنود العدو من البلدة التصرف الطبيعي بفتح الطرقات وإزالة ما تيسر من الركام وإصلاح شبكات المياه والكهرباء والمواصلات لتمكنا من إعادة الحياة شيئاً فشيئاً إلى كفر كلا، لكن ممارسات الإسرائيليين من إطلاق نار وقصف واغتيالات وتدمير تحول دون تأمين مقومات العودة".

 

يأسف رئيس البلدية شيت لأن "هذا العيد من أكثر الأعياد حزناً وفاجعة يمر على بلدتنا، وكذلك على معظم القرى الجنوبية والحدودية تحديداً، إذ إن ما حصل في كفركلا يشبه مجزرة بحد ذاتها وعلى مختلف الصعد، لجهة عدد الضحايا الذين سقطوا من أبناء بلدتنا، ففي التاسع من مارس (آذار) الجاري شيعنا 24 فرداً من شبابنا وأهلنا ممن سقطوا جراء الاعتداءات الإسرائيلية على البلدة وفي أماكن عدة بينما المسيرات الإسرائيلية تحلق فوق رؤوسنا وتحاول تخويفنا، أو لجهة الدمار الكبير الذي حصل في بلدتنا وحول معظم أحيائها إلى أطلال، ناهيك بتفريق شمل الأهالي ومنعهم من العودة إلى ديارهم بقوة النار".

وتمنى شيت "أن يأتي العيد المقبل والناس قد عادت إلى بيوتها وبدأت تنفض غبار الموت والدمار كي تعمر ما تهدم وترمم ما تضرر وتعيد للموتى لوحات قبورهم وشواهدها التي لم يوفرها العدوان، ويلتم شمل العائلات والأهالي، صحيح أن البلدة تتألف من عائلات كثيرة، لكن هذه العائلات تترابط في ما بينها بأواصر إنسانية واجتماعية ومصاهرة فتغدو كعائلة واحدة، لذلك نرى الحزن اليوم في هذا العيد يلف مختلف أرجاء البلدة وأهلها أنى كانوا، فكل بيت في كفركلا خسر كثيراً على اعتبار أن الخسارة جماعية".

بأية حال عدت؟

يقول رئيس بلدية عيتا الشعب في قضاء بنت جبيل محمد سرور لـ"اندبندنت عربية"، هذا العيد "ينطبق عليه بيت الشعر المعروف للمتنبي (عيد بأية حال عدت يا عيد.. بما مضى أم بأمر فيك تجديد؟)، ليست هناك أجواء للعيد بل ثمة مأساة تعم الجميع، ومع كل وجعنا وما أصابنا من قتل ودمار لا نطلب غير السلام للبنان وللعالم بأسره، وأن يعم الأمن والاستقرار كل الكون، وتكون المنظمات والجمعيات التي تعنى بحقوق الإنسان والدول الكبرى صاحبة القرار بالمحافظة فعلاً على حقوق الإنسان، وأن تمنع اختصار الأمم المتحدة وقراراتها ودول العالم جميعها في الولايات المتحدة الأميركية فتستبد بالقرارات وتوكل لنفسها حق التصرف بمصائر الناس بما يحقق مصالحها ومصالح حلفائها".

ويضيف سرور "هذا التفرد بالقرارات الدولية أوصلنا إلى هنا، إلى هذا الوجع والدمار الكبيرين اللذين يطوقاننا من كل جانب، ونسأل: لماذا مجلس الأمن اسمه مجلس الأمن؟ والجمعية العامة فيه ما دورها؟ ومحكمة الجنايات الدولية ماذا تفعل؟ لا نلمس اليوم قراراً لمجلس الأمن يحفظ لنا أمننا وحقوقنا، وبات القرار لدولة واحدة وحيدة هي أميركا التي حذفت الجميع وبقيت صاحبة الأمر، فأين العدل بما تتخذه من قرارات؟".

ويردف "نحن لا عيد عندنا، سيتجمع الناس فقط في المقابر وحول الأضرحة لزيارة الأحبة ممن رحلوا أو قتلوا ظلماً، وبخاصة من خسرناهم في الحرب الأخيرة، إذ لأجلهم العيد بلا رونق، بل هو دموع وأسى وحزن وقلق".

ويتمنى رئيس البلدية أن "نحافظ على رباطة جأشنا والأمان والهدوء، فنحن لسنا هواة حروب أو حمل سلاح، إن ما يمارسه الإسرائيليون في حقنا منذ عشرات الأعوام هو الذي يفرض على الناس حمل السلاح لحماية أنفسهم".

ويوضح سرور "إن المقابر في عيتا الشعب تعرضت لأضرار كبيرة بسبب ما طاولها من قصف وعدوان، وهناك قبور تناثرت أو تكسرت، حتى القبور الصامتة التي لا حول لها ولا قوة نالتها الاعتداءات ولم ترحم، وكذلك حصل للنادي الحسيني إذ جرى تدميره".

 

ويقول "أهل البلدة جميعهم مكللون بالسواد والحزن يلف الناس أجمعين، من كبيرهم إلى صغيرهم، نحن في عيتا الشعب سقط لنا نحو 90 ضحية وقتيلاً في الحرب الأخيرة بينهم نساء وأطفال وكهول، لذلك يعم الحزن أرجاء الضيعة لأن أبناء القرى يبقى التواصل في ما بينهم قائماً على مدى الأيام لأسباب القربى وصلة الرحم، ونحن مجتمع متواصل ولسنا مجتمعاً مدينياً، لهذا فإن من يسقط أو يموت يخسره كل بيت في عيتا، وكل بيت في الجنوب، ويلفها الحزن من كل حدب وصوب".

في الـ19 من فبراير (شباط) الماضي أغارت مسيرة إسرائيلية على سيارة "رابيد" في بلدة عيتا الشعب استهدفت ابن رئيس البلدية ويدعى يوسف محمد سرور، مما أدى إلى مقتله على الفور وإصابة زوجته بجروح خطرة، يؤكد سرور الوالد أن "ابني سقط في غارة من مسيرة إسرائيلية بعد توقف الحرب وانسحاب الإسرائيليين، وكان يفترض أن يعم الأمان الجميع، ولابني أقرباء ومحبون في أرجاء الضيعة، من هنا نعتبر أن الحرب دخلت كل بيت وكانت حرباً قذرة ولا مثيل لها، ومنها تقصد العدوان والتدمير حتى للبيوت غير المأهولة والقائمة على أعمدة فقط".

يعدمون الحياة

نسأل رئيس البلدية محمد سرور عما تبدل في عيتا الشعب منذ وقف إطلاق النار وحتى اليوم، فيجيب "في الأساس حصل التدمير في عيتا الشعب بعد وقف إطلاق النار، وعلى مرأى الدول العظمى التي يفترض عليها حماية حقوق المدنيين، كل الخراب وكل الدمار والخسائر الجسيمة حصلت بعد وقف إطلاق النار ولم تزل مستمرة حتى اليوم، وإسرائيل تتحرش بنفسها كي تجد الحجة لتعتدي علينا وتقول إنها ترد على اعتداءاتنا كي تتيح لنفسها أن تفعل ما تفعله، لذلك فإن الحياة معدومة جداً، وما حصل منذ يومين من غارات وقصف وعدوان وصل إلى ضاحية بيروت الجنوبية لن يعطي أماناً للناس كي يرتاحوا أو يعودوا إلى ديارهم وهم في قلق دائم".

ويختم سرور "نقول أخيراً إن الشعوب لا تهزم، بل تهزم الحكومات الظالمة، لذلك ستبقى فكرة العودة تراودنا إلى آخر العمر، وسنصبر كي نحقق ذلك ونتحمل إلى حدود الطاقة التي نقدر عليها، حتى الآن لا إمكان للعودة إذ ليس من مآوٍ للناس في عيتا الشعب، حتى البيوت الجاهزة التي يحضرها الناس للسكن الموقت يهاجمها الإسرائيليون ويحرقونها أو يمنعون إدخالها، من كفركلا إلى حولا ورامية والناقورة تسللوا إليها وأحرقوها، فمن أين سنأتي بـ14 ألف بيت جاهز كي نلم شمل الناس؟".

 

وعلى نحو ما ردده رئيسا بلديتي كفركلا وعيتا الشعب، قال رئيس بلدية عيترون جارة بنت جبيل سليم مراد، رداً على سؤال حول العيد في البلدة إن "العيد في عيترون سيكون عند الجبانات، إذ إن الحزن يلف بلدتنا من جهاتها الأربع، ودخل إلى كل بيت فيها، والضحايا توزعوا على جميع الأحياء والحارات والبيوت، فعيترون سقط لها 124 ضحية وقتيلاً في هذه الحرب القاتلة، وهذا رقم ليس بهين أو قليل، لذلك من الطبيعي أن يكون العيد حول أضرحتهم وأضرحة الموتى من أبناء البلدة، وسيزور الناس قبور فلذاتهم وأحبائهم وجلهم سقط ظلماً".

ويوضح مراد أن "الطريق إلى المقابر ميسرة، لكن أراضينا غير متاحة لنا حتى اليوم، وثمة أناس كثر لم يعودوا إلى البلدة بعد، والعيد من عادته أن يجمع الناس، ولكنه عيد حزين هذه السنة وقاس على الجميع.

هم مشتتون في مختلف الأراضي اللبنانية نظراً إلى عدم وجود بيوت سليمة تؤويهم أو جاهزة للسكن في عيترون، ولا تتوافر للجميع مساعدات مالية باستثناء ما يقدمه (حزب الله) كبدلات إيواء، ولا جمعيات ترعى أو تدفع أو تساعد، والدولة غائبة، يضاف إلى ذلك الحصار المالي وكأنه عقاب لأبناء الجنوب، مما يزيد من الأزمات الاجتماعية، ويظهر أثره الكبير في الأعياد والمناسبات التي تجمع، والأعياد على رغم كل الفقر تجمع".

مبادرات العودة

يلفت رئيس البلدية مراد إلى "قيام مبادرات فردية في عيترون توزع المساعدات بين الأهالي لتشجيع آخرين على العودة، فهناك نحو 400 عائلة عادت إلى البلدة، وهي بلدة كبيرة تتألف من 23 ألف نسمة، إن إسهام المغتربين والميسورين من أبنائها جعلتنا نضع خطة للتعافي، ويجب أن نتعافى"، ويضيف "أمنَّا مولدات للكهرباء تشغلها البلدية إضافة إلى البئر الارتوازية، ونجمع النفايات واستقدمنا جرافتين لإزالة الردم، وأنشأنا محطة لتكرير المياه، وأقمنا مستوصفاً في بيوت جاهزة لنعاين الناس مع تأمين الدواء ووضعنا بتصرفهم سيارتي إسعاف".

ويختم مراد "نقوم بما نستطيع، وندعم المبادرات الفردية الأساس بمساعدة المغتربين والميسورين، لقد تبرع أبناء البلدة، كل بيت، بثمن مصباح كهربائي لإنارة شوارع عيترون بالطاقة الشمسية، إن محبة الأوطان عندنا ليست كلاماً يقال، بل هي متجذرة فينا، وهي انتماء وأنشودة حياة".

يذكر أن غارة إسرائيلية وقعت (إبان الحرب الأخيرة) الإثنين الـ14 من أكتوبر (تشرين الأول) 2024 على مبنى من ثلاث طبقات في بلدة أيطو في قضاء زغرتا شمال لبنان، وتسببت في مجزرة راح ضحيتها 23 فرداً من عائلات حجازي ومرمر وفقيه من أبناء بلدة عيترون، وكانوا قد نزحوا إليها بسبب الحرب في جنوب لبنان، ودُفنوا ودائع في بلدة بحبوش (الكورة)، وشيعوا في الأول من مارس الجاري في موكب حاشد ضم 104 نعوش من أبناء عيترون استعيدت جثثهم من مقابر عدة كانوا ودائع فيها، إلى مثواهم الأخير في ثرى مسقط رؤوسهم عيترون.

المزيد من متابعات